أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: د. صقر - المنهج العلمي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    المشاركات : 2,235
    المواضيع : 384
    الردود : 2235
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي د. صقر - المنهج العلمي


    منهج البحث العلمي - للاستاذ الدكتور محمد جمال صقر

    كنت قد أرسلت بعض المواد عن العروض الرقمي وما يدور حوله لأستاذي د. محمد جمال صقر، فأرسل لي مشكورا على الإيميل رسالة عنوانها ( منهج البحث العلمي) ورأيت لفائدتها أن أنشرها في المنتدى.
    أصل الرسالة ملف (بي دي إف) وقد اعتور نسخها إلى الوورد تغير الضمة والكسرة إلى الفتحة، فحذفت الحركات جميعا، وكل الأحرف مشكّلة في الأصل. كما لحق بعض التشويه بالهمزة وربما سوى ذلك ، فليعذر القارئ.
    ورأيت أن أنقل منها بالتدريج ما يتيحه الوقت.
    أهيب بأهل الرقمي بل والعروض عامة أن يستعرضوا بعين التقييم والتقويم والنقد ما يرونه في الرقمي وسواه على ضوء ما بينه أستاذي الكريم. وأن يكون بيانه نبراسا يهتدون به في مسيرتهم .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ص - 2

    "خطة الدكتور صقر "

    دعيت قي 24/4/2001 الى المحاضرة في منهج البحث العلمي، فخططت
    هذه الخطة المصورة الملحقة، وقدمتها بين يَدي محاضرتي بكلية الآداب من جامعةَ
    السلطان قابوس. ثم كلفت بعد ثلاث سنوات تدريس ما يَسمى في دبلوم دار العلوم
    "قاعة بحث 4َ"، فلجأت الى خطتي القديمة، وصورتها للطلاب، ثم جعلتها محور
    المقرر، أبدأ لهم منها، وأنتهي اليها، وأدور عليها.

    وقد كلفت ذلك التكليف ثلاث مرات ؛ فتيسر لي أن أستفيد من تكرار النظر فيَ
    تلك الخطة ومن نظر ثلاث فرق من تلامذتي النجباء الذين أتخذوها حنانا يَأوون
    اليه، ما لا غنى عنه بالباحثين المبتدئين في علوم الثقافة العربية الإسلامية،َ
    ولاسيما علوم اللغة العربية.

    وعلى رغم شكلي كل حرف تنبيها على وجه كل كلمة ووجاهتها، تركت العبارةَ
    الأولى غير مشكولة "َخطة الدكتور صقر"، تمسكا بدلالة "َ خطة" المضمومة الخاءَ
    على التخطيط المعنوي، ودلالة "َ خطة" المكسورتها على التخطيط المادي، ودلالةَ
    " خطة" المفتوحتها على عدد ما يَكون ويتوالى من التخطيطات المعنوية والمادية.
    **
    ص - 5
    منهج البحث العلمي الصحيح لا "الرائع"
    ما أصرح دلالةَ المنهج على الطريق وقد خططته الخطةَ الملحقةَ، فأما أن
    يكون طَريق بحث والبحث حفر فلا يَخلو من تنبيه على أنه كل ما كان أعمق كان
    أوصل وأنجح؛ فليس المقام لجمع المعلومات، فما جمعها الا معرفةَ غير منتجة، بل
    لتنسيقها وتصنيفها وتنظيمها والاستنباط منها، وهذا هو العلم المنتج.


    والبحث المطروح هنا هو البحث العلمي الصحيح المجرب الناجح، الذي تواتر
    عليه الباحثون وأيدته تجاربهم، حتى أستطاعوا أن يَميَزوه ويَضبطوه ويعلموه.
    أما البحث العلمي الرائع فلا موضع له هنا؛ أذ لا يَعلمه المعلمون، بل يَفاجأ به المتلقون
    جميعا معلمين و متعل مين، فإذا أعجبهم، فتمسكوا به، وضبطوه،َ وعلموه فقد روعته! -
    وليس أشبه بالبحث العلمي الصحيح من الحصان أ لإنسيَ المستأنس، ولا
    أشبه بالبحث العلمي الرائع من الحصان الوحشي المستوحش؛ فلا نركب إلا الأول،
    وان أنبهرنا بالثاني!
    **
    ص - 6

    " ابن سبيل "

    ربما أهتدى بعض طَلاب العلم الى ما يَلائمه مما يَستطيع أذا ما بذل فيه
    وسعه أن يَنتفع به وينفع غيره ويتقدم به الى الأمام في رحلة الحياة هذه الجبلية
    الصعبة التي لا تتكرر. ولكن أكثر طَلاب العلم لا يَستغنون عن تنبيه من حولهم أباءً
    وإخوة وأساتذة وزملاءَ ...

    يولد أبناؤنا بمواهب واحدة معروفة على أختلاف أستعداداتهم بينها، فإذا
    نبهوا أو انتبهوا الى ما لهم فيه أستعداد وأعينوا عليه كانت لهم فيه قدرة ثم مهارة ثم
    إ بداع ، والا خبت جذوة الاستعداد، و جفت زهرته، وفقدوا مواهبهم فيه من أصلها.
    واذا أخطؤَوه الى غيره وأعينوا عليه كانت لهم فيه قدرة، ولم يَكد يَكون لهم
    فيه مهارة، واستحال أن يَكون لهم فيه إبداع. ولكناس شوارع مبدع أهم لنا وأفضل
    عندنا وأحب الينا من أستاذ جامعات غير مبدع
    ، ولا سيما في زماننا هذا المفتون
    بالقمامات، ولا حول ولا قوة الا بالله !
    **
    ص - 12
    بناء
    خام س أصول المنهج التأسيسية بناءَ تتركب فيه صنوف التصنيف بحيث
    تستوي بنيانا محكما يَشد بعضه بعضا، على مثل بنيان الباحث نفسه
    ، يَظل يَدل
    عليه ويشير اليه.

    إن كل عمل متقن يَعمله الإنسان لا يخلو من بنيَانيَته هو نفسه أي تركب
    أجزائه ظَاهرا وباطنا وارتباطها حتى لتُظن كيا نا واحدا صلبا مصمتا، وما ذاك الا أنهأ
    بنيان كبنيان الإنسان.

    ولا ريب في تفاوت مدركي هذه البنيانية متلقين وباحثين؛ فمن أسرار التركب
    والارتباط ما لا يَتيسر لأيَ أحد؛ فلا يقدر أيَ باحث على أضماره في بحثه، ولا يَقدر
    أيَ متلق على أظهاره منه.

    ولكن لا غنى عن مبادئ المنطق الطبيعي التي يَتمثل بها أيَ شيء أمامنا
    بنيانا سويَا بلا أضطراب ولا تنافر ولا تناقض، لا في التحديد ولا في الترتيب ولا فيَ
    التهذيب.
    **
    ص - 14
    تبين = الجدة أو النقص
    أول فروع المنهج التكميلية الجدة أو النقص، وعلامته التنبيهية تـَبينْ؛ أذ ربما
    بذل الباحث من وسعه وعمره، ثم ذهب ما بذله أدراج الريا ح هبا ءَ منثورا، حين يطلع
    فجأة أو يتجلى لغيره أنه مسبوق الى مسالته، وأنه إن لم يكن سرقها فلم يزد علىَ
    أن كررها أو كدرها!

    لقد ينبغي للباحث أن يتبين أولأ أن المسالة التي سيجعل فيها بحثه، جديدة لم يبحث عنها من قبل،
    أو ناقصةَ لم يكمل بحثها؛ فإن يستصعبها جديدة يستسهلهأ
    ناقصةَ. ولا غنى به في تبين ذلك عن تفتيش خزائن المسائل بالمعاهد العلمية وهي
    متاحة الآن ورقيةَ ورقميةَ، ولا عن سؤال أهل العلم المتحققين ال متحرجين.

    وان من فطَنة الباحث أن يعثر للمسالة القديمة على وجه جديد يوجهها عليه
    ويبحث بها عنه، حتى ليرى المتلقون أن لو لم يبحث بحثه لخسروا عملأ مفيدأ
    مهما. وليس أعون له على ذلك من ملتقيات العلوم المختلفة؛ فأكثر الباحثين
    مشغولون بالمسائل التي يستقل بها كل علم من العلوم القديمة المستقرة الحدود،َ
    فأما مسائل العلوم الجديدة المتح ركة الحدود التي تشتجر فيها علو م مختلفة، فلأ
    يصمد لها الا أهل العزم من الباحثين.

    **
    يحسن هنا الاطلاع على موضوع المنهج واللامنج
    https://sites.google.com/site/alaroo...ome/almanhaj-1
    **
    سأواصل بإذن الله نقل ما يتيسر على رابط الموضوع :
    https://sites.google.com/site/alaroo...me/manhaj-saqr

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    المشاركات : 2,235
    المواضيع : 384
    الردود : 2235
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    بعد نشر ما تقدم، تكرم الدكتور محمد جمال صقر بإرسال النص في ملف وورد . فجزاه الله خيرا.

    مَنْهَجُ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ
    للدكتور محمد جمال صقر
    1434=2013


    "خطة الدكتور صقر"
    دُعِيتُ في 24/4/2001 إلى المحاضرة في منهج البحث العلمي، فخططت هذه الخطة المصورة الملحقة، وقدمتها بين يدي محاضرتي بكلية الآداب من جامعة السلطان قابوس. ثم كُلِّفْتُ بعد ثلاث سنوات تدريس ما يسمى في دبلوم دار العلوم "قاعة بحث 1"، فلجأت إلى خطتي القديمة، وصورتها للطلاب، ثم جعلتها محور المقرر، أبدأ لهم منها، وأنتهي إليها، وأدور عليها.
    وقد كُلِّفْتُ ذلك التكليف ثلاث مرات؛ فتيسر لي أن أستفيد من تكرار النظر في تلك الخطة ومن نظر ثلاث فرق من تلامذتي النجباء الذين اتخذوها حَنانًا يَأْوُون إليه، ما لا غنى عنه بالباحثين المبتدئين في علوم الثقافة العربية الإسلامية، ولاسيما علوم اللغة العربية.
    وعلى رغم شَكْلِي كلَّ حرف تَنبيهًا على وجه كل كلمة ووجاهتها، تركتُ العبارة الأولى غير مشكولة "خطة الدكتور صقر"، تَمسُّكًا بدلالة "خُطَّة" المضمومة الخاء على التخطيط المعنوي، ودلالة "خِطَّة" المكسورتها على التخطيط المادي، ودلالة "خَطَّة" المفتوحتها على عدد ما يكون ويتوالى من التخطيطات المعنوية والمادية.


    "تَكُونُ بِالتَّقْلِيدِ وَتُسْتَوْعَبُ بِالتَّعَلُّمِ"
    لمنهج البحث العلمي أصولٌ وفروع وعلامات تُعْرَض وتنقد في أثناء تعليمه حتى تُستوعبَ؛ إذ تمتزج هي ومُستوعِبُها؛ فلا يَرَى إلا بها، ولا يَصدُرُ إلا عنها، ولا يَحتكِم إلا إليها.
    وأَلْطَفُ ما في علمها أنه يشترك فيه المعلمُ والمتعلمُ كلاهما؛ فكما يستفيد المتعلمُ علمَ ما لم يعلم، يستفيد المعلمُ إحكامَ ما يعلم وضبطَ بعضه ببعض وتحسينَه، حتى ربما حَمَلَ نفسه على تعليمها حتى يتعلمها به.
    ولا ريب في أن الاطلاع على الأبحاث السابقة وتحصيل ما فعل بها أصحابها، وَسيلةٌ مجرَّبة ناجحة إلى إنجاز مثلها على جهة التقليد، على ما فيها من اختلاف المطَّلعين بين مَنْ حَظِيَ بأبحاث الكبار فكَبُرَ بها تقليده، ومن ابتُلِيَ بأبحاث الصغار فصَغُرَ بها تقليده!
    وليس الاستيعابُ كالتقليد؛ فإن المقلِّد أَسيرُ المقلَّد محدود به منسوب إليه، فأما المستوعب فَحُرٌّ طَليقٌ مُمتلئٌ بنفسه جَريءٌ مُبادرٌ مُغامرٌ مُجددٌ مُبتكرٌ.


    "أُصُولٌ وَفُرُوعٌ وَعَلَامَاتٌ مَحْسُوبَةٌ"
    ما أكثرَ أعمالَ البحث العلمي المنهجية وما أهمَّها! ولكنها على رغم هذا وفي أثنائه، مُتفاوِتةُ الأهمية على ثلاثة أنواع: أُصولٌ تَأْسيسيَّةٌ، ففُروع تَكْميليَّةٌ، فعَلاماتٌ تَنْبيهيَّةٌ.
    وليس أدلَّ على منزلة بعضها من بعض من تمثيلها بمثال الطريق الذي تَظهَرُ به الخطةُ في صورتها الملحقة؛ فإن الأصول المرادة هنا بمنزلة الميدان المستولي على الطريق، وإن الفروع بمنزلة الشارع المتفرع من الميدان، وإن العلامات بمنزلة اللافتات المنصوبة على جانب الشارع!
    وإذا كرهنا من الرائد المُسافِر بنا أن يجهل اللافتات ذَمَمْناهُ بجهل الشارع، وأَبَيْنَا عليه أن يجهل الميدان، فإن فعلَ اطَّرَحْناه عنا إلى غيره؛ إذ قد كَذَبَنَا والرائدُ، لا يَكْذِبُ أهلَه.


    "مَنْهَجُ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الصَّحِيحِ لَا الرَّائِعِ"
    ما أَصْرَحَ دلالةَ المنهج على الطريق وقد خَطَّطَتْهُ الخطةُ المُلْحَقَةُ، فأما أن يكون طريق بحث والبحث حفر فلا يخلو من تنبيه على أنه كُلَّما كان أعمق كان أَوْصَلَ وأَنْجَحَ؛ فليس المقام لجمع المعلومات، فما جمعُها إلا معرفةٌ غيرُ منتجة، بل لِتَنْسِيقها وتصنيفها وتنظيمها والاستنباط منها، وهذا هو العلم المنتج.
    والبحث المطروح هنا هو البحث العلمي الصحيح المجرَّب الناجح، الذي تَواتَرَ عليه الباحثون وأيدته تجاربهم، حتى استطاعوا أن يُميِّزوه ويَضْبِطوه ويُعلِّموه.
    أما البحث العلمي الرائع فلا موضع له هنا؛ إذ لا يُعلِّمه المعلمون، بل يُفاجَأُ به المتلقون جميعًا مُعلِّمين ومُتَعلِّمين، فإذا أعجبهم، فتمسَّكوا به، وضبطوه، وعلَّموه- فَقَدَ رَوْعَتَه!
    وليس أَشْبَه بالبحث العلمي الصحيح مِنَ الحِصانِ الإِنْسيِّ المُستأنَس، ولا أَشْبَه بالبحث العلمي الرائع منَ الحِصان الوَحْشيِّ المُسْتوحَش؛ فلا نَرْكَبُ إلا الأول، وإن انْبَهَرْنا بالثاني!


    "ابْنُ سَبِيلٍ"
    ربما اهتدى بعضُ طلاب العلم إلى ما يلائمه مما يستطيع إذا ما بذل فيه وُسْعَه، أن ينتفع به وينفع غيره ويتقدم به إلى الأمام، في رحلة الحياة هذه الجبلية الصعبة التي لا تتكرر. ولكنَّ أكثرَ طلاب العلم لا يستغنون عن تنبيه من حولهم آباءً وإخوةً وأساتذةً وزملاءَ...
    يُولَدُ أبناؤنا بمواهب واحدة معروفة على اختلاف استعداداتهم بينها، فإذا نُبِّهوا أو انْتَبَهُوا إلى ما لهم فيه استعدادٌ وأُعِينوا عليه كانت لهم فيه قُدْرَةٌ ثُمَّ مَهَارَةٌ ثُمَّ إِبْدَاعٌ، وإلا خَبَتْ جَذْوَةُ الاستعداد، وجَفَّتْ زَهْرتُه، وفقدوا مواهبهم فيه من أصلها.
    وإذا أَخْطَؤُوه إلى غيره وأُعِينوا عليه كانت لهم فيه قدرة، ولم يكد يكون لهم فيه مهارة، واستحال أن يكون لهم فيه إبداع. ولَكَنَّاسُ شَوارعَ مُبْدِعٌ أَهَمُّ لنا وأفضل عندنا وأحب إلينا من أستاذ جامعات غير مبدع، ولا سيما في زماننا هذا المفتون بالقُمامات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!


    "عِلْمٌ"
    لن يكون بحثٌ ولا منهجٌ، حتى يكون عِلْمٌ؛ ففيه سيكون البحث والمنهح. ولن يَتَعَرَّفَ أيُّ ابنِ سبيل حتى يهتدي إلى علمٍ يَنقطعُ له حتى يستوعب قطعة منه كبيرة، يقف منها على أرض ثابتة.
    فإذا اهتدى أيُّ ابنِ سبيل إلى عِلْمٍ ملائم وجب أن يجتهد في تحصيله على كل وجه. وربما كان الوجهُ الرَّسْميُّ أَجْدَى عليه، وربما لم يكن؛ فما أَكْثَرَ المعاهدَ العلمية، وما أَقَلَّها!
    ولا غِنَى له عن تحديد مَظانِّ هذا العلم الملائم وتنظيم أَوْرَادِ استيعابها على مَنَادِحِ ليله ونهاره؛ فأَصْعَبُها لِأَقْواها، وأَسْهَلُها لِأَضْعَفِها، وأَوْسَطُها لِأَوْسَطِها.
    وكلُّ مُجْرٍ في الخلاء مَسرورٌ بما يُسابِقُ نفسَه؛ فمن ثَمَّ ينبغي أن يُذاكِرَ في هذا العلم غيرَه؛ ففي المُذاكرة تَلْقِيحُ الألباب، يَطْرَحُ ما عنده، ويَطْرَحُ غيرُه، فيَتبيَّنُ له مَبْلغُ ما حَصَّل، ويدُ الله مع الجماعة.


    "أ=مَسْأَلَةٌ"
    أَوَّلُ أصول المنهج التأسيسية مَسْأَلَةٌ لا تَنْبُتُ لسائلها إلا في منبتها الصالح أي العلم الذي حَصَّلَه، دَلالةً عليه؛ فليس أدلَّ على العلم من الأسئلة التي يثيرها، وأعظمُ العلوم وأخلدها أكثرُها إثارةَ أسئلةٍ، فأما أكثرُها إجابةً فيُوشك أن يُكتَفى منه ويُستغنَى عنه.
    وكلمة مَسْأَلَة في علم الصرف من باب المصادر، تُصنَّف على أنها مصدر مِيميّ يبالغ به في معنى المصدر الصريح ثم يبالغ فيه بزيادة تاء الجَماعة؛ فهي إذنْ مُبالغةٌ في مُبالغة؛ ومن ثَمَّ ينبغي ألا تُطلَق إلا على ما تكثر فيه الأسئلةُ كثرةً كاثرةً أو ما يُنزَّل هذه المنزلة.
    يجوز أن يُكلِّفَ الباحثَ المسألةَ مَنْ لا يَعْصِيه، فيَحْمِلَها. ويجوز أن يَجِدَها ظاهرةً مطروحةً في الكتب والمحاضرات والمناظرات، فيَختطِفَها. ويجوز أن يَفْتَقِدَها، فيَستنبِطَها. ولكن إذا دلّت الحال الأولى على بِرِّه، ودلّت الحال الثانية على فَتْكِه- فلقد تدُلّ الحال الثالثة على عَقْلِه!


    "ب=مَصَادِرُ"
    ثاني أصول المنهج التأسيسية مَصَادِرُ تنبُع منها المسألة وتصدر عنها. وعلى حسب هذه المسألة تكون المصادر، كما على حسب هذه المصادر تكون المسألة، ولا مُعْضِلَةَ!
    رُبّما غَمَضَ مَجيءُ المصادر في الأصول بعد المسألة التي إنما نبعت منها وصدرت عنها، حتى يتضح أن للمصادر عَمَلَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ على فترة: أولُهما فيما يَطلُبه أيُّ ابن سبيل من علم أَوَّلِيٍّ يُثير أسئلتَه، وثانيهما فيما يَطلُبه من جواب المسألة التي ينقطع لها دون غيرها.
    ولقد ينبغي التنبيه على أن حال المصادر في عملها الثاني غير حالها في عملها الأول؛ فإنها إن تكن في الأول عَفْوِيَّةً عامَّة تثير أسئلة كثيرة مختلفة وتجيب بعضها دون بعض، فهي في الثاني قَصْدِيَّةٌ خاصَّة تثير المسألة المختارة وتجيبها.
    يرجع الباحث إلى المصادر في هذا الأصل الثاني رجوعا خاصا؛ فلا يَعْبَأُ منها إلا بمصادر مسألته القصدية الخاصة، وإن أَحاطَها أحيانا بهالةٍ من المصادر العفوية العامة.


    "ج=مَادَّةٌ"
    ثالثُ أصول المنهج التأسيسية مَادَّةٌ يَستمدُّها الباحث من مصادر مسألته القَصديَّة الخاصَّة استمدادًا كاملا ما استطاع إليه سبيلا، يُغْرِيه به ويُعِينه عليه ما في كلمة مَادَّة نفسها من دلالة على أنها سِرّ حياة البحث الذي يستمر إليه من مصادره استمرارَ النُّسْغ من جَذْر الشجرة إلى فرعها.
    وكما يَرِدُ العطشانُ عين المياه ويَنْهَل منها يَرِدُ الباحث مَصْدَرَ مسألته ويستفيد منه. وكما تهتدي النَّحْلَةُ من زهر البستان إلى ذَواتِ الرَّحيق دون غيرها يهتدي الباحث من مواد المصدر إلى مادة مسألته دون غيرها.
    وما استحضار مثال النحلة إلا من باب التقريب وحسن الظن بالباحث؛ فقد أُوتِيَتْ هي حاسَّةَ الاهتداء إلى الرحيق، ولم يُؤْتَ هو حاسَّةَ الاهتداء إلى المادة؛ ومِنْ ثَمَّ يظلُّ يُخْطِئُها أو يجمع معها غيرها -وإن قلَّ ذلك منه على الزمانِ والمُحاولةِ والمُزاولةِ- فأما هي فلم تخطئ قَطُّ ولن تخطئ أبدًا؛ لا تَبْديلَ لخلق الله؛ فتبارك الله أحسن الخالقين!


    "د=تَصْنِيفٌ"
    رابعُ أصول المنهج التأسيسية تَصْنيفٌ تنقسم فيه المادة بما تُؤدِّيه طبيعتُها وخصائصها، على أقسام متميزة تميزا منطقيا واضحا.
    ولا تستعصي على الانقسام مادة -وإن قَلَّتْ- إلا أن يَغْفُلَ الباحثُ أو يكسَلَ أو يُهمِل، وهي أحوال لا يستقيم عليها عمله أصلا، ولا يستمر إلى غايته.
    أما الباحثُ الواعي النشيط المعتنِي فلن يعدم ما يَدْخُلُ منه إلى تقسيم المادة وتصنيفها على حسب ظاهرها وحده، أو باطنها وحده، أو ظاهرها وباطنها جميعا معا- وعلى حسب ما يراه هو فيها، أو على حسب ما دَرَجَ غيرُه على رؤيته فيها، وإن خالفهم فيه.
    ربما كان في تصنيف المادة وَجْهٌ من مُبادَرة الباحث إلى عرض رأيه الذي سينتهي إلى إثباته، ولكن لا يمتنع أن يكون فيه وَجْهٌ من مُبادَرته إلى رأي غيره الذي سينتهي إلى دَحْضِه.


    "ه=بِنَاءٌ"
    خامسُ أصول المنهج التأسيسية بناءٌ تَتَرَكَّبُ فيه صنوف التصنيف بحيث تستوي بنيانا محكما يشد بعضه بعضا، على مثل بنيان الباحث نفسه، يظلّ يدلّ عليه ويُشير إليه.
    إن كلّ عمل مُتقَن يعمله الإنسان لا يخلو من بُنْيَانِيَّتِهِ هو نفسه أي تَرَكُّب أجزائه ظاهرا وباطنا وارتباطها حتى لَتُظَنّ كيانًا واحدًا صُلْبًا مُصْمَتًا، وما ذاك إلا أنها بُنْيان كبُنْيان الإنسان.
    ولا ريبَ في تَفاوُت مُدْرِكي هذه البُنيانيّة مُتلقينَ وباحثينَ؛ فمِنْ أسرار التركب والارتباط ما لا يَتيسَّر لأيِّ أَحَدٍ؛ فلا يقدر أيُّ باحث على إضماره في بحثه، ولا يقدر أيُّ متلق على إظهاره منه.
    ولكنْ لا غِنى عن مبادئ المنطق الطبيعي التي يتمثل بها أيُّ شيءٍ أمامَنا بُنيانًا سَوِيًّا بلا اضطِراب ولا تَنافُر ولا تَناقُض، لا في التحديد ولا في الترتيب ولا في التهذيب.


    "ابْنُ السَّبِيلِ"
    الآنَ بعدما اهتدى طالبُ منهج البحث العلمي إلى علمه الملائم واشتغل بتحصيله، ثم تَبيَّنتْ له وتميزت أصول المنهج التأسيسية الخمسة- لم يَعُدْ أيَّ ابنِ سبيل، بل صار ابن هذه السبيل دون غيرها.
    قَبْلَئِذٍ كان يَهْرِفُ بما لا يَعْرِفُ، فلا يؤخذ عليه خطأٌ عِلْمي لا قَوْلي ولا فِعْلي، بل يُعْرِض عنه أبناءُ السبيل سلامًا مِنْ فَرَطاتِ جهله! فأمّا الآن بعدما صار من أبناء هذه السبيل، فينبغي له أن يَتَأَدَّبَ بأدبهم لأنه سيكون مِلاكَ ما بينه وبينهم، يُحاكمونه إليه، ويُحاكمهم.
    ومِنْ أَدَبِ أبناء هذه السبيل أن يَتَواصَوْا باليقين بالحق -فلا يَقرّ لهم قرار على غيره- وبالإخلاص للحق -فلا يكون لهم قصد إلى غيره- وبإتقان العمل -فلا ينقطع لهم دَأَبٌ دونه- وبالثبات على اليقين والإخلاص والإتقان -فلا يكون منهم تَحوُّل عنها- وبالرضا بعواقبها؛ فلا يكون منهم سخط عليها، ولا يأس منها.


    "تَبَيَّنْ=الْجِدَّةُ أَوِ النَّقْصُ=1"
    أولُ فُروع المنهج التَّكْميليَّة الجِدَّةُ أو النقص، وعَلامتُه التَّنْبيهيَّة تَبَيَّنْ؛ إذ ربما بَذَلَ الباحث من وُسْعِهِ وعمره، ثم ذهب ما بذله أدراجَ الرياحِ هَباءً منثورًا، حين يطلع فجأة أو يتجلى لغيره أنه مسبوق إلى مسألته، وأنه إن لم يكن سرقها فلم يزد على أن كَرَّرها أو كَدَّرها!
    لقد ينبغي للباحث أن يَتبيَّنَ أولًا أنَّ المسألة التي سيجعل فيها بحثه، جَديدةٌ لم يُبْحَثْ عنها مِنْ قبلُ، أو ناقصةٌ لم يكمل بحثها؛ فإنْ يَستصعبْها جديدةً يَستسهلْها ناقصةً. ولا غِنَى به في تَبيُّن ذلك عن تفتيش خزائن المسائل بالمعاهد العلمية وهي متاحة الآن ورقيةً ورقميةً، ولا عن سؤال أهل العلم المتحققين المُتحرِّجين.
    وإن من فِطْنة الباحث أن يعثر للمسألة القديمة على وجه جديد يوجهها عليه ويبحث بها عنه، حتى لَيَرَى المتلقون أنْ لو لم يبحث بحثه لَخَسِروا عملًا مفيدًا مُهمًّا. وليس أعون له على ذلك من مُلْتَقَيَاتِ العلوم المختلفة؛ فأكثر الباحثين مُشغولونَ بالمسائل التي يَستقلّ بها كلُّ علم من العلوم القديمة المستقرة الحدود، فأما مسائلُ العلوم الجديدة المتحرِّكة الحدود التي تَشتجِرُ فيها علومٌ مختلفة، فلا يَصْمُدُ لها إلا أهل العزم من الباحثين.


    "حَدِّدْ=الْكِفَايَةُ وَالِانْحِصَارُ=2"
    ثاني فُروع المنهج التَّكْميليَّة الكفايةُ والانحصارُ، وعَلامتُه التَّنبيهيَّة حَدِّدْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يحدد مادة بحثه بحيث تنفرش على فضائه وتنحصر بحدوده، أي أن تملأ أَقْطارَه بلا إفراط ولا تفريط.
    إنَّ في انخداع الباحث لكثرة مادته مَهْواهُ في هُوَّةِ الإفراط، والإفراط إسرافٌ، والإسرافُ سَفَهٌ. وإن في انخداعه لقلة مادته مَهْواهُ في هُوَّةِ التفريط، والتَّفْريط تَقْصيرٌ، والتَّقْصيرُ عَجَزٌ.
    وعلى حسب شروط البحث مَدًى وسعةً وعُمقًا، ينبغي للباحث أن يُحدِّد مَادته؛ فلا مِراءَ في اختلاف شُروط أبحاث الماجستير والدكتوراة وما قبلهما وما بعدهما، ومن ظن أنه يَتفضَّل على المتلقين بإقامة أحد هذه الأبحاث على مادة غيره، فقد أخطأ، ومَنْ أخطأً لم يَستحقَّ التقديرَ، وإنْ أَهلَكَ نفسَه!


    "آمِنْ=اتِّصَالُ الْمَسِيرَةِ=3"
    ثالثُ فُروع المنهج التَّكميليَّة اتصالُ المَسيرةِ، وعَلامتُه التَّنْبيهيَّة آمِنْ؛ إذ ينبغي أن يَستقرَّ في وعي الباحث استقرارَ العقيدة في قلب المؤمن، أنَّه أحد أبناء هذه السبيل السائرين على الدرب، لا يعمل وحده.
    وعلى رغم اشتغالنا هنا بالبحث العلمي الصحيح الذي يُحافِظ فيه الباحثُ على تراث غيره من الباحثين، فيستوعبه، ويعرضه، وينقده، ويضيف إليه مؤمنا بأنه تراث متراكم يصل إليه ثم يستمر به- لا نرى البحث العلمي الرائع يَنْخَلِعُ الباحثُ فيه من تراث غيره.
    ربما تَوهَّمَ بعضُ الباحثين أَلَّا إبداعَ إلا بالانخلاع من السبيل ومن أبنائها جميعا، وهَيْهَاتَ! ما أَبْعَدَ ما انْتَجَعَ! وما أَشْبَهَهُ بمن يريد الانخلاع من إرث طبيعته! كيف وهو إن تَنَفَّسَ فَبِزَفِيرِهِمْ يَتنفَّسُ، وإن تَحدَّثَ فَبِكَلامِهِم يَتَحدَّثُ!

    "تَخَيَّرْ=نَوْعُ الْمَصْدَرِ=4"
    رابعُ فروع المنهج التكميلية نَوْعُ المصدر وصحتُه وزمنُه، وبحسبنا الآن نَوْعُه، وعلامته التنبيهية تَخَيَّرْ؛ إذ ينبغي للباحث الذي تَبيَّن مسألتَه ألا يغفل عما تحتاج إليه من مصادر ملائمة مسموعة أو مقروءة أو ملموسة أو مشمومة أو مشهودة أو مركبة.
    كيف لمن يبحث عن حقيقة مسألة شفاهية أن يتخير لها مصادر كتابية، والعكس بالعكس! أم كيف لمن يبحث عن حقيقة مسألة فنية أن يتخير لها مصادر علمية، والعكس بالعكس! أم كيف لمن يبحث عن حقيقية مسألة شعرية أن يتخير لها مصادر نثرية، والعكس بالعكس! وهلم جرا...
    ومِن شُجون هذا المقام اضطرابُ الباحثين من قديم إلى حديث في ملاحق أبحاثهم بين المصادر والمراجع والمجلات والدوريات والمخطوطات والأقراص المدمجة والمواقع الإنترنتية إلى آخر ما كان ويكون، وما مِنْ مُضْطَرب؛ إذ هي كلها إما مصادر نبعت منها مادة المسألة، وإما مراجع تَردَّد فيها كلام باحثين آخرين عن حقيقة هذه المسألة، وما سوى هذا مظاهر نشر لا أثر لها في تمييز المنشور.


    "تَخَيَّرْ=صِحَّةُ الْمَصْدَرِ=4"
    رابعُ فروع المنهج التكميلية نوعُ المصدر وصحته وزمنه، وبِحَسْبِنا الآنَ صحتُه، وعَلامتُه التنبيهيةُ تَخَيَّرْ؛ إذ كيف للباحث أن يستمد مادة مسألته من مصدر غير صحيح ويستقيم بحثه ويحظى عند المتلقين!
    ومن صحة المصدر وجودُه على الحقيقة؛ فلا يكون مِنِ اخْتلاق الباحث - فالاختلاقُ كَذِبٌ- أو تَوَهُّمِه -فالتَّوَهُّم عَبَثٌ- أو انخداعه -فالانخداعُ غَفْلة- وأيّةُ استقامة وحَظْوة تُرْجَيَان بالغَفْلة أو العَبَث أو الكَذِب!
    ومن صحة المصدر كذلك وُضوحُ مادَّته على الحقيقة؛ فلا يكون من قَسْر الباحث -فالقَسْر ظُلم- أو تَزْييفه -فالتَّزْييف خِداع- أو تصرفه -فالتصرُّف تَكلُّف- وأيّةُ استقامة وحَظْوة تُرْجَيَان بالتكلُّف أو الخِداع أو الظُّلم!

    "تَخَيَّرْ=زَمَنُ الْمَصْدَرِ=4"
    رابعُ فروع المنهج التكميلية نوع المصدر وصحته وزمنه، وبِحَسْبِنا الآنَ زمنُه، وعَلامتُه التنبيهيةُ تَخَيَّرْ؛ إذْ ينبغي لمصدر المسألة أن يكون من زمنها -وإلا كان في نُبُوعُها منه نَظَرٌ- فأما كونُه من زمنِ ما قَبْلَها فَدَليلُ عَدَمِ صحته قَطْعًا، وأما كونُه من زمنِ ما بعدَها فَدَليلُ ضعفه.
    أَلَا ما أَشْبَهَ استمدادَ مادة المسألة من مصدر لاحقٍ بَعِيد زمان صدوره عن زمان حدوثها بالاستشهاد بالحديث المنقطع السَّنَد بهُوَّة خاوية ليس فيها من الرواة الذين سمعوه من يستقرُّ به الاطمئنانُ!
    كيف للباحث أن يَزْهَدَ في مُعاينة مسألته رَأْيَ العين، وليس الخبر كالمعاينة! أم كيف يَرْكَنَ إلى وَساطة مُتَوَسِّط يَدَّعي على مسألته الدعاوى ويمُنّ عليه من مادَّتها بما لا يُسْمِنُ بحثه ولا يُغْنِيه!

    "جَهِّزْ=تَبْطِيقُ الْمَادَّةِ الْمُنَاسِبُ=5"
    خامسُ فروع المنهج التكميلية تَبْطيقُ المادة المناسب وتَوْثيقُها وعَنْونتُها، وبِحَسْبِنا الآنَ تَبْطيقُها المناسِبُ، وعَلامتُه التنبيهيةُ جَهِّزْ؛ إذْ لا غِنَى بالباحث عن تَجْرِيد المادة من مصادرها حتى ينقطع لِتأمُّل مسألته فيها هي وحدها ويقف على طبيعتها وخصائصها وجوامعها وفوارقها، وما أَشْبَهَها مُجرَّدةً بتلامذتنا في فَصْلِهم الدراسي، وما أَشْبَهَها مُتَلبِّسةً بتلامذتنا في بيوتهم العائلية، وهيهات أن تُؤلِّف قلوبَهم دُروسٌ خُصوصيةٌ!
    ينبغي للباحث أن يَنقُل كلَّ فكرة واحدة إلى بِطاقة واحدة قُصاصة ورقية أو مِلَفّ رَقْمي، بحيث تَنْطوي الفكرةُ في البطاقة، ولا تَنْطوي البِطاقةُ في الفكرة، لِتَتَحَيَّز هي من بطاقتها في حَيِّز محدود يُتيح له أن يَرْتَع في فضاء البطاقة بما يَعِنُّ له من تعليقات.
    كذلك ينبغي له أن يلتزم نوعًا واحدًا من البطاقات الورقية أو الرقمية، يتيح له أن يَمُرَّ فيها مُرورًا واحدًا فيستوعبها استيعابا واحدا؛ فإنه إن عَدَّدَ أنواعها التبستْ عليه، وأَفلتَتْ من ضَبْطه، وكَلَّفَتْه كلَّ مرة ما يُلهيه عن غايته.


    "جَهِّزْ=تَوْثِيقُ الْمَادَّةِ=5"
    خامسُ فروع المنهج التكميلية تَبْطيقُ المادة المناسب وتَوثيقُها وعَنونتُها، وبِحَسْبِنا الآنَ تَوثيقُها، وعَلامتُه التنبيهيةُ جَهِّزْ؛ إذ لو لم تُوثَّق لم تَتجرَّدْ من مصادرها للباحث، واضطُرَّ إلى إهمالها مِنِ اعتماده أَصْلًا أو إلى تَفْتيش كلِّ ما عَرَضَ له من مصادر حتى يعثر على مواضعها منها، وهما أَمْران أحلاهما مُرّ.
    ولا قيمةَ لمادة غير مُوثَّقة؛ فسواءٌ هي والعدم. وليس أبلغ احتجاجًا لضرورة توثيقها، من أنه يُقدَّم بين يديها كثيرا حتى يَطمئِنّ إليه مَن سينظر فيها، وإلا لم يُؤْمَنْ أن يَتجاوزَها مُعْرِضًا عنها بما انخلعتْ مِنْ مصدرها الذي تَنتسبُ إليه ويُعتمد في تقديرها عليه.
    ومِنْ بِطاقات الأفكار يَبدأ تَوثيقُ المادة بلونٍ غير لون كتابة أفكارها، حيث يُثبت الباحثُ عن يمينِ أعلى كل بطاقةٍ اسمَ صاحبِ فكرتِها المشهورَ، وبين قوسين بعده بقية اسمه، ثم اسم مصدرها، ثم طَبْعته، ونَشْرته، ويثبت عن يسارِ أسفلِها موضعَ الفكرة من مصدرها.


    "جَهِّزْ=عَنْوَنَةُ الْمَادَّةِ=5"
    خامسُ فروع المنهج التكميلية تَبطيقُ المادة المناسب وتوثيقُها وعنونتُها، وبِحَسْبِنا الآنَ عنونتُها، وعَلامتُه التنبيهيةُ جَهِّزْ؛ إذ لا سبيل للباحث إلى تمييز مواد بطاقاته الكثيرة ورقيةً ورقميةً إلا بعَنْوَنَتِها أي تسميتها بعبارة موجزة واضحة، وإلا عَجَزَ عن معاملتها؛ فيئس منها، وأعرض عنها.
    ولن يستقيم للباحث عنوانٌ على مادةٍ حتى يقرأ بطاقتها، ويقف على فكرتها؛ فيعنونها بها مِنْ فَوْرِهِ قبل أن تُفْلِتَ منه، في مُنْتَصَفِ أعلاها بلون غير لَوْنَيْ كتابتها وتوثيقها كليهما، وهو العنوانُ الذي سيُسمِّي به رَقْميَّتَها على حاسوبه.
    لا ريب في أن العنونة مِنْ أصلِها إما صريحةُ الدلالة على فكرة المادة، وإما مُوحية غيرُ صريحة، ربما اشتملتْ على طبيعة إحساس الباحث بها. ولكن لا موضعَ هنا إلا للعنوان الصريح الذي يدُلّ على فكرة المادة دَلالةَ اسم الباحث على الباحث. ومَنْ شاءَ الإيحاء بإحساسه فَدُونَه فَضاءَ البطاقة مُتاحًا يَرْتَعُ منه ما شاء!
    إنَّ عناوين البطاقات ورقية ورقمية هي التي ستُمكّن الباحث من أن يَمُرَّ في مادته سريعا كلَّما شاء أن يفتشها لِيتأمَّل ويجمع ويفرق. ومن ذَكَرَ لها هذه الجدوى عَمِلَ لها في مَشْغَلَةِ التَّجْهيز ما لا يَنْدَمُ عليه في مَعْمَعَةِ التَّمْييز!


    "انْتَبِهْ=اتِّبَاعُ انْقِسَامِ الْمَادَّةِ=6"
    سادسُ فروع المنهج التكميلية اتباعُ انقسام المادة، وعلامتُه التنبيهية انْتَبِهْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يَخْضَعَ لما بين مفردات مادته من فروق، فيُراعِيها في تقسيمها وتصنيفها.
    وقد استقر مِنْ قبلُ أنْ ليس في هذا المنهج العلمي مادَّةٌ لا تنقسم، وأنها إن لم تَنقسمْ باختلاف طبائعها انْقسمتْ باختلاف خصائصها، وإن لم تَنقسمْ في رأيه انقسمتْ في رأي غيره- وأَنَّه لا غنى به عن أقسامها فيما سيُبَوِّبُه بها من أبواب عمله، ويُفَصِّلُه من فصول ومباحث ومطالب.
    ولكن ينبغي هنا تنبيه الباحث على أنْ يَلينَ لِمادته، فلا يَأْبى ما تجري عليه من انقسام، أو يتغافل عنه تَحْكيمًا لانقسام غيرها فيها أو انْخداعًا بتقسيم غيره لها، بل يُنصت لصوتها هي، ويُصدّقها؛ فإنها المادة التي لم يَستمدَّها من مصادرها إلا هو، ولن تَكْذِبَه.


    "حَلِّلْ=الِاسْتِيعَابُ=7 "
    سابعُ فروع المنهج التكميلية الاستيعابُ والعرضُ والنقدُ والفصلُ، وبِحَسْبِنا الآنَ الاستيعابُ، وعلامتُه التنبيهيةُ حَلِّلْ؛ إذ لن يتيسر للباحث بحثٌ حتى يستوعب ما اجتمع له من مادة، ولن يستوعبها حتى يُحلِّل مُركَّباتها وَيَتَدَسَّس إلى مُضْمَن طواياها ويَطَّلِع على مكوناتها.
    ولْتَكُنْ هذه المادةُ من مظاهر الظواهر الطبيعية أو الاصطناعية، أو من آراء المتأملين المتفكرين، أو أَيًّا ما تكون؛ فلابد للباحث أن ينقطع لها مفرداتٍ وأقسامًا مثلما ينقطع الناسكُ، ويتأملها مثلما يتأمل العاشقُ، حتى تَتَكشَّف له مثلما تَتَكشَّف في ظهيرة النهار شمسُ الصحراء؛ فعندئذ يستوعبها مثلما يستوعب الوعاءُ مُوعَبَهُ؛ فلا يذهب ولا يؤوب إلا بها، ولا يقوم ولا يقعد ولا ينام ولا يصحو، وتبوح له بأسرارها، وتَتَأَنَّى حتى يسجلها!
    ولا حَرَجَ على الباحث أن يَتَّهِمَ هو نفسُه استيعابَه لمادَّته قبل أن يتهمَه غيرُه، فيُراجعها مرةً أخرى، حتى يستقرَّ استيعابُه- بل الحرجُ أنْ يظل معها على قلق، كأنه أَسيرٌ ينتظر الإطلاق، ولا استيعابَ مع قَلَقٍ.


    "حَلِّلْ=الْعَرْضُ=7"
    سابعُ فروع المنهج التكميلية الاستيعابُ والعرضُ والنقدُ والفصلُ، وبِحَسْبِنا الآنَ العَرْضُ، وعلامتُه التنبيهيةُ حَلِّلْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يُحْسن عَرْضَ مادَّته على مُتلقِّيها مثلما تُعرَضُ عليهم مطالبُهم في مَعَارِضِها، عَرْضًا ذكيًّا يجذبهم إليها ويُقْنِعُهُمْ بها.
    وأحسنُ مَعارض مادة البحث الجداولُ الإحصائيةُ التي يَحْدِسُ فيها الباحثُ بأهم مظاهرها دلالة على ظواهرها؛ فيُجَدْوِلُ مفرداتها بحيث تدُلّ عليها نِسَبُها منها دلالةً واضحةً، ثم إذا شاء استفاد من بيانات الجداول في صناعة رسوم بيانية أوضح دلالة وأسرع إقناعا.
    وليس أدلَّ تعبيرا عن قُدْرة الجداول ثم الرسوم البيانية على عَرْضِ مادةِ أيِّ بحثٍ -مهما كانت- من قول المصريين: "الفِيل في المنديل"، الذي يصفون به إحاطةَ الصغير بالكبير، وما أَشْبَهَهُ عندهم بعَمَلِ السَّحَرَة!


    "حَلِّلْ=النَّقْدُ=7"
    سابعُ فروع المنهج التكميلية الاستيعابُ والعرضُ والنقدُ والفصلُ، وبِحَسْبِنا الآنَ النقدُ، وعلامتُه التنبيهيةُ حَلِّلْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يُقَلِّبَ مادتَه المعروضة على كلِّ ما تحتمله من وجوه قريبة كانت هذه الوجوه أو بعيدة، وقوية أو ضعيفة، وحسنة أو قبيحة.
    لقد حَدَسَ من قبل بأَدَلِّ مظاهرها على ظواهرها، وجَدْوَلَ مُفرداتِ هذه المظاهر، وحَدَّدَ نِسَبَ بعضِها من بعض؛ فالآن يَستخرجُ مُعطياتِها، ويَتأمَّلها، ويَتذوَّقُها، ويُمَيِّزُ بعضَها من بعض بكل ما تتميز به، ويُفسّر حدوثها بكل ما يصح لديه، مما ثبت في كلِّ علمٍ تَعَلَّمَه.
    ولا ريب في أن العرض هو باب النقد؛ ومن ثم لا حَرَجَ على الباحث في أن يضبط بعضهما ببعض، فيعتني في العرض بما يحتفي به في النقد، ويوضح في العرض ما يسهل عليه في النقد، فإذ استترتْ عنه في النقد مُعطياتٌ أو غَمَضَتْ عليه، عاد إلى العرض، فعالجه بما يُبْرِزُها ويُبَدِّدُ غُموضَها.


    "حَلِّلْ=الْفَصْلُ=7"
    سابعُ فروع المنهج التكميلية الاستيعابُ والعرضُ والنقدُ والفصلُ، وبحسبنا الآن الفصلُ، وعلامتُه التنبيهيةُ حَلّلْ؛ وإنما حَلَّلَ الباحثُ ما حَلَّلَ مِنْ أجل هذا الموقف الذي يبدو فيه كأنه يُركِّبُ ما حَلَّلَ؛ فتستبين له ملامحُ وجهِ الرأي الصحيح، فيقطع به دون غيره قولًا واحدًا لا ثاني له؛ فإنه إن لم يفعل كان كأنه عَبِثَ عَبَثًا، ولم يُحلِّل، ولَهُوَ أَشْبَهُ عندئذ بالطفل الطُّلَعَةِ الذي لا يترك جهازا إلا فَكَّكَه، ولا يُفَكِّك جِهازًا إلا تَرَكَه!
    ربما رأى بعض الباحثين أن في النقد أَيْ تَقْليب المادة وتمييز وجوهها، إيحاءً بالفصل أو إغناءً عنه- وأن في الاقتصار عليه وجهًا من حسن سياسة المتلقي؛ إذ يُوهمُه عندئذ بأنه هو الذي فَصَلَ، وهو إنما وُجِّهَ فاتَّجَهَ. ولكنها حالٌ لا تخلو من شكٍّ ورياءٍ وإهمالٍ وقلقٍ وبَرَم، فأما اليقينُ والإخلاصُ والإتقانُ والثباتُ والرضا فهي كلُّها في مجاوزة النقد إلى فَصْلِ الرأيِ الصحيحِ الواحدِ.


    "أَكْمِلْ=التَّحْشِيَةُ=8 "
    ثامنُ فروع المنهج التكميلية التحشيةُ والختمُ والإلحاقُ والفهرسةُ والتقديمُ، وبحسبنا الآن التحشيةُ، وعلامتُه التنبيهيةُ أَكْمِلْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يُخْلِيَ مَتْنَ بحثه مِمّا يَعوقُ انطلاقَ فَهْمِ المتلقي، فأما ما لا فائدة فيه ولا منفعة به فلابد له من مَنْعِه أنْ يُغَافِلَه إلى المتن، أو حذفه إذا غَافَلَه إليه- وأما ما فيه فائدةٌ وبه منفعةٌ فلابد له من نقله إلى حاشيته.
    إن تحشية متن البحث هي إحاطته من خارجه بكل ما يفيده وينفعه، حتى إذا ما ارتاح منه المتلقي إلى قرارٍ انصرف إلى حاشيته؛ فازداد بما فيها فائدة ومنفعة.
    وربما حَرَصَ بعض الباحثين على ألا تتجاوز الحاشية بِضعَ كلمات، وأَدْرَجَها في أَثْناء المتن بين شَرْطَتَيْنِ حتى يستوي البحثُ إراحةً للمتلقي كأنه مَتْنٌ لا حاشيةَ له. أما إذا زادت الحاشية على ذلك فلابد له من تأخيرها إلى هامش الصفحة، وهذه هي الحاشية السُّفْلِيَّة- أو إلى ما بعد البحث أو بعض أبوابه أو فصوله، وهذه هي الحاشية البَعْدِيَّة.
    وقد التزمتْ بعضُ منابر النشر بعضَ أنواع الحواشي دون بعضٍ، وألزمتْ باحثيها، ولا ريب في أن المُدْرَجَةَ أَخَفُّ على الباحث، والبَعْدِيَّة أخفُّ على الناشر، والسُّفليَّة أخفُّ على المتلقي، إلا أن تَسوءَ التَّحْشِية، فيستخفّ بها الناشر والمتلقي كلاهما، ويَندمَ الباحث!

    "أَكْمِلْ=الْخَتْمُ=8"
    ثامنُ فروع المنهج التكميلية التحشيةُ والختمُ والإلحاقُ والفهرسةُ والتقديمُ، وبِحَسْبِنا الآنَ الختمُ، وعلامتُه التنبيهيةُ أَكْمِلْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يجمع خيوط نتائج بحثه ليعقد بها عُقْدَةَ خاتمته -والأعمال بخواتيمها- فيَدُلّ على عمله، ويُدِلّ به، ويُثبت وفاءَه بما سَيَعِدُ في المقدمة.
    ومما يُعينه على حسن الخَتْم أن يَشفَعَ كلَّ ما يكتمل من أجزاء بحثه أبوابًا كانت أو فصولًا أو مباحث، بملخَّص ما حصل له فيها من نتائج، حتى إذا ما قائم قائم الختم وأَزِفَ الترحل اعتمد على ملخصات نتائج الأجزاء، ولم يَجْنِ عليه تَعَجُّلُ الفراغ.
    ولا ريب في أنه إذا كَثُرَتْ نتائجُه الكبيرةُ استغنى بها في الخاتمة عن الصغيرة، وأحقُّ الأفكار بمقام النتائج الكبيرة تلك التي فَصَلَ فيها بالرأي الواحد. وإذا أَعْوَزَتْهُ النتائجُ الكبيرة التجأ إلى الصغيرة حتى تكتمل الخاتمة؛ فكما يَحْذَرُ أن تَطُولَ فتُظَنّ أحدَ فصول بحثه، يَحْذَرُ أن تقصُرَ فتُظَنَّ إحدى حواشيه.


    "أَكْمِلْ=الْإِلْحَاقُ=8"
    ثامنُ فروع المنهج التكميلية التحشيةُ والختمُ والإلحاقُ والفهرسةُ والتقديمُ، وبِحَسْبِنا الآنَ الإلحاقُ، وعلامتُه التنبيهيةُ أَكْمِلْ؛ إذ ربما احتاج الباحث إلى إضافة مجموعات تَوضيحيّة من المعلومات المُنظَّمة المتعلقة ببحثه، التي لا تتسع لها حواشيه ولا تناسبها؛ فسَلَكَها في ملحقات، وأَضَافَها إلى بحثه من آخره.
    مِنْ هذه الملحقات مُلْحَقُ مُفْردات المادة التي كان فيها البحثُ من أصله، ومُلْحَق مُصطَلحات مجال البحث الذي يُقابَلُ فيه أحيانا بين اللغات المختلفة، ومُلْحق الصورِ والرسوم والخرائط والجداول، وغير ذلك.
    ولا تستوي هذه الملحقاتُ، لا أهميةً ولا إمكانًا؛ فبعضُها أهمُّ في بعض الأبحاث منه في بعض، وبعضها أظهر إمكانا في بعضها منه في بعض. وربما اقتضى بعضُ الأبحاث من الملحقات ما لم يُعْهَد في غيره؛ فكان من فطنة الباحث وتوفيقه.


    "أَكْمِلْ=الْفَهْرَسَةُ=8 "
    ثامنُ فروع المنهج التكميلية التحشيةُ والختمُ والإلحاقُ والفهرسةُ والتقديمُ، وبِحَسْبِنا الآنَ الفهرسةُ، وعَلامتُه التنبيهيةُ أَكْمِلْ؛ إذ البحثُ بيتٌ مُغلق على ما فيه لا يعرفه ويحسن وصفه إلا صاحبُه الذي بناه وعاش فيه، فأما زائرُه الذي يمر عليه مُرورًا فلا يستطيع وصفه حتى يُعْطَى مَفاتيحَه، وما مفاتيحُ البحث إلا فهارسُه.
    إن فهرسةَ البحث هي جمعُ عناوينِه الداخلية وكلِّ ما أَشْبَهَها من دقائقه المهمةِ المُؤَثِّرة في حركته، وترتيبُها على حسب وُرودها فيه أو على حسب علاقة بعضها ببعض، ثم مُقابلتُها بأرقام صفحات ورودها فيه حتى يستطيع المتلقي أن يَتَخَيَّل باجتماعها في الفهارس أمامه بُنيانَ البحث، وأن يتتبع منها ما شاء. وليس الباحث نفسه بعد حين بأغنى عنها من المتلقي.
    وأصلحُ مواضع الفهارس من البحث أن يَتَقَدَّمَ فهرسُ العناوين إلى عَقِبِ صفحة عنوان البحث نفسه، وتَتَأَخَّرَ سائرُ الفهارس إلى ما بعد البحث، ويشار إليها في فهرس العناوين.
    ولقد ينبغي للمتلقي أن يعرف وللباحث أن يعترف، أن ليس كل ما يُنْشَرُ يُطَّلَع عليه كاملا، وإلا ما صَحَّ استقراءٌ مع استقصاءٍ- وأنَّ من مَناقب الفهارس المُتْقَنَةِ أن تُعينَ المتلقيَ على اختيار أَحَدِهِما (الاستقصاء والاستقراء). وما أَشْبَهَ الفهارسَ المُبْتَسَرةَ أو المضطربةَ بالمفاتيح الناقصة أو الصَّدِئة، يُعطيها صاحبُ البيت زائرَه عفوًا أو قصدًا؛ فيَعرف منه، ويُنكر، ويَرتاب!

    "أَكْمِلْ=التَّقْدِيمُ=8"
    ثامنُ فروع المنهج التكميلية التحشيةُ والختمُ والإلحاقُ والفهرسةُ والتقديمُ، وبِحَسْبِنا الآنَ التقديمُ، وعَلامتُه التنبيهيةُ أَكْمِلْ؛ إذ لن يتحدث عن البحث مثل صاحبه، فيُفْسِح بين يديه الطريقَ إلى إقناع المتلقي وإقباله، مثلما تفعل نَشْرَةُ الدواء الملفوف بها في عُلبته بِمُتَناوِلِه؛ فعلى رغم أنها ليست من الدواء لا يرتاح إليه مُتناوِلُه إلا بها.
    إن تقديم البحث هو سَبْقُه بعد الفراغ منه بما يُشيرُ إلى طبيعته ويَطمحُ بجسارته ويُنبهُ على قيمته، من عرض مسألته ودواعيها ومناقبها ومواعدها ومصادرها ومصاعبها ومسالكها، وشكر كل من ساعد على إنجاز بحثها، من غير إكراه هذه المقدمة على ما أغناها عنه قبلها فهرسُ العناوين.
    وإن من حكمة الباحث أن يؤخر كتابة مقدمة بحثه حتى يفرغ منه كله، فيحرص على أن تَتلاءمَ هي وخاتمتُه مثلما تتلاءم نغمتا القرار والجواب في اللحن المستقيم الواحد، من غير حِنْثٍ بموعدة، ولا حَيْدةٍ عن قصد.


    "هَذِّبْ=إِعَادَةُ الْكِتَابَةِ=9"
    تاسعُ فروع المنهج التكميلية إعادةُ الكتابة، وعلامتُه التنبيهية هَذِّبْ؛ إذ ما كتابة البحث الأولى إلا تحقيق صورته المتخيلة، وهو العمل العظيم حقا، ولكنه لا يخلو من اضطراب علاقة الحقيقة بالخيال.
    إن في الإعادة ولادةً أخرى حقيقية، لا إفادة فقط؛ ومن ثم يخافها كثير من الفنانين حرصا على براءة الصورة الخيالية وطراءتها، ويَسْترخصونَ إليها كلَّ ما تَلِدُهُ الإعادةُ منِ استقامةٍ واتساقٍ واتزانٍ وانضباطٍ. فأما العلماءُ -وطلابُ العلم هم العلماءُ- فلا يصبرون على اضطراب، ولا يعالجونه إلا بإعادة الكتابة.
    يفرح الباحث بالكتابة الأولى أيَّما فرح؛ فهي الشَّبَكة التي اصطاد بها سَمَكَه، ثم ينصرف بإعادة الكتابة إلى تهذيبها مثلما ينصرف الصياد إلى إصلاح سمكه لأكله أو بيعه؛ فيقدم، ويؤخر، ويضيف، ويحذف، حتى لا يبدو له فيها عمل.
    ولا حَرَجَ على الباحث الذي أعاد الكتابة -ثم بدا له- في أن يعيدها مرة أخرى أو مرارا؛ بل الحرج في أن يكسل عن ذلك، فيظل طوال عمره يُعاقِرُ اللَّوَّ واللَّيْتَ! وبئستْ معاقرتُهما صحبةً؛ فإنَّ لها لَنَهْشةً ولا نَهْشَةَ الأفعى، وصَحوةً ولا صحوةَ الموتِ!

    "أَوْجِزْ=الْعَنْوَنَةُ=1 0"
    عاشرُ فروع المنهج التكميلية العَنْوَنَةُ، وعَلامتُه التنبيهية أَوْجِزْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يقدر أن المتلقي سيمر سريعا على بحثه مستقلًّا كان بحثُه هذا أو غير مستقل، لينتقل إلى غيره في فترة جَمْعِهِ المحددة.
    إن العنونة هي تسمية البحث كله بعد الفراغ منه، اسمًا يدل عليه ويشير إليه؛ فما أكثر العناوين التي سُمِّيتْ بها الأبحاثُ قبل الفراغ منها، ثم أَخْلَفَتْها بعدئذ؛ فحار فيها الباحثون وكأنَّ تغييرها عملٌ مَهينٌ من أعمال التَّفْريط، وهو حقُّ اليَقين!
    وأحسنُ أحوال العَنْوَنَة أن تكون بمسألة البحث موجزةً صريحةً. ولا يُقْنِعُ الباحثَ مثلُ أن يَذْكُرَ ما لقيه هو نفسه في أثناء جمع مادته من الأبحاث القبيحة العناوين، كيف ضَلَّلَتْه، وكيف عَطَّلَتْه! فإن أَبى إلا الإِيحاء فَلْيَجْعَلْه بعنوان آخر مع العنوان الصريح.
    ومن وُجوه العَنْوَنَةِ بمسألة البحث أن يكون العنوانُ نفسُه هو الرأيَ الذي انتهى الباحث إلى قبوله في المسألة أو إلى رفضه؛ فهو عنونة بالمسألة وزيادة، وإن لم يستقم في أوهام السياسيين!


    "تَأَنَّقْ=الْإِخْرَاجُ=1 1"
    آخرُ فروع المنهج التكميلية الأحدَ عَشَرَ الإخراجُ، وعلامتُه التنبيهيةُ تَأَنَّقْ؛ إذ ينبغي للباحث ألا يُخْرِجَ بحثَه إلا في أبهى حُلَّة؛ فلا يترك شيئا يستولي على إقبال المتلقي على بحثه وارتياحه إليه وقبوله له واستمراره فيه إلا صنعه به، من نوع الحبر ولونه ونوع الخط وحجمه، إلى ترقيم الجمل وتنسيق الفقر والعناوين والصفحات، ثم اختيار ورق الطباعة والتغليف، وما إلى ذلك مما لا تنقضي عجائبه.
    إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. وإن تأنق الباحث في إخراج بحثه لهو شعار الإتقان؛ فلم تعد جودة البحث في نفسه كافية ولا مستقلة عن جودة إخراجه، بل صار حُكْمُ المتلقي على البحث وعلى إخراجه حُكْمًا واحدًا، يقول: لو كان جيدا لأجاد إخراجه، ولو كان مهما لاهتم بإخراجه.
    وإن من تأنق الباحث في إخراج البحث أن يختار له أفضل نَشْرَةٍ تُوصِلُه إلى المتلقي. وإذا كانت المكتبات درجات بعضُها فوق بعض، فإن المجلات كذلك درجات بعضها فوق بعض، حتى صار مُحكّمو الأبحاث وَهُمْ سَادَةُ الْمُتَلَقِّينَ، يراعون درجات المجلات في تقدير المقالات، كما يراعون درجات المكتبات في تقدير الكتب.
    وإنما يوفق من يستحق التوفيق !
    والحمد لله رب العالمين!

المواضيع المتشابهه

  1. المنهج العلمي في دراسة الأدب-المستشار الأدبي: حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-05-2016, 06:07 PM
  2. مسلّمات المنهج العلمي في الإسلام :
    بواسطة أ د خديجة إيكر في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-09-2012, 02:26 PM
  3. عًٍ ى دًٍ
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 04:11 PM
  4. 1-انطباع في مخيلة صقر قريش
    بواسطة د. حكمت صالح في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-07-2005, 08:45 AM
  5. قصيدة -صقر الكتائب-مهداة الى جنود القسام الأبرار
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-02-2003, 11:25 PM