|
أمامَكَ نهرٌ لم يجُزْهُ مُهيَّمُ |
وخلفَك عمْرٌ ضائعٌ ومخيَّمُ |
بسطتَ إليه كفَّ حُلمِك فانتضى |
لك السيفَ أفّاقٌ على الحدِّ مجرمُ |
تؤرقُك الذكرى السَّغوبُ كهامةٍ |
تصيحُ على رأسي ولم يرْوِها دمُ |
تذكرُني أيارُ والقلبُ ما سلا |
ويومُك فيه شاهدٌ يترحّمُ |
مصابٌ مع الأيامِ يربو ويعظمُ |
وفي غيرِه مِن قِدمِها جدَّ بلسمُ |
أدورُ وأمسي دائرٌ مثلَ بؤبؤي |
فلستُ أرى إلا طيوفًا تحوِّمُ |
حفاةً وشُعثًا والرهابُ يزجُّنا |
على دربِ آلامٍ تضيقُ وتزحمُ |
وها نحن: أرقامٌ بكعبِ بطاقةٍ |
تعرّفُنا،حتى الشهيدُ مرقَّمُ! |
قتيلٌ أنا والكلُّ ينهشُ جثتي |
وما ينثني عن دّقِّ عظميَ متخَمُ |
وأنت وحيدٌ وسطَ جُبِّك خائفٌ |
ولا يملكُ الشكوى ولا حقَّها فمُ |
تسدُّ لهاتي غصّةٌ ومرارةٌ |
يدورُ لساني إنما عيَّ أبكمُ |
وما يسعفُ الملتاعَ بالبوحِ دمعُه |
أحلّوا دِماهُ والبكاءُ محرَّمُ |
وكلُّ ذئابِ الأرضِ يا أبتي على |
دمي ائتمروا في ليلةٍ ثم ترجموا |
وهذا دمي جاؤوا به غيرَ كاذبٍ |
فأين هي الرؤيا التي تتنجّمُ؟ |
على شفتي ستٌّ وستونَ صرخةً |
ولكنْ فمي خوفَ الرقابةِ مُلجَمُ |
بخاصرتي ستٌّ وستونَ مِديةً |
وما زال أيارٌ يكرُّ ويهجمُ |
هم اغتصبوا ستًا وستين مرةً |
بلادي وللآنَ الضحيةُ تُرجَمُ |
تشابهت الأرقامُ سِتًا وستةً |
ورزنامةُ المنفيِّ لا تتقدمُ |
فكم سنةٍ مرّتْ ولم تمضِ ساعةً |
توقفت الساعاتُ والوقتُ مُقحَمُ |
ومن رجَبٍ عاد الزمانُ لمثلِه |
لتعلمَ أن الجرحَ ما كان يهرَمُ. |