زيارة للرسول
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
(من عام 2003)
غمرتني الأحزانُ ذات مِســـــاءِ
ومشت مثل جَـمْرةٍ في دمائي
إحْـتَوَتْـني الـهموم حتى كأني
وسْـــط بئْرٍ ملـيـئـــةٍ بـالـمــــــاءِ
فــإذا ما حاولت منــــــه ارتــقـاءً
كلَّ بي عزمي واحـتواني ثوائي
أو كـأني أســـير من غـــــير زادٍ
ودليـــلٍ في لفــحــة البَـيـْــداءِ
والأمـاني تـمـــرُّ في ليلِ فكري
سـانـحـاتٍ كومضـةٍ من ضيـاءِ
خائر الخطو مثـل ليث جريحٍ
جــائعٍ بــين مسرعات الـظـبــاءِ
كيف ظني ..؟ إذ الهمـوم ضَوَارٍ
تَـنْـهَـش القــلب غِيلــة في خَفَــاءِ
هَـمّـنا الدنيا حيث لاشيء فيهـا
خـالــد إنّ أمــــرهـــا للــفَـنَـــاءِ
ســـلِّــــم الأمـــر للرحيم وأيقــنْ
ليس يُـرْجى سواه فــي الضــرَّاء
ربنـــا انشـرْ ظلَّ الأمان عـلـيـنــا
وأجِــرْنــا يا أرحــــم الرحـمــــــاءِ
*****
قلت أمضي نحــو الحبيب فإني
في ذهـابي إلى الحبيب شـفـائي
فكـأني مـذْ أن أخـــذت طـريقي
صوب أرض الحبيب محضُ صفاءِ
بُــدِّل الـهــمُّ والتوجُّس أنسًــا
واخـتـفـت كـــلُّ ريـبَــــةٍ وجفـــاءِ
وكــأني مــن لـهفـــةٍ ونشــاطٍ
أتســامى في خــفَّــــــة للفـضـاءِ
وجهـتي مسجـد النبيِّ وروحي
يَـحْتويهــا بـهـاءُ قُدْس اللقــاءِ
جـــلَّ من أرسل النبيَّ بشــيرا
وسِـرَاجًا في حــالك الظلمــاءِ
قد حبـــاه مكانـــةً لا تُـبـَـارى
قد تجلّـت في ليـلـة الإســراءِ
*****
أي عطـرٍ يَضُـوع في الأرْجـاءِ
حـين تدنــو للـقـبَّـة الخضــراءِ
ومعــان من الـهـدي تتجلَّى
ناشــراتٍ لنـورهـــا الوضّـاءِ
عند مثــوى النـبي فيض زكـيٌ
من ســنـاهــا يفيض للأنـحـاءِ
يَـغْمُـرُ الروضة الشريفـة منهـا
كــــلُّ معـنىً مقــدَّس الإيـحـــاءِ
تَـتَـوالى بطـيـبـهــا وهـــداهــا
وتُـوالى صـعــودهــا للســـمـاءِ
قد بَدَت كل دمْعَـةٍ من خشوعٍ
فــي سَـــناهــا كــدرَّةٍ غـــــرَّاءِ
ها هنا تُذْرَف الدموع فـفـيهـا
يُغسل القلبُ من قـَذَى الأخطاءِ
ذا هــو الحب والتنافس فـيــــــه
لا لـــودّ المـليـحـــة الحســـنـــاءِ
ذلك الفوز والســـعـادة حقًــــا
ما احـتــفـــال بزائـلِ النعـــمــاءِ
كل معنىً حـول الحمى يَـتَجَـلَّى
يَغْمـر النفس في رضًـا وهَنَــاءِ
قد أراح القــلـــوب إذ لمـســتـــه
وانجــلت عنهـا غَـشْـوة الأهــواءِ
ذاك مثوى الهـدى تراءى أمامي
ســـيد الخــلقِ خـــاتـم الأنـبـيـــاءِ
مُـنْـيـَـة الروح تَـفْـتـديهـا الأماني
فاســتعـدْ صادقًـا عهودَ الولاءِ
صـــادق الحب شـــاهــدٌ ليقيـني
وابــل الدمـع نــاطــقٌ بــوفــائي
قد أتينا في مَركَبِ الحب تجــري
في دمـوع الـجَـوى أبـا الزهــراء
رحت أخطو تجـــاه بابك هونـًــا
مُـسْبِـل الطرف خاشع الأعضاءِ
أتَــوانى وفــي فـــؤاديَ شــوقٌ
خافضَ الصوت لاهجًا بالدعـــاءِ
لي ذنوبٌ ثُـقْـل الجبـــال أراهـــا
إن عفْـوَ الرحيم عنهـــا رجـائي
من تملّى زاهي صِفـاتك يحــيى
فـي مـحـيـطٍ لروضـــةٍ غـنـَّـــاءِ
كلّ نــورٍ حِيَــال نورك يَـبــدو
خاشعًـــا في وضاءةِ الأضــواءِ
كل رأي لا يـقـتـدي بك يبقــى
تأئهـًـــا فـي متــاهـــــةِ الآراءِ
شيمٌ قد أضاءت الكون حسنًـا
لا تَسَـــلْ ذا البصــيرةِ العميـاءِ
واسأل الحسن هل ترى من نظـيرٍ
في التسـامي أو الحِجَــا والــرُوَاءِ
كــل مدحٍ مهمـا نـحـاول يـَحْبو
عـنـــد سَـــفْحٍ لقـمَّــةٍ عـلـيـــاءِ
كـلُّ لفـــظ مــقــصّــر يـتـوارى
لاهث الحرف غارقًا في الحيـاءِ
قد حـماك القدير من كل عيبٍ
فـتَـمَـاثَلــت غــايــةً في البهــاءِ
حُزْت أوْجَ الكمال من كل معنى
بالـغ الحســـن فـوق كـل ثــنــاءِ
أيُّ نظمٍ يرقى لحسنك حسنـًـا
أتــقــنـتـه قَــرائحُ الشــعـــراءِ
أيُّ نثـــرٍ يسمو إليـــك كمــالًا
أبدعتـه بَـرَاعــةُ الفصــحـــاءِ
رحـْمَةٌ أنت في البريّــةِ فاضت
وأحاطـــت بجمــلـــة الأحيـــاءِ
*****
أرْجَفَ الجاحدون فيك حديثا
هكـــذا قبلُ خِطَّــــة السفهــاءِ
خاب من أرْجَفُــوا خَنـًــــا وافتراءً
هل يُضِير السـماءَ رَشُقُ السماءِ
كم أثــاروا في الأنـبـيــاء هُـــراءً
وتمـــادوْا في الفـُـحْـشِ والإيــذاءِ
ولكـــم قد آذوك إذ كنت فيهــــم
راسِخَ العــزم ذروةً في السـنـاءِ
حـمـل الوِزْرَ من أسـاء ويَلْقـى
في مدى الدهر وَصْمَةَ الجهلاءِ
بعـد مدح الإله هـل من مجـالٍ
لـمُــريبٍ أو مـوغلٍ في العــــداءِ
قد وعى المنصفـون قدرك منهم
فأفـاضــوا في المـدح والإطْــرَاءِ
لا نعادي سوى ظلـوم جهول
منهج السـلم دعـْـــوَة الأنبـيـاءِ
نحفظ العهد والحـقوق ونرعى
في الهدى الحـق حُـرمةَ الأحياءِ
ولقد كان سـيد الخــلق فينــــا
منبع الـخـير قُـدْوَةً في الوفــاءِ
يَـبْــــذل البرَّ والأمـــان ويَلْقَى
في مدى العــفـو زلَّـة الدهْمَـاءِ
يتغــاضى عن فعــل كل مسيءٍ
قد تمادي في الجهل والبغضاءِ
ويداوي حَـرْد الضـغـائن حتَّى
يَـنْبُت الـحُبُّ بعد جَدْبِ جَـفَاءِ
ذاك هـدي النبي يا من يـُمَاري
واضح النور مسْـتَمِـرّ العطــاءِ
*****
كانت الدنيا غابـةً ليس فيها
أي حـظٍ لبـائسي الضـعــفــاءِ
وضـلالاً مـخـيــمًـا ليـس فـيـــه
للهــدى نَزْرٌ من بصيص ضيـاءِ
وحروبًا ليست لشيء سوى السطْوِ
أو الـعُــنْـــجُــهِــيــَّ ـــةِ الحــمــقـــاءِ
ولقــــد كانــت النســــاء كــــإرثٍ
تُـقْتَــنَـى مثـلَ معـــظــم الأشــيـــاءِ
اخــتـــلالٌ مُــــدعَّــــــمٌ باخــتـــلالٍ
وخَـــــوَاءٌ مُـــغـَــلَّــفٌ بـــخــــــواءِ
أيُّ عــــقــلٍ لعـــابـــدٍ ذي إلــــــهٍ
صـاغــــه مـن حجــارة صـــمَّـــاءِ
*****
كيف قامت أمـــةٌ مــن فــراغٍ
واســتقـامت حضـارةٌ من هَـبـَاءِ
أنت وطَّــــدت دولـةً ذات عــزِّ
قـــد تعـالى لواؤهــا في السماءِ
وأتى بعدك الصحابُ فسـاروا
تحـت بنـد الشـريعة السَّمْحَــاءِ
طــوَّروهـا حضـارةً ذات طَــوْلٍ
وامتــــــدادٍ لســـائر الأنـحــــاءِ
يـجمع المسلمـين فيهــا نظــامٌ
مستقِّـــرٌ على اتساع الفضــاءِ
يا رسـول الله إنــني جـئت أشكـو
وَطْـــأة الحــــادثــات والبُرَحــاءِ
أصبح المسلمون من بعـــد عـــزٍّ
نُــهْبَــةً فـي مطــامــع الغــربـــاءِ
كلّمـا داوَوْا فـــتـنــةً تـتــوالـى
مثـلـــهــا أو أشـدُّ فـــي الّلأْواءِ
جنـــَّــةُ الرافـدين بـاتت تُـعَــاني
كفلســطــين قبــضـــةَ الأعـــداءِ
كم أراقوا للمسلـمين دمــاءً
وأغـاروا وشـرَّدوا في العَـراءِ
واعتـدوا عُـنْـوة على حُـرُماتٍ
وأزالـوا وحـرَّقــوا مـن بـنــاءِ
وأرانـا على طــريق بــعــيـــدٍ
نَبْذل الجهـد خلف كل هُــــراءِ
نَتَـلاحى علي مذاهـبَ شَـتّى
والتـلاحي يزيد فــي البغضـاءِ
بعضــنا قد أحـلَّ مصطلحــاتٍ
زيـنـتـهـــا نـَــوَازِع الأهــــواءِ
وارداتٍ مـن كــل نبــعٍ مريبٍ
في جهـاتٍ غريـبـــةِ الأجـــواءِ
غــازلونــا بكل غــثٍ عجـيبٍ
وغــزَوْا حسَّــنــا بكــل وبـــاءِ
فــفُـتِنَّـــا والذكــر يُتْـلى علينـــا
واعتمـادُ الغُــثـاءِ شــرُّ الـغُـثــاءِ
ولَـهَـثْـنـــا وراءهـم دون وَعْيٍ
نَبْـتَغـي بـعدهــم بواقي الإنــــاءِ
وإذاحاد القلب عن سَنَنِ الهَدْيِ
تـهــاوى فـي حــيرة وشـــقــاءِ
تلك آيُ الكتــاب للحقِّ تـهـدي
نــاطـقـاتٍ بأصـدق الأنـبـــاءِ
ســــاءت الفرْيـــةُ التي زعموهـا
مالـهـــا مــوقــعٌ لــدى العــقـــلاءِ
حيث قـالـــوا وزايدوا وأشـاعـــوا
في عجـــيب الأفـكــار والأنْبَــاءِ
إنمـا الدين والسـياســـة ضدَّانِ
فيـــا بـؤسَ الدعْــوةِ النكْـــراءِ
*****
أنـمــا الدين منْهَـجٌ وحَيــــــاةٌ
وضِيــــاءٌ لـلـفـكــر و الآراءِ
منهـــجٌ كـلّــه جـمـــالٌ وعـــدلٌ
قـــد أتـانـا من أحكـم الحكمــاءِ
دلَّنى هــل تــرى بـــه أيّ عـيبٍ
مثْبَتٍ عنــــد منطــــق النُجَبَــاءِ..؟
نـتــرك المـورد النقيَّ ونـمضي
نطلــب الوهـــم وسْط قَفْــــرٍ ناءِ
كم مشينا خلف السنين نماري
مــا جنينــا إلاّ مزيـــد مـِــراءِ
ورجــعــنــا في لوعــةٍ وضيـاعٍ
نَتَلافى الأخــطــاءَ بالأخطـــاءِ
والطـريق الصحيح للعـزِّ بـادٍ
لــو أزلـنــا غُشـــاوةَ الأهــواءِ
*****
يانبي الهـــدى عليـك صـــلاة
وسلام في كلِّ وَمْضِ ضيــاءِ
إنني جـئت أســتعــيد طــريقي
بعـــد جهـــدٍ وحــيرةٍ وعنــــاءِ
فــفـــؤادي مُـشَــتَّـتٌ وكيــاني
أوْهَـــنَـتْــه عَـــوَارِضُ الأنْــوَاءِ
وأرى هَـدْيَــك القـويـــم ملاذي
وسـكــونـا لـحـــيرتي ودَوَائي
ربنـا اجعل هَدْيَ الرسـول أماني
وأمــامي و كــــلَّ شيء ورائي