أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: قصة قصيره / هدية عيد الميلاد

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي قصة قصيره / هدية عيد الميلاد

    هدية عيد الميلاد
    قصة: أو هنري
    ترجمة: عمار الحامد

    بعد جدال طويل وزعت فيه الكثير من ماء وجهها بين بائع الخضار تارةً وبائع اللحم تارةً أخرى، جدال تحملت جراءه أن ينظر لها كل من في السوق نظرة شفقة صامتة كونها سيدة فقيرة، استطاعت ديلا أن توفر دولار وسبع وثمانين سنت منها ستون سنتاً على شكل بنسات.
    أعادت ديلا عد المبلغ ثلاث مرات، فلم يزدد شيءاً، إنه دولار وسبع وثمانين سنت لا غير، فما العمل وغداً عيد الميلاد؟
    جلست وأخذت تبكي بكاء الواثقة أن حياتها ليست سوى قليل من السعادة وكثير من الأحزان، بعد قليل، مسحت دموعها ووقفت حزينةً تنظر من النافذةِ إلى قطتها الرمادية وهي تمشي قرب سياج الفناء الخلفي الذي لونته الثلوج هو الآخر باللون الرمادي.
    لقد دأبت طوال الشهور الماضيةة على توفير المال لهذه المناسبة، ولكن جميع جهودها باءت بالفشل، فغداً هو عيد الميلاد وليس لديها ما يكفي لشراء هدية لزوجها جيم، هدية لطيفة، لا بل رائعة واستثنائية تليق به.

    لم يكن غلاء المعيشة ليحرم عائلة ديلنكهام الصغيرة من قضاء أوقات سعيدة، فقد إعتاد الزوجان على الإنفاق ضمن حدود العشرين دولاراً التي يحصل عليها الزوج أسبوعياً، لا بل ويدخران ما يزيد منها.

    استدارت ديلا فجأةً صوب المرئاة الطويلة الموضوعة بين نافذتي الغرفة ونظرت إلى نفسها، فبرق في عينيها وميض سرعان ما إنطفأ وهي تنظر إلى وجهها الشاحب.
    لم تفكر طويلاً قبل أن تطلق سراح شعرها الجميل وتتركه ينساب ما شاء أن ينساب متمنيةً لو أن بلقيس حيةً ترزق وأنها تسكن معهم في ذات العمارة، ساعة إذ ستتعمد ديلا تجفيف شعرها عبر النافذة، لا لشيء، فقط لكي تبرهن للدنيا بأسرها أن صاحبت هذا الشعر تمتلك ما تفوق قيمته قيمة جميع جواهر الملكة.
    تعانق شعر ديلا البني المتدفق كالشلال والذي نزل دون مستوى ركبتيها مع ثوبها الأبيض ليرسما سوياً لوحةً لم تخطر على بال بشر، ولكن سرعان ما قطعت ديلا على نفسها ذلك المشهد الجميل، فلقد قدحت في رأسها فكرةٌ ذرفت من أجل تنفيذها حرى الدموع.

    شدت شعرها وارتدت معطفها وقبعتها البنية القديمة، وبحركةٍ رشيقة، وجدت نفسها تسير في الشارع، حتى إذا وصلت إلى لافتة مكتوب عليها: محلات مدام سفروني لجميع أنواع الشعر، تسابقت قدماها، فاندفعت داخل المحل مقطوعةَ الأنفاس.
    سألت ديلا: هل تشترين شعري؟
    أجابت صاحبة المحل: نعم أشتري، ارفعي قبعتكي ولنرى.
    رفعت ديلا قبعتها، فتدفق شلال الشعر البني الجميل. قالت صاحبة المحل وهي ترفع خصلاً من شعر زبونتها بيدٍ متمرسة: عشرون دولاراً.
    ردت ديلا: حسناً، أعطني المبلغ بسرعة.

    لم تدخر ديلا جهداً خلال الساعتين التاليتين اللتان مرتا بسرعت البرق وهي تبحث في المتاجر عن هدية لزوجها، وأخيراً وجدت ضالتها، فهذه السلسلة الفضية الجميلة ذات القيمة العالية كما لو أنها صنعت من أجل جيم، ثم أنها تناسب ساعته الذهبية.
    سارعت إلى دفع الواحد والعشرون دولاراً ثمن السلسلة إلى صاحب المتجر، ثم عادت إلى شقتها برفقت الهدية والسبع وثمانين سنتاً المتبقية.

    بدأت حال وصولها بتصفيف ما تبقى من شعرها الذي أفلست منه بدافع حبها لزوجها، وإن كانت مهمة لملمة الحطام شبه مستحيلة، لكن استطاعت ديلا في أقل من ساعة أن تتوج رأسها بما تبقى لها من خصل شعرها.
    أمعنت النظر إلى وجهها الذي بدا كأنه وجه تلميذ وهي تحدث نفسها قائلةً: إذا لم يقتلني جيم، فإنه حتماً سيشبهني بمغنيات الكنيسة، ولكن ماذا عساي أفعل بدولار وسبع وثمانين سنتاً؟

    في تمام السابعة مساءاً، جهزت ديلا القهوة وتهيأت لطهي طعام العشاء، لكن جيم الذي ما عودها أن يتأخر، تأخر عن موعده هذه المرة، فلم تجد بداً من أن تنتظره قرب باب الشقة حاملةً معها السلسلة الفضية.
    شحب وجهها وهي تنصت إلى وقع أقدامه، فأخذت تصلي لله قائلةً: أتوسل إليك يا رب! اجعلني أبدو في عينيه جميلة كما كنت! لم تكد تكمل صلاتها حتى فتح جيم الباب ودخل.

    كان جيم رجل كل ما فيه لا يتناسب مع سنواته الإثنين والعشرين، رجل نحيف، جاد، وقور، أخذ الفقر منه شر مأخذ حتى أعجزه عن تجديد معطفه وقفازيه الذان بدا عليهما القدم، وأنى له هذا؟ وهو على صغر سنه مسؤول عن إعالة أسرة.
    تسمر جيم عند الباب وانطلقت عيناه تتفحصان ديلا بنظرة لم تجد لها تفسيراً، فارتعدت فرائصها، فهي ليست نظرة تعجب ولا خوف ولا حتى غضب.
    كان ينظر إليها وقد إرتسمت على وجهه تعابير غريبة لم تكن بحسبانها، الأمر الذي جعلها تندفع نحوه باكيةً وهي تقول: حبيبي جيم! أرجوك! لا تنظر إلي هكذا! لقد قصصت شعري وبعته لأنني لا أتحمل أن يمر عيد الميلاد دون أن أهديك شيءاً... صدقني إن شعري ينمو بسرعة... هيا، قلي عيد ميلاد سعيد ودعنا نحتفل هذه الليلة! لست تدري كم جميلة تلك الهدية التي اشتريتها لك.
    سألها جيم متعجباً مما يسمع وكأن عقله توقف فجأةً عن العمل: ماذا تقولين! لقد قصصتي شعركي؟؟؟
    أجابت ديلا: نعم لقد قصصته وبعته... ألا تزال تحبني كما في السابق؟ فأنا لم أزل كما أنا لم أتغير، بشعري أو بدون شعري.
    كما لو كان يبحث عن شيء ما، جال بنظره في الغرفة، ثم قال متسائلاً: تقولين إن شعركي قد ذهب؟
    ردت ديلا: لا تجهد نفسك في البحث، فكما قلت لك، إنني بعته وانتهى الأمر... إنها ليلة عيد الميلاد يا جيم! ارحمني! أقسمت عليك بشعري الذي قصصته من أجلك إلا ما رحمتني! قد يكون شعري له ثمن لكن حبي لك لا يقدر بثمن... والآن ماذا تقول يا صغيري؟ هل أضع طبق اللحم أم لا؟

    أحاطها جيم بذراعيه قبل أن يخرج من معطفه علبةً ويضعها على المنضدة وهو يقول: لا تخطئي بحقي يا ديلا! ما كان شعركي المقصوص ليقلل من حبي لكِ يا مدللتي، لكنكي لو فتحتِ هذه العلبة لأدركتِ السر وراء صدمتي.

    انهالت أصابع ديلا البريئة على العلبة تمزيقاً، ثم صرخت بفرح سرعان ما تحول إلى حسرة لم يستطع قلبها الصغير إخفاءها، فبكت بكاءاً مراً أعيت معه زوجها الحيلة لإقناعها للكف عنه، كيف لا؟ والعلبة تحتوي على مشبك الشعر الجميل المصنوع من المحار والمرصع بالجواهر والذي يتناسب لونه مع لون شعرها الذي كان شعرها قبل سويعات.
    كان ذلك المشبك ذاته الذي رفرف نحوه قلب ديلا منذ أن رأته ذات يوم في واجهة إحدى المحلات، لكنها كانت تعي جيداً أنه لم يصنع من أجلها كونه باهض الثمن، لذا فلم تتمنى ولو لمرة أن تمتلكه، أما الآن، وقد أصبح بمتناول يدها، فإنها لم تعد تمتلك الشعر الذي تشبكه به.
    ضمت المشبك إليها وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة متفائلة وهي تقول: لا تقلق يا جيم! فإن شعري سريع النمو.

    أدركت أن جيم لم يرى هديته بعد، فقفزت بسعادة وهي تريه السلسلة الفضية الأنيقة قائلةً: أليست رائعة يا جيم؟ لقد بحثت لك عنها في كل محلات المدينة... ستنظر إلى ساعتك مئة مرة في اليوم... هيا! أعطني ساعتك! أريد أن أرى كيف تبدو مع هذه السلسلة.
    وبدلا من أن يعطيها ساعته، استلقى جيم على الأريكة واضعاً كلتى يديه خلف رأسه وهو يقول مبتسماً: لنترك هدايا عيد الميلاد جانباً بعض الوقت، لكن إن أردتِ الحقيقة، فمجرد استعمالها الآن هو أمر غاية في المتعة... لقد بعت ساعتي الذهبية لأحصل على المال الكافي لكي أشتري لكِ هذا المشبك... والآن، لما لا تضعين طبق اللحم يا عزيزتي؟

    نعم، لم يكن بحوزة عائلة ديلنكهام الصغيرة ما هو أثمن من ساعة الزوج الذهبية التي ورثها عن آبائه وأجداده، وشعر الزوجة الذي هو تاجها كما يعبرون.



  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.01

    افتراضي

    ( أو.هنري كان الاسم الذي أطلقه على نفسه الكاتب الأمريكي وليام سيدني بورتر ((11 سبتمر, 1862 _ 5 يونيو 1910)) اشتهرت قصص أو، هنري القصيرة بخفة الدم والسخرية، وإطلاق النكت ورسم ملامح لشخصياته بصورة دفئة ونهايات ملتوية بارعة. صور في قصصه القصيرة التي يختلط فيها الهزل بالجد حياة الناس العاديين في مدينة نيويورك, ومن هنا عدت وثائق اجتماعية هامة. ) عن ويكيبيديا - الموسوعة الحرة
    =======
    أخي الأكرم ، الأستاذ فائز
    أسعد الله أوقاتك
    لقد اخترتَ لنا قصةً رائعة ، ذات مسحة إنسانيّة عميقة ، صوّرتْ بمفارقة غريبة صادمة حياة زوجين فقيرين متحابّين
    وهما في الواقع نموذج أمثالهما من الأحبة الفقراء في شتى أنحاء المعمورة .
    كان ينقص هذا الاختيار الثمين - وهو قطعة من عقل وذوق مَن اختاره - التدقيقُ اللغويّ ، وحسن التنسيق
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي


    أستاذي الرائع والأديب الفنان
    الأخ / مصطفى حمزه
    أنا جد ممتن لمداخلتك الرائعة ومرورك
    الذي يشرف القصة وأشكرك على التعليق
    ولي بعض الملاحظات البسيطة ألخصها في
    1/ إن القصة للقاص الأمريكي أو . هنري
    وهو كما تفضلت إسمه الأصلي وليام سدني
    بورتر وكل ماذكرته عنه صحيح رغم أن
    تأريخ ميلاده ووفاته عندي 1867- 1912م
    وإن إسم أو هنري جاء من أنه عمل في عدة
    مهن كموظف في صيدليه ومزارع ومحاسب ببنك
    وفي فترة البنك ظهر فرق في بعض الأرصدة في
    البنك فهرب وأختفى لكن قبض عليه وأودع السجن
    وكان سجانه يدعى (أورين هنري )وكانت زوجة السجان
    تدلل زوجها وتناديه ب (أو . هنري ) فأعجب وليام
    بالإسم وإختاره إسماً دالاَ وحركياً له .
    أما ترجمة القصة فهي للأخ عمار الحامد كما ذكر بالنص
    والتدقيق اللغوي والتنسيق فليست من مهامي وهي مهمة
    المترجم وأشكره جداً على ماقام به من جهد مقدر لترجمة
    النص وله ولك الشكر لما قمتما به لتوضيح القصة والفكرة
    وإن كنت أعتقد أن القصة لا يجب النظر إليها كقطعة نثرية
    أو نحوية بل ننظر إليها كقصة لها عناصر وشروط للقص
    وإختلاف وجهات النظر تثري العمل .
    لكما ولكم جميعاً أروع ما أنتجته الحدائق من ورد .

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,098
    المواضيع : 317
    الردود : 21098
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    هدية جميلة كانت قصتك المليئة بالمشاعر السامية
    والمحبة الحقيقية التي تلون الحياة بكل ألوان الطيف
    شكرا على اختيارك الرائع، وعلى المعلومات التي أوردتها عن الكاتب. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية عبدالحكم مندور مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 4,498
    المواضيع : 59
    الردود : 4498
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    رائعة حقيقة وما أجمل هذا ..والقصة جميلة مؤ ثرة والترجمة جميلة ولو خلت من بعض الهنات الإملائة البسيطة أو اللغوية كانت أفضل ’ خالص التقدير والشكر

المواضيع المتشابهه

  1. حفلة عيد الميلاد
    بواسطة صبيحة شبر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 13-12-2016, 08:34 PM
  2. قصة قصيره / فريج
    بواسطة محمد المنصور الشقحاء في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-06-2013, 06:03 PM
  3. هدية عيد الميلاد
    بواسطة فتحي علي المنيصير في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 02-06-2008, 10:22 AM
  4. رواية ( ترنيمة عيد الميلاد ) تشارلز ديكنز ...نسخة عربية للتحميل !
    بواسطة بهاء كامل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-09-2006, 02:51 PM
  5. عيد الميلاد
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-01-2004, 02:58 PM