سَحَابٌ هَمَى بِالجُودِ أَغْرَقَنِي وَجْدَا
وَنَهْرٌ جَرَى بِالمَدْحِ أَعْجَزَنِي حَمْدَا
تَنَاهَى إِلى الأَرْوَاحِ بِالفَضْلِ بَيْنَنَا
وَأَهْدَى إِلى الإِحْسَاسِ مِنْ خَيرِ مَا يُهْدَى
أَنَاخَ نِيَاقَ الشِّعْرِ يُقْرِي بِبَعْضِهَا
وَبَعْضٌ بِهَدْيٍ فِي قَوَافِلهَا تُحْدَى
حَبَانَا بِصِدْقِ العَهْدِ وُدًّا مُعَبَّقًا
وَمَنْ يَحْتَفِلْ بِالوُدِّ يَسْتَخْلِفِ الوَرْدَا
وَسَاقَ لَنَا الإِكْرَامَ حَتَّى كَأَنَّهُ
حَسِيبٌ مِنَ الأَشْرَافِ سَاقَ لَهُ عَبْدَا
بِحَرْفٍ إِذَا مَا الوَجْدُ فِي العَينِ شَفَّهُ
تَجَلَّى عَلَى الأَنْفَاسِ مِنْ دُرِّهِ رَغْدَا
وَأَلْقَى عَلَى الأَكْبَادِ مِنْ دِفْءِ قَلْبِهِ
كَأَنَّ عَنِ الأَجْسَادِ قَدْ أَذْهَبَ البَرْدَا
هُوَ البَدْرُ قَدْ أَمْلَى عَلَى الكَوْنِ وَالوَرَى
سَمَاحَةَ نَفْسٍ مِنْ خَلائِقِهِ تُسْدَى
كَرِيمٌ عَظِيمُ القَدْرِ حُرٌّ وَرَاشِدٌ
إِذَا عَدَّدَ الأَخْيَارُ أَهْلَ النَّدَى عُدَّا
وَفَرْدٌ عَزِيزُ النَّفْسِ فِي النَّاسِ مَاجِدٌ
وَنِدٌّ لأَهْلِ العَزْمِ مِنْ غَامِدٍ نَدَّا
لَعَمْرُكَ مَا دَمْعِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ
وَلَكِنْ دُمُوعِي لِلوَفَاءِ سَقَتْ خَدَّا
هُوَ الدَّهْرُ مَا بَينَ السَّعَادَةِ وَالأَسَى
يَدُورُ فَلا صَابًا تَخَالُ وَلا شَهْدَا
لَكَمْ جَارَ بِي قَومِي وَأَسْرَفَ مَوْطِنِي
وَأُشْهِدُ أَنِّي مَا نَكثْتُ لَهُمْ عَهْدَا
وَكَمْ سَامَنِي بِالغَدْرِ فِي الظَّهْرِ صَاحِبٌ
مَتَى لاكَنِي لَمْ يُبْقِ لَحْمًا وَلا جِلْدَا
وَكَمْ عَاهَدَ المَعْرُوفَ مِنْهُمْ عَلَى الهُدَى
بِقَولٍ سَمَا وَالفِعْلُ مُخْتَلِفٌ جِدَّا
يَقُولُ مَتَى مَا أَرْجَفَ النَّفْسَ بِالهَوَى
حَدِيثٌ يَرُومُ الخَيرَ: جِئْتَ بِهِ إِدَّا
فَإِنْ قَدَّرَ الرَّحْمَنُ خَيْرًا لِغَارِسٍ
أَدَارُوا لِحَصْدِ الفَضْلِ أَلْسِنَةً لُدَّا
وَكُنْتُ أَفِيهمْ مَوْئِلَ الغَرْسِ وَالنَّدَى
لِيَبْرَأَ فِيهمْ مَا يُحُوكُ بِهِمْ حِقْدَا
فَكُلُّ وَفَاءٍ إِنْ شَفَى الغَيظَ نِحْلَةٌ
وَكُلُّ عَطَاءٍ لا يُعَدُّ بِهِ فَقْدَا
وَكُنْتُ إِذَا مَا الشَّوقُ أَذْكَى حُشَاشَتِي
تَجَهَّمَ مَنْ أَرْجُو وَأَوْرَثَنِي الصَدَّا
كَأَنَّ التَّصَافِي فَرَّ مِنْ مُرِّ نَفْسِهِ
وَأَنَّ التَّجَافِي مِنْ سَخِيمَتِهِ أَبْدَى
وَكُنْتُ إِذَا مَا سِرْتُ دَرْبًا إِلَى العُلا
تَمَلْمَلَ مَنْ حَولِي فَسِرْتُ بِهِ فَرْدَا
غَرِيبًا عَلَى الآلامِ أَسْرِي وَلَهْفَتِي
تَكَادُ مَعِ الأَيَّامِ تَهْصرُنَا وَجْدَا
أَعفُّ عَنِ الدُّنْيَا إِذَا الذُّلَّ رَاوَدَتْ
وَإِنْ لَمْ أَجِدْ لِي مِنْ مَوَارِدِهَا بُدَّا
وَأَسْعَى بِكُلِّ الجُهْدِ كَي أَحْصدَ الرِّضَا
وَيَسْعَى كَثِيرُ النَّاسِ كَي يَحْصدَ المَجْدَا
وَمَا يَسْتَوِي قَدْرًا نَفِيسٌ وَنَافِسٌ
وَلا الغَادِرُ القَالِي وَمَنْ يَحْفَظُ الوُدَّا
وَمَا يُجْتَبَى عِنْدَ الحَوَادِثِ سَادِرٌ
وَلا يُصْطَفَى مَنْ ظَنَّ فِي غِيِّهِ الرُّشْدَا
لإِنْسَانِ هَذَا الدَّهْرِ أُزْجِي يَدَ الشَّذَى
تُقَلِّدُ جِيدَ الشُّكْرِ مِنْ حَرْفِنَا عِقْدَا
وَتَغْرسُ فِي رَوْضِ المَحَبَّةِ زَهْرَةً
بِعَرْفٍ تَنَدَّى مِنْ مَشَاعِرِنَا رَنْدَا
فَيَا نَافِحَ الوُجْدَانِ صَفْوًا مِن الهَوَى
لَكَ البِّرُ وَالإِيثَارُ وَالمَجْدُ وَالسُّعْدَى
وَلِي بِالذِي أَوْلَيتَ عِرْفَانُ شَاعِرٍ
جَعَلْتُ بِهِ صَمْتِي عَلَى قَولِكُم رَدَّا
هُوَ العَهْدُ بَاقٍ بَيْنَنَا وَنَزِيدُكُمْ
عَلَى مَا عَهِدْتُمْ مِنْ مَوَدَّتِنَا رِفْدَا
فَطِبْ بِالذِي تُسْقَى مِنَ العِزِ هَانِئًا
وَدُمْ بِالذِّي تَلْقَى مِنَ العَيْشِ مُمْتَدَّا