أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أيوب .. للشاعر الكبير بدر شاكر السياب

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي أيوب .. للشاعر الكبير بدر شاكر السياب

    أيوب .. للشاعر الكبير بدر شاكر السياب

    تقديم / هشام النجار

    تذكرته وأنا فى سفر الى القاهرة وعائد الى بيتى فى فرح وحزن فالفرح لدى أبداً لا يكتمل ، وقد شاهدت بائعاً يستمع الى أم كلثوم مهموماً " انت عمرى " ، تساءلت من أين يأتيه الهم هل لأن حبيبه راح أم يشعر بأن عمره يرحل ؟ وقد استمع السياب الى أم كلثوم تغنى نفس الأغنية وهو مريض في لندن ، فكتب " أم كلثوم والذكرى " ؛
    قساة كل من لاقيت : لا زوج ولا ولدُ
    ولا خل ولا أب أو أخ فيزيل من همي..
    ولكن ما تبقى بعد من عمرى ؟ - وما الأبد..
    بعمري - أشهر ويريحني موت فأنساها .
    ما أقساها من عذابات " قساة كل من لاقيت " ، لكن هل تمنى بدر شاكر السياب الموت ليريحه ؟ لا انه فقط يتوقع الموت ويراه ، وأنه قادم وقادر على هزيمة القسوة التى لم يقدر هو على مواجهتها بجسده المريض وروحه المقعدة .
    بدر الجميل قبل نهاية عام 1961 يتحول إلى شبح هزيل ، وقد حوله المرض الى شبه شبح لا تقوى عظامه على حمله ، بل ضمرت العظام ووهنت وتآكل اللحم ، كأنه شعر بحالة من التوحد مع نبى الله أيوب الذى مسه الضر وأصابه مثل ما أصاب بدر فى جسده النحيل الضامر ، يقول السياب فى " المعبد الغريق " 1962 يصف نحول يده وتآكل لحم أصابعه :
    ويا لصدى من الساعات
    بالأكفان مس رؤوس أطفالِ
    وفل عناق كل العاشقين
    ودس في القبلة مدى من حشرجات الموت
    رد أصابع الأيدي
    أشاجع غاب عنها لحمها
    وستائر الكلة
    كان جسده يذوب كجسد أيوب ، يعجز عن السير فيضطر للمكوث فى سرير يراه تابوته وسجنه وبوابته الى العدم ، يقول فى " عكاز فى الجحيم "
    لكني أعجز عن سير - ويلاه - على قدمى
    وسريرى سجنى ، تابوتى
    منفاي إلى الألم
    وإلى العدم
    وبعد عودته من روما يصف المشهد بدقة ومرارة فما بال أحدنا ينظر الى جسده يذوى ويضمحل وينقل المشهد ويصفه للمتفرجين ، كما فى قصيدة " دار جدى "
    غداً أموت
    ولن يظل من قواي
    ما يظل من خرائب البيوت
    أفيق أجمع الندى من الشجر
    في قدح ليقتل السعال والهُزال
    أهكذا السنون تذهب
    أهكذا الحياة تنضب
    أحس أنني أذوب ، أتعب
    أموت كالشجر
    هكذا نفس الجسد المريض النحيل يذوب ، فأراد السياب أن يمتلك روحَ أيوب كما امتلك جسده الواهن المريض .
    يصف بأدق التفاصيل وجعه ومعاناته وآلامه وأحزانه فى قصائده كأنه يؤرخ لمرضه ويوثقه ليبقى شهادة ووثيقة محفوظة أبد الدهر يتغنى بها الانسان عن معاناة الانسان وآلامه ووحدته فى مرضه ، وهو لا يتذمر ولا يرد قضاء الله بل يشكو الانسان القاسى الذى يتركه وحيداً فى ألمه .
    يتمثل ويتقمص روح أيوب وجسده ، ليس فقط ليصير راضياً شاكراً صابراً ، بل عساها تحدث المعجزة ليركض برجله فى المغتسل البارد بعد العجز وسنوات الألم والتخبط والوهن والشلل ، انه يتتبع مسيرة أيوب عليه السلام لأنه يأس من الشفاء على أيدى البشر وفوض أمره لله واستسلم لأمره ونام على سريره فى انتظار المعجزة تماماً كما يفعل الأنبياء .
    فى أسفار أيوب السابقة يصف السياب معاناته ويكشفها ويفضحها ويقضى وحدته المعتمة فى مباحثات ومفاوضات ونقاشات مع الآلام ، ترى أياها أقسى وأوجع من الأخرى ، ليرتب شاعر الوجع سلم الآلام درجة درجة على بوابة الفزع كما فى سفر أيوب " 3 " :
    نجومى في دجى..
    صارعتُ بين وحوشه بَرْدَه ، وإن البرد أفظع ..
    لا .. كأن الجوعَ أفظع ..
    لا .. فإن الداء
    يشلّ خطاي ..
    يربطها إلى دوامة القدر
    فالشلل يقيد حريته ويطعن حركته فلا يقدر على الهرب ولا على ترك السرير الذى هو محل الموت ومشتهاه وهدفه ، فالشلل أفظع لأنه يقيده بالسرير مما يجعله فريسة سهلة للموت ، وفى قصائد أخرى يصف حاله مع الشلل كأنه عمود ملح يسير .
    فى " سفر أيوب " يشكو السياب لكن ليس كشكوى أيوب انما بمرارة وحزن طافح وألم :
    شهور طوال وهذي الجراحْ
    تمزق جنبيَّ مثلَ المُدى
    ولا يهدأ الداء عند الصباحْ
    ولا يمسح الليلُ أوجاعه بالردى
    لكنه يستدعى صبره ورضاه وتوكله على الله ويستلهم القصة والعنوان فى مواجهة الردى والوحدة والعدم ، يقول مناجياً ربه ورب أيوب فى " سفر أيوب 4 "
    يا رب أيوبَ قد أعيا به الداءُ
    في غربة دونما مال ولا سكن
    يدعوك في الدجَن
    يدعوك في ظَلَموت الموت : أعباءُ
    ناءَ الفؤادُ بها فارحمه إن هتفا:
    يا منجياً فلكَ نوح مزِّق السُّدَفا..
    عني ، أعدني إلى داري ، إلى وطني .
    عانى وتألم سنوات وقاسى أهوال الجحود والظلم والمرض ، ولم يبق له الا اللجوء الى ربه ورب أيوب بصبر كصبره ورضا كرضاه ومسير ليس الى أحد ولا تعلق بباب أحد ، انما مسير الى الله وحده فان شاء رفعه وان شاء أبقاه .
    لك الحمد مهما استطالَ البلاءْ
    ومهما استبدَّ الألمْ
    لك الحمدُ إن الرزايا عطاءْ
    وإن المصيبات بعض الكرمْ
    القراءة هنا ليست للمتعة ولا للطرب انما فقط للألم الخالص والحب الصافى والرجاء .

    سفر أيوب .. لبدر شاكر السياب

    لك الحمد مهما استطال البلاء

    ومهما استبدّ الألم

    لك الحمد، إن الرزايا عطاء

    وإن المصيبات بعض الكرم

    ألم تُعطني أنت هذا الظلام

    وأعطيتني أنت هذا السّحر؟

    فهل تشكر الأرض قطر المطر

    وتغضب إن لم يجدها الغمام؟

    *****

    شهور طوال وهذي الجراح

    تمزّق جنبي مثل المدى

    ولا يهدأ الداء عند الصباح

    ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى

    ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:

    لك الحمد، إن الرزايا ندى

    وإنّ الجراح هدايا الحبيب

    أضمّ إلى الصّدر باقاتها

    هداياك في خافقي لا تغيب

    هداياك مقبولة. هاتها

    *****

    أشد جراحي وأهتف

    بالعائدين:

    ألا فانظروا واحسدوني

    فهذى هدايا حبيبي

    جميل هو السّهدُ أرعى سماك

    بعينيّ حتى تغيب النجوم

    ويلمس شبّاك داري سناك

    جميل هو الليل أصداء يوم

    وأبواق سيارة من بعيد

    وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد

    أساطير آبائها للوليد

    وغابات ليل السُّهاد الغيوم

    تحجّبُ وجه السماء

    وتجلوه تحت القمر

    وإن صاح أيوب كان النداء:

    لك الحمد يا رامياً بالقدر

    ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء

    بدر شاكر السياب

    لندن
    26/12/1962

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,102
    المواضيع : 317
    الردود : 21102
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    قصيدة رائعة بما حملت من ألم ووجع وصبر وحمد لله على الأبتلاء
    ما أجمل ما اتحفتنا به من شعر ذلك الشاعر الكبير رحمة الله عليه.
    بوركت ـ ولك كل التحية والتقدير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. بورسعيد لبدر شاكر السياب
    بواسطة هشام النجار في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 31-05-2013, 01:46 AM
  2. النهر والموت ... لبدر شاكر السياب
    بواسطة مُنتظر السوادي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 19-07-2011, 09:53 PM
  3. عمر، متتالية قصصية للأطفال ـ للشاعر بدر بدير
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-10-2007, 05:36 PM
  4. الكاتب الكبير الأخ الكريم د0محمد أيوب في واحة الخير
    بواسطة زاهية في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 28-05-2006, 12:29 AM
  5. ذكرى رحيل الشاعر بدر شاكر السياب
    بواسطة نهى فريد في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-02-2004, 10:43 PM