أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ملامحُ منْ منهجيّةِ خصائصِ الأدبِ الإسلاميِّ

  1. #1
    الصورة الرمزية د.نبيل قصاب باشي شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    المشاركات : 67
    المواضيع : 18
    الردود : 67
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي ملامحُ منْ منهجيّةِ خصائصِ الأدبِ الإسلاميِّ

    ملامحُ منْ منهجيّةِ خصائصِ الأدبِ الإسلاميِّ
    د.نبيل قصاب باشي
    رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب
    الإسلامي العالمية في الإمارات العربية المتحدة
    توطئة
    لعل أول ما يمثُلُ أمام خواطرنا بشأن نظرية الأدب الإسلامي هو هذا السؤال المشروع : لماذا أضيف مصطلحُ "الإسلامي" إلى مصطلح "الأدب" .
    نقول : إذا جاز لمنظري الأدب ونقاده أن يطلقوا أو يصنعوا مصطلح الأدب الإغريقي أو الأدب الأوربي أو الروسي أو الشيوعي أو الاشتراكي الواقعي أو الوجودي فلِمَ لا يجوز أن يُصنَع مصطلحُ الأدب الإسلامي ؟ والأدبُ الإسلامي هو الأسبق والأعرق لجل هذه الآداب ، فقد تبلورت نشأته منذ عهد نبي الإسلام (ص) ، وقام على خصائص مازته منذ نشأته الأولى ؛ ومن المسلَّم به أن أول من أصَّل لنظرية هذا الأدب ، وحدد وظيفته هو النبي الكريم (ص) حين أمر شعراء الدعوة أن ينافحوا عن العقيدة وفريقها المؤمن .
    إذن نهض هذا الأدب منذ نشأته الأولى على خصائص مازته عن سابقه الأدبِ الجاهلي تمييزاً واضحاً في جُلّ خصائصه لا في كلها ؛ فلقد أعلن النبي (ص) أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ؛ فلعنترة العبسيِّ سلوكٌ أخلاقي مع جارته ، ولزهير بن أبي سلمى منظومة أخلاقية مثالية أخرى في حياة الحرب والسلم والسلوك الأخلاقي بوجه عام ، تمتح من مشكاة الديانة الحنيفية التي كان الإسلام العظيم امتداداً عقدياً لها .
    وبعدُ فإن أهم ما يميز الأدب الإسلامي عن غيره من الآداب أنه أدب غائيٌّ في ربوبية مصدره ، وفي نظرته للكون والحياة والإنسان ؛ فإذا كانت المنظومة الأيديولوجية الاشتراكية تنطلق من منظور أُحادي مادي للكون والحياة والإنسان ، أو "الطليعية" التي تنطوي على رؤية عبثية سوداوية معتقدة بفوضوية الكون وعبث الحياة ، ولاجدوى الكدح البشري ؛ فإن الأدب الإسلامي قائم على تصوّر آخر مبني على الترابط الكوني ، وغائية الحياة ، وجدوى الكدح البشري ، وعدالة المصير ؛ وينطلق كُتَّاب الرؤية العبثية جميعاً الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن الماضي على قواعد الفوضى والعبث واللامعقول التي أسس لها "ألبير كامي"
    ويذكر "ريتشارد كو" في كتابه عن "يونسكو" كيف " أن كل النـزعات التي كبحتها دكتاتورية العقل خلال قرنين من الزمان اندفعت على السطح ، وشهد النصف الأول من قرننا العشرين ، عدة حركات ثورية كالتكعيبية والمستقبلية والسريالية والتعبيرية والدادائية والوجودية ، وكلها حركات تسعى بطرائقها الخاصة إلى إلقاء الضوء على موقف الروح الإنساني في كونٍ غاب عنه المنطق . وعندما يختفي المنطق تختفي أيضاً مبرراتُ الوجود . وهكذا نرى أن "يونسكو" مثل- كامي و سارتر- يرى في وجودنا حقيقةً لا هي بالمنطقية ولا هي بالمبررة ، إنها حقيقة ، ولكنها حقيقة عبثية، فالوجود الذي لا يبرّره منطقٌ عبثٌ(1). إن الطليعية والوجودية والسريالية والدادائية ونظائرَها تنطلق مجتمعةً من منظور مادي تمرّدي عبثي ، يتقوقع مُسفاً في عوالمه السفلية التي تهيمن فيه الغريزة على أنماط السلوك ، وأن " الأنا " في " الفلسفة الطليعية ما هي إلاّ انعكاس للعالم الخارجي ، أو إن العالم الصغير هو صورة مصغرة مثالية للعالم الكبير . ففوضى الأوّل وتشتته تتبدى في الثاني على نطاق واسع وليس هناك خط واضح يفصل بين الاثنين" (2) .
    أما الأدب الإسلامي فيتجه اتجاهاً معاكساً نحو الآخر ، نائياً بمنظومته الإسلامية الفلسفية عن الأنا النيتشية أوالفرويدية أو الطليعية ، فهو أدب ينطلق من رؤية شمولية ، يوازن فيها بين "الأنا" و "الهو" ، وبين المحدود و المطلق ، وبين الجسد والروح ، وبين العاطفة والعقل ، وبين المحسوس والمُغيَّب ، وبين عالم الظاهر وعالم الباطن ، وبين الصراع في إطاره الطبقي أو الإنتاجي والصراع في شموله الإنساني .
    إنه أدب متوازن يواكب الفطرة الإنسانية ، وجبلّتها الخَلْقية والخُلُقية ، ويجانب كل ما يعطّل أشواق هذه الفطرة من حيث منازعها العضوية والروحية ، ناشداً المتعة الفنية مع الفائدة المرجوة في آن معاً ؛ فهو لا ينحاز لنظرية الفن للفن مثلاً على حساب وظيفة هذا الفن ، ولا ينحاز أيضاً لفيزيقة الجسد على حساب ميتافيزقية الروح ؛ وبالتالي فهو لا ينحو منحى الفلسفة الأبيقورية ولا الفلسفة الرواقية ، فكما أنه يعانق بين الجسد والروح فلسفياً ، فإنه يعانق أيضاً بين الشكل والمضمون فنياً .
    والأدب الإسلامي أدب ملتزم ؛ وإذا كان العصر الحديث قد زعم أن الفيلسوف الوجودي "جان بول سارتر" أولُ من تبنى هذا المصطلح ، ثم استعارته الواقعية الاشتراكية ؛ فإننا نزعم أن الإسلام هو أول من تبناه وأصَّل له ونظّر، كما سبق آنفاً أن ألمحنا ؛ ومع هذا فإن التزام الأديب المسلم يغاير ما انتهجته الآداب الأخرى في تباينها لمفهوم الالتزام ، حين قصرته طائفة على الالتزام الفردي الذي ينطلق في حرية مطلقة لا حدود لها ، أوحين قصرته طائفة أخرى على الالتزام الجمعي الذي يكبل انطلاقة الفرد ، ويلجمها في أحادية فلسفية ضيقة ؛ إن الأدب الإسلامي وازن بين أشواق الإنسان الفردية ، وأشواقه الجماعية فغدت مسؤولية الأديب متوازنة ، توائم بين مسؤوليات الفرد والمجتمع في النظر إلى الكون والحياة والتاريخ على حد سواء ، بحيث يبقى هذا الجدل الإنساني حياً نابضاً بالحياة التي تمنحه حرية التعبير عن كل ما هو جميل في الوجود ، تمنحه حرية عفوية مرفرفة في ظل الفطرة الإنسانية التي ضبطها الخالق ، ورسم أشواقها التي تمضي بها إلى بر الأمان والاطمئنان .
    فالأديب المسلم إذن ينطلق من انسجام مقاييس الجمال الفني مع مقاييس الجمال الكوني الذي يستند إلى التناسق الملحوظ لا إلى العبثية والفوضى " فالنجم طليق في مساره الصحيح خفيف الحركة رشيق الانطلاق لكنه لايخرج عن مساره ويصطدم بغيره من الأفلاك "(3) ؛ وحال الفنان المبدع الملتزم حال النجم سواء بسواء ينبغي أن ينطلق في عوالمه المرفرفة ناشداً الجمال ، مختاراً ما يشاء من طرق أدائه ، ولمحات تعابيره ورشاقة تصاويره ؛ لكنه لا يخرج به ذلك عن التناسق الجميل إلى الفوضى المنفّرة والعبث الاعتباطي .
    فالأدب الإسلامي إذن أدب وسطي يمتح من وسطيّة الإسلام في جميع معاييره الفكرية والفلسفية والفنية ، فهو في المعيار الفني ــ مثلاً ــ يوازن بين "جهتي المسموعات والمفهومات" (4). أي بين جمال الشكل وجمال المضمون ، وهذه التوأمة بين هاتين الجهتين لا تقوم في إطار التقريرية والمباشرة والنمطية التقليدية المكرورة التي نسفتها معايير الحداثة والأصالة على حد سواء . من هنا فإن الأدب الإسلامي يتوافق مع شتى الآداب الأخرى في المنحى الفني لهذا التوازن الوسطي ؛ وعلى صعيد المضمون يتوافق مع الآداب الأخرى أيضاً في المنحى الإنساني ؛ وعليه فكل أدب غيرِ إسلامي ينحو منحى الأدبِ الإنساني هو أدبٌ إسلامي ، أطلقت عليه رابطة الأدب الإسلامي الأدبَ الموافق أو الأدب التوافقي .
    أما على صعيد الإطار الفني فإن القاسم المشترك بين الأدب الإسلامي ومعايير الحداثة الجمالية ، يتقاطع مع طائفة من هذه المعايير تقاطعاً توافقياً ، ويتخالف مع أيديولوجيتها السياسية والفكرية العولمية تخالفاً عقدياً ، ويتخالف أيضاً مع منظومتها الفنية تخالفاً جزئياً في رؤية جزئية ، تنحصر في تبني الحداثة النصَّ المغلق والنصَّ العبثي والنص الاعتباطي والنص الذي يتعمّد التعمية والإغلاق.
    أما مااصطلح عليه ببعض المصطلحات والمعايير الجمالية الحداثية كالعلاقات الرأسية والأفقية في بنية النص السطحية أو العمقية ، أو ما اصطلح عليه بعلاقات الحضور والغياب ، أو كسر السياق ، أو الأسلوب الانزياحي ، أو ما اصطلح عليه بالغموض الفني ، أو الدلالات المتعددة ، أو المعادل الموضوعي ، أوما اصطلح عليه بسمتَيْ التحوّل والتحويل ( التحوّل بين المُحسّ والمُحسّ ، والتحويل بين المجرد والمحس ) ، فإن جُلَّ هذه المعايير لا تتقاطع البتة مع المعايير الحداثية ، فضلاً عن عدم تقاطعها مع معايير بلاغتنا العربية الإسلامية التي نظّر لها الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز" أو ابنُ جنّي في كتابه "الخصائص" ، ومن ذلك مثلاً ظاهرة كسر السياق أو ظاهرة المفاجأة الأسلوبية أو ظاهرة الانزياح كما أصّل لها كل من كبدي فاركا وجان كوهين وريفاتير أو غيرها من الظواهر الأسلوبية في المدرسة الأسلوبية البنيوية التي تتوافق مع المدرسة البلاغية الجرجانية ، أو التي تتعانق مع مدرسة ابن جني اللغوية في جل مصطلحاته اللسانية كمصطلح الانحراف مثلاً أو كالمصطلحات الفينولوجية .
    ولا جرم أن الذي يجانبه الصواب هو ذاك الذي يحسب أن الأدب الإسلامي أدبُ مواعظ يقدم قيمه الدينية كما تقدمها الندوات الدينية أو منابرُ المساجد ، أو أنه أدبٌ ينقل أحكام الشريعة الإسلامية وسيرتَها النبوية وإرشاداتها ومبادئها الأخلاقية والسلوكية نقلاً مباشراً في إطارٍ من الوضوح التقريري أو الجمود الفكري السطحي ؛ ولطالما ربط محمد قطب في كتابه " منهج الفن الإسلامي" بين الفن والعقيدة ؛ لأنهما يلتقيان في أعماق النفس كما يلتقيان في عالم الوجود ، ثم تجده ينتهي إلى القول الصريح : " الفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام ، وهو على وجه اليقين ليس الوعظَ المباشر ، والحثَّ على اتباع الفضائل , وليس هو كذلك حقائقَ العقيدة المجردة ، مبلورةً في صورة فلسفية ، فليس هذا أو ذاك فناً على الإطلاق " (5) وهذا لا يعني أن طائفة من مبدعي هذا الأدب ينحو مثل هذا المنحى ـ ولعل جل شعراء الأدب الإسلامي ، يعتقدون" أن الفن الإسلامي هو الدعوة إلى الإسلام ، في إطار من الحِكَم والمواعظ والإرشادات أي : في إطار من المعاني الجاهزة والأفكار المتمنطقة . إن في هذا الاعتقاد فهماً ضيقاً للدين والفن على حد سواء" . ويقول أيضاً : " إن الدين يلتقي في حقيقة النفس بالفن ، فكلاهما انطلاق من عالم الضرورة , وكلاهما شوق مجنّح لعالم الكمال , وكلاهما ثورة على آلية الحياة " (6) ومن جهة أخرى فإن الأدب الإسلامي أيضاً لا يمكن أن يقبل منظومة حداثية فنية اشتطت في توغُّل اللامعقول واللاوعي ، وقتلت في النصِّ الأدبيِّ المُبْدِعَ والمُبْدَعَ كالنص العبثي الدادائي الذي اخترعه الشاعر "تريستان تزارا" ناصحاً المبدع بخلقه على هذا الشكل : " خذ جريدة ، خذ مقصًّا ، اقطع منها مقالاً ، ثمّ قصّ الكلمات التي كوّنت المقال منعزلة عن بعضها ، وضعها في كيس ، خضّها جيّداً بعد ذلك خذ كلّ أقصوصة واحدة تلو الأخرى انقلها على الورق و ستمثل القصيدة أمامك ؛ وها أنتَ الآن كاتب أصيل حتّى لو لم يتذوّق قطيعُ الرّعَاع قصيدتك " (7). ليس من المعقول أن تلغي الدادائية منظومة المجتمع الأخلاقية واللغوية والثقافية التي وصفها "تزارا" بقطيع الرعاع ، مبررة هذا الفعل بالتمرد على ويلات الحرب العالمية , زاعمة أن مجتمعاً يصنع مثل هذه الحرب لا يمكن أن يستحق فناً .
    إن مثل هذا التوجه أيضاً يلغي سيرورة الجدلية التاريخية الإنسانية التي تنحو نحو إعادة هيكلة الإنسان ، وتنزع نحو منازع الخير المطلق ، وتنهض من تحت رماد الحروب ، لتصحح مسارها من خلال التثوير والتغيير اللذين فطرت عليهما الشعوب في شتى مراحلها التاريخية والفكرية . ولما كان الأدب الإسلامي ينطلق من رسالة أممية إنسانية فإن منحاه الإنساني ينأى به عن قبول مثل هذه العشوائيات الحداثية وعبثيتها الاعتباطية وطواحينها الدون كيشوتية.
    وإذا كان الأدب الإسلامي يصدر عن تصور إسلامي للكون والحياة والإنسان فهذا لا يعني أبداً أنه يمتح من وعاء ديني متحاً صُنعت دلاؤه من عهد مضى ، وجمد على أدوات هذا العهد ؛ إن هذا الاعتقاد لا ينجو من اتهام بالتخلف والجمود ؛ لأنه لا بد من الحسبان بأن سيرورة الحياة برمتها تمضي نحو التغيير والتحوير والتثوير؛ فلقد طرأ على مصنوع الدلاء وصانعها مخترعاتٌ وإبداعات مستحدثة ، أنتجت صنعةً أو صنيعةً جديدة لم يغفل عنها الأديب الإسلامي الحق ؛ بل نهض يشارك في خلقها وتخلّقها ، فلا يضر الأدبَ الإسلامي ـ إذن ـ أن يكون أدباً حداثياً ، تخضع نصوصُه الإبداعية لقراءات هيرمنيوطيقية أو فينومينولوجية أو غيرها من القراءات الحداثية ؛ وهذا لا يعني أن لا يكون المبدع كلاسيكياً ؛ ولكن من غير المقبول أن يكون حداثياً عبثياً , أو كلاسيكياً نمطياً ، ولقد أشرت في بحث مطول لي ــ نشرته مجلة الأدب الإسلامي في عددها الواحد والسبعين ــ أشرت إلى خطر انزلاق نظرية الأدب الإسلامي في التطرف الحداثي من جهة أو في التطرف الكلاسيكي من جهة أخرى ، وأزعم أن جل الشعراء الإسلاميين سقطوا في قوقعة النمطية الكلاسيكية التي تقتل في المتذوق لذة التفتيش عن المخبوء الجمالي ، والتي تعطل في الذاكرة الثقافية نبشَ أسرار الجمال الفني , وتعطل في أدواتها أيضاً تنشيطَ آليتها الحيوية في التأمل والبحث والتأويل.
    الإحالات :
    (1) ماهر شفيق فريد : مجلة المسرح ـ القاهرة ـ العدد 9ـ ص83
    (2) المصدر السابق : ص83- 85
    (3) قطب . محمد : منهج الفن الإسلامي 183
    (4) القرطاجني . حازم : منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 286 تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن خوجة ـ دار الغرب الإسلامي ـ بيروت 1981
    (5) قطب . محمد : منهج الفن الإسلامي ص6
    (6) المصدر السابق ص5
    (7) صدرت مؤخرا السيرة الذاتية للشاعر تريستان تزارا بقلم الباحث فرانسوا بوو؛ وقد تكون أول سيرة متكاملة تكتب حول مؤسس الدادائية . عن (منشورات غراسيه). انظر : جوجل / بحث (موقع ملتقى الصداقة الثقافي).

  2. #2
    الصورة الرمزية هاشم الناشري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2011
    المشاركات : 3,695
    المواضيع : 39
    الردود : 3695
    المعدل اليومي : 0.77

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.نبيل قصاب باشي مشاهدة المشاركة
    ملامحُ منْ منهجيّةِ خصائصِ الأدبِ الإسلاميِّ
    د.نبيل قصاب باشي
    رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب
    الإسلامي العالمية في الإمارات العربية المتحدة
    أما الأدب الإسلامي فيتجه اتجاهاً معاكساً نحو الآخر ، نائياً بمنظومته الإسلامية الفلسفية عن الأنا النيتشية أوالفرويدية أو الطليعية ، فهو أدب ينطلق من رؤية شمولية ، يوازن فيها بين "الأنا" و "الهو" ، وبين المحدود و المطلق ، وبين الجسد والروح ، وبين العاطفة والعقل ، وبين المحسوس والمُغيَّب ، وبين عالم الظاهر وعالم الباطن ، وبين الصراع في إطاره الطبقي أو الإنتاجي والصراع في شموله الإنساني .
    إنه أدب متوازن يواكب الفطرة الإنسانية ، وجبلّتها الخَلْقية والخُلُقية ، ويجانب كل ما يعطّل أشواق هذه الفطرة من حيث منازعها العضوية والروحية ، ناشداً المتعة الفنية مع الفائدة المرجوة في آن معاً ؛ فهو لا ينحاز لنظرية الفن للفن مثلاً على حساب وظيفة هذا الفن ، ولا ينحاز أيضاً لفيزيقة الجسد على حساب ميتافيزقية الروح ؛ وبالتالي فهو لا ينحو منحى الفلسفة الأبيقورية ولا الفلسفة الرواقية ، فكما أنه يعانق بين الجسد والروح فلسفياً ، فإنه يعانق أيضاً بين الشكل والمضمون فنياً .
    والأدب الإسلامي أدب ملتزم ؛ وإذا كان العصر الحديث قد زعم أن الفيلسوف الوجودي "جان بول سارتر" أولُ من تبنى هذا المصطلح ، ثم استعارته الواقعية الاشتراكية ؛ فإننا نزعم أن الإسلام هو أول من تبناه وأصَّل له ونظّر، كما سبق آنفاً أن ألمحنا ؛ ومع هذا فإن التزام الأديب المسلم يغاير ما انتهجته الآداب الأخرى في تباينها لمفهوم الالتزام ، حين قصرته طائفة على الالتزام الفردي الذي ينطلق في حرية مطلقة لا حدود لها ، أوحين قصرته طائفة أخرى على الالتزام الجمعي الذي يكبل انطلاقة الفرد ، ويلجمها في أحادية فلسفية ضيقة ؛ إن الأدب الإسلامي وازن بين أشواق الإنسان الفردية ، وأشواقه الجماعية فغدت مسؤولية الأديب متوازنة ، توائم بين مسؤوليات الفرد والمجتمع في النظر إلى الكون والحياة والتاريخ على حد سواء ، بحيث يبقى هذا الجدل الإنساني حياً نابضاً بالحياة التي تمنحه حرية التعبير عن كل ما هو جميل في الوجود ، تمنحه حرية عفوية مرفرفة في ظل الفطرة الإنسانية التي ضبطها الخالق ، ورسم أشواقها التي تمضي بها إلى بر الأمان والاطمئنان .
    فالأديب المسلم إذن ينطلق من انسجام مقاييس الجمال الفني مع مقاييس الجمال الكوني الذي يستند إلى التناسق الملحوظ لا إلى العبثية والفوضى " فالنجم طليق في مساره الصحيح خفيف الحركة رشيق الانطلاق لكنه لايخرج عن مساره ويصطدم بغيره من الأفلاك "(3) ؛ وحال الفنان المبدع الملتزم حال النجم سواء بسواء ينبغي أن ينطلق في عوالمه المرفرفة ناشداً الجمال ، مختاراً ما يشاء من طرق أدائه ، ولمحات تعابيره ورشاقة تصاويره ؛ لكنه لا يخرج به ذلك عن التناسق الجميل إلى الفوضى المنفّرة والعبث الاعتباطي .

    مقالة رائعة أيها الأديب الكبير ، تكشف الكثير عن ملامح هذا الأدب الراقي الذي يستمد
    قوته من نبع الرسالة المحمدية منذ يومها الأول.

    ولو أنصف الأدب الإسلامي من أهله أولا لما كان هذا حاله !

    استمعت بالقراءة والمرور ، ونسأل الله تعالى لك مزيد التوفيق والتألق أخي.

    كل عام وأنت بخير.

    محبتي وتقديري.
    إذا كان أصلي من ترابٍ فكلّها = بلادي وكلّ العالمين أقاربي

المواضيع المتشابهه

  1. وداعاً عميد الأدب الإسلامي المقارن د. حلمي محمد القاعود
    بواسطة زاهية في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 17-07-2010, 12:22 PM
  2. قراءة في كتاب ( ملامح يونانية في الأدب العربي) للدكتور إحسان عباس
    بواسطة عطاف سالم في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 24-04-2009, 09:46 PM
  3. احتفالية رابطة الأدب الإسلامي بمصر للترحيب بالدكتور سمير العمري
    بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-07-2006, 06:04 PM
  4. الحرية في الأدب الإسلامي
    بواسطة قلم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 22-12-2004, 09:49 PM
  5. أول موقع متخصص في الأدب الإسلامي الفلسطيني شارك بقلمك
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20-09-2004, 11:01 AM