أبو الهول
أبو الهول,,,
يا رفيقي وشقيقي القديم,
يا إرادةُ شعبٍ لم تندثرْ بعد ,
ولم تندثرْ ابداً,
يا فكرُ شعبٍ عريقٍ جاءته كتبُ الله دليلاً,,
والقرآُن فكرُ الصالحين,
أَمرُّ عليكَ اليوم ,
دمعةً قد هجرَت محْجرَها فتحجَّرت ,,
وكلمةً تقطَّعت أوتارُها فبُحَّت,,
وخيالاً ناحلاً شفَّافاً رماديّ اللونِ بغيرِ صفات .
أنظرُ اليكَ اليوم,
بقلبٍ يتفطَّرُ عطفاً وحزناً ,
وبرجاءٍ ما انفكَّ يستجدي الأملَ من أجلِ صمودِك والحياة,
بعطفٍ يعصفُ بي فيدمِّرُني ويرهقُني ويقطِّعُ كبدي,
وحزنٍ يتلوَّى,, لكنّه لا ينحني.
///
أبو الهول ,,,
يا شعبُ مصر ,
يا رفيقُ العمرِ الذي لا ينام,
وإن نامَ لا يغمضُ عينيهِ أبداً,
يا مَنْ أنجبتكَ الصحراء,
وأرضعتكَ مياهُ النيل,
وهزَّت سريرَك الملكات.
أيّها الرَّابضُ تحت شعلةِ الشَّمس الحمراء,
التي تحرقُكَ كلَّ يوم,
لتبعثُكَ جديداً كلَّ يوم.
///
أبو الهول,,,
إيُّها الشّقيق القديم,,
الذي ما انفكَّ ينظرُ للبعيدِ البعيد ,
والذي ما زالَ في صمتِه الأبديّ يحدِّقُ في أعماقِ ذاته ,
أيّها الصابرُ الذي ما تخلَّى يوماً عن مبدئِه, ولا عن شموخِه وعنفوانِه ,
أيّها الوفيُّ الذي ما سمحَ يوماً للرياح التي ما برحت تعربدُ حوله, بجنونٍ وسخاء ,
و تصفعُه بجناحيها الحديديتين ذهاباً وإياباً فتجرحُه وتدميه,,,
أن تأخذَه بعيداً عن ذاتِه وضميرِه وجوهرِه ,
وما سمحَ للنيازك المتساقطة على هامتِه الأبديَّة,
أن تحرقَ فكرَه وتذري مبادئه في الأهوية المتضاربة ,
وما سمحَ للألغام المتفجِّرة تحت ركبتيه ,
أن تفتِّته وتجعلَ منه حصىً مبعثرةً تائههً في المسافات .
///
أبو الهول,,,
يا صديقي المسكين ,
أعلمُ أنَّ السنين قد زحفت على مقلتيكَ بأثقالِها الرَّهيبة ,
وقد أرهقت السنونُ منكَ البصر ,
وأعلمُ أنَّ الرياحَ الهائلةَ المتخمةَ بالحرِّ والرِّمال, قد جدعت أنفكَ الجبَّار ,
و حرمتكَ من تمييز الروائح المختلفة, القادمةَ نحوك بإصرارٍ من كلِّ الجهات ,
وما كلَّت الرياحُ ولا ملَّت , كي تجعلك تنسى استشعار الأخطار قبل بلوغها الحدود .
وأعلمُ أنك تحومُ بجنونٍ ومن غير توقف, مع شعاعِ دوَّامةِ أفكارِك المخروطيّة المضطربة,
وأعلمُ أيضاً,, أنَّه لا بدَّ من يومٍ سيأتي,, قريباً كان أم بعيداً,,
تتململُ فيه قبلَ الفجر ,
و تتحرَّكُ فيه قبلَ الظهر,
و تنطلقُ على طولِ البلادِ وعرضِها,
رافعاً الرَّايات التي أسقطتها الأيام,
وقبلَ العصر,,, سترمي الجمرةَ الكبرى على الشّيطان الرّجيم ,وأبالسته الأقزام.
ماذا أقولُ بعد؟
وأنا أرى أُمَّةَ هذا الزَّمن الأقوى,
دائبةً كأنثى العنكبوت المتوحّشة ,
تنسجُ حولك الشِّباكَ فوقَ الشِّباك ؟
ماذا أقول؟؟
وأنا أرى الفاسقين يختطفون رضَّاعة طفلِك من يدِه الرَّقيقة,
وقلمَ صغيرك من بين أناملِه المبدعةَّ,
وكتابَ الطاِلب, وحبةَ الدواء, ولقمةَ العيش؟
كيف أُكلِّمك؟
وأنا أراك تدورُ دوراناً مجنوناً في حوامةِ الضياع, التي تديرها أرقامٌ شيطانيَّة تظهرُ وتختفي كالأشباح والغيلان؟
///
أبو الهول
يا أخي وصديقي وشقيقي القديم,,
يا شعبُ مصر ,
لقد أحببتُكم كثيراً,,
مذ رأيتُ عزةَ العروبةِ تقدحُ شرراً تحتَ حوافر جيادِكم التي انطلقت يوماً في المدى,
شامخةً ما كبحَ جماحَها شيء ,
أحببتُكم,,, مذ نبضَ قلبي في صدورِكم ,
ومذ انبعثت كلُّ دموعِكم من مُقلتيَّ , ومذ كانت أوجاعُكم تطرقُ في رأسي كالطبول ,
///
أبو الهول,,,
يا إرادةُ مصر, وشعبُ مصر, وكلُّ قطرةِ ماءٍ وذرّةُ ترابٍ في مصر ,
ها قد جئتُكَ اليوم,, وأنا مثلُك مثخنةً بالجراح,
جئتُ إليك بأوجاعي المبرّحة, لأكونَ وجعاً فوقَ أوجاعك,
جئتُ إليك وليس معي إلا حفنتين من دموعٍ متحجِّرة كحباتِ البرد ,الذي لا يذوب ,
وقد تبخرَّت أحلامي وتلاشت, وتبعثرت كالغبار ,
مبتلينَ نحنُ بالأحلام التي تتلاشى كالغبار,
///
أبو الهول,,,
يا إرادةُ شعبٍ لا يموتُ ولا ينام,
وإن نامَ ينامُ وعيناهُ متفتّحتان ,
أعلمُ أنَّكَ ستظُّل تهاجمُ الشاطئَ كما الأمواج,,,,,, وللأبد,
وستظلُّ كالبحرِ الدؤوب الذي لا يكفّ عن غسل نفسه خمس مراتٍ كلّ يوم, وعلى الدّوام,
نعم ,,,من أجلِ الطهارة القصوى,, لا بد أن يكون الشعب كالبحرِ يحبُّ الاستحمام !!
أبو الهول,,,
مسكينٌ أنتَ يا صديقي وشقيقي,
من خلفِ الغبارِ المتطاير ,ومن خلفِ النَّارِ والرَّماد ,
أرى قوَّتين مُتشابهتين , تقفان على جانبيك,,, تنفخان ناراً في أذنيك ,
بل هي ناراً واحدةً بلونيها الأسود والأحمر.
النارُ واحدةٌ ,والألوانُ مختلفةٌ ,والحريقُ والدخاُن يتصاعدُ من دماغِك وعينيك وأحشائِك,
فماذا هو هذا ؟؟
ماذا أرى يا تُرى؟؟
أبو الهول,,,
النيرانُ تنفخ ,,,,, مزمجرةً لا تكفّ ,,, وأنت تحترق , !!!!
مسكينٌ أنتَ يا صديقي,,,
فماذا أنت فاعل ؟؟؟
أنّك,,, تحترق .
ماسة