مآذن العشق
على تخوم شوقي لنبضك الآتي عبر صوتك ، يرسو ظمأي على رنين هاتفي المحمول ، علّني أروي عطش غربتي عنك .
أحاول سرقة الدقائق من زمن الشوق الطاعن في الحب ، فأمسك قلمي وأبدأ الكتابة ، لأجدني مكفّنة بالقلق ، فلقد بتّ عقيمة الحرف ، فقط تلك الساعة أصبحت حبلى بصوتك الذي أنتظره عبر رنين اللهفة .
فارقت السابعة الحياة ، وكل الدقائق بعدها بدأت تقطر داخل دمي وتكويني ، ليشتعل شوقي إليك أكثر .. فأكثر .
ألامس الحزن بين شقوق الآه ، وعلى شفير اليأس كنت سأقع ؛ حين اتصلتَ بي ، وكسمكة أُعيدت للمياه ، بعد صراعها مع هواء مليء بأكسجين لا يعنيها ، كان أكسجيني أنت ، يا من أستوطنت شراييني ليولَدَ النبض منك .. أبي .
يسرقني صوتك المُثقل بي ، من أزقّة دمشق العتيقة إلى شوارع طـرابلسَ الغرب .. حيث أنت .. حيث البحر الذي خبأتُ في موجاته ؛ أسرار طفولتي وشبابي .
أسألك بآهة ثكلى :
- أين أنت الآن ؟
وكأنني بسؤالي أمارس غيرتي .. لا عليك .. بل على أرصفة مشيتُ فوقها بقلب خال الوفاض من كلّ همّ .. آنذاك .. لكنه اليوم ممتليء بحنين فاضَ ليُغرقَ ؛ حاضراً أقتاته ، ومستقبلاً لا أستسيغ طعم القادم منه .. بعيدا عنك .
تنتهي مكالمتنا ، وينقطع الحبل السرّي الذي منه أحيا ، فصوتـك البـعيد القـريب ، متخمٌ برائحة البحر حين يلامس أطراف ثوبَ .. ذات العماد .
أهرب من كل ذاك الحنين ، إلى تفاصيل أبتدعها حين فراغ ؛ لتشتعل شرارة لهب ، ظننتُ أنها أنطفأت تحت الرماد ؛ حين سألَتني صغيرتي سؤالاً يختزل عمريَ كلّه في بضعة أحرف :
- متى سنذهب إلي جدي ؟
ببراءتكِ أثرتِ الوجع المختبيء في ثنايا حلمٍ أظنّه مستحيلاً ، ويتقدّ الشوق للمرة الألف ، ولا انطفاء لجذّوة هذه النيران ، إلا إذا رشوتُ النوارسَ كي تحملنا على أحلامها ، دون جواز سفر أو تأشيرة دخول ، وترمي بنا حيث نريد ، فالأرض هناك ثريّة بالحب ، ولن ننكسر إن وقعنا من علوّ على أكتافها .
سأمتطي صهوة الأيام الراكضة نحو غابات الغد ، لأن ربيعاً آخر قادم ، أجمل من ذاك الذي جعلني أتيمم بذكرياتي فقط ، وسأحافظ على وضوئي لحين موعد صلاتي .. حيث مآذن العشق .