أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: الصياغة الثانية لرواية التخاب

  1. #1
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي الصياغة الثانية لرواية التخاب

    شخوص الرواية
    1- الوتد المجموع 3 ...11ه
    2- السبب الخفيف 2..1ه
    3- السبب الثقيل (2) ..11
    4- الوتد المفروق 3..1ه1
    المكان : كوكب الإيقاع .
    الزمان : منذ بدء التاريخ وحتى الآن .
    تدور أحداث هذه الرواية في كوكب آخر شبيه بكوكب الأرض يسمى كوكب الإيقاع ، ففي بقعة تاريخية قديمة تسمى دائرة المتفق ( أ) و من طين تلك الأرض خلق الله كائنا ذكيا وسمّاه وتداً .كان وتدٌ رجلا ًطموحا ً جميل الطلعة عريض المنكبين يتسم بالوقار وعمق التفكير . وقد عاش في تلك الأرض ردحاً من الزمن مصغيا ًإلى عذوبة خرير أنهارها وتغريد طيورها وحفيف أغصان أشجارها وارفة الظلال ...إلا ّ أن وتداً المسكين وبسبب استمراره في تأمل ذاته وتأمل ما حوله اكتشف أنه مقارنة بالعصافير والأزهار ووحوش الغابات فإن حياته ينقصها ذلك الشريك المؤنس الذي لا بد منه ليتذوق هو طعم سعادة الاكتمال ..وتولد في قلبه حنين ما لأحد ما .. وازداد حنينه يوما ً بعد يوم ٍحتى ملأ عليه نفسه، فأصبح لا يهنأ بأصوات قرقعة حبات البرد وهي ترتطم بسطح صخور كهفه البارد في الشتاء ، ولربما أزعجه نقيق ذكور الضفادع في البحيرة وهي تنفخ أكياسها الهوائية لمغازلة إناثها ربيعا . ولم تعد تعنيه تدويمات النحل وهو يرقص فوق أكواز الرمان صيفا..حتى أنه بات يملأ راحته بأوراق الخريف ليهشمها بأصابعه القوية ويذروها في الفضاء دون أن تلتمع عيناه لأصوات تمزقها .. وباختصار..لقد أصبح وتدٌ يشعر بالحياة وكأنها عبء ثقيل لا يمكنه تحمله.
    - وذات ليل ٍخريفي استيقظ وتدٌ من نومه مذعوراً على وقع صوت العاصفة وهي تحوّم وتدوّم حول كهفه المظلم ..وعندما نظر وهو مستلق على الريش المفروش على الأرض من فتحة الكهف إلى السماء العالية رأى سحابة صفراء تمر سريعا أمام القمر الشاحب الذي أضفى عليها المزيد من الصفرة والحمرة ..وأراد وتد أن يغمض عينيه ويعود إلى نومه ..لكن أصوات الذئاب القريبة طردت النعاس من عينيه .وشعر وتدٌ بضيق في صدره وأحس بأنه لم يعد قادراً على تحمل المزيد ،فأشعل سيجارته وأخذ ينفخ الدخان ..لكنه ما لبث أن أطفأ السيجارة وعلم أن له ربا ًيغنيه ، فسجد على الأرض باكياً وأخذ يدعو خالقه ويسأله بخشوع أن ينظر في أمره ويهبه من يؤنسه في وحدته ، واستمر وتد في الدعاء والبكاء وهو ساجد حتى أخذته إغفاءة من التعب والإعياء ، فنام في مكانه وهو مكب على وجهه .وما لبث أن مرّ الليل وحل الصباح وبزغت الشمس ، فرفع وتدٌ رأسه باتجاه أشعة الشمس التي دخلت من فتحة الكهف وبدأت تلمس سخونتها رأسه وكتفيه العاريتين .. لكنه ويا للهول !
    ..لم تكن تلك لمسات أشعة الشمس فوق كتفيه ..بل كانت أصابعها الرقيقة الدافئة هي التي تستكشف ملمس جلده . انتفض وتدٌ ليجلس في مكانه وأخذ يفرك عينيه من وهم النوم وهو يحدق بها قائلا :
    - من أنتَ أيها المخلوق الجميل ؟ ومن أين جئتَ ؟ وكيف دخلتَ ؟ ثم أخذ يدور حولها متفحصا ًويسألها :
    - أتكون العاصفة الليلية قد ألقت بك إلي ؟!
    ولم يكن الجواب جاهزا ً لدى (سبب) وهذا هو اسمها ، لأنها هي نفسها لا تعرف الجواب . فقد استيقظ وعيها على الوجود للتو لتجد نفسها بقرب هذا الكائن الذي يشبهها ولا يشبهها ، من الواضح أن وزنه كان ليفوق وزنها ..وكان ثمة شعر كثيف في وجهه وذراعيه ،وما أن بدأت بتحسسه حتى هب مذعورا ليسألها عن نفسها ..وهل تعرف هي نفسها من نفسها ...؟
    في كل الأحوال ، أصبح وتدٌ سعيداً بما أنعم الله عليه فشكر ربه واستيقن بأن الله قد أجاب دعاءه وأنه لن يكون وحيدا بعد الآن .
    كانت سببٌ هذه على شدة جمالها متقلبة المزاج سريعة الانفعال خفيفة الحركة فلقبها وتدٌ (بالسبب الخفيف ) ،ومع خفتها وميلها الدائم إلى اللهو واللعب كانت سببٌ تميل إلى الكسل والاعتماد على صاحبها في جمع الثمار ، حتى أنها كانت تصر على أن يطعمها بيده لكسلها أو ربما لدلالها . .ولم يكن وتدٌ ليرفض لها أي طلب بطبيعة الحال ..لكنه كان أحيانا يحن إلى بعض لحظات الهدوء شوقا إلى ما طبعه الله عليه من حب التأمل والتفكر اللذين حرمّتهما (سبب خفيف) عليه كونها لم تكن لتسمح له بتأمل شيء آخر سواها . فلعله ندم ذات مرة على ما جرّه على نفسه من تضييق الأفق فحاول التهرب قليلا ليخلو بنفسه وبما يحيط به من الكون ، وعند ذلك كانت له سبب بالمرصاد وعزّ عليها تهربه منها .فأعملت ذكاءها ودهاءها وقررت امتلاك وتد إلى الدرجة التي لن يكون بوسعه التفكير في مفارقتها أو التهرب منها .
    فكرت سبب الذكية وتوصلت إلى فكرة مناسبة وكانت تلك ولادة فكرة ( الخبن ) وبهذه الفكرة قررت سبب أن تلف ذراعها بجريد النخل وتشدها إلى الأعلى لتربطها بعنقها مدعية أنها قد كُسِرَت فهي محتاجة لرعاية مستمرة من وتد طوال الليل والنهار . فتصنعت الألم الشديد وانطلقت إلى وتد وهي تخبّئ ضحكتها خلف بريق عينيها الدامعتين قائلة : آه ه ه ه ه ذراعي! ذراعي! .....سقطت من أعلى الشجرة على ذراعي فانكسرت ..آه ه ه ذراعي سأموت من الجوع يا وتد !ولن أستطيع جمع طعامي وأنت بعيد ..وانفتحت عينا وتد إلى آخر انفتاحهما وهو يتلقى هذا الخبر الصاعق ، وأخذ يلومها ويعنفها على كثرة حركتها ويسألها عن السبب الذي يجعلها كثيرة الحركة هكذا ..فعند ذلك نفرت الدموع من عينيها بصدق وحق وصرخت فيه وقد احمرت وجنتاها : - أتلومني وأنا أتألم ؟ بدل أن تواسيني وتعالجني ؟ حسنا ..لن أكلمك أبداً بعد اليوم ..هيا ..إذهب أنا لا أحتاجك ...سأموت من الجوع ولن أطلب منك أية مساعدة .
    فتأثر وتدّ من قولها وأظهر ندمه على معاملتها بخشونة وقال لها : - اطمئني يا حبيبتي !ما كنت لأتركك تموتين من الجوع وقد كسرت ذراعك وأنا موجود في قيد الحياة .
    وأخذ يضمها إلى صدره بذراعيه القويتين فيما كانت ابتسامتها الجميلة تبرق وسط دموعها المتلألئة . وقالت بلطف :
    - أتعدني وتعاهدني يا حياتي ..!
    فمسح وتد على شعرها وأجاب دون تفكير :
    - أعدك يا حبيبتي وأقسم لك .
    - وهنا مسحت سبب دمعتها بخد وتد قائلة :
    - حقا؟ وما الذي سيجبرك على تنفيذ وعدك والبر بقسمك ؟
    - له يا خفيف !!..أتشكين في مصداقية ما أقول ؟
    - نعم أشك . وأريد منك توثيقاً لكلامك .
    - حسنا ..أنا جاهز ، ماذا تريدين ؟
    - أريد أن تمنحني إحدى ذراعيك هاتين لتكون في خدمتي بعقد بيع وشراء . وذلك كي أثق بوجودك معي حتى لو وسوس لك الشيطان بالتخلي عني .
    وهنا ضحك وتد وقد أعجبته خفة ظلها وقال مستفسرا ً :
    -وهل إذا وهبتك إحدى ذراعي ستتركين لي بعض السلطة عليها أم أنها ستكون في خدمتك أنت فقط ؟
    - بل ستكون في خدمتي فقط طالما أنا أعاني من ( الخبن ) كسر الذراع ، فإذا شفيت ذراعي فذراعك لك وفي خدمتك أنت .
    - حسنا ...أنا موافق .
    وأحضر وتدٌ لوحاً طينيا ً رطباً وكتب عليه ما أملت به (سببٌ خفيف ) وهو كالتالي :
    أقرّ وأشهد أنا الوتد المجموع أن إحدى ذراعي ستكون دائما في خدمة السبب الخفيف فقط في حال (الخبن ) ، فإذا زال الخبن عن السبب الخفيف تعود ذراعي لي . وعليه أبصم
    وبصم كل منهما على لوح الطين ...وشوته سببٌ بالنار وأخفته تحت سابع أرض .
    يتبع بإذن الله..

  2. #2
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.31

    افتراضي

    مسرحية قصصية تعليمية جيدة ,

    بوركت
    ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

  3. #3

  4. #4
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    استطاعت (سببٌ خفيفٌ ) بفضل ما وهبها الله من موهبة الكيد العظيم دفع وتد الذي يعتد ببعد نظره وعمق تفكيره ليبصم على تنازله عن حق التحكم في ذراعه وهو يضحك .وكما هو متوقع فإن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا ..فقد ضحكت سبب خفيف كثيرا وهي تتحكم بحريات وتد الذي لم يعد متاحا له أن يفكر بالابتعاد عنها قيد لحظة . ولا ريب أن سببا كانت لتستحق هذه الأمجاد التي سطرتها لها كتب التاريخ في دائرة المتفق . ولتكون دليلا يقتدى به من بعد لحفيداتها من الأسباب الخفيفة والثقيلة .
    مر وقت طويل على تلك الحادثة التاريخية ، وامتلأت دائرة المتفق بالأزواج من السببات خفيفات الظل اللواتي ورثن الدلال والجمال والدهاء عن أمهن الأولى ، والأوتاد المتنفذين الذين ورثوا بعد النظر عن أبيهم الوتد المجموع الأول . والسنون تمر ..ويهاجر من يهاجر من أولئك الأزواج إلى مناطق محيطية أبعد من دائرة المتفق فتتأسس دوائر بحرية جديدة هي المختلف (ب) والمجتلب (ج) والمشتبه (د) تباعاً .
    ولئن كانت الأسباب الخفيفة قد وظفت جمالها و دهاءها لإشادة عزها التليد في دائرة المتفق، فقد ظل الوتد الطموح يشعر بالكبت والتأزم ويحن للانعتاق من الأفق الضيّق في تلك الدائرة .. فجلس يفكر ويفكر بطريقة يستعيد بها حريته وينعتق من أسر الأسباب الخفيفة وأنى له ذلك وهو يفر منها إليها ؟ لقد حاول الوتد المجموع إبان تأسيس دائرة المختلف أن يحصل على المزيد من الحريات فكان أن سنّ فيها ولأول مرة حق حرية تعدد الزوجات !!،فتمكن من صيد عصفورين اثنين بحجر واحد حسب ظنه ..فالعصفور الأول توسيع ذمته الشرعية والعصفور الثاني تقييد محاولات السبب الخفيف في الاعتماد على ذراع الوتد في حال الخبن فخطة الوتد الخبيثة أن يجمع إليه في أسرة واحدة سببين خفيفين فيتجنب تنفيذ وعده القديم بمنح ذراعه للسبب الأول ( الزوجة الأولى ) حين الخبن لوجود السبب الثاني وهي الزوجة الثانية الفاصلة بينهما .
    ولعل عصفورا ثالثا قد أصابه حجر الوتد عن طريق المصادفة هو منع الزوجة الثانية من طي ذراعها والادعاء بأنها قد كسرته عندما يقوم هو باستباقها إلى تمثيلية قطع ذراعه في دائرة المجتلب أو عندما يقوم السبب الأول بالخبن . . فوتد الآن غير وتد القديم بعد أن أصبح خبيرا بكيد الأسباب الخفيفة قادرا على الاستفادة من تجاربه السابقة حين كان وحيد الزوجة . وهكذا فتجربة الوتد خير معلم له .
    أكثر من ذلك كان اعتداده ببعد نظره يغر الوتد بسيطرته على العالم .. حتى بدأ يظن أنه قادر على أن يضطر الأسباب الخفيفة لتقبل هذا الواقع المرير بمحض حكمته في اعتماده على سنّة التدرج في سن القرارات فتدرج بالانتقال من حرية اتخاذ القرار عند الوتد بالزواج بسببين خفيفين فقط أو الاكتفاء بسبب خفيف واحد كزوجة في دائرة المختلف ،إلى فرض قانون الزواج باثنتين ومنع الزواج بواحدة مطلقا في دائرة المجتلب . ولما وجد أن هناك من الأوتاد الضعفاء من تنكدت عليه عيشته بسبب اتفاق الضرائر ضده واجتماعهن عليه في بعض الحالات من دائرة المشتبه عاد عن قراره التعسفي نوعا ما وسمح للأوتاد في الاختيار بين زوجتين أو ثلاث زوجات في المشتبه ، ولم يكن هذا بالطبع ليسر الأسباب الخفيفة من الجيل الثاني والذي شعر بأن عيون الأوتاد الزائغة في الدوائر الجديدة قد قضت على أمجاد الأمهات في دائرة المتفق فانبرت مجموعة من الأسباب الخفيفة لتثقيل أنفسهن بالعلم والثقافة ودورات رفع الأثقال التي أتاحت نمو العضلات الأنثوية للتحول إلى أسباب ثقيلة قادرة على التحدي والتصدي للوتد المجموع الخطير الذي ما فتأ يعزف على أوتار التعبير عن محبته للأسباب الخفيفة بالاستزادة منهن كأزواج له..وهذا منطق معوج ما كان لينطلي على الأسباب بعد أن تثقلت بما يمكنها من الدفاع عن حقوقها والحفاظ على مكتسباتها التاريخية الموروثة ...والتي اتخذت لها مقرا إداريا جديدا خاصا بها في بقاع العالم وأحدثها وأكثرها تطورا وهي دائرة المؤتلف .
    وبما أننا قد وضعنا يدنا على سر التنافر بين شخصية الوتد المجموع المغرور ببعد نظره وأجمل طموحه و الشخصية الواعية المتحفزة لكل الأسباب الثقيلة التي لا ولن تسمح للوتد بخداعها وتحويلها إلى مجرد أرقام في سلسلة حريمه المتدرجة .
    وبما أننا قد وصلنا إلى تحديد جوهر الصراع بين السبب الثقيل والوتد المجموع دعونا نقفز في الزمن قفزة بعيدة .
    نحن الآن في القرن الحادي والعشرين من تاريخ كوكب الإيقاع.
    نطل من نافذة بيت ريفي جميل مفتوحة على مصراعيها على صبية حسناء تدعى سبب ثقيل ..سببٌ ثقيلُ لديها من تناقضات الصفات الشيء الكثير ، ولعل هذا التناقض هو ما يميزها ويعطيها خصوصية الجمال وقوة الشخصية فهي شقراء الشعر برونزية البشرة ذات عيون زيتونية اللون متوثبة..لا شي يستنفر طاقاتها وحماسها أكثر من أن يؤتى أمامها على ذكر الوتد المجموع الذي سخرت ذكاءها ودهاءها للكيد به وإيقافه عند حده .
    مستلقية على أريكتها مقابل جهاز التلفزيون وهي تمسك بيدها جهاز التحكم وهي تقلب القنوات الفضائية . أصغت سبب ثقيل لصوت مذيعٍ ما يبادرها بآخر الأخبار :
    ((جاء في التقرير النهائي الذي قدمه مؤخراً البروفيسور ( وتد مفروق ) رئيس بعثة (التنقيبات عن الآثار) والتي أرسلتها (هيئة الإيقاعات المتحدة للتنقيب عن الآثار تحت سابع أرض) ، أنه قد تم العثور في حفريات الحقبة الأولى من طبقات دائرة المتفق تحت سابع أرض على ثلاثة رقُمٍ طينية تعود إلى الفترة التي يقدر العلماء أن وتداً وسبباً خفيفاً قد سكنا فيها لأول مرة في ما يعتقد بأنها أقدم دائرة مأهولة على سطح كوكب الإيقاع وهي دائرة المتفق أ .
    ويذكر البروفيسور وتد مفروق في تقريره أن أهمية هذه الرُقُم أو اللقى التذكارية الثلاثة تأتي من كونها قد كشفت بشكل واضح عن أقدم مصدر تشريعي اعتمدت عليه التقسيمات الإدارية التاريخية على سطح كوكب الإيقاع . إذ يكشف أحد تلك الرُقُم توثيقاً لأقدم قانون تم العمل به في دائرة المتفق وهو قانون (الخبن ) وهو القانون الذي أثار جدلا طويلا بين العلماء - كما هو معروف - لما له من أهمية سياسية في تحديد الأصول التاريخية للسكان الأصليين من شعب (الخبب ) والذين عانوا من الاضطهاد العرقي التاريخي الذي جعلهم متفرقين في أنحاء شتى من كوكب الإيقاع بعد أن رفضت المحكمة البحرية الطلب الذي قدمه ممثلهم في هيئة الإيقاعات المتحدة بالاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم وإنشاء كيانهم الإداري المستقل عن الدوائر الإيقاعية الخمس .
    ولفت الانتباه البروفيسور وتد مفروق - وهو من الأوتاد الأفارقة المتعاطفين إعلامياً مع شعب الخبب- في تقريره إلى أنه يجدر بالباحثين عدم استغلال هذا الاكتشاف الحديث لوثيقة قانون الخبب ( الخبن )في تعميق الفجوة بين الشعب الخببي الذي يطالب بحقه في تقرير مصيره وبين موقف المحكمة البحرية الرافض لذلك المطلب الشرعي بحجة وجود وثائق قد تفيد بانحدار أصول الشعب الخببي من دائرة المتفق . ...
    يتبع بإذن الله ...

  5. #5
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي


    كان عليها أن تذرع الغرفة جيئة ًوذهاباً لعشرات المرات كلما راودتها فكرة التصدي للوتد المجموع . وفي هذه المرة ذرعت سبب ثقيل الغرفة وجاءت وذهبت وهي تفرك جبهتها بأصابعها القلقة كما لو كانت تحاول جمع قصاصات أفكارها المبعثرة في باطن عقلها بمغناطيسٍ في رؤوس أصابعها .
    ما الذي علي فعله الآن . ؟ وحاولت تجميع أفكارها أكثر .
    كيف أصنف هذا الرجل ؟ أهو في الحقيقة كما يحاول أن يبدو ؟ هل أصدق فعلا ما أسمع وأقرأ عنه ؟ أتراه يمثل جزءا من مخطط ما ؟ لماذا أرغب بتصديقه ؟ ولماذا لا أستطيع تصديقه في الوقت نفسه ؟
    وبدأت سبب ثقيل البحث عن الأجوبة : حسنا ..أرغب بتصديقه لأنه ....بل لا أستطيع تصديقه لأنه ....
    ولم يجدها البحث نفعاً فوبخت نفسها :
    كفى ...كفى بالله عليك يا سبب ثقيل . عار عليك هذه الحيرة .لم يكن ينقصك إلا أن تحتاري في أمره .
    لكن ما هذا ؟ أأوبخ نفسي بسببه ؟ ومن هو ؟
    توجهت إلى النافذة المفتوحة و اتكأت بذراعيها على حافتها وحدقت عيناها في اللاشيء الخارجي البعيد الذي حدّق فيها بدوره وبادلها حيرة بحيرة قبل أن تسد بوجهه جفنيها وتتنهد تنهيدة الإخفاق في اتخاذ القرار ... وفي مثل هذه الحال كان بوسعها أن تفعل شيئا ًواحدا بعد وهي متكئة على حافة النافذة ، الطرق بكعب حذائها الرفيع على الأرض العارية طرقات متلاحقة أشبه بما تفعله راقصات الفلامنغو في حوارها مع الأرض التي كانت تأمل أن تلبيها وتتخذ عنها القرار وترد لها الجواب .لكن الأرض اليوم كانت لينة ،وامتصت طرقات الحذاء وادعت أنها لم تسمع شيئا .
    كانت سبب ثقيل صحافية ناشطة في مجال حقوق الإيقاع , وكانت تقدم تقاريرها الشخصية تباعا لجمعية حقوق الإيقاع في منطقة دائرة المؤتلف ..غير أنها كانت أكثر حضورا في دائرة الجوار ( المشتبه )..هناك راقبت الأوضاع الإيقاعية عن كثب .وظلت دائما في محيط الوتد المجموع تحلل الأحداث وتجمع الأدلة و تلتقط الصور من أرض الحدث.. إلى أن اصطدمت بالعلاقة التي تجمع بين الوتدين المجموع والمفروق ، تلك العلاقة التي لم تخطر على بال أحد من المراقبين والتي لاحظتها هي مصادفة في صورة التقطتها دون استئذان في فناء بيت الوتد المجموع ، صورة ظهر فيها الوتدان المجموع والمفروق متعانقين . كان الوتد المفروق في يسار الصورة قد أحاط بذراعه الممدودة كتف الوتد المجموع من يمين الصورة وكانا متلاصقين ..كانا متلاصقين إلى درجة توحي بأنهما وجهان لعملة واحدة . وكانت وجوه الأسباب الخفيفة البلهاء تملأ أقصى اليسار وأقصى اليمين ..
    ما لا تستطيع سبب ثقيل فهمه حتى الآن هو ذلك الذي يجمع بين الوتدين ويقربهما بعضهما من بعض .. أليس الوتد المجموع عدو الشعب الخببي الأول ؟ فكيف يعانق من يناصر الشعب الخببي وهو الوتد المفروق ....؟ ما الذي بينهما ويخفى على العامة ؟ لكن هل الوتد المفروق نصير الشعب الخببي حقا كما يشاع عنه ؟ أم أنه مجرد ادعاء إعلامي مقصود ومخطط له ؟ بالله كيف يتعانق وتدان إلى درجة توحي بأن أحدهما يصلح بديلا للآخر ؟ وأيهما يرى لنفسه استحقاقا أكثر من الآخر في هذه الدائرة الغرائبية دائرة المشتبه ....؟ من سيجيبني على هذه الأسئلة ؟ كانت سبب ثقيل تحدث نفسها بصوت مسموع ..ولم تكن ترغب بأن تأتيها الأجوبة الجاهزة والمعدة مسبقا ..كان عليها أن تكتشف الأجوبة اكتشافا وتسترق الحقائق استراقا .فاليقين ما كان يوما منحة ...اليقين عين الاحتراق.
    صدمتها حين اكتشفت العلاقة بين الوتدين أرقتها ،لم تكن لتتوقع أن يكون البروفيسور وتد مفروق سوى ما يظهر عليه في الإعلام . لم يحيرها الرجل عند لقائها به للمرة الأولى حين دعا إلى المؤتمر الصحفي بعد عودة فريق بعثته من الرحلة البحثية الاستكشافية إلى دائرة المتفق . حينها حضرت سبب ثقيل مع من حضر من الصحافيين من جميع دوائر كوكب الإيقاع لتغطية المؤتمر إعلاميا والمشاركة فيه .
    كان الإعلام يقدم البروفيسور وتداً مفروقًا كشخص مرموق ذي شعبية كبيرة بسبب اقترابه من قضايا الشعوب ومناصرته لحقوقها المسلوبة ،وبسبب حضوره الجذاب وبساطته التي تذوب معها الجدران الجليدية التي قد تقوم بين المتحاورين . فما كان الاقتراب منه إلا ليزيد محاوره تسليماً له ..كان من السهل عليه أن يعطيك ما يريد هو لا ما تريد أنت ثم يشعرك بانتصارك عليه واكتسابك منه فوق ذلك . وعلى الرغم من بشرته السوداء وشعره المجعد الفاحم كنت لتشعر بأنك تستحم في شلالا من النور حين ينظر باتجاهك ..كانت عيناه العسليتان لتمنعك من محاولة مخالفته خشية تكدير الصفاء المترقرق فيهما....هذا ما أسرّت به سبب ثقيل لنفسها وكتبته في دفتر يومياتها . عندما سجلت انطباعها الأول عنه عقب المؤتمر الصحفي . غير أن حب التحدي عند سبب ثقيل كان ليدفعها إلى مغامرة تكدير الصفاء في عيني البروفيسور وتد مفروق ، وما الذي كانت ستفعله إن لم تفعل ذلك ؟ ؟ ثم إن قضية الشعب الخببي هي قضيتها الشخصية الأولى بحكم جنسيتها الخببية ..ومهما كان البروفيسور وتد مفروق جذابا فلن يكون أكثر جاذبية من قضية الشعب الخببي التي بدأ يتضح أنه يستغلها إعلاميا ً ليروج لنفسه كشخصية أممية ذات تأثير واسع وقبول في مختلف بقاع كوكب الأيقاع .
    هزت سبب ثقيل رأسها لتحذف نافذة انبثقت بصورة البروفيسور وتد مفروق على شاشة سطح المكتب في خيالها . ومع ضغطها على خيار الحذف قالت لنفسها : ما جمعته من معلومات حتى الآن لم يكن مطمئنا ً ..الوتد المفروق والوتد المجموع متلاصقان ؟ ترى ما طبيعة العلاقة بينهما ؟ طيب كيف يشاع عنه أنه مناصر للشعب الخببي ؟ أهو مجرد ادعاء ؟ لماذا لم تثبت تحرياتنا عنه شيئا من هذه المناصرة سوى في الخطاب الإعلامي ؟ وهل الخطاب الإعلامي شيء قليل الأهمية ؟
    وفركت جبهتها من جديد ...سبب ثقيل .
    كان عليها أن تتخذ قرارها ..وفجأة فعلت ..أمسكت هاتفها الجوال وضغطت على رقمه :
    - ألو ...
    - نعم ..
    - كيف حالك بروفيسور وتد
    - أنا بخير ..أنت كيف حالك عزيزتي ؟
    - وهل عرفتني ؟
    - لعلي أعرفك ...
    - حسنا ...أنا الصحفية سبب ثقيل ..وأرغب بإجراء مقابلة معك .
    - فلماذا لم تتصلي بالسكرتيرة لتحدد لك موعدا ؟
    - لأنني أخشى المزيد من الانتظار .
    - وفيم العجلة ؟ الانتظار ليس بالأمر السيئ
    - الانتظار يزعجني ... ثم إنني من دائرة المؤتلف وأرغب باللقاء بك قبل موعد مغادرتي دائرة المشتبه ..وهو بعد غد ، فإن أحببت مساعدتي على ذلك وهو ما أتوقعه منك وأرجوه فسأكون شاكرة للطفك .
    - وعم ستسألينني في المقابلة معك ؟
    - وهل علي أن أخبرك الآن ؟
    - إن كان علي أن أقبل لقاءك غدا .
    - حسنا ..سنتحدث في مواضيع متفرقة .
    - أعطني مثالا .
    - قضية الشعب الخببي وحقوقه المستلبة .
    - سأنتظرك غدا صباحا في الساعة العاشرة في مطعم الأوزان
    - شكرا سيدي ..
    يتبع بإذن الله

  6. #6
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.31

    افتراضي

    الله
    إبداع في الكتابة , و إبداع في الطرح ,
    و حين تكتشف سبب ثقيل هذه العلاقة , فلن ينساها القارئ , و لن ينسى الدوائر ,

    بارك الله فيك , و أتابع إبداعك باهتمام ..

    مرت بي سهوة كيبوردية هنا : بأنك تستحم في شلالا ...


    محبتي و تقديري و إعجابي .

  7. #7
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد رامي مشاهدة المشاركة
    الله
    إبداع في الكتابة , و إبداع في الطرح ,
    و حين تكتشف سبب ثقيل هذه العلاقة , فلن ينساها القارئ , و لن ينسى الدوائر ,

    بارك الله فيك , و أتابع إبداعك باهتمام ..

    مرت بي سهوة كيبوردية هنا : بأنك تستحم في شلالا ...


    محبتي و تقديري و إعجابي .

    شكرا لك أستاذي الكريم أحمد رامي

    أشكر لك متابعتك واهتمامك ..

    عندما انتبهت لتلك السهوة كان قد فات أوان التعديل ...للأسف ، فأرجو المعذرة
    كل التقدير


  8. #8
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    في مطعم الأوزان المطل على بحر المنسرح ورائحة رذاذه الرطبة وعلى الطاولة بينهما فرشت سبب ثقيل أوراقها ، وكان البروفيسور وتد مفروق ينظر لما تفعله و يبتسم ، فقد بدت وسط أوراقها المبعثرة أشبه بطفلة ما زالت تتعلم العد باستخدام عواميد الخرز . لكن سببا ثقيلا كانت تعلم ما الذي تفعله ، وكانت تعلم أن مهمة الصحفي الناجح أشبه بمهمة قاضي التحقيق مع فارق أن المتهم لا يملك حق الامتناع عن الإجابة أمام قاضي التحقيق ويملكه أمام الصحفي . وقد أدخلت سبب ثقيل الوتد المفروق الآن في قفص الاتهام . .. وها هو يبتسم من وراء القضبان فيما كانت سبب ثقيل تضغط على زر التسجيل وتضع آلة التسجيل على الطاولة .
    قال البروفيسور وتد :
    - هل كنتِ حاضرة في المؤتمر الصحفي الذي أقمناه قبل أسبوع ؟
    - نعم .
    -كأني لم ألاحظ وجودك هناك ؟ قال الوتد هذا بصيغة ٍ تمزج الاستفهام بالتأسف .
    - لم تلاحظ وجودي بعد كل ما حاولته من الصراخ لتسمح لي بالمشاركة ؟ يا له من إطراء ! ويا لها الآن من بداية لطيفة لهذه المقابلة هذا ما قالته سبب ثقيل في نفسها قبل أن تنطق بلهجة تمزج العتب بالتفهم :
    -.......حاولت المشاركة ورفعت يدي ولم يتم انتقائي لطرح ما لدي من أسئلة .
    - أوه و هذا مؤسف ..لكن أليست هذه الآن فرصتك وفرصتنا لنعوض لك ذلك ؟
    - بلى ..هي فرصة . .قالت سبب ثقيل :
    - أحب أن أعرف تفاصيل أكثر عن قصة تعاطفك مع الشعب الخببي إذا سمحت بروفيسور وتد .
    - قصة ؟ ! ضحك البروفيسور ورد بحزم :
    - إسمعي ! ليس لدي الكثير من الوقت ...سأمنحك ساعة واحدة فقط .وأنت حرة في إدارتها ..
    قال ذلك وهو ينظر إلى النادل الذي كان يتقدم باتجاه طاولتهما مع القهوة . وتفاجأت سبب ثقيل بلهجته القاسية واستغلت فرصة انشغاله بالنادل لتبحث في ملامحه عما يؤيد انطباعها الأول عنه . فهل كانت مخطئة في الانجذاب إليه ؟ تلك صدمة صغيرة عليك أن تتحمليها ..رددت لتواسي نفسها ..إنه وتد ..مجرد وتد...وباغتها الوتد بالسؤال :
    - هل أنت مصغية ؟
    وأجابت مبتسمة :
    =كلي آذان صاغية . وأردفت في نفسها : أيها الوتد المتعجرف !
    -سؤالك جميل ! قال مبتسما ، وهي استفهمت بدهشة :أي سؤال ؟
    -سؤالك عن قصة تعاطفي مع القضية الخببية .
    - أنا مصغية .
    - أنا مقتنع تماما بحقوق الشعب الخببي التي سلبت منه ظلما وعدوانا . الشعب الخببي سكن في بقعته الخاصة خارج تقسيمات الدوائر كشعب أصلي منذ القدم . وله كامل الحق في الاعتراف به كشعب أصلي مستقل ذي كيان إداري مستقل في كوكب الإيقاع .
    - نعم .. سمعتك تقول هذا من قبل ..وأريد شيئا جديدا ... حدثني إذا سمحت عن سر قناعتك بما تقول .. .
    -اممممم تريدين سبقا صحفيا إذن ..لا بأس . سأشرح لك سر قناعتي . قولي لي أنت ، ما القبائل المعاصرة التي تمثل كل أطياف الشعب الخببي في كوكب الإيقاع ؟
    - هناك ثلاث قبائل : قبيلة فعِلن (2) 2 وقبيلة فعْلن 2 2 وقبيلة فاعلُ 2 (2) .
    - جوابك صحيح ! ...وما الذي يدفع المحكمة البحرية لرفض منح حق الاستقلال لهذا الشعب البائس ؟
    - هناك تهمة موجهة ضد الخبب ، وهي تهمة انحداره من الأصول الإيقاعية البحرية وبالتحديد : الانحدار من دائرة المتفق . وذلك بسبب انتشار قبيلة فعِلن (2) 2 الخببية في هذه الدائرة منذ القدم .
    - أنت فاهمة لكل شيء ! وهل تعرفين ما المعايير التي تستخدمها المحكمة البحرية في قضايا التأصيل ؟
    - لا ...!
    - حسنا ..أنا أخبرك بهذه المعايير : التشابه في الشكل والبنية التشريحية والسلوك والتركيب الوراثي . ..أتعلمين بوجود قبيلة أخرى تدعى فعِلن (2) 2 أيضا وقد أثبتت الأبحاث الوراثية بما لا يقبل الشك أنها ذات أصول بحرية وتشترك مع السكان الأصليين الذين يعيشون اليوم في جزر بحر المتدارك التابعة لدائرة المتفق ؟ ...فبسبب التشابه الشكلي والسلوكي بين القبيلتين البحرية والخببية واللتين تحملان الاسم نفسه فعِلن (2) 2 تم توجيه الاتهام ضد الشعب الخببي ...
    - .......نعم
    - وتعلمين أن اللوح الطيني الذي اكتشفناه مؤخرا في دائرة المتفق يوثق قانون سلوك الخبن الذي يفسر نشوء تلك القبيلة البحرية فعِلن (2) 2 .
    - وإذن ؟ ......
    - إذن ...المحكمة البحرية معذورة في رفضها منح حق الاستقلال للشعب الخببي .
    - مم معذورة ؟! ...لا ! لم أكن أتوقع أن قناعتك راسخة وقوية إلى هذا الحد ! حتى أنك تكاد تقنعني بعدالة موقف المحكمة البحرية .
    - وارتسمت على وجه سبب ثقيل ملامح الغيظ والصبر على الشدة ..شدة الإنصات إلى هذا الرجل .
    - هههههههه ههههههه . ضحك الوتد المفروق بصوت مرتفع هز أرجاء المطعم ..وكأنه قد نسي أنه يجلس أمام فتاة في مكان عام . وبدت ضحكته كحمامة مذعورة أفلتت للتو من أيدٍ تحاول أسرها لتنطلق في المطعم وفوق الطاولات على غير هدى .. ثم صمت وهدأ ونظر إلى سبب ثقيل التي زادتها ضحكته غيظاً وخشية من أن يكون جميع من في المطعم قد أخذوا ينظرون إليهما ، فأخفضت بصرها كي لا تصطدم نظراتها بنظرات الآخرين الفضولية . ..ولم يفتها في هذه المناسبة أن تعرج باللوم على نفسها وللمرة الثانية على ما كان من انطباعها الأول عنه في ذلك المؤتمر . كيف أمكنها أن تنجذب لمثل هذا الرجل الذي يجلس أمامها الآن متربعا على عرش الفظاظة ؟
    -وكأنما البروفيسور وتد قد أحس بما يحاك ضده في نفسها فأخفض صوته ليطمئنها وهمس بلطف :
    - لماذا تثورين علي هكذا ؟ ألم يعجبك كلامي ؟
    ثم تابع وكأنه يبرر ذنبه :
    - أتعلمين ...منذ وقت طويل لم أضحك من قلبي هكذا .
    - حقا ؟ وما الذي أضحكك من قلبك سيدي ؟
    - لا أدري بالضبط ...! أترين الأسلوب الذي تكلمينني به ؟ إنه يستفزني ويثير ضحكي في الوقت نفسه ...هل سخرت من كلامي قبل قليل ؟
    - وهنا شعرت سبب ثقيل أنها ستفقد زمام الأمور بعد ثوان قليلة ...ولولا أنها تريد أن تستدرج هذا الوتد المفروق ليعترف بحقيقة علاقته بالوتد المجموع إذن لأراحت أعصابها من ثقل ظله وقفلت عائدة إلى دائرة المؤتلف ...لكن لا ..ينبغي عليها الآن أن تعود لضبط أعصابها ...لا بد لها من بعض الطراوة ليستمر هذا البروفيسور بإعطائها الدرس الذي حفظته عن ظهر قلب . تنهدت سبب وقالت :
    - عفوا سيدي ! لم أقصد الإساءة أو السخرية ..لكن حضرتك تعلم أنني خببية ..وأنت تتكلم عن أعذار المحكمة البحرية حول قبيلة فعِلن (2) 2 فيما تتجاهل عن قصد أو عن غير قصد وجود قبيلتين خببيتين أخريين هما فعْلن 2 2 وفاعلُ 2 (2) وكل منهما مستقلة من حيث الشكل والسلوك عن السكان الأصليين لجزر بحر المتدارك ...فماذا عنهما ؟ وهل ترى أيضا أن المحكمة البحرية معذورة في عدم تأصيلهما ؟
    - عليك أن تعلمي عزيزتي أنني لست متعاطفاً مع المحكمة البحرية ضد الخبب . بل على العكس تماما ..لكنني أحاول وضعك أمام حقيقة الأمور ..فهناك عذر للمحكمة البحرية حتى فيما يتعلق بالقبيلتين الخببيتين الأخريين .
    - فما العذر فيما يتعلق بقبيلة فعْلن 2 2 أولا ؟
    -هناك أكثر من ادعاء حول هذه القبيلة : مثلا ، يقال إن السلسلة الوراثية لهذه القبيلة والتي تتكون شيفراتها من ثنائيات متعددة كل منها ذات تركيب وراثي لزوج من الأسباب الخفيفة 2 2 إنما هي في الحقيقة ناجمة عن طفرة تعرضت لها الشيفرة الوراثية البحرية* المكونة من تركيب وراثي لسبب خفيف ووتد مجموع 2 3 فالطفرة قد تكون أصابت الوتد المجموع إما بالقطع أو بالتشعيث وفي كلتي الحالتين سيتحول الوتد إلى سبب خفيف فتتحول الشيفرة البحرية 2 3 إلى شيفرة خببية 2 2 وهي التي نلاحظها اليوم عند قبيلة فعْلن 2 2 الخببية .
    - وبماذا ترد حضرتك على هذا الادعاء من منطلق كونك مناصرا لحقوق الشعب الخببي وأصالته ؟
    - أرد بأن القطع والتشعيث لا يمكن أن يطالا التركيب الوراثي للوتد إلا في مكان واحد هو نهاية السلسلة الوراثية البحرية* . بينما نحن نجد أن السلسلة الوراثية الخببية بكاملها وعلى طولها مكونة من تتالي الشيفرات ذات التركيب الوراثي 2 2 . وهذا يتطلب أن يتعرض التركيب الوراثي للوتد على طول السلسلة البحرية وفي كل شيفرة بحرية 2 3 للطفرة نفسها . وهذا مستحيل علميا . ولا يمكن للطفرة التي تتحكم بها المصادفات والاحتمالات الضعيفة أن تحدث بهذا الترتيب لا...وبالتالي فليس هنالك من شخص عاقل يسمح لنفسه بتصديق هذا الوهم .
    كان البروفيسور وتد مفروق يتحدث وكانت أسارير سبب ثقيل تنفرج شيئا فشيئا مع تقدمه في الحديث ، فلما سكت البروفيسور كانت ابتسامة سبب ثقيل قد ملأت وجهها وكان الإعجاب بهذا الذي قاله البروفيسور قد جعلها تنظر إليه كما لو كان شخصا عزيزا قابلته في هذه اللحظة بعد فراق .
    وعند ذلك همست وهي تبتسم :
    - نعم ...هذا كلام أستمع إليه بكل سرور .
    لكن البروفيسور وتد الذي لاحظ سرورها لم يكن ليفوت على نفسه فرصة عقابها على أسلوبها الساخر في التحدث معه قبل دقائق قليلة .فكأنما سمع صوتا من داخله يأمره أمرا : فلتؤدب هذه الفتاة يا رجل !
    لكنه مع ذلك ابتسم مثلها وقال :
    -أسعدني أن أراك مسرورة بما أقول ..وتابع : وسر قناعتي أننا لو قبلنا جدلا أن السلسلة الوراثية البحرية قد تعرضت بكاملها وعلى طولها للطفرة نفسها في كل شيفرة فيها فلماذا نجد اختلافا بين عدد الشيفرات الوراثية البحرية والخببية الحديثة وهما في الأصل شيئ واحد ؟
    قال البروفيسور هذا وتمكنت عيناه في لحظة واحدة من استعادة ذلك الصفاء المتألق الذي أسر سببا ثقيلا يوم المؤتمر والذي كانت غاضبة لافتقاده فيهما قبل دقائق .
    -ومع هذه الاستعادة غير المتوقعة للصفاء رأت سبب ثقيل ستائر شفافة من حرير ضوئي تنسدل من الأعلى لتفصل بينها وبين هذا الرجل ...كان عليه أن يكون هكذا منذ البدء ...همست في نفسها ..وأرادت أن تعتذر له من جديد عن أسلوبها غير اللائق الذي استخدمته في محادثته آنفا ..إلا أنها لمحت قضبان قفص الاتهام الذي أجلست فيه البروفيسور تتراءى من خلف الستار الضوئي . ...فلم يكن لها خيار إلا في أن تعتدل في حديثها معه ليس إلا . ..وتابعت سبب باعتدال واضح :
    - أكمل من فضلك بروفيسور وتد ! ماذا يقال أيضا عن القبيلة فعلن 2 2 ؟
    -وقبل أن يجيب هو أجابت نفسها ..: تبا لك ..ألن تخرجيه أولا من قفص الاتهام ؟
    وهنا قمعت سبب صوت نفسها حاسمة : اصمتي ! أنت ِلا شأن لك بيننا ...دعيه حيث هو . كانت تحادث نفسها بينما كان الوتد يقول :
    - يقال أيضاً إن وجود قبيلة فعْلن 2 2 الخببية قد يكون ناجما عن تحول الشيفرة البحرية الأصلية 2 3 إلى فعِلن بتوارث سلوك الخبن . وهذا يعني أن اختفاء ذراع السبب الخفيف في التركيب الوراثي 2 3 بطفرة أخرى قد حول الشيفرة إلى التركيب 1 3 وهذا التركيب يتشابه تماما من الناحية الشكلية مع الفاصلة (2) 2 التي توجد في الحوض الوراثي الخببي في قبيلة فعلن (2) 2 الخببية التي تحدثنا عنها آنفا . ثم تلا طفرة الخبن طفرة جديدة تسبب ما يسمى بسلوك الإضمار الذي يتم وفقا له تحويل التركيب الوراثي للفاصلة من (2) 2 إلى 2 2 . وهذا هو سر التشابه الشكلي بين القبيلتين فعِلن (2) 2 البحرية والخببية .
    - حسنا ...وكيف سترد على هذا الادعاء بروفيسور وتد ؟ سألته سبب ثقيل وهي تزيح الستار الضوئي المنسدل بينهما قليلا فقال :- لا أهتم بالرد على هذا الادعاء ..يا آنستي العزيزة .
    - ولمَ؟
    - لأن التركيب الوراثي كدليل علمي أقوى من التشابه الشكلي . والتركيب الوراثي للفاصلة لم يظهر في الأصول الإيقاعية البحرية إلا في دائرة المؤتلف ، وهم يدّعون انحدار الخبب من سكان المتفق ..فكيف يسمون 1 3 فاصلة في المتفق بسبب التشابه الشكلي مع الفاصلة معتدين بالدليل الأضعف دون الدليل العلمي الأقوى ؟
    وهنا نسيت سبب ثقيل أنها تتحدث مع الوتد الذي تتهمه هي باستغلال القضية الخببية لصالح شعبيته وقالت كما لو كانت تجري محادثة مع صديق مخلص قائلة :
    - لكن هناك سلوك خببي أصيل يقوم به الشعب الخببي بالتوارث وقد يستغله المدّعون البحريون لإثبات أن فعلن( 2) 2 يمكن أن تتحول تلقائيا إلى فعلن 2 2 وبدون الحاجة للتعرض لطفرة الإضمار .
    - وهل لديك ما لا أعرفه ...سأل البروفيسور وأجابت سبب بلباقة :
    - بل أنت تعرف قاعدة التكافؤ الخببي بين السببين الخفيف والثقيل والتي تسمح لأحدهما بالتحول إلى الآخر بسهولة شريطة أن لا يتجاور سببان ثقيلان .
    - نعم ...هذا صحيح !
    -- نعم فلا حاجة لاستحضار حجة طفرة الإضمار في إثبات تحول (2) 2 إلى 2 2 ...فإن ذلك قد يحدث تلقائيا عند الشعب الخببي والكل يقبله دونما برهان علمي .
    - أحسنت أيتها الفتاة .
    - لكن عليك أن ترد على كلامي هذا ...فبماذا ترد؟
    - أنت تفاجئينني الآن ..وبصراحة ..قد لا أجد ردا على هذا الادعاء
    - فهل هذا يهز قناعتك بأصالة الشعب الخببي ؟
    - بالتأكيد لا
    ونظر البروفيسور وتد مفروق في ساعته وقال :
    - لقد تجاوزت الوقت المسموح لك بربع ساعة إضافية .
    - وهل كانت ساعة واحدة لتكفيني لإجراء مثل هذه المقابلة ؟
    - فكم سأمنحك من وقتي أكثر ؟
    - لا أعرف ...لا أريد تحديد وقت معين ...فليأخذ الحوار مجراه حتى النهاية
    - هههههههه وهذا يعني أن أتفرغ لمقابلتك فقط
    - لكن ليس من العدل أن تجبرني على إنهاء المقابلة وأنا لم أحصل بعد على ما أريد . ..حتى أنك لم تحدثني عما يتعلق بالقبيلة الخببية فاعلُ 2 (2) ...ولدي سؤال أهم من كل ما وجهت إليك من الأسئلة ...فإن لم تتح لي فرصة لطرحه فهذه مشكلة .
    - مشكلتك أم مشكلتي ؟
    - بروفيسور وتد أرجوك أن تحدد لي موعدا آخر لإجراء هذه المقابلة والخروج بالنتائج التي أتوخاها .
    - أتعلمين ؟ لقد تأكدت الآن أن جميع الصحافيين مصابون بالمرض النفسي ذاته .
    - وما هو هذا المرض ؟
    - إنه داء الإلحاح . ...لقد أعطيتك ما يكفي من الوقت ولكنك لم تجيدي إدارته .
    - ..........
    صمتت سبب ثقيل ..ولولا ما كان يدور في رأسها من أسئلة حول علاقة الوتدين المفروق والمجموع بعضهما مع الآخر لعرفت كيف ترد عليه . لكنها اكتفت الآن بأن تنتصب واقفة وهي تقول :
    - أتسمح لي بالانصراف ؟
    -وأنت متضايقة هكذا ؟ سألها الوتد مبتسما وشامتا
    - وما يهمك من كوني متضايقة ؟
    - اتصلي بي مساء وسنرى .
    يتبع بإذن الله .....
    .


    * السلسلة الوراثية : وزن الإيقاع البحري
    * الشيفرة الوراثية البحرية : في لغة الرقمي هي الخلية البحرية ولها ثلاثة أشكال : 2 3 - 2 2 3 - 2 2 2 3 وأقواها 2
    [SIZE="5"][/SIZ
    E]

  9. #9
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي


    في ذلك اليوم وبعد أن بتر البروفيسور وتد مفروق مقابلتها معه في مطعم الأوزان سارت سبب ثقيل باتجاه بوابة المطعم وهي أشد ما تكون قلقاً وحيرة ...كانت تخشى أنها قد أضاعت فرصتها في اكتشاف سر العلاقة بين الوتد المفروق والوتد المجموع . وحينما التفتت إليه وقد اجتازت قدماها بوابة المطعم لتقف على رصيف الشارع العام، رأته ما يزال جالساً في مكانه ينظر إليها بنظرة ثابتة ، والتقت عيناهما لبرهة ، ومع ذلك لم يحول عيناه عنها ، أما هي فقد خاطبته عبر مسافة المطعم التي اكتظت بالطاولات بينهما : ( المقابلة لم تنتهِ بعد ..والأمر ليس لك ، وأنا من يقرر متى تنتهي المقابلة ..)...فإن كان ثمة حقيقة ما لعملية التخاطر بين بني الإيقاع فقد وصلته رسالتها ، فابتسم ورفع يده تحية لها .أما هي فسارت باتجاه باب سيارتها وألقت بجسمها على الكرسي خلف المقود ، كما قد يفعل محارب مهزوم . ومن حسن حظها أن بصره لم يكن ليخترق حواجز الجدران ويرى شعورها بالخيبة .
    هل أنا لحوحةً كما تقول ؟ سألت نفسها و أجابت بتحد : نعم ...وأنا سأريك !.. وانحرفت بالسيارة سريعاً إلى حيث لم يتمكن من رؤيتها وهو يخرج من المطعم ..ثم لحقت به بعد أن تركت ثلاث سيارات تسبقها خلفه على الطريق ..
    إلى أين أنت ذاهب ؟ سألته عن بعد ... ولم تكن تنتظر إجابته على الرغم من أهميتها ، فقد قررت أن تتبعه وحسب .
    كان الوقت يقترب شيئا فشيئا من الظهيرة .وكانت لمعة انعكاس الشمس عن سيارته السوداء وهي تتقدم في الشوارع المزدحمة بحركة الأصوات والألوان هي كل ما شاهدته سبب ثقيل من ظهيرة تلك المدينة البحرية المترنحة بين الظل والحرارة...شارعا إثر شارع ..وسبب ثقيل كمن يستعيد وعيه بالتدريج بعد تخدير عام بدأت تعي أين كان الرجل ذاهبا ...وبدأت تفكر أيضا أن اللامعقول كان ليمثل مركز القدر إن كان للقدر شكل كروي ...ومن أكثر جدارة بالكروية من هذا القدر الذي جعل البروفيسور وتد مفروق يقرر زيارة صديقه الوتد المجموع في بيته الآن وفي هذه الساعة بالذات ؟ هذا أكدته لنفسها حين اتجه الوتد المفروق بسيارته إلى الشارع الذي يسكن في الوتد المجموع . خففت سبب ثقيل من سرعتها وتركت البروفيسور يدخل بسيارته الشارع المظلل بالأشجار العملاقة الكثيفة التي كانت تزيد من روعة بيته الذي زارته فيه مرارا دون أن تعرفه بنفسها والذي التقطت في فنائه حديقته الخلفية تلك الصورة النادرة للوتدين المتعانقين في إحدى الحفلات .
    كان الشارع هادئاّ لخلوّه من المارة ومن السيارات ، وكان الوتد المفروق جديرا بأن يلاحظها وهي تلج الشارع خلفه لو كان قد رأى سيارتها من قبل أو شك بأنها قد تتبعه ..لكن ثقتها الآن بأن الله الذي أحاطها بهذا القدر الحكيم قد خطط لها فيه أن تعود إلى النقطة التي انطلقت منها في كشف سر العلاقة بين الوتدين . جعلتها تدلف الشارع وراءه على مهل ثم تمر بجواره بعد أن ترجل وأخذ يفتح بمفاتيحه البوابة المجاورة لبوابة منزل الوتد المجموع ..لو حانت منه رفّة عين لرآها ..ولم ترف عينه . لكنه عقل سبب ثقيل هو الذي رفرف وطار وحلق ولمّا يحط . والآن سيبدأ الجد بروفيسور وتد ..لا تقل إنني لم أحذرك . داست سبب ثقيل على دوّاسة البنزين وانطلقت كصوت عاصفة هوجاء باتجاه آخر الشارع قبل أن تستيقظ الحاسة السادسة عند البروفيسور وتد مفروق من سباتها فجأة لكثرة ما خاطبته عن بعد اليوم .
    وصلت سبب ثقيل إلى منزلها ذي الطراز الريفي في ضاحية المدينة وهي ترتجف ..كانت أعصابها متوترة ..لكنها كانت سعيدة ..لو كانت عادت إلى بيتها بصحبة الهزيمة لأنكرت نفسها ...أما الآن فها هو النصر شريكها يبارك لها و يربت على كتفها ويقول : أحسنت يا فتاة !
    قالت : الحمد لله الذي حجبني عن بصر الوتد المفروق ..اللهم عليّ بمساء يحل سريعاً هذا اليوم ..فإنني لا أطيق الانتظار .
    وجاء ذلك المساء بعد تردد طويل ..وضغطت سبب ثقيل على رقم البروفيسور وتد مفروق وعلى أنفاسها المتوجسة .
    - ألو ....كيف حالك بروفيسور وتد مفروق ؟
    - أهلا أهلا ..آنسة سبب ثقيل !..كيف حالك عزيزتي..هل هدأت أعصابك الآن ؟
    - نعم ،الحمد لله ..أين أنت الآن سيدي ؟
    - أين أنا ؟ والله ِ لا أنصحك أن تعرفي .
    - نعم ..لم َ لا ؟
    - ربما يزعجك أن تعرفي أنني الآن في طريق السفر إلى دائرة المجتلب أنا الآن في سيارتي أعبر الجسر المعلق بين دائرتي المشتبه والمجتلب ..
    - ماذا ؟ لكن ألم تعدني بأن تحدد لي موعداً لإكمال المقابلة الصحفية ؟
    - لا أذكر أنني فعلت هذا !
    - بل فعلت .
    - بل قلت لكِ : اتصلي بي مساءً وسنرى .
    - وها أنا أتصل بك مساءً .
    - وها نحن نرى . ههههههههه ..
    - إذن ، فهل ستمتنع عن إتمام المقابلة ؟
    - وكيف لي أن أمتنع ؟
    - فمتى الموعد ؟
    - اليوم هو الخميس ، وأنا سأعود إلى دائرة المشتبه يوم الإثنين ، فاتصلي بي يوم الثلاثاء مساءً وسنرى .
    - حسنا ً بروفيسور وتد .. رافقتك السلامة ..إلى اللقاء .
    - إلى اللقاء عزيزتي ...وأنهى البروفيسور وتد الاتصال .
    - ولم تعد سبب ثقيل قادرة على كظم غيظها .فأخذت تذرع الغرفة بخطوتها المتسارعة ذهابا وإيابا ولفا ودورانا .وأصابعها تضغط على جبينها بحثا عن فكرة انتقامية تشفي غليلها من هذا المخلوق الزئبقي . ولم يطل بها الأمر أكثر من الانتظار حتى صباح اليوم التالي لتقرع جرس الباب الذي فتحه البروفيسور وتد بمفاتيحه ظهر الأمس . وعندما فتح الباب آليا من الداخل خطت سبب ثقيل خطوة واحدة لتجد نفسها على عتبة حديقة غناء خيالية الاخضرار و الجمال ..فسارت في طريق مرصوف بحجارة حمراء حتى وقفت أمام باب ثانٍ وقرعت جرسا ثانيا ً . وهنا انفتح الباب قليلا وظهرت خلفه خادمة ترتدي (مريولا ) فضيا وقبعة وردية وابتسمت لسبب ثقيل قائلة :
    - أهلا بك ..من تريدين ؟
    - كانت سبب ثقيل قد تأنقت كما يجب ..وكانت تبدو من الجدية والاحترام بحيث يكفي النظر إلى مظهرها وملامح وجهها لمنحها ما تطلبه من الثقة أينما حلت وتوجهت .ومع ذلك فقد كانت الخادمة حريصة على أن تطلب من سبب ثقيل أن توضح لها من هي وماذا تريد وهل هناك موعد بينها وبين البروفيسور وتد مفروق ..وكانت إجابات سبب ثقيل كلها كما يجب أيضا :
    - أنا محامية البروفيسور وتد مفروق للشؤون الإيقاعية . وهذه بطاقتي . وقد اتصل بي البروفيسور وأخبرني أنه مساقر إلى دائرة المجتلب ..وقد يحتاج لبعض المعلومات التي سجلها في ملفاته التي كان يظن أنه لن يحتاج إليها . فطلب مني الحضور إلى هنا والدخول لمكتبه لأقوم بجمع هذه المعلومات وتنسيقها وإرسالها إلى بريده الإلكتروني . ..هل كلامي واضح ؟ قالت سبب ثقيل وهي تظهر امتعاضها للخادمة من سوء استقبالها ..
    - عفوا ً ..سيدتي ! علي أن أتأكد مما تقولين فالبروفيسور لم يوصني بشيء من هذا ..أرجو معذرتك ..
    - فهل يكفيك أن أتصل به لتسمعي توصيته الآن ..
    - قالت الخادمة : نعم .
    وكان هذا ما يجب عليها أن تقوله ...وهنا ضغطت سبب ثقيل على زر هاتفها الجوال وضغطت زر السماعة الخارجية كي تسمع الخادمة صوت سيدها . وبعد صوت رنين الهاتف رد البروفيسور
    - ألو
    - ألو ..كيف حالك بروفيسور وتد ؟
    - أنا بخير ..أنت كيف حالك عزيزتي ؟
    - الحمد لله . أين أنت الآن بروفيسور ؟
    - أنا الآن في سيارتي أعبر الجسر المعلق في دائرة المجتلب .
    - سيدي أنا الآن في منزلك وأتحدث مع الخادمة التي ترغب بأن تسمع صوتك وأنت توضح لها أنك أرسلتني لأنسق بعض المعلومات من أوراقك الرسمية وأرسلها إلى بريدك الإلكتروني .
    - فهل طلبت مني هذا أم لا ؟
    - أذكر أنني فعلت هذا
    - فهل ستأمرها بإدخالي أم ستمتنع ؟
    - وكيف لي أن أمتنع ؟
    - وكيف ستتصرف مع الخادمة إن أصرت على منعي من الدخول عند عودتك ؟
    - لا أنصحك بأن تعرفي .
    - حسنا .. شكرا لك ..لكن لحظة ..هل علي أن أستعجل وأنا أبحث عن المعلومات التي تحتاجها حضرتك ..أم أنك تستطيع الانتظار كي أقوم بجمعها وتنسيقها بالشكل الأمثل .
    - وفيم العجلة ؟ ليس الانتظار بالأمر السيئ .
    - طيب ..هل هناك من توصيات أخرى بروفيسور وتد؟
    - اتصلي بي مساءً وسنرى ...هل هدأت أعصابك الآن ..
    - نعم شكرا لك بروفيسور وتد ..وعذرا على الإزعاج . ..إلى اللقاء !
    - إلى اللقاء عزيزتي .
    - وابتسمت الخادمة وهي تفتح مكتب البروفيسور وتد مفروق أمام سبب ثقيل التي خاطبتها ببعض الجفاء قائلة .:
    - فنجان قهوة من فضلك ...وقهوتي بدون سكر .
    يتبع بإذن الله

  10. #10
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. موضوع للحوار : كيف تتم إعادة الصياغة
    بواسطة عطية العمري في المنتدى إِعَادَةُ الصِّيَاغَةِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 24-04-2018, 02:13 PM
  2. السمات الفنية في شعر الفتوح الراشدي-الصياغة-حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-06-2016, 03:58 PM
  3. الصياغة الفنية في خطبة النبي
    بواسطة د مرتضى الشاوي في المنتدى البَلاغَةُ العَرَبِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-02-2013, 02:48 AM
  4. نحو رواية التخاب
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-08-2011, 02:32 PM