أحدث المشاركات
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 24

الموضوع: صفحة أحمد حسن - القصة

  1. #11
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    رفعَ عينيهِ يرقبُ قرصَ الشمسِ في احتضارِ المغيبِ , يملأُ عينيهِ من المشهدِ الأخيرِ لحياته في هذا الوادي المقفر من كل ما هو حي عدا بعض رموز الطبيعة القاحلة و أشجار العرعر الشاحبة تتناثر في أرجائه الفسيحة التي تكتنفها الجبال من جهات ثلاث على شكل خليجٍ طويل تبقى جهته الشمالية محط أنظار سكانه ترقبُ الداخل إلى الوادي و الخارج منه أو "جَدْرْ" كما يسميه سكانه و من يقطنون حوله كناية عن الجدار الهائل الذي يسدُّ مسار السيل العابر في الوادي.


    مكث في صمته طويلاً يراقبُ ابنته و أبناءَها الثلاثة و هم منهمكون في جمع حاجياته و ملابسه من داخل خيمته المُهترئة , لحظ في عيني ابنته نظرات السعادة مختلطة بالدهشة و كأنها في حلم , لقد فاجأها قراره بترك الوادي و العودة معها إلى المدينة . لم تصدق سمعها بادئ الأمر وهي التي فقدت كل أمل في إقناعه في الانتقال معها إلى المدينة منذ سنوات عديدة مضت وبعد رحيل والدتها ومكوثه وحيدا مع قطيع أغنامه في الوادي.

    ما زال يذكر كيف قدم إلى هنا منذ أكثر من ستين عاماً , كان الوادي وقتها ممتلئـًا بالحياة قد نصب سكانهُ خيامهم في أماكنَ متفرقةٍ منه , الشجر الأخضر يملأ نواحيه , وجبالهُ مكسوةٌ باللون الأخضر و ينابيع الماء تتفجر من أحشائها تنتقل عبر القنوات التي شقها السكان لتصل إلى حقولِ القمح الصغيرة المتراصة في أسفل الوادي بجانبِ رياض النخيل الباسقة.


    لبث برهة يحاول أن يتذكر مكان الديوان الرئيسي الذي كانت تعقد فيه اللقاءات اليومية بعد كلِ صلاةِ مغرب و أثناء المناسبات و الأعياد , مشى إلى مكانه الخاوي يتوسط منازلهم ووقف محاولاً إسترجاع تفاصيل الديوان , كان كبيرا جدا صيوانين متعاكسين أحدهما خاص بالرجال و الآخر خاص بالنساء تفصلهما باحة واسعة كانت مرتعاً لأطفالِ الوادي وقت المناسبات.


    كانوا يبدؤون اليوم قبل شروق الشمس بإجتماعهم لصلاة الفجر في الديوان ثم يتفرقون إلى أعمالهم على أنغام زقزقةِ الطيور و طنينِ أسراب النحل التي تنطلق من خلاياها المنصوبةِ في رؤس الجبال , يعمل الرجال في الحقول و رعاية خلايا النحل و ترعى النساء الأغنام و كان الأطفال يمرحون بين هنا و هناك و عند الغروب يعود الجميع إلى بطن الوادي يبغون الراحة بعد عناء يوم حافل يلجون بعده في سكونِ الليل العميق.
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد رامي ; 17-10-2014 الساعة 11:54 PM

  2. #12
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    صححت لك ماورد من خطأ في الهمزات , و إليك درسا بسيطا لمعرفة همزة الوصل و وجودها :

    هي الهمزة التي تثبت ابتداءً وتسقط وصلاً

    1 ـ الفعل الماضي الخماسي و مصدره و أمره : انتقم - انتقامًا - انتقِمْ
    2 - الفعل الماضي السداسي و مصدره و أمره : اسنكبر - استكبارًا - استكبِرْ
    3 - فعل الأمر الثلاثي غير الأجوف و المبتدئ بهمز : علم - اعلم

    و الأسماء التالية :

    4 - ابن
    5 - ابنة
    6 - ابنم
    7 - امرؤ
    8 - امرأة
    9 - اسم
    10 - اثنان واثنين
    11 - اثنتان و اثنتين
    12 - الـ التعريف
    13 - ايم الله
    14 - ايمن الله
    15 - است .
    ................
    متى تصبح همزة الوصل همزة قطع ؟
    عندما يتحول المصدر إلى اسم علم :
    انتصر - انتصار = الاسم العلم : إنتصار
    ابتسم - ابتسام = الاسم العلم : إبتسام
    ابتهل - ابتهال = الاسم العلم : إبتهال
    العدد اثنين عندما يتحول إلى اسم يوم من أيام الأسبوع : إثنين و بالتعريف : الإثنين ... و هكذا

    و ما عدا ذلك فهو همزة قطع .

    أتمنى أني أفدتك .

    الآن أنزل جميع القصة معدلة حسب ما فهمت مني .

    أنتظرك ..
    ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
    التعديل الأخير تم بواسطة لحسن عسيلة ; 05-01-2015 الساعة 12:49 AM

  3. #13
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    رفع عينيه يرقب قرص الشمس في احتضار المغيب , يملأ عينيه من المشهد الأخير لحياته في هذا الوادي المقفر من كل ما هو حي عدا بعض رموز الطبيعة القاحلة و أشجار العرعر الشاحبة تتناثر في أرجائه الفسيحة التي تحدها الجبال من جهات ثلاث على شكل خليج طويل تبقى جهته الشمالية محط أنظار سكانه ترقب الداخل إلى الوادي و الخارج منه أو "جَدْرْ" كما يسميه سكانه و من يقطنون حوله كناية عن الجدار الهائل الذي يسد مسار السيل العابر في الوادي.


    مكث في صمته طويلا يراقب ابنته و أبناءَها الثلاثة و هم منهمكون في جمع حاجياته و ملابسه من داخل خيمته المهترئة , لحظ في عيني ابنته نظرات السعادة مختلطة بالدهشة و كأنها في حلم , لقد فاجأها قراره بترك الوادي و العودة معها إلى المدينة . لم تصدق سمعها بادئ الأمر وهي التي فقدت كل أمل في إقناعه في الإنتقال معها إلى المدينة منذ سنوات عديدة مضت وبعد رحيل والدتها ومكوثه وحيدا مع قطيع أغنامه في الوادي.

    ما زال يذكر كيف قدم إلى هنا منذ أكثر من ستين عاما , كان الوادي وقتها ممتلئـًا بالحياة قد نصب سكانه خيامهم في أماكنَ متفرقة منه , الشجر الأخضر يملأ نواحيه , وجباله مكسوة باللون الأخضر و ينابيع الماء تتفجر من أحشائها تنتقل عبر القنوات التي شقها السكان لتصل إلى حقول القمح الصغيرة المتراصة في أسفل الوادي بجانب رياض النخيل الباسقة.


    لبث برهة يحاول أن يتذكر مكان الديوان الرئيسي الذي كانت تعقد فيه اللقاءات اليومية بعد كل صلاة مغرب و أثناء المناسبات و الأعياد , مشى إلى مكانه الخاوي يتوسط منازلهم ووقف محاولا استرجاع تفاصيل الديوان , كان كبيرا جدا صيوانين متعاكسين أحدهما خاص بالرجال و الأخر خاص بالنساء تفصلهما باحة واسعة كانت مرتعا لأطفال الوادي وقت المناسبات.


    كانوا يبدؤون اليوم قبل شروق الشمس باجتماعهم لصلاة الفجر في الديوان ثم يتفرقون إلى أعمالهم على أنغام زقزقة الطيور و طنين أسراب النحل التي تنطلق من خلاياها المنصوبة في رؤوس الجبال , يعمل الرجال في الحقول و رعاية خلايا النحل و ترعى النساء الأغنام و كان الأطفال يمرحون بين هنا و هناك و عند الغروب يعود الجميع إلى بطن الوادي يبغون الراحة بعد عناء يوم حافل يلجون بعده في سكون الليل العميق.



    قبلَ قدومهِ للوادي بدأ حياته مرتحلاً مع أُسرته من مكان إلى أخر يتتبعون الكلأَ و الماءَ لمواشيهم فلم تستهوهِ حياة التنقّل و آثر الاستقرار بعد زواجه فأشار له والده بان يتزوج من إحدى الأسر التي تسكن الوادي و يستقر هناك و لقد كان ذلك.

    مع الأيام بدأ سحر الوادي يتسرب إلى قلبه و يزداد تعلقه به و لا يطيق البعد عنه كثيرا , حتى أنه في إحدى المرات اضطر للسفر إلى المدينة على بعد أسبوع بالجمال فشعر بالضيق في منتصف الطريق فقفل راجعاً إلى الوادي و لم يُعرف عنه بعد ذلك أنه فارقه.

    اندمج في مجتمع الوادي بفضل سخاءِ نفسه و هدوءِ طباعه و حكمته التي تكونت من تقلب احواله في سنوات الترحال فكان يلجأ له إليه جيرانه في كل خطب او استشارة و كان يقضي فيما يقع بينهم من خصومات و خلافات ويثقون به ثقةً مطلقة حتى اصبح كالرأس فيهم بالنسبة للجسد.


    استمرَّ هدوءُ حياته في الوادي فترة طويلة من الزمن , ربما بفضل العزلة التي فرضتها الطبيعة , كبر فيها أبناؤه حوله , والدان وبنت يعينونه في رعي قطيع الأغنام و رعاية الحقل ,اشار عليه البعض بعضهم ان يلحقهم في إحدى بإحدى المدارس خارج أطراف الوادي كما يفعل الجمي املاً في أن يفتح التعليم لهم افاقاً أوسع و حياة أفضل خارج الودي و هذا الذي لم يكن ليطيقه أبداً فقد اختار لأبنائه حياتهم معه في الوادي بكل تفاصيلها و حدد لهم نصيبهم من حقول القمح و خلايا العسل حتى أصهاره في المستقبل اختارهم من بين جيرانه. لم يسلِّم باديء الأمر و رفض إرسال ابنه الأكبر إلى المدرسة و لكنه رضخ بعد ذلك لإلحاح زوجته و جيرانه.

    لم تعجبه التغيرات التي طرأت فيما بعد على سكان الوادي خاصة بعد وصول طريق الأسفلت إلى مكان غير بعيد عن مشارف الوادي فأوفد إليهم غرباء اقتحموا عزلتهم و هددوا سكون حياتهم.
    تطور الأمر بعد ذلك فاقتنوا السيارات التي اختصرت لهم طريق المدينة إلى ساعتين بدلاً من أسبوع كامل وأصبح الذهاب إلى المدينة و جلب الضروريات نهاية الأسبوع حاجة لابد منها لكل بيت من بيوت الوادي فلاحظ بأسى علب الصفيح و الكرتون وهي تتكاثر كالذباب في أرجاء الوادي . حتى مسامرات الليل كادت أن تتلاشى إلا من بضع أفراد بعد أن أدخل السكان المذياع إلى خيامهم فتبدلت مواضيع أحاديثهم العامة فأخذوا يتداولون أخبار الحروب و السياسة و بعض البرامج الفكاهية في الإذاعة المحلية.

    تغير حاله معهم فأصبح صامتاً جُلَّ وقته بعد أن كان سلطان مجلسهم و راوي القصص و الحكايات التي يُذعنون بشوق لسماعها و أخذ يراقب تغير أحوالهم عن كثب و هو في قلق من المستقبل.

    في أحد الأيام أخبره أحد الجيران بعزمه على الإنتقال إلى المدينة رغبة في إلحاق أبنائه بوظائف هناك , حاول جاهداً أن يثنيه عن عزمه ليس تمسكاً به بقدر ما هو سد لهذا الباب حتى لا يألفه سكان الوادي و يهجروا موطنهم إلى حياة المدينة , فلم يفلح في ذلك وحدث ما كان يخشاه فاستهوت حياة المدينة معظم سكان الوادي فشدوا إليها رحالهم و تركوا الوادي في وحشة بعد أن كان أنساً بسكانه.

    صارحه ابنه الأصغر بنيته في السفر إلى إحدى مدن الشمال ليلتحق بإحدى الوظائف العسكرية , حاول ثنيه باللين تارة و بالشدة تارة أخرى فلم يستجب له , بقي ابنه الأكبر معه و تزوج من إحدى الأسر في الوادي و بنى بيته في المكان الذي حدده له فاستبشر خيرا بهذا الطالع.
    تباعدت فترات هطول الأمطار و تغيرت مواعيدها فارتجف قلبه وشعر أن حتى نواميس الكون تحاول أن تغيضه. إنقطعت الأمطار أغلب فصل الشتاء فأجدبت الأرض و جفت الآبار فاستنجد السكان بسياراتهم لجلب الماء من الآبار البعيده و هجر النحل الجبلي خلاياه المغروسة منذ عقود في قمم الجبال. صلى بهم صلاة الاستسقاء أملًا في نزول المطر و رغبةً في استمرار الحياة في الوادي , هطلت زخات خفيفة كأنما تسترضيه السماء , استبشر خيراً فصعد إلى أحد الجبال العالية ينظر إلى السماء كأنما يستحثها بالمزيد و في الأفق لاحَ له شبح المدينة و قد أضحى غير بعيد, شعر بانقباض في صدره و صعدت منه زفرة يأس , لقد فات الاوان.

    تزايد عدد السكان المهاجرين واحد تلو الاخر ولكنه لم يعد يكترث بقي هو و ابنه الأكبر بعائلتيهما . تزوجت ابنته الوحيدة و انتقلت مع زوجها إلى المدينة , كتم حزنه في قلبه و لم يعترض خشيةً في أن يعيق نصيبها خاصة و أنه لم يعد هناك شبان في الوادي و حياتهم أضحت في عزلةً عن بقية البشر.
    تقدم به السن و صار يجد مشقةَ في صعودِ الجبال فاكتفى بممارسةِ حياتهِ في سهلِ الوادي فلم يعد هناك ما يجبره على صعودِ الجبال بعد هجرةِ أسراب النحلِ و مُحولِ المراعي فصار يجلبِ علف قطيعه مع بقيةِ حاجياته من المدينة.
    فقد الوادي هدوءه المعتاد و اصبحت تغزوه مركبات الغرباءَ من و قتٍ إلى آخر بحثاً عن الحطب من بقايا الأشجار التي تلاشت أرواحها مع ندرة الأمطار , علت أصوات المناشير الآلية في الوادي , ساءه الأمر جدا فلم يرضَ أن يُمثل بأشجار الوادي بمثل هذه الطريقة فتقدم منافحاً عن ما يحسبه جزءًأ منه, صرخَ فيهم و توعدهم مضوا في طريقهم ثم عادوا بعد فترةٍ قصيرة , استسلم للأمر الواقع من جديد و تركهم في عبثهم و أصبح الصمت رده الوحيد على كل ما يستجد بالوادي.
    في أحد الأيام فارقت زوجته الحياة ,حزُنَ على فقدها وزادت الوحشة في قلبه بفراقها , دفنها بالقرب من قبر أبيها , حضر من تبقى على قيد الحياة من سكان الوادي السابقين لتعزيته , نظر في أعينهم بعتاب واسوه و طيبوا خاطره و شكوا إليه حياة المدينة و ما فيها من ملل و ضيق وقت يمنعهم من الاستمتاع بحياتهم فيها حتى بدت تحدثهم أنفسهم بالعودة للوادي, تجاهلهم بصمته و لم يكترث لهم فلقد أيقن في نفسه أن الحياة في الوادي تحتضر و أنه أخرُ زفرةٍ في رُوحها .
    فاتحه ابنه الأكبر بموضوع الرحيل إلى المدينة و أنه أصبح ضرورة حتمية طلباً لما هو متاح فيها من خدمات و طلب رزق بيسر و سهولة و لتعليم أبنائه بعد أن أُغلقت المدارس القريبة من الوادي لقلة أعداد الطلاب , لم يعطه جواباً إلا في اليوم التالي بعبارة يتيمة قال : ارحل بأهلك و أبنائك إلى المدينة إني باقٍ هنا. رحل ابنه بعائلته و هو يحمل همه و حزنه على والده بعد أن تركه فريسة سهله لوحدة بالغة المرارة تنهش روحه قبل جسده في وادي موحش تكسوه حياة شاحبة.

    مضت أيام وحدته رتيبة يصارعها بصمته تارةً و بانشغاله بقطيع أغنامه تارةً أخرى , إزداد تدينه بعد تردده على القنوات الدينية التي تبثها الإذاعة الوطنية و يلتقطها مذياعه المثبت على خاصرته كجزء من جسده يحمله معه أينما حل في الوادي, أصبحت الصلاة و الصيام سمته الغالبة يجد فيهما سكينة روحه ومتنفسا من وحدته , يتردد عليه ابنه الأكبر و ابنته بين فينة و أخرى ليتفقدوه و يلبوا له احتياجاته مما تزخر به أسواق المدينة من مطعم و ملبس و احتياج قطيعه من علف و ماء أما إبنه الأصغر فيزوره في الأعياد و ينقطع عنه بقية أيام السنة , بعض أقاربه و أصدقائه يفاجئونه بزيارات متقطعة , لم يألو الجميع جهداً في إقناعه بالانتقال للمدينة لكنه يلجأ لصمته كردٍ نهائي لهذا الأمر.
    مع مرور السنين استمرأ وحدته و استطابت لها نفسه , عكف على بناء خلايا جديدة في رؤوس الجبال أملاً برجوع النحل و أعاد زراعة حقله بعد أن اتفق مع أحد سائقي الصهاريج ان يجلب له الماء كل أسبوع نشر قطيعه على سفوح الجبال ويحادث أغنامه بأسمائها و يحثها على إيجاد الكلأ , يشدو بما يحفظه من أغانٍ و أشعارٍ قديمه بأعلى صوته يرتعش عوده الهزيل طرباً لصداها , عبثاً يحاول أن يبعث الحياة في الوادي من جديد .
    حدثته نفسه في أحد الأيام أن يقيم وليمة كبيرة يدعو لها أصدقائه من سكان الوادي ممن بقي منهم على قيد الحياة و أقربائه جميعاً فكم يهفه الشوق لأن يرى الوادي و هو يعج بالناس من جديد, استحسن الفكرة فأستدعى أبنائه و أحفاده ليهبوا لمساعدته أعاد بناء الصوان القديم لاستقبال الزوار و أعاد تأثيثه بما يشبه الصوان القديم , وضع موقد النار في المنتصف كالعادة و رصّ فوقه دلال القهوة ,عزل بعض الشياه السمان من قطيعه و أجزل لها العناية كي يولم بها في ليلته الموعودة , كان يعمل بشغف عميق تلبَّس روحه و أنعش جسده و سبح بعقله في خيالات ليلته تلك و ما سيكون فيها من صور و أحداث و قصص و حكايات وحنين تواق لماضي الازمان و لحاضر المكان .
    سارت به خيالاته بضعة أيام حتى حلَّ اليوم المنتظر , نهض فيه باكراً و لبس جديد الثياب , صعد إلى منتصف الجبل المقابل لمدخل الوادي , جلس على صخرة بارزة و أركز أسفل ذقنه على عصاته , رمى ببصره إلى مدخل الوادي مترقباً قدوم ضيوفه بوله و شوق, مضت ثلاث ساعات قبل أن يصل لسمعه أصوات لمركبات و هي تشق الطريق الصحراوي عرف بها وصول أبنائه , نزل لاستقبالهم و أسارير الفرح تملأ و جهه الأسمر الدقيق , تناول إفطاره معهم بشهية مفتوحة رسمت البسمة على وجه ابنته فهي منذ سنين طويلة لم ترى أباها على هذا النحو . بعد ذلك انشغل الجميع بإعداد الوليمة و ترتيب الصوان و ملأ دلال القهوة , رجع إلى مكانه على الصخرة في منتصف الجبل بعد أن اطمأن على سير كافة الترتيبات كما يريد و عاد يرمي ببصره جهة مدخل الوادي فما بقي إلا أن يصل ضيوفه ليتم مراده.
    نظر الإبن الأكبر ناحية والده بحزن فلقد انقضت الساعات المرتقبة و لم يعبر أحد مدخل الوادي منذ الصباح غيرهم , حل المساء و أُطفأت نار الوليمة و جلس الأبناء و الأحفاد بتململ و سخط من تأخر الضيوف و لم يبرح والده مكانه فوق الصخرة مصوبا بصره جهة مدخل الوادي حتى تلاشت لديه كل قطرة من امل و كل خاطرة من عذر يعذر بها ضيوفه , نهض من مقامه و توجه ناحية خيمته و صلى العصر مع أبنائه ثم جلس فوق سريره و طلب منهم الرحيل قبل أن تغرب الشمس و يحل الظلام , حاولوا مواساته و تهوين الأمر عليه لكنه لجأ إلى صومعة صمته فتركوه على حاله و مضوا قافلين إلى المدينة.
    استيقظ قبل الفجر و الوادي يعج بالسكون نهض من فوق سريره و اتجه صوب إبريق الماء ليتوضأ فرأى شفقاً أصفر يتلألأ فوق الجبال , امتعض وجهه و هو يستذكر أحداث يومه , أمسك بعصاه و استجمع قواه و صعد الجبل كأنما يريد يستكشف ماهية هذا الضوء , و صل القمة بعد جهد , و أقصى ببصره ناحية الشمال فسرت رعشة سريعة في جسده أسقطت عصاه من يده , إنه يرى المدينة من بعيد و هي تضرب جبال الوادي بوهج أضوائها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب و تطوقها بطرقها سوداء تتلوى كأذرع الإخطبوط تداهن الزمن لتبتلع الوادي كما ابتلعت أهله من قبل و كل ما كان جميلاً فيه و تدفنهم في جوفها المظلم ليتخبطوا في متاهات أغوارها السحيقة ويسقطوا في شِراك جمودها فتندثر هناك كل رموز الحياة و فطرتها الجميلة.

    - تمت بحمد الله

  4. #14
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    الإنتقال : ماضيه انتقل خماسي أي ينطبق عليه قاعدة همزة الوصل .
    أخر : هي آخر بالمد , لاندماج همزتين , مثل :
    أأوى = آوى
    أأدم = آدم
    أأخِر : آخر ..... وهكذا
    حتى أنه : تعتبر الهمزة هنا ابتداء فنلفظها هكذا : حتى إنه
    احواله : هي جمع حال و ليست مصدرا مثل باب = أبواب , مال = أموال , لذا فهي أحواله بهمزة قطع .

    يلجأ له إليه : أنا أذكر أني صححت لك هنا بالأحمر و تركت وقتها الخطأ حتى تتعلم منه , هي يلجأ إليه .
    او : لا داعي للكلام عنها فهي أو بهمزة قطع .
    اصبح , ألا ترى أنه ماضٍ رباعي فهمزته قطع .
    والدان وبنت .. خطأ طباعي , ولدان و بنت .
    اشار , ماض رباعي فهمزته " قطع "
    ان يلحقهم في إحدى بإحدى , و هنا صححت لك تعلق الفعل بحرف الجر و أنت لم تنتبه و كأنك لم تقرأ النص و أنزلته كما هو دون تنقيح .
    أن ( همزة قطع ) يُلحِقَهم ( طلبت منك ضبط أواخر الكلمات بالشكل فلم تفعل ) في إحدى خطأ و الصواب بإحدى .
    كما يفعل الجمي املاً في أن يفتح التعليم لهم افاقاً أوسع
    أرأيت أنك لم تنقح شيئا .. – الجميع – أملا – آفاقا .

    أخي أحمد
    إن قصتك هذه طويلة و مليئة بالأخطاء الإملائية و النحوية
    و قد بينت لك في أول تنقيح و باللون الأحمر أماكن الأخطاء و صححت لك قسما لا بأس به منها و كل الأخطاء التي تتعلق بتركيب الجملة , و أنت على ما يبدو لم تفعل شيئا إلا أن نسخت القصة و هي مصححة و كنت أترك لك الخطأ لتعرفه و أضع بجانبه الشكل المصحح , فأنت نسخت كل ذلك و هذا دليل أنك لم تقرأ ما صححته لك , و قد أخذ ذلك مني وقتا طويلا في المرات الثلاث , فإن كنت ستستمر على هذا النحو من العبثية فأنا أعتذر عن متابعة ما تكتب لأنك ترفض التجاوب و التصحيح , و صدقني إن رفاقك هم أحوج بهذا الوقت منك ..
    سأعطيك هذه الفرصة " الأخيرة " فإن تداركت ذلك فأهلا و سهلا بك , و إلا فسأعتذر عن متابعتك .

  5. #15
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    رفع عينيه يرقب قرص الشمس في احتضار المغيب , يملأ عينيه من المشهد الأخير لحياته في هذا الوادي المقفر من كل ما هو حي عدا بعض رموز الطبيعة القاحلة و أشجار العرعر الشاحبة تتناثر في أرجائه الفسيحة التي تحدها الجبال من جهات ثلاث على شكل خليج طويل تبقى جهته الشمالية محط أنظار سكانه ترقب الداخل إلى الوادي و الخارج منه أو "جَدْرْ" كما يسميه سكانه و من يقطنون حوله كناية عن الجدار الهائل الذي يسد مسار السيل العابر في الوادي.


    مكث في صمته طويلا يراقب ابنته و أبناءَها الثلاثة و هم منهمكون في جمع حاجياته و ملابسه من داخل خيمته المهترئة , لحظ في عيني ابنته نظرات السعادة مختلطة بالدهشة و كأنها في حلم , لقد فاجأها قراره بترك الوادي و العودة معها إلى المدينة . لم تصدق سمعها بادئ الأمر وهي التي فقدت كل أمل في إقناعه في الانتقال معها إلى المدينة منذ سنوات عديدة مضت وبعد رحيل والدتها ومكوثه وحيدا مع قطيع أغنامه في الوادي.

    ما زال يذكر كيف قدم إلى هنا منذ أكثر من ستين عاما، كان الوادي وقتها ممتلئـًا بالحياة قد نصب سكانه خيامهم في أماكنَ متفرقة منه، الشجر الأخضر يملأ نواحيه، وجباله مكسوة باللون الأخضر وينابيع الماء تتفجر من أحشائها تنتقل عبر القنوات التي شقها السكان لتصل إلى حقول القمح الصغيرة المتراصة في أسفل الوادي بجانب رياض النخيل الباسقة.


    لبث برهة يحاول أن يتذكر مكان الديوان الرئيسي الذي كانت تعقد فيه اللقاءات اليومية بعد كل صلاة مغرب و أثناء المناسبات و الأعياد , مشى إلى مكانه الخاوي يتوسط منازلهم ووقف محاولا استرجاع تفاصيل الديوان , كان كبيرا جدا صيوانين متعاكسين أحدهما خاص بالرجال و الأخر خاص بالنساء تفصلهما باحة واسعة كانت مرتعا لأطفال الوادي وقت المناسبات.


    كانوا يبدؤون اليوم قبل شروق الشمس باجتماعهم لصلاة الفجر في الديوان ثم يتفرقون إلى أعمالهم على أنغام زقزقة الطيور و طنين أسراب النحل التي تنطلق من خلاياها المنصوبة في رؤوس الجبال , يعمل الرجال في الحقول و رعاية خلايا النحل و ترعى النساء الأغنام و كان الأطفال يمرحون بين هنا و هناك و عند الغروب يعود الجميع إلى بطن الوادي يبغون الراحة بعد عناء يوم حافل يلجون بعده في سكون الليل العميق.



    قبلَ قدومهِ للوادي بدأ حياته مرتحلاً مع أُسرته من مكان إلى آخر يتتبعون الكلأَ و الماءَ لمواشيهم فلم تستهوهِ حياة التنقّل و آثر الاستقرار بعد زواجه فأشار له والده بأن يتزوج من إحدى الأسر التي تسكن الوادي و يستقر هناك و لقد كان ذلك.

    مع الأيام بدأ سحر الوادي يتسرب إلى قلبه و يزداد تعلقه به و لا يطيق البعد عنه كثيرا , حتى أنه في إحدى المرات اضطر للسفر إلى المدينة على بعد أسبوع بالجمال فشعر بالضيق في منتصف الطريق فقفل راجعاً إلى الوادي و لم يُعرف عنه بعد ذلك أنه فارقه.

    اندمج في مجتمع الوادي بفضل سخاءِ نفسه و هدوءِ طباعه و حكمته التي تكونت من تقلب أحواله في سنوات الترحال فكان يلجأ إليه جيرانه في كل خطب او استشارة و كان يقضي فيما يقع بينهم من خصومات و خلافات ويثقون به ثقةً مطلقة حتى اصبح كالرأس فيهم بالنسبة للجسد.


    استمرَّ هدوءُ حياته في الوادي فترة طويلة من الزمن , ربما بفضل العزلة التي فرضتها الطبيعة , كبر فيها أبناؤه حوله , ولدان وبنت يعينونه في رعي قطيع الأغنام و رعاية الحقل ,أشار عليه بعضهم أن يلحقهم بإحدى المدارس خارج أطراف الوادي كما يفعل الجميع أملاً في أن يفتح التعليم لهم افاقاً أوسع و حياة أفضل خارج الودي و هذا الذي لم يكن ليطيقه أبداً فقد اختار لأبنائه حياتهم معه في الوادي بكل تفاصيلها و حدد لهم نصيبهم من حقول القمح و خلايا العسل حتى أصهاره في المستقبل اختارهم من بين جيرانه. لم يسلِّم بادئ الأمر و رفض إرسال ابنه الأكبر إلى المدرسة و لكنه رضخ بعد ذلك لإلحاح زوجته و جيرانه.

    لم تعجبه التغيرات التي طرأت فيما بعد على سكان الوادي خاصة بعد وصول طريق الأسفلت إلى مكان غير بعيد عن مشارف الوادي فأوفد إليهم غرباء اقتحموا عزلتهم و هددوا سكون حياتهم.
    تطور الأمر بعد ذلك فاقتنوا السيارات التي اختصرت لهم طريق المدينة إلى ساعتين بدلاً من أسبوع كامل وأصبح الذهاب إلى المدينة و جلب الضروريات نهاية الأسبوع حاجة لابد منها لكل بيت من بيوت الوادي فلاحظ بأسى علب الصفيح و الكرتون وهي تتكاثر كالذباب في أرجاء الوادي . حتى مسامرات الليل كادت أن تتلاشى إلا من بضع أفراد بعد أن أدخل السكان المذياع إلى خيامهم فتبدلت مواضيع أحاديثهم العامة فأخذوا يتداولون أخبار الحروب و السياسة و بعض البرامج الفكاهية في الإذاعة المحلية.

    تغير حاله معهم فأصبح صامتاً جُلَّ وقته بعد أن كان سلطان مجلسهم و راوي القصص و الحكايات التي يُذعنون بشوق لسماعها و أخذ يراقب تغير أحوالهم عن كثب و هو في قلق من المستقبل.

    في أحد الأيام أخبره أحد الجيران بعزمه على الانتقال إلى المدينة رغبة في إلحاق أبنائه بوظائف هناك , حاول جاهداً أن يثنيه عن عزمه ليس تمسكاً به بقدر ما هو سد لهذا الباب حتى لا يألفه سكان الوادي و يهجروا موطنهم إلى حياة المدينة , فلم يفلح في ذلك وحدث ما كان يخشاه فاستهوت حياة المدينة معظم سكان الوادي فشدوا إليها رحالهم و تركوا الوادي في وحشة بعد أن كان أنساً بسكانه.

    صارحه ابنه الأصغر بنيته في السفر إلى إحدى مدن الشمال ليلتحق بإحدى الوظائف العسكرية , حاول ثنيه باللين تارة و بالشدة تارة أخرى فلم يستجب له , بقي ابنه الأكبر معه و تزوج من إحدى الأسر في الوادي و بنى بيته في المكان الذي حدده له فاستبشر خيرا بهذا الطالع.
    تباعدت فترات هطول الأمطار و تغيرت مواعيدها فارتجف قلبه وشعر أن حتى نواميس الكون تحاول أن تغيظه. انقطعت الأمطار أغلب فصل الشتاء فأجدبت الأرض وجفت الآبار فاستنجد السكان بسياراتهم لجلب الماء من الآبار البعيدة و هجر النحل الجبلي خلاياه المغروسة منذ عقود في قمم الجبال. صلى بهم صلاة الاستسقاء أملًا في نزول المطر و رغبةً في استمرار الحياة في الوادي , هطلت زخات خفيفة كأنما تسترضيه السماء , استبشر خيراً فصعد إلى أحد الجبال العالية ينظر إلى السماء كأنما يستحثها بالمزيد و في الأفق لاحَ له شبح المدينة و قد أضحى غير بعيد, شعر بانقباض في صدره و صعدت منه زفرة يأس , لقد فات الاوان.

    تزايد عدد السكان المهاجرين واحد تلو الآخر ولكنه لم يعد يكترث بقي هو و ابنه الأكبر بعائلتيهما . تزوجت ابنته الوحيدة و انتقلت مع زوجها إلى المدينة , كتم حزنه في قلبه و لم يعترض خشيةً في أن يعيق نصيبها خاصة و أنه لم يعد هناك شبان في الوادي و حياتهم أضحت في عزلةً عن بقية البشر.
    تقدم به السن و صار يجد مشقةَ في صعودِ الجبال فاكتفى بممارسةِ حياتهِ في سهلِ الوادي فلم يعد هناك ما يجبره على صعودِ الجبال بعد هجرةِ أسراب النحلِ و مُحولِ المراعي فصار يجلبِ علف قطيعه مع بقيةِ حاجياته من المدينة.
    فقد الوادي هدوءه المعتاد و اصبحت تغزوه مركبات الغرباءَ من و قتٍ إلى آخر بحثاً عن الحطب من بقايا الأشجار التي تلاشت أرواحها مع ندرة الأمطار , علت أصوات المناشير الآلية في الوادي , اسائه الأمر جدا فلم يرضَ أن يُمثل بأشجار الوادي بمثل هذه الطريقة فتقدم منافحاً عن ما يحسبه جزئاً منه, صرخَ فيهم و توعدهم مضوا في طريقهم ثم عادوا بعد فترةٍ قصيرة , استسلم للأمر الواقع من جديد و تركهم في عبثهم و أصبح الصمت رده الوحيد على كل ما يستجد بالوادي.
    في أحد الأيام فارقت زوجته الحياة ,حزُنَ على فقدها وزادت الوحشة في قلبه بفراقها , دفنها بالقرب من قبر أبيها , حضر من تبقى على قيد الحياة من سكان الوادي السابقين لتعزيته , نظر في أعينهم بعتاب واسوه و طيبوا خاطره و شكوا إليه حياة المدينة و ما فيها من ملل و ضيق وقت يمنعهم من الاستمتاع بحياتهم فيها حتى بدت تحدثهم أنفسهم بالعودة للوادي, تجاهلهم بصمته و لم يكترث لهم فلقد أيقن في نفسه أن الحياة في الوادي تحتضر و أنه آخرُ زفرةٍ في رُوحها .
    فاتحه ابنه الأكبر بموضوع الرحيل إلى المدينة و أنه أصبح ضرورة حتمية طلباً لما هو متاح فيها من خدمات و طلب رزق بيسر و سهولة و لتعليم أبنائه بعد أن أُغلقت المدارس القريبة من الوادي لقلة أعداد الطلاب , لم يعطه جواباً إلا في اليوم التالي بعبارة يتيمة قال : ارحل بأهلك و أبنائك إلى المدينة إني باقٍ هنا. رحل ابنه بعائلته و هو يحمل همه و حزنه على والده بعد أن تركه فريسة سهله لوحدة بالغة المرارة تنهش روحه قبل جسده في وادي موحش تكسوه حياة شاحبة.

    مضت أيام وحدته رتيبة يصارعها بصمته تارةً و بانشغاله بقطيع أغنامه تارةً أخرى , إزداد تدينه بعد تردده على القنوات الدينية التي تبثها الإذاعة الوطنية و يلتقطها مذياعه المثبت على خاصرته كجزء من جسده يحمله معه أينما حل في الوادي, أصبحت الصلاة و الصيام سمته الغالبة يجد فيهما سكينة روحه ومتنفسا من وحدته , يتردد عليه ابنه الأكبر و ابنته بين فينة و أخرى ليتفقدوه و يلبوا له احتياجاته مما تزخر به أسواق المدينة من مطعم و ملبس و احتياج قطيعه من علف و ماء أما إبنه الأصغر فيزوره في الأعياد و ينقطع عنه بقية أيام السنة , بعض أقاربه و أصدقائه يفاجئونه بزيارات متقطعة , لم يألو الجميع جهداً في إقناعه بالانتقال للمدينة لكنه يلجأ لصمته كردٍ نهائي لهذا الأمر.
    مع مرور السنين استمرأ وحدته و استطابت لها نفسه , عكف على بناء خلايا جديدة في رؤوس الجبال أملاً برجوع النحل و أعاد زراعة حقله بعد أن اتفق مع أحد سائقي الصهاريج ان يجلب له الماء كل أسبوع نشر قطيعه على سفوح الجبال ويحادث أغنامه بأسمائها و يحثها على إيجاد الكلأ , يشدو بما يحفظه من أغانٍ و أشعارٍ قديمه بأعلى صوته يرتعش عوده الهزيل طرباً لصداها , عبثاً يحاول أن يبعث الحياة في الوادي من جديد .
    حدثته نفسه في أحد الأيام أن يقيم وليمة كبيرة يدعو لها أصدقائه من سكان الوادي ممن بقي منهم على قيد الحياة و أقربائه جميعاً فكم يهفه الشوق لأن يرى الوادي و هو يعج بالناس من جديد, استحسن الفكرة فأستدعى أبنائه و أحفاده ليهبوا لمساعدته أعاد بناء الصوان القديم لاستقبال الزوار و أعاد تأثيثه بما يشبه الصوان القديم , وضع موقد النار في المنتصف كالعادة و رصّ فوقه دلال القهوة ,عزل بعض الشياه السمان من قطيعه و أجزل لها العناية كي يولم بها في ليلته الموعودة , كان يعمل بشغف عميق تلبَّس روحه و أنعش جسده و سبح بعقله في خيالات ليلته تلك و ما سيكون فيها من صور و أحداث و قصص و حكايات وحنين تواق لماضي الازمان و لحاضر المكان .
    سارت به خيالاته بضعة أيام حتى حلَّ اليوم المنتظر , نهض فيه باكراً و لبس جديد الثياب , صعد إلى منتصف الجبل المقابل لمدخل الوادي , جلس على صخرة بارزة و أركز أسفل ذقنه على عصاته , رمى ببصره إلى مدخل الوادي مترقباً قدوم ضيوفه بوله و شوق, مضت ثلاث ساعات قبل أن يصل لسمعه أصوات لمركبات و هي تشق الطريق الصحراوي عرف بها وصول أبنائه , نزل لاستقبالهم و أسارير الفرح تملأ و جهه الأسمر الدقيق , تناول إفطاره معهم بشهية مفتوحة رسمت البسمة على وجه ابنته فهي منذ سنين طويلة لم ترى أباها على هذا النحو . بعد ذلك انشغل الجميع بإعداد الوليمة و ترتيب الصوان و ملأ دلال القهوة , رجع إلى مكانه على الصخرة في منتصف الجبل بعد أن اطمأن على سير كافة الترتيبات كما يريد و عاد يرمي ببصره جهة مدخل الوادي فما بقي إلا أن يصل ضيوفه ليتم مراده.
    نظر الإبن الأكبر ناحية والده بحزن فلقد انقضت الساعات المرتقبة و لم يعبر أحد مدخل الوادي منذ الصباح غيرهم , حل المساء و أُطفأت نار الوليمة و جلس الأبناء و الأحفاد بتململ و سخط من تأخر الضيوف و لم يبرح والده مكانه فوق الصخرة مصوبا بصره جهة مدخل الوادي حتى تلاشت لديه كل قطرة من امل و كل خاطرة من عذر يعذر بها ضيوفه , نهض من مقامه و توجه ناحية خيمته و صلى العصر مع أبنائه ثم جلس فوق سريره و طلب منهم الرحيل قبل أن تغرب الشمس و يحل الظلام , حاولوا مواساته و تهوين الأمر عليه لكنه لجأ إلى صومعة صمته فتركوه على حاله و مضوا قافلين إلى المدينة.
    استيقظ قبل الفجر و الوادي يعج بالسكون نهض من فوق سريره و اتجه صوب إبريق الماء ليتوضأ فرأى شفقاً أصفر يتلألأ فوق الجبال , امتعض وجهه و هو يستذكر أحداث يومه , أمسك بعصاه و استجمع قواه و صعد الجبل كأنما يريد يستكشف ماهية هذا الضوء , و صل القمة بعد جهد , و أقصى ببصره ناحية الشمال فسرت رعشة سريعة في جسده أسقطت عصاه من يده , إنه يرى المدينة من بعيد و هي تضرب جبال الوادي بوهج أضوائها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب و تطوقها بطرقها سوداء تتلوى كأذرع الإخطبوط تداهن الزمن لتبتلع الوادي كما ابتلعت أهله من قبل و كل ما كان جميلاً فيه و تدفنهم في جوفها المظلم ليتخبطوا في متاهات أغوارها السحيقة ويسقطوا في شِراك جمودها فتندثر هناك كل رموز الحياة و فطرتها الجميلة.

    - تمت بحمد الله

  6. #16
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    السلام عليكم
    لقد أتممت عملية التصحيح وفق ما فهمت من التعليقات السابقة.

    جزاك الله خيرا على ما بذلت معي من جهد و أعتذر عن المتابعة معك أستاذي الفاضل و آمل من الإدارة الموقرة إحالة صفحتي لمشرف آخر .

  7. #17
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد حسن مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    لقد أتممت عملية التصحيح وفق ما فهمت من التعليقات السابقة.

    جزاك الله خيرا على ما بذلت معي من جهد و أعتذر عن المتابعة معك أستاذي الفاضل و آمل من الإدارة الموقرة إحالة صفحتي لمشرف آخر .
    كما تريد أخي الكريم , و إدارة المدرسة تحترم رغبتك .
    كان يفترض أن يتابع الأقلام القاصة أستاذي لحسن عسيلة ,
    غير أنه الآن مشغول قليلا , لذا يتوجب عليك الانتظار بعض الوقت ريثما ينهي أعماله و يعود لمتابعتك ..

    أهلا بك . نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #18
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    جزاك الله خيرا يا أستاذي و بارك فيك

  9. #19
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    المشاركات : 52
    المواضيع : 6
    الردود : 52
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    شُرْفَةُ الحُبْ

    فجأةً وَجَدَ نَفسَهُ وسْطَ الظَّلامِ مُتَسَمِراً على حائطِ السُّور أَسْفلِ شُرْفَتِها , يُحِيطُ به سُكونٌ تام و هو يحاوِلُ بٍجُهد أن يَضْبِطَ وتيرةَ أنفاسه المُتَسارعة , لا يدْري كيف بدأ الأمر و كيف وصل إلى هنا؟! , ما الذي يحاول فِعْلَهُ في مَثْلِ هذا الزمان و هذا المكان؟! , أتُرَاهُ يَنْوي أخيراً أن يَقْتَحِمَ عليها حياتَها و يُشْعِرَها بِحَقِّه بالوُجوُدِ فيها , فهذا ما كان يَجُولُ في خاطِرِهِ قبل أن يَجِدَ نفسهُ مُتَوَثِّباً ظَهْرَ هذا الحائطِ , ولكن كيف واتتهُ الجرأة على فِعْلِ مِثلِ هذا الأمر و هو الذي يتردَدُ خَجِلاً في إلقاءِ التحيةِ عليها كُلَّما اصطدمت عيناهُ بَوَهْجِ مُقْلَتيها في الطريق , بل و يخشى أن يخْتَلِسَ النَّظَرَ إليها من خَلْف نافِذَةِ حُجْرَتِه المُقَابِلة لشُرْفَتِها , كيف أُرْغمت مَبَادِئهُ على الانصياع لِنَزَواتهِ بهذه السهولة , و ماذا عنها؟ هل ستستقبلُ غارَتَهُ الليلية و استَباحَتُهُ لحُرْمَتِها بتعابيرها المُحايِدة كعادتها في كل مرة يلتقيها أم سَتَلْبسُ قِنَاعاً جديداً هذه المرة يُفصِحُ عن مَكْنُونِ لُـبِّها و خَلَجاتِ نفسِها تِجاهَه , و ما عسى أن يَقولَ هُوَ إذا ما استنطقته عيناها ؟.....
    اضْطَرمتْ تلك الأفكارُ و التَّسِاؤلات داخلَ رأسهِ , خَنَقه السكونُ الثقيل , كتم أَنِينهُ في نَفْسِه , ما كان ليحدث كلَّ هذا لولا هالةُ الغموضِ التي تُحيطُ نَفْسَهَا بِها و التي تحولُ دون عثورهِ على مَوْرِدٍ يَنْفُذُ عَبْرَه إلى أعمَاقِها علَّهُ يَجِدُ هُناك ما يُشَيرُ إليه , ولكن ها هوَ قد طَالَ عليهِ الأَمدُ و لم يَحْظَ بما يُريد فغَلَبتْهُ شَقْوَتُهَ و امْتَطَى سوادَ الليل لِيطْرِقَ باب وَصْلِها على نَهْجِ عشاق الليل لعله يَحوزُ منها ما يشفي به الغَلِيل ويُرِيحُ فُؤاده الكَلِيل.
    وفيما هو يَجُوس بين أفكارِه انْبَجَسَ يَنْبُوعٌ من الضَّوء مُخْتَرِقاً حاجِزَ الظَّلام أجْبَرَهُ على الكُمُونِ في موضِعِه فوقَ حائِطِ السُور ,لاحَ لَهُ طَيْفُهَا مُنْتَصِباً على الشُرْفة ,أشْرَعَتْ ذراعيها تحْتَضِنَ نَسائمَ الليل الرقيقة , اتَّكأت على حَاجِزِ الشُّرفةِ المَعْدِني , أخَذَ يتَوَسلَ شَجَاعَتَهُ في أن يظْهرَ لها فَجَبُنَتْ عنه , خشي إن أفْصَحَ عن وُجُودِه أن تُباغِتَه بمَا لم يَكُن في حُسْبانِه فآثرَ الجُثُومَ في مَكْمَنِه حتى يفْصِلَ الله في أمْرِه , أرْخَى رأْسَهُ و أغْمَضَ عيْنَيْه خَشْيةَ أن تَدُلَّاها على وجوده , يكتنفه شعور بالحنق و الندم معاَ, يغيظهُ أن يَجْتمِعا وحدهما في ذات الزمان و المكان ويَقْصُرُ عنْ أنْ يبوحَ لها بدفينِ قلْبِه و اِلْتِيَاعِه , شَمِتَتْ نَفْسُهُ بِحَالِه فرَدَدَت :
    بِاللَهِ رَبِّ مُحَمَّدٍ حَدِّثنَني
    حَقّاً أَما تَعجَبنَ مِن هَذا الفَتى
    الداخِلِ البَيتَ الشَديدَ حِجابُهُ
    في غَيرِ ميعادٍ أَما يَخشى الرَدى
    كانت تَنْظُرُ من شُرْفَتِها نَاحِيةِ نافذة غُرفَتِهِ بِعُمْق تستجدي خيالها ليوحي لها بالمزيد عنه مُتوَسلةً له بطول انتظارها و لَوْعَةِ فُؤادِها لعلها تَسْتَبينُ سَبيلَ هذا الحب طَالَما احْجَمَ هو عنْ رفْعِ رايتهِ و آثَرَ طَرَفَ الحِياد عن التَّضْحيةِ في سبيلِهْ.
    عادتْ لغُرفَتها بعد أن أَغْلَقتْ بابَ الشُرْفَة , جَلَسَتْ على مِنْضَدَتها , نظرت إلى ما كانت تّكْتُبُه , تبسمت عند بيت الشِّعْرِ الأخير, فتابعت الكِتَابَة :
    فَأَجَبتُها إِنَّ المُحِبَّ مُعَوَّدٌ
    بِلِقاءِ مَن يَهوى وَإِن خافَ العِدى

  10. #20
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    أخي الكريم أحمد حسن
    أرجو التروي في إنزال مواضيعك ريثما يتمكن أستاذي لحسن عسيلة من الدخول إلى المنتدى حيث أنه يقيم في منطقة ليس فيها نت لمتابعة بعض أعماله , ندعو له بالعودة السريعة سالما غانما ,
    و عند عودته سنعلمك بالكتابة على صفحتك هذه و إعلامك بوصوله ..

    تحياتي لك .

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. صفحة نعيمة سوالم-القصة
    بواسطة نعيمة سوالم في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 56
    آخر مشاركة: 08-10-2016, 07:17 PM
  2. صفحة حسن أحمد - نثر
    بواسطة حسن أحمد في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 53
    آخر مشاركة: 20-05-2015, 11:18 AM
  3. صفحة بشرى رسوان - القصة-
    بواسطة بشرى رسوان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-04-2014, 10:05 PM
  4. صفحة ولاء علي _ القصة
    بواسطة ولاء علي في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 22-05-2013, 02:31 AM