أحدث المشاركات

ما الفرق بين ( رحمت الله) و( رحمة الله)» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» اتجاهات» بقلم بسباس عبدالرزاق » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» ابتهالات.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 1» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» افتكرني يا ابني» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» جسور الأمل.» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» أنا لن أحبك لأن الطريق مغلق» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» دعاء لا يهاب ! _ أولى المشاكسات» بقلم أحمد صفوت الديب » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: الانطباع النفسي في نقد الشعر

  1. #1
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي الانطباع النفسي في نقد الشعر

    ما أٌقصده بالانطباع هو أول ما يتجه إليه شعور المتلقي الناقد عند تذوق النص الشعري للمرة الأولى وقبل البدء بدراسته النقدية المعتمدة على تطبيق المعايير العلمية للنقد الأدبي . فهذا الشعور المبدئي وفي اللحظات الأولى إما أن ينحو نحو الإعجاب والتلذذ بخفي جماليات النص فيحدث هزة نفسية قد تسبب إشراقا نقديا عند الناقد يركز على جماليات النص الشعري ، أو أن يمر ببرود ورتابة وتثاقل فيحدث كفا عن النقد قد ينقلب فيما بعد إلى نقد يركز على سلبيات النص أكثر من تركيزه على جمالياته وإيجابياته مع توفر تلك الجماليات والإيجابيات في الواقع .
    المسألة أن الناقد كمتلق هو إنسان ذو مزاج كغيره من البشر. فتحريك مزاج المتلقي الناقد باتجاه إيجابي أو سلبي ذلك ما يقوم به الشاعر عبره نصه الشعري في ما أسميه الانطباع النفسي الأول عند الناقد .

    وقد يعترض على كلامي هذا من يقول : إن عملية النقد الأدبي ليست عملية مزاجية محكومة بتقلبات مزاج الناقد وأهوائه . بل هي إجراء علمي يخضع لمعايير نقدية علمية دقيقة تفيد في تقييم الجوانب الأدبية المختلفة مع تحييد مزاجية الناقد . فمهما كان مزاج الناقد معكرا أوسيئا وحاول التركيز على سلبيات النص الشعري فإنه لن يستطيع طمس جمالياته وإيجابياته .لأن الأمر ببساطة أن الجمال يفرض نفسه بنفسه ولا يحتاج الجمال الواضح أصلا لناقد وسيط ينقله من النص إلى متلق آخر . كما أن النص الشعري الفاشل لن يتحول بجهد الناقد ذي المزاج الإيجابي الرائق العالي إلى نص ناجح أدبيا وفنيا مع وضوح عثراته .

    وأنا سأرد على هذا القول : بأن مزاج الناقد في الواقع يتحكم إلى حد كبير بمزاج المتلقي الآخر قارئ النقد . ولا أقول أنه يتحكم به مطلقا . فالنص الشعري الفاشل لن يبدو مع محاولات تحسينه من الناقد نصا رائعا لكنه على الأقل سيبدو نصا مقبولا يراوح في اقترابه من المستوى الجيد . أما النص الناجح المتميز فإن كان الناقد متمكنا من أدواته الفنية و التعبيرية فسوف يتمكن بالفعل من إخفاء الكثير من جمالياته عبر توجيه البوصلة النقدية في اتجاهات أخرى لا تمر بجماليات النص ولا توازيها ولربما تتقاطع معها على سبيل التبهيت أو التفنيد أوالتشويه . والأمر هنا يشبه ما يسمى بمستوى التغطية الإعلامية للحدث في القنوات الفضائية . فهناك فرق بين قناة فضائية تسابق إلى تغطية الحدث إعلاميا من جميع جوانبه ومن ظاهره وباطنه و تؤدي ذلك بحماس وتعاطف واضحين . وبين قناة أخرى تمر على الحدث ذاته مرورا يرفع عنها العتب مع تقصد الحد من استشفاف أبعاده والإحاطة بتفاصيله . ومع الإصرار على تضخيم ما يحيط به من أحداث أخرى تلفت الانتباه عنه إليها . فالناقد في الحقيقة وعبرالتحكم بمستوى التغطية الإعلامية المتفاوت لجوانب دون أخرى في النص الشعري يستطيع سرق انتباه المتلقي الآخر وتحويله حسب مزاجه هو .

    نقد النص الشعري يختلف في الواقع عن نقد أي نص من جنس أدبي آخرعبر ثلاث خصائص للشعر تميزه عن بقية الأجناس الأدبية وهي : الموسيقا والصورة الشعرية والعاطفة . فهذه الخصائص الثلاثة كما نرى هي مفاهيم فنية ونفسية فضفاضة، إذ يشارك المتلقي بخصائصه النفسية والثقافية وذوقه الخاص ومستوى تحسسه للجمال في تمثلها وصنعها أثناء عملية التلقي . وهي تشكل بوابات مفتوحة من غير حراس أمام الناقد باتجاه وعي المتلقي الآخر وتذوقه للنص . فمهما كانت المعايير العلمية المطبقة في النقد دقيقة وصارمة فإنها لن تمنع الناقد من الدخول إلى وعي المتلقي عبر هذه البوابات التي هي في الحقيقة ثغرات غير قابلة للضبط النقدي . فمن هنا يتدخل الناقد في ذائقة المتلقي الآخر ويكون له حسب طبيعة مزاجه المساهمة في تشكيل رؤية ذلك المتلقي وتوجيه حسه الجمالي في عملية تذوق النص الشعري .

    يتبع بإذن الله ...

  2. #2
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    بارك الله فيك أختي ثناء
    طرح جيد جدا ، وموضوع هام ، وقد أحسنت المدخل إليه
    واسمحي لي بتعليق بسيط :
    إن القارئ المتذوق والناقد بشكل خاص تكون أدوات النقد الأدبي والمحاكمة الفنية متأصلة عنده ولا شك أنها تعمل حتى في اللاوعي وتؤثر في اخراج الانطباع الأول سواء ما كان منه نفسيا أو فنيا حتى دون أن يعمل فكره فيه . لذلك أرى أن هذا التأثير إذا كان لناقد متمكن من أدواته منصف بطبعه موضوعي بمحاكمته فإنه يأتي غالبا إيجابيا ومساعدا في تحليله النقدي .

    تقديري وتحيتي
    يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

  3. #3
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك أختي ثناء
    طرح جيد جدا ، وموضوع هام ، وقد أحسنت المدخل إليه
    واسمحي لي بتعليق بسيط :
    إن القارئ المتذوق والناقد بشكل خاص تكون أدوات النقد الأدبي والمحاكمة الفنية متأصلة عنده ولا شك أنها تعمل حتى في اللاوعي وتؤثر في اخراج الانطباع الأول سواء ما كان منه نفسيا أو فنيا حتى دون أن يعمل فكره فيه . لذلك أرى أن هذا التأثير إذا كان لناقد متمكن من أدواته منصف بطبعه موضوعي بمحاكمته فإنه يأتي غالبا إيجابيا ومساعدا في تحليله النقدي .

    تقديري وتحيتي

    شكرا لمداخلتك الثرية أخي الكريم مازن لبابيدي

    بالفعل ،إن المستوى الثقافي الذوقي الذي وصل إليه الناقد يساهم مع عوامل نفسية وفكرية (أيديولوجية ) أخرى في تشكيل الانطباع الأول لديه.
    وقد سبقتني إلى ذكر اللاوعي في تشكيل الانطباع النفسي عند الناقد وهو ما سأعرج عليه فيما يلي .
    فأشكر لك حضورك وقراءتك الطيبة
    ولك التحية

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.71

    افتراضي

    شكرا لك ايتها الكريمة على هذا المدخل الجميل
    في عملية النقد وارتباطها كثيرا بما يحس به الناقد
    او القاريء منذ ان يضع قدمه على بوابة النص
    ويزداد هذا التفاعل اللاارادي سلبا اوايجابا مع التعمق
    في القراءة الأولى للنص
    واراني اتفق تماما مع ما تقولين كقاريء ومتلقي
    حيث انني لم افكر لحظة ان اكون ناقدا ولهذا فنني اجدني متفاعلا
    مع النص كلما تقدمت فيه سلبا اوايجابا ويكون انطباعي متأثرا
    ايضا بنسج الجملة الشعرية وسهولة وصولها الي والموسيقى
    التي اوليها مكانة كبيرة اذ لا يمكنني ان احس بجماليات نص يفتقر
    الى الموسيقى ويكن اقرب الى النثر منه الى الشعر
    شكرا لك

  5. #5
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ذيب سليمان مشاهدة المشاركة
    شكرا لك ايتها الكريمة على هذا المدخل الجميل
    في عملية النقد وارتباطها كثيرا بما يحس به الناقد
    او القاريء منذ ان يضع قدمه على بوابة النص
    ويزداد هذا التفاعل اللاارادي سلبا اوايجابا مع التعمق
    في القراءة الأولى للنص
    واراني اتفق تماما مع ما تقولين كقاريء ومتلقي
    حيث انني لم افكر لحظة ان اكون ناقدا ولهذا فنني اجدني متفاعلا
    مع النص كلما تقدمت فيه سلبا اوايجابا ويكون انطباعي متأثرا
    ايضا بنسج الجملة الشعرية وسهولة وصولها الي والموسيقى
    التي اوليها مكانة كبيرة اذ لا يمكنني ان احس بجماليات نص يفتقر
    الى الموسيقى ويكن اقرب الى النثر منه الى الشعر
    شكرا لك


    أستاذي الكريم الشاعر القدير محمد ذيب سليمان
    مسرورة أنا بحضورك الكريم في هذا المتصفح ، وما تتفضل به حضرتك من قول مطابق لرأيي تماما .
    فأرجو أن تستمر في متابعتك لما نسطره هنا تكرما ، كي نفيد من خبرتك الشعورية كقارئ متذوق يمتلك خبرة الشاعر والقارئ معا في تذوقه .
    وطمعا منا في تبادل الآراء التي تغني بحثنا ،وتزيد من ملامسته لواقع الحال الذي ندرسه .
    مني التحية والتقدير، وأشكرك جزيل الشكر.

  6. #6
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    يؤدي اللاشعور بما يختزنه من الخبرات الانفعالية السابقة , والحاجات النفسية الملحة غير المشبعة ، والميول النفسية السلوكية والأخلاقية دورا أساسيا في تشكيل الانطباع النفسي الأول عند الإنسان العادي أيا كانت طبيعة هذا الانطباع .
    فعندما يستقبل الإنسان بشعوره الواعي مثيرات نفسية معينة هي من خصائص موضوع جديد التقطتها حواسه وأدركها عقله ، فإن العقل سيجري محاكمة سريعة جدا لتلك المثيرات بهدف تصنيفها وتحديد الموقف الذاتي تجاهها . كي يتمكن الإنسان من إبداء الاستجابة السلوكية الملائمة تجاهها .
    وكي يجري العقل هذه المحاكمة وبشكل سريع جدا فإنه يعرض تلك المثيرات على ما اختزانه في الذاكرة من خبرات سابقة ليجد تصنيفا مناسبا لها بمقارنتها مع ما سبق التعامل معه من الخبرات المماثلة لها حسب طبيعتها .
    الخبرات النفسية السابقة ذات طبيعة مزدوجة (فكرية شعورية في آن واحد ) فهي أفكار يحيط بها حقول من المشاعر التي تكون في حالة من السبات ندعوها باللاوعي . وما يوافقها من المثيرات سيثيرها بعملية تحريض أو تنبيه شديد السرعة .لكن ذلك التحريض يطال ما هو مخزون في اللاوعي من المشاعر فقط دون الأفكار المتعلقة بتلك المشاعر والتي تستمر في كمونها وسباتها حتى تستدعى في المحاكمة العقلية في ما بعد هذه المرحلة .لذا فإن شعورنا تجاه موضوع جديد (قد يكون شخصا ) في الانطباع الأول يمثل استجابة شعورية محضة واضحة وسريعة إلا أنها غير مبررة منطقيا . كونها لم تخضع بعد للمحاكمة العقلية المنطقية التي تحتاج وقتا أطول والتي تستدعى فيها الأفكار والمفاهيم لاتخاذ القرار العقلي الواعي تجاه الموضوع الجديد والذي يحدد نمط الاستجابة تجاهه (رد الفعل ) على أسس منطقية .
    فإذا تمكنت تلك المثيرات من تحريك الخبرات الانفعالية الإيجابية والمرضي عنها من المخزون اللاشعوري وكانت تتلاءم مع الميول النفسية والأخلاقية . وتبشر بتلبية الحاجات الملحة غير المشبعة . فإنها تحدث تجاوبا إيجابيا يتمثل برد فعل واضح نسميه (القبول ) أو ( الانجذاب ) تجاه الموضوع . وبهذا يتشكل انطباع نفسي إيجابي سيمثل تحريضا نفسيا للإقدام والاقتراب من الموضوع للارتباط به . وأما إذا أثارت المثيرات تلك الخبرات الانفعالية السلبية غير المرضي عنها والتي تتعارض مع الميول النفسية والأخلاقية أو تنذر بتهديد الحاجات غير المشبعة . فإن الانطباع سيكون سلبيا وسيحدث إعراضٌ عن الموضوع ونفور منه .
    ولو تأملنا قليلا في تفسير حقيقة كلا النمطين من الانطباع ، الإيجابي المتمثل بالانجذاب والسلبي المتمثل بالنفور للاحظنا أن الحياد النفسي تجاه الموضوع ( الموضوعية ) أمر غير وارد في الأصل في مرحلة تشكل الانطباع الأول . والسبب في ذلك أن الدافع النفسي على الإقدام أو على النفور هو دافع ذاتي قوامه تحقيق المصلحة الشخصية الذاتية فقط . والذاتية فيه أمر قسري غريزي لأنه يحدث في اللاوعي المحكوم بالغرائز لا بالعقل .
    فاللاوعي لا يضع الذات جانبا ليتعامل مع خصائص الموضوع بحياد نفسي في مرحلة الانطباع الأول .لكن عندما يكتمل تشكل ذلك الانطباع ويُرفع تقريره إلى الشعور الواعي عند ذلك قد يتدخل العقل بتحييد المصلحة الذاتية والتجرد عنها. فيبدأ بجمع المعلومات حول المزيد من خصائص الموضوع ليتعامل معها بحيادية نسبية غير مطلقة .وتتحدد نسبة الموضوعية حسب المستوى العقلي الذي يتمتع به الشخص والذي يتيح له التعامل مع المفاهيم المجردة تعاملا منطقيا خالصا بحتا يعلي قيمة الحقيقة على كل قيمة سواها .
    وهذا التوصيف العام لعملية تشكيل الانطباع النفسي الأول يمكن سحبه إلى شعور الناقد الذي بدأ للتو بتشكيل انطباع ما أثناء قراءة نص شعري جديد . غير أننا سنركز في لاشعور الناقد على الخبرات النفسية الانفعالية الجمالية دون غيرها لأنها هي التي ستتعرض للإثارة من قبل المثيرات النفسية الجمالية التي تمثل خصائص النص الشعري (الموضوع ).
    وبالتأكيد ، فإن الخبرات الانفعالية الجمالية التي تتعلق بالموسيقا وبالعاطفة وبالصور الشعرية أساسا هي موضوع بحثنا ،غير متناسين التنويه بما سوى ذلك من خصائص اللغة في النص الشعري كالتعبير اللغوي باستخدام البيان والبلاغة وما يتبعهما من صرف ونحو وإملاء ..
    الطريقة التي تم بها اكتساب الخبرات الجمالية السابقة عند القارئ المتذوق عموما وعند الناقد خصوصا تؤثر بشكل كبير في إرهاف وصقل ملكة الحس الجمالي ..كما تساهم في مستوى الاستجابة ورد الفعل في الانطباع النفسي الأول إن كان في أعلى مستوياته عميقا إلى الحد الذي يمثل هزة شعورية تمتلك النفس امتلاكا آسرا فتسيطر عليها كليا في حضرة الجمال .أوفي مستو أقل من ذلك يمثل ارتياحا نفسيا وانشراحا عاما مع انجذاب أقل سطوة . أو في المستوى الأقل يمثل مجرد شعور بالترحيب والقبول .
    فطريقة الاكتساب العملي المشروط والمقترن بالانفعال النفسي هي الأشد تأثيرا في النفس وهي التي تمثل الاستعداد الأعلى لتذوق الجمال ومطالعته . وعلى سبيل المثال : هناك فرق بين أن أصف لطفل في العاشرة من عمره مشهد الغروب على البحر بعبارات مقتضبة وهو غير حاضر في المشهد . أو أصف له تفاصيل المشهد وهو حاضر فيه وصفا حسيا أربط فيه كل جزء من الصورة بمعنى نفسي عاطفي يوحي به . فلا شك أنه كلما ازداد ارتباط التجربة الجمالية بالمعاني النفسية العاطفية والحسية عند اكتسابها كان ذلك أبلغ في تأثيرها في النفس فيما بعد . إذ تمثل تلك الارتباطات المعنوية وشائج كالجذور تمتد في النفس عميقا وباتجاهات متشعبة .
    لذلك فإن التربية الجمالية المثلى تحتاج مربيا يوجه الحس الجمالي إلى مكامن التذوق ، كما يعمق التجربة الجمالية بتوليد أسباب الانفعال فيها عند معاناتها . ذلك إن لم تكن الموهبة الإلهية قد منحت الإنسان تلك الحساسية الفطرية لتذوق الجمال دون مساعدة .
    وبالمقابل فإن اكتساب التجربة الجمالية بوصفها معلومات أومفاهيم مجردة فقط بطريقة الحفظ لا يمثل خبرة انفعالية . والمعلومات عن الجمال المحفوظة كمفاهيم عقلية بسيطة غير مرتبطة بالعاطفة والانفعال الحسي . لا تساهم في تشكيل الانطباع النفسي الأول عند الناقد . أو عند القارئ المتذوق .
    وإذا توقفنا عند طريقة اكتساب الخبرات الجمالية بالانفعال فذلك لأن الانطباع النفسي عند الناقد والذي ما زلنا ندور حوله كمحور لحديثنا إنما هو محاولة اللاوعي الدائمة لإعادة إحياء الخبرة السابقة والتي هي خبرة سارة للنفس مرضي عنها من قبل اللاوعي كونها تسبب الشعور باللذة النفسية .ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن كل انطباع نفسي عند القارئ المتذوق أو عند الناقد هو بحث عن حالة قديمة مر بها الشعور وسببت اللذة والمسرة .ومن ثم فإن سيترتب على عملية القياس إلى تلك الحالة النفسية الذاتية الخاصة التي تمثل الشعور المثالي للتجربة الجمالية حكم نقدي ينطق به الناقد ليحكم على جانب معين من النص الشعري .
    وبناء على ضرورة وجود تلك الحالة المثالية من أجل القياس إليها في تجربة الناقد سنقول : إن الناقد الذي لم يتعرف على تجربة الطرب النفسي لموسيقا الشعر و لم يختزن انفعالا حسيا مثاليا سابقا يقيس إليه الانفعالات اللاحقة . وهو غير قادر على تذوق موسيقا النص وغير قادر على الحكم النقدي.
    لكن لو افترضنا تجربة إحصائية نعطي فيها نصا شعريا لعدد من النقاد الذين نحكم بأهلية كل منهم لتذوق الموسيقا في ذلك النص ، فهل نتوقع أن يكون لجميع أولئك النقاد حكم واحد ؟ هل سيتفقون جميعا في الحكم بسلاسة واستساغة أبيات محددة بعينها. وركاكة وثقل أبيات محددة بعينها ؟
    في الواقع لا . تخبرنا تجارب متعددة أن الحكم بالسلاسة أو الثقل على الأبيات نفسها لن يكون حكما واحدا بين جميع النقاد أو القراء المتذوقين . وهذا نرده إلى الاختلاف في طبيعة المخزون في اللاوعي من موسيقا الشعر عند الفرد . فاختلاف الأذواق بين الأشخاص يشكل بصمة فردية لكل متذوق لعدم إمكانية تطابق الخبرات الانفعالية المثالية والتي يقاس إليها في الحكم عند كل متذوق والنقاد منهم . فما قد يطرب له سواي قد أراه أنا عاديا أو أقل من عادي والعكس صحيح . غير أن التفاعل الاجتماعي بين الأفراد بما يتضمنه من تبادل الخبرات في التربية والإعلام في بيئة ثقافية جغرافية وتاريخية معينة يوحد عموما بين تلك الأذواق ويعطيها طابعا عاما يمثل بدوره بصمة ذوقية تميز الذوق العام في تلك البيئة عن سواها .
    يتبع بإذن الله..

  7. #7
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    إن تشكّل انطباع نفسي إيجابي قوي عند الناقد إثر قراءته الأولية للنص الشعري، يعني أنه قد أعجب بالنص . والشعور بالإعجاب يعني أن الناقد قد حدد موقفه من النص وانتهى الأمر . فالتأثير المباشر السريع لحالة الإعجاب هو الاستحواذ على الشعور وامتلاكه وتعبئته بطاقة محركة توجهه باتجاه واحد فقط هو اتجاه الرضا عن النص . وهكذا وبدءا من هذه اللحظات يصبح الناقد متحيزا للنص ومناصرا له . إذ يبدو التحيّز النفسي أمراً لا مفر منه تحت تأثير الإعجاب .
    ولأننا لا نتقبل منطقيا أن يكون الشعور ونقيضه قائمين معا في النفس وفي اللحظة نفسها، فسوف نفهم أن الشعور الواعي بعد تشكيل الانطباع الإيجابي القوي بلحظات قليلة سيكون انتقائيا في تجنب كل ما يناقض الإعجاب. وهذه الانتقائية تعني أن يتلمس الوعي ويتتبع كل المثيرات الإيجابية في النص، في حين يمر على السلبيات دون أن يتمكن من ملاحظتها. وهذا يحدث فطريا كاستجابة انعكاسية لاإرادية، بحيث أن عقل الناقد لا يعاني صراعا في انتقائيته لأنه لا يدرك بعد بأنه متحيز ومندفع بتحيزه لملاحظة الجميل دون القبيح . والسبب في عدم وعيه لانتقائيته أن استجابته الإيجابية التامة (الإعجاب أو الانجذاب ) سيعقبها مباشرةً مرحلة استعصاء نفسي على الاستثارة بأية مثيرات جديدة (مثيرات النفور ) مختلفة في نوعها عن المثيرات الجمالية التي سببت الاستجابة الإيجابية التامة .
    وهذا الأمر ينطبق على الحالة المعاكسة أيضا فيما لو كانت الاستجابة تمثل انطباعا سلبيا (نفورا). إذ يليها مباشرةً مرحلة استعصاء نفسي على الاستثارة تمنع التأثر بمثيرات الإعجاب .
    و يدرك الناقد إعجابه ويعيه ولا يدرك تحيزه وانتقائيته . ويؤدي إدراك الإعجاب كتجربة انفعالية سارة إلى ارتباط القارئ بالنص الشعري (الموضوع ). وكما هو الحال في طبيعة النفس البشرية عموما، فإن معاينة الجمال تثير الرغبة بتملكه، فهكذا يتملك القارئ أوالناقد النص كخبرة انفعالية جمالية سارة تضاف إلى خبراته السابقة . وبتأثير غريزة التملك أيضا يصبح المالك غير مستعد للتخلي عن ملكيته. فلهذا ستجده فيما بعد مرحلة الانطباع وأثناء المحاكمة العقلية سيعاني من صعوبة تغيير موقفه تجاه النص عندما ستظهر لوعيه بشكل جلي سلبيات النص وثغراته .لأن الانقلاب على النص واتخاذ موقف مغاير منه بعد اقتنائه يعني التخلي عما هو ملكية خاصة عزيزة ، والكشف عن عيوبه وسلبياته يسبب شعورا شبيها بشعور الشخص الذي يخرّب ممتلكاته بيده ، أو يفضح عيوب بعض أحبائه أو أقربائه ومن يلوذون به .
    لذلك فإن المتوقع من الناقد الذي يرفض الانصياع لأوامر العقل في المحاكمة العقلية التي اتضح فيها سلبيات معينة في النص . أن يندفع وهو مشحون بطاقة الإعجاب من انطباعه الأول، في مناصرة النص والمحاربة بسلاحه لإعلاء قيمته الفنية التي يعتقد بأنه يستحقها بجدارة على الرغم من وجود السلبيات .
    ولنشبّه هذه الحالة في عالم الميكانيك والفيزياء بحالة جسم متحرك (سيارة مثلا) اندفعت بتأثير قوة معينة وهي مزودة بسرعة معينة . فهي ستستمر في الحركة والاندفاع حتى تصرف كامل طاقتها المحركة التي تم تزويدها بها عند انطلاقها .وأثناء ذلك الاندفاع فإنها ستتغلب بطاقتها المحركة على قوى الاحتكاك البسيطة التي تعيق حركتها..لكنها مع استمرار صرفها لتلك القوة ستتباطأ بانتظام حتى تصل إلى اللحظة التي تستنفذ فيها قوتها المحركة كاملة. وفي هذه اللحظة فإن قوى الاحتكاك البسيطة هي التي ستغلبها وتجعلها تقف ساكنة في مكانها .
    وهذا ما سيحدث بشكل مطابق في عقل الناقد عندما يكون قد فرّغ بعض ما امتلأ به من طاقة الإعجاب في تحليل بعض ما أعجبه من جماليات النص . حتى إذا وصل إلى منطقة تتناقض وذوقه وميوله فسوف يشعر بنوع من المفاجأة فيحجم ويقف ساكنا صامتا أمامها .وهنا وبتأثير العقل سيبدأ الصراع عنده في كيفية التخلي عن موقفه السابق واتخاذ موقف معاكس لضرورة الموضوعية في النقد ،و لن يكون هذا شعورا سهلا عليه كما ذكرنا ، بل وكأنه يتعرض لصدمة نفسية صغيرة إذ يكتشف بأنه مضطر لتحمل عبء تغيير اتجاهه الشعوري بشكل معاكس تماما . فهناك نوع من الشعور بالذنب سيراوده ، إذ يشعر وكأنه يقوم بخيانة شخص عزيز هو (النص الشعري) الذي يستحق منه التكريم لا الإساءة .ويتمثل الناقد شعوره بالخيانة أكثر إذا كانت تربطه بالشاعر صاحب النص علاقة طيبة .فهكذا يتضخم شعوره تجاه نفسه بأنه قد تلبسه كائن عدواني قاسي القلب هو من يملي عليه إيذاء النص الحبيب بدل التستر عليه مراعاة لشيمة الوفاء التي تقتضي الدفاع عنه لا إيذاءه بعد تلك الألفة التي ربطته به ...
    فنلاحظ الناقد هنا يشخصن الموضوع (النص الشعري ) ويمنحه شخصية صاحبه الشاعر الذي كتبه . لذا و في هذا الوقت العصيب قد يستمر الشعور بتأنيب الضمير حتى يدفع الناقد للتراجع عن عملية النقد الذي اتخذ قراره بتأثير انطباع الإعجاب .أو على الأقل فإنه سيحلّ الصراع بأن يجعل على نقده رقيبا من ضميره يمنعه من الغوص في تحليل الثغرات ويأمره بالمرور عليها مرورا سريعا ما أمكن . وكي يكفر الناقد عن ذنبه باتخاذ قرار الكشف عن الثغرات وما سببه من الإساءة للنص الحبيب .. سيحاول تعويض النص عن هذه الإساءة بزيادة جرعة المديح في منطقة جمالية أخرى لعله يجبر ما كسره من خاطر النص أو خاطر صاحبه .
    وعلى الرغم من هذا الاحتياط بالمرور السريع على الثغرات والتعويض بزيادة جرعة المديح المخدرة في المواقع الجمالية فسوف يترسب في شعور الناقد الذي يستمر بالكشف عن الثغرات في كل نقد أنه قد أصبح مزعجا للشعراء أصحاب النصوص الشعرية .وهذا بحد ذاته سيعمل في نفس الناقد دوما على الكبح من جموح الحس النقدي وسيحد من حدة مبضع الجراح كما سيحد من مساحة الجراحة في النص . ولذلك ..وتجنبا لمزيد من إثارة عداوة الشعراء فإن القاعدة الذهبية التي يعتمدها معظم النقاد لضمان تحقيق الحد الأعلى من حرية النقد الموضوعي هي أن يكون صاحب النص الشعري في ذمة الله .أو أن يكون متحزبا في حزب معاكس لحزب الناقد وبذلك يسمح الناقد لنفسه بتحليل ثغرات نصه دون الشعور بخيانته والإساءة إليه كونهما يسيران أصلا في اتجاهين متعاكسين ولن يسبب الكشف عن ثغرات نصه شعورا يشبه خيانته .
    وعندما لا يخشى الناقد من العواقب الاجتماعية لنقده الموضوعي بافتراض زوال أسبابها ، تبقى لديه مشكلة إخلاصه لانطباعه الأول في النقد . فالإخلاص للانطباع الأول فضلا عن أنه يمنع الناقد من التفرس في الثغرات بمقدار تفرسه في الجماليات ، فإنه يتحدى الناقد في أن يتمكن من الانقلاب على نفسه بنقد السلبيات بعد نقد الإيجابيات . وهذا من غرائب النفس البشرية أنها بطبيعتها الفطرية تفضل الانسياق في الاتجاه السابق على التوقف واختيار اتجاه تال جديد معاكس له . كما أن الإنسان عموما يجد صعوبة في أن يكون حياديا كي يتناول الثغرات كما يتناول الإيجابيات . وتأتي هذه الصعوبة من ردود الفعل النفسية المنجذبة للجماليات والنافرة عن السلبيات .فتفرس الجماليات يسبب انشراحا ومتعة نفسية كفيلة بدفع الناقد إلى تحليلها ، بينما تفرس القبح أو الثغرات هو بحد ذاته مزعج ويسبب انقباضا نفسيا يجعل المرء يشيح بوجهه عنه . فكيف إذا كانت الموضوعية تفرض على الناقد هذا الانقلاب من الانشراح إلى الانقباض إراديا؟
    يتبع بإذن الله ...



  8. #8
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    لا يأتي الانطباع الأولي عفو الخاطر، ولا يتشكل بغير مردود علمي نقدي تستند إليه القراءة ويتشكل بتوجيه منه، فإن حظي المقروء بإعجاب القارئ فلامتلائه قياسا على قواعد التقييم الموجه للاوعي التلقي، وإن كان غير ذلك فلافتقاره لما يحقق له التقييم الإيجابي قياسا على القواعد عينها

    موضوع طيب موفق وممتلئ

    دمت برعتك غاليتي

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  9. #9
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    لا يأتي الانطباع الأولي عفو الخاطر، ولا يتشكل بغير مردود علمي نقدي تستند إليه القراءة ويتشكل بتوجيه منه، فإن حظي المقروء بإعجاب القارئ فلامتلائه قياسا على قواعد التقييم الموجه للاوعي التلقي، وإن كان غير ذلك فلافتقاره لما يحقق له التقييم الإيجابي قياسا على القواعد عينها

    موضوع طيب موفق وممتلئ

    دمت برعتك غاليتي

    تحاياي
    الأستاذة الشاعرة ربيحة الرفاعي
    سررت بحضورك الكريم هنا
    الخبرات الانفعالية الجمالية السابقة تمثل حاصل عملية الصقل الثقافية الجمالية عند القارئ المتذوق وهي تمثل ما تفضلت به من المردود العلمي النقدي ، وثمة خبرة انفعالية جمالية مثالية ضمن تلك الخبرات يقيس إليها القارئ ما يتوفر من معطيات النص ..
    كل التقدير

  10. #10
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    وصلنا الآن إلى الحديث عن الانطباع السلبي القوي وتأثيره في تذوق النص الشعري ونقده ، و كنا قد تكلمنا آنفا عن نظيره المعاكس له في القوة وهو الانطباع الإيجابي . ويتميز أحدهما عن الآخر بأن الإيجابي منهما يوافق الميول الأخلاقية والأيديولوجية (العقدية ) عند المتلقي، في حين يخالفها الانطباع السلبي . وهذا التمييز بينهما يدفعنا للمقارنة بين النصين المسببين لهما من حيث المحتوى الأيديولوجي، وهو ما لم نأتِ على ذكره في الحديث عن تشكيل الانطباعين الإيجابي القوي و العادي ( النمطي ) عندما انصب حديثنا بشكل خاص عن المثيرات الجمالية في النص .
    لكننا في حال الانطباع السلبي سنشدد على دور المحتوى الأيديولوجي للنص انطلاقا من مفهوم (العامل المحدد) الذي يستخدم في العلوم الحيوية ، والذي يعني تحكم العنصر المفقود في مجرى العملية الحيوية بحيث يرتبط حدوثها بتوفره فقط، إذا كانت بقية العناصر متوفرة بمستوياتها المطلوبة . وقد لا يكون هذا العنصر مفقودا تماما ، لكن حتى توفره بشدة أقل مما هو مطلوب كذلك يجعله عاملا محددا ويسمى عندها ( منبها غير عتبوي ) ، أي أن شدته أقل من العتبة الدنيا المطلوبة ليتحول إلى منبه فعّال مؤثر. فقياسا إلى ذلك نرى شرط التوافق الأيديولوجي بين المتلقي ومعطيات النص مهمل التأثير عند توفره في حالتي الانطباعين الإيجابي القوي والعادي . بينما يصبح عاملا محددا في حال افتقاده ويتحكم هو وحده بتشكيل الانطباع السلبي القوي .


    وكلا النمطين من الانطباع القوي الإيجابي والسلبي يختلفان عن الانطباع النمطي العادي في امتلاكهما بذور التحريض التي تنتقل من النص إلى المتلقي، وغالبا ما تحرضه على الكتابة الإبداعية إثر القراءة إن كان يتعاطاها بوصفه ناقدا ً أو شاعراً. فالانطباع الإيجابي يحرض على الكتابة بسبب شحن شعور القارئ المتذوق بطاقة انفعالية إيجابية تلاحظ من خلال ارتفاع مستوى التمثل الجمالي والعاطفي أعلى من المعتاد . ويتجلى ذلك بتيقظ الوعي وتفتحه وزيادة حدة التركيز الذهني في استشفاف جماليات الصورة الفنية واستيعاب المعاني العاطفية أو النفسية المرتبطة بها . وفي هذه اللحظات يشعر المتلقي تماما بارتفاع مستوى التوتر العاطفي الذي أثاره النص حسب موضوع النص ..ولن نغالي في وصفنا له كشخص مشحون بعاطفة إيجابية .

    وهكذا فإن مشاعر المتلقي المثارة إيجابياً تعاني زيادة واضحة في درجة تمثل الشعور المثار نفسيا. وهكذا سنجد المتلقي مثلاً بعد قراءته قصيدة في (الفخر بالشجاعة) أكثر إقداماً وأعظم شجاعة وأكثر اعتزازا بكرامته وبالمكارم التي حرضه النص على الفخر بها مما كان عليه قبل القراءة ، في حين سنجده بعد قراءته قصيدة الحزن على فراق الحبيب أكثر رقة وشفقة مع الكائنات وأكثر تهذيبا وتفهما لمشاعر الحرمان وأكثر ميلا للتأمل في ضعف الإنسان ومعاناته وعذاباته وما إلى ذلك من معاني التوجع .

    وعلى العكس من الانطباع الإيجابي فإن الانطباع السلبي يشحن شعور المتلقي بطاقة سلبية عالية تتجلى بالمشاعر السلبية كالشعور بالغيظ والغضب والظلم والإهانة ، وإن هذه المشاعر لا يمكن تحريكها إلا بتصادم أيديولوجية صاحب النص مع أيديولوجية المتلقي ، وعبر الوضوح الفكري البحت المجرد عن الأسلوب الفني للنص . فهكذا يثار الوعي عند المتلقي إثارة عاطفية قيمية (عقدية ) تضع الصور الشعرية الفنية التي يتضمنها النص جانبا ، وتتعامل معه على أساس أيديولوجي بحت ويتحفز المتلقي ذهنيا لإعادة قراءة النص قراءة معادية تعيد اكتشافه من جديد في ضوء مثيراته السلبية التي هي أفكار عقدية فاسدة عند صاحب النص – كما يراها المتلقي - والتي أثارت الشعور بالإهانة والظلم والغيظ وولدت الرغبة بالانتقام والرد عند المتلقي . فالمتلقي في حالة الانطباع السلبي القوي يعزل شعوره عن التأثر بجماليات النص التي يمكن أن يتأثر بها أي متلق آخر ذي أيديولوجية موافقة لصاحب النص .

    وما ذكرناه عن عدم تأثر المتلقي بجماليات التعبير في النص الشعري لعدم توافقه مع أيديولوجيته في تشكيل الانطباع السلبي يضعنا وجها لوجه أمام جدلية العلاقة بين القيمتين الجمالية والأخلاقية وكيف يمكن تحقيق الموضوعية بالفصل بينهما بهدف محاكمة النص محاكمة أسلوبية بحتة (وفقاً لمنهج الأسلوبية في النقد ) دون أن يقف الانطباع السلبي للناقد عائقا دون ذلك .لأنه حتى في منهج الأسلوبية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار رسالة ما يقدمها المرسل (صاحب النص ) إلى المرسل إليه ( المتلقي ) ، فكيف يمكن الفصل في الرسالة ما بين القيمتين الجمالية والأخلاقية ؟ ويصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا ونحن نستعرض مناهج النقد التي لا تفصل بين النص وصاحبه عند تحليل الرموز والدلالات التي يقدمها النص أو صاحبه ، كالمنهج النفسي والمنهج السيميائي .إذ يتعامل المنهج النفسي مع النص بما يتضمنه من الرموز اللغوية (المثيرات الجمالية ) كما يتعامل الطبيب جراح العظام مع الصورة الشعاعية التي يعتمدها مرجعا لتشخيص مكان الإصابة وبالتالي فهو لا يحلل النص إلا بوصفه تحليلا نفسيا لصاحبه . وليس الأمر بعيداً عن هذا الاعتبار في المنهج السيميائي الذي يعمد إلى تحليل رموز النص ودلالاتها ليعيد ربطها بالواقع مرة أخرى .وهكذا فإن القيمة الجمالية في النص تبدو انعكاسا ما من الواقع الذي يراه ويتمثله صاحب النص .

    لقد ذكرنا آنفا أن الخبرات الانفعالية الجمالية السابقة التي يختزنها اللاوعي ذات طبيعة مزدوجة (شعورية فكرية في آن واحد ) ،وذكرنا أن الانطباع الإيجابي القوي يثير المشاعر دون الأفكار . وسنقول الآن إن الانطباع السلبي – وما زلنا نتحدث عنه – وخلافا للانطباع الإيجابي هو الذي يثير تلك الأفكار المرتبطة بالخبرات الانفعالية السابقة. وستكون هذه الخاصة واضحة إذا طرحنا مثالا عن الانطباع السلبي القوي الذي يمكن أن يولده نص شعري يتضمن استخفافا بالقيم أو الرموز الدينية التي نعتقد بها . فهذا النص الذي سيصطدم بمثيراته الفنية مع ميولنا الأخلاقية والسلوكية والذي سيهدد حاجاتنا الملحة لإرساء وتأييد ما لدينا من عقائد سيشكل لدينا انطباعا سلبيا قويا يحفزنا على الوقوف ضده منذ اللحظات الأولى للاستثارة الحاصلة بتأثيره ، وعند ذلك فإننا نكون قد تحيزنا نفسيا ضده إلى درجة أننا نرغب بسلبه كل ما يتصف به من مميزات فنية أسلوبية أو لغوية أو جمالية بالمنظور النظري المجرد عن القيمة الأخلاقية . فانطباعنا السلبي سيتحول إلى شعور واضح بالغيظ والغضب وشعور خفي بالقلق .وكل ذلك سيحملنا على محاربة النص ما أوتينا إلى ذلك من سبيل. ومقصدنا أن نؤكد أنه لا موضوعية مع الانطباع السلبي.

    ومن هنا لا يمكننا فهم كيف تفرض حرية التعبير كحق شخصي عندما يمس هذا التعبير بالجانب العقدي من المتلقي ، ثم لا يتم تقبل رد الفعل العدواني من قبل المتلقي تجاه صاحب النص بدعوى وجوب الموضوعية في تذوق العمل الأدبي أو الفني .إن هذا الادعاء بكل بساطة يلغي مسؤولية صاحب النص عن التأثير السلبي القوي لنصه على الرغم من أنه يتعمد ذلك التأثير ، ويحمل المتلقي مسؤولية التأثر بالنص على الرغم من أنه لا يتعمد التأثر وإنما يستجيب له فطريا وآليا . والأمر هكذا يشبه أن تعطي لشخص ما الحق بأن يصفع غيره للتعبير عن رأيه ، ثم تمنع حق التوجع والدفاع عمن تلقى الصفعة لأنه مطالب بالموضوعية في التعامل مع الصفعة .

    يتبع بإذن الله

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. (( نقد الشعر ))-المستشار الأدبي: حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-07-2016, 02:30 PM
  2. لأسامة بن منقذ في نقد الشعر :
    بواسطة عبدالله علي باسودان في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-11-2015, 07:27 AM
  3. التنكيت .. من "البديع في نقد الشعر" لأسامة بن منقذ
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى البَلاغَةُ العَرَبِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-02-2013, 12:50 AM
  4. لمحة من نقد الشعر لابن حجر العسقلاني
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 16-05-2009, 03:04 PM
  5. أبناءنا والعقاب وتأثيره النفسي إيجابيا وسلبيا
    بواسطة نسرين في المنتدى عِلْمُ النَّفْسِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 11-03-2003, 11:25 AM