اِستِـــــلاب...
عبد اللطيف السباعي (غسري)
ضَبابٌ كرَأسِ الدُّجَى المُطْـــرقِ
كنَوْءِ الضَّنى الواصِلِ المُغْـــدِقِ
يُنازعُني جَدوَلَ القهقهــــــــاتِ
يَحُطُّ على قَلبِيَ المُشْفِــــــــــقِ
أنا مَعْقِلُ الوجَعِ المُستطِيــــــلِ
وَحَقلُ الأسى الغامِضِ الشيِّـــقِ
عَهِدْتُ إلى الحرْفِ بالأمْنِيــاتِ
أخذتُ على غَيْمِهِ مَوْثِقــــــــي
وما خانَ عهْديَ بلْ إنَّنــــــــي
رَكَنْتُ إلى الضَّجَر المُحْـــــدِقِ
تجَنَّبتُ كُلَّ المتاهاتِ حتَّـــــــى
توَغَّلتُ في دَرْبِهِ الضيِّــــــــــقِ
توَضَّأتُ من مائِهِ المُسْتبــــــاحِ
تسَرْبلتُ في ظِلِّهِ المُحْــــــــرقِ
وأنفقْتُ فيهِ مِن الجَهْدِ حتـــــــى
إذا نَفقَتْ حِصَّةُ المُنْفِــــــــــــــقِ
تلَفَّتُّ ناحِيَةَ الوقتِ أسْعـــــــــــى
على ساقِ مُغْتربٍ مُخْفِـــــــــــقِ
فاَينَ الطريقُ وَأينَ الجِهــــــاتُ؟
وأينَ بِخارطَتِي مَشْرقـــــــــــي؟
غُبارُ الرَّتابةِ لا ينْقضِـــــــــــــي
يَهُبُّ على الزَّمَنِ الرَّيِّـــــــــــــقِ
فتَشحُبُ في جَوْفِهِ كلُّ ذِكــــــرَى
أحِنُّ إلى وَجْهِها المُشْـــــــــــرقِ
شَرِقْتُ مِنَ الصُّوَرِ الرَّاقِصـــــاتِ
على العينِ والصَّدرِ والمَفْــــــرقِ
ومِن شَهْدِ ذاكرتي المُشْتهــــــــى
ومن صمْتِ خاطرتي المُطْبِـــــقِ
ومِن نَوْحِ هذا المساءِ الجَريــــحِ
ومن كَدِّ هذا الضُّحى المُمْلِـــــقِ
أجِئتُ إلى البحر كيْ أستريــــحَ؟
أمِ المَوجُ في لَهْوهِ مُقْلقــــــــــي؟
أمِ الرَّملُ في بَوْحِهِ مُضْجــــري؟
أمِ البَحرُ في لحظةٍ مُغْرقـــــي؟
أعَابرَةٌ نَجْدَةُ القافِيَــــــــــــاتِ؟
أمُجْدِيَةٌ لُغةُ المَنْطِــــــــــــــقِ؟
وكيفَ يَلِذُّ أريجُ الخَـــــــــــواءِ
لِمُرْتشِفٍ مِنهُ مُسْتنْشِـــــــــــقِ؟
وكيفَ تُضيءُ النجومُ التـــــــي
تُطلُّ على أفُقٍ مُبْـــــــــــــرقِ؟
****
أنا أنتَ يا قلبُ ! لا نََتَّقــــــــــي
هسيسًا منَ الشجنِ الأعمَـــــــقِ
كِلانا على الأرضِ لا نَدَّعـــي
صُعودًا إلى عُنُقِ المَضْيَـــــــقِ
ولا نُسْتَثارُ ولا نُسْتَفَـــــــــــــزُّ
ولا نسْتقِرُّ ولا نرْتقــــــــــــــي
وهذي سرابيلُنا من سُكـــــــونٍ
ومن صخَبٍ خافتٍ مُطلَـــــــقِ
وهذي خُطانا على الدربِ ولْهى
تدِبُّ إلى المَهْمهِ المُلْحَــــــــــقِ
بأيِّ عُروشِ الرضا نسْتظِـــــلُّ
ومن أيِّ أنوائه نسْتقـــــــــــــي
أسيران نحنُ بسِجنِ الخطــــابِ
ومُجْتمَعِ الكَفِّ والمِرْفََـــــــــــقِ
لنا حَقُّ رأْبِ العباراتِ لكِــــــنْ
على شَرْطِ مُلتمَسٍ مُسْبَـــــــــقِ
ولا نتملمَلُ إلا احْترقنـــــــــــــا
براجمةِ العَـــــــــــــذَلِ الأزرَقِ
أسيرانِ في مَجْلِسِ الطاعَتيــــنِ
ومُنتجَعِ الكأسِ والمِنْطَــــــــــقِ
لدينا بزاوية الأمر رُكـــــــــنٌ
رقابُ الرُّؤى فيهِ لم تُعْتَـــــــقِ
نُهَيِّئُ ألوانَهُ المنتقـــــــــــــــاةَ
نُوَشِّيهِ وفْقَ هوى المُنْتقِــــــي
ونَسمَعُ صوتَ المُقِلِّينَ يَــأوي
إلى مخْدَعِ الحذر الأخْـــــرَقِ
وخلفَ زجاجِ الشتاءِ الكئيــبِ
نُجادِلُ في المطرِ المُهْــــــرَقِ
نُسافرُ في هَمسَةِ الحالميـــــــنَ
وفي لَهَفَةِ العائدِ المُرْهَـــــــــقِ
وفي ضَحْكَةِ الصِّبْيةِ العابثيــنَ
وفي أنَّةِ البُلبُلِ الأبْلَـــــــــــــقِ
تُرانا فقدْنا احْتِدامَ الشـــــــعورِ
كأنَّا لِذلِكَ لم نُخْلَــــــــــــــــــق ِ
قرأنَا الوجودَ فلم نَختَلِـــــــــجْ
رأينا الجمالَ فلم نَشْهَــــــــــقِ
عَبَرْنا الظلامَ فلم ننتشِـــــــــرْ
شَربْنا الفراغَ فلم نشْـــــــــرَقِ
وما لِمُعانقةِ الشيءِ معنـــــــى
إذا انْسَلَّ من وَجعٍ أحْمــــــــقِ
****
أشِحْ بمُحَيَّاكَ... لا تفسُــــــــــقِ
وغادرْ حصونَ الصَّدى وامْرُقِ
حَصا أمّ ِعيْنِكَ لا ترْمِــــــــــهِ
زجاجَ الفوانيسِ لا ترْشُــــــقِ
سُيوفَ المواعيدِ لا تمْتشِـــــقْ
جيوبَ الفساتينِ لا ترْمُــــــــقِ
وكنْ طائرًا فوق جِذعِ الهــــوى
ورفرفْ على غصْنِهِ واخْفُــــقِ
وكنْ حطبًا للجَوَى واحْتـــــــرقْ
وأسْبِلْ دموعَكَ .. لا تخْنُـــــــقِ
وألْقِ البَنفسَجَ عن عَرْشِــــــــهِ
وإن مدَّ أعْناقَهُ فاشْنُــــــــــــــــقِ
وحَرِّق رسائلَكَ الفاتنــــــــــــاتِ
وتحتَ رمادِ الكلامِ ابْـــــــــــرُقِ
وبَعثِرْ هداياكَ فوقَ الطريــــــــقِ
وشَرِّد حُروفَكَ.. لا ترْفُـــــــــقِ
وإمَّا سَألناكَ لا! لا تُجــــــــبْ
وإمَّا أجَبْتَ فلا تَصْـــــــــــدُقِ
فنحنُ بنو الريحِ والرَّاحِ كـــــمْ
حمَلنا الهواءَ على الأينُــــــــقِ
ونِمْنا على وَشْوَشاتِ الرِّمـــــالِ
ونجْوى الخفافيشِ للأعْنُــــــــقِ
ولم نصْحُ حتى تعرَّى المســــاءُ
فلم نسْكُنِ الضوءَ أو نطْـــــرُقِ
المغرب
2011