أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: في القدس.. للشاعر تميم مريد البرغوثى

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي في القدس.. للشاعر تميم مريد البرغوثى

    في القدس.. للشاعر الفلسطيني تميم مريد البرغوثى



    القصيدة تغنى عن كل كلام.. وتكفنا عن الجدل.. وتنهر تسرعنا وعجلتنا.. وتروى شوقنا.. وتلفنا بالكبرياء.. وتكسونا بالعزة والثقة.. وتحيى في نفوسنا الأمل.

    والقضية ليست فقط في نجاحنا في الحصول على التأشيرة الإسرائيلية واجتياز الحدود.. وبلوغ مشارف المدينة المقدسة والصلاة ركعتين في المسجد الأقصى.

    والقضية ليست فقط في كون زيارتنا دعما للمدينة وأهلها.. أو للاحتلال.

    لكن القضية كل القضية هو ذلك الإحساس المميت بالعجز والفشل عند الوصول.

    فماذا ترى في القدس حين تزورها؟

    وهل تحتمل حقا ما تراه؟

    هذا هو السؤال.

    والإجابة – بعد السؤال - صاغها الشاعر البارع تميم البرغوثى فيما يشبه الحكمة.. ليرددها بسهولة كل محب لهذه المدينة العريقة.. وكل مشتاق لزيارتها كلما عصف به الشوق واستبدت بكيانه الرغبة في اللقيا والرؤيا :

    وما كل نفس حين تلقى حبيبها تسر.. ولا كل الغياب يضيرها.

    فإن سرها قبل الفراق لقاؤه.. فليس بمأمون عليها سرورها.

    لكن هذا ليس كل شيء.. فإحساسنا بالعجز والفشل أمام واقع المدينة لا يعنى حرماننا منها إلى الأبد.

    وليس غيابنا عنها معناه عدم حضورنا فيها.. أو غيابها عنا !

    ومهما طال الزمن فلابد من عودة المدينة إلى أصولها وجذورها ووجها الحقيقي.. قبل عودة أصحابها لها.

    فالقدس مهما أرادوا لها أن تكون فلن تكون إلا لنا.. ولن تنتسب إلا لحضارتنا وثقافتنا وتراثنا.

    والقدس مهما خطب ودها أوربيون وزنج وإفرنج وروس وأحباش.. ومهما غصبها على الاعتراف وأكرهها على التسليم جند أوباش.. فلن تعرف إلا نحن.. ولن تبذل شوقها إلا لنا.. ولن تحن إلا لرؤيانا.. ولن تنتمي يوماً لأحد سوانا.

    والقدس مهما رأيت فيها من أناس فقد رأيتهم.. لكنهم ليسوا أهلها ولا ينتمون إليها.. ولا يعبرون عنها ولا يشبهونها.

    فالذي أراه في المدينة العريقة على الحقيقة ليس هؤلاء.

    إنما الذي أراه حقا هو أنت

    في القدس كل فتى سواك.

    لكن لا أرى في القدس إلا أنت.

    والسؤال هنا ينفى حضور جميع الوافدين الغرباء.. ويثبت حضور المسلم العربي رغم الغياب :

    (في القدس.. من في القدس إلا أنت)؟

    غيابنا عن المدينة ليس نهاية المطاف.. وليس كل فصول الرواية.. وليس لحظة إسدال الستار.

    فنحن تاريخ المدينة وهى تاريخنا.. فلنجلس ولنقرأ الكتب.. ولنسأل الشهود.. ولنسأل الشوارع والأماكن والجدران والكنائس والجوامع والمشايخ والرهبان.

    (اسأل هناك الخلق يدلك الجميع.. فكل شيء في المدينة ذو لسان حين تسأله يبين)

    غيابنا عن المدينة المقدسة ليس كل شيء.. ووجودنا اليوم على ( هامش المتن ) ليس معناه أننا سنظل هامشاً إلى الأبد.

    (وما كان متنا تحت عين الشمس.. يمسى هامشاً في الظل.. ثم يعود متنا مرة أخرى).

    لابد من العودة مرة أخرى.. لكن متى سيدي الكريم؟

    لابد من أن نزورها.. والكل مشتاق مثلك لهذه الزيارة.. والكل مشتاق لرؤياها ولقياها والصلاة في مسجدها.. لكن متى؟

    لا يجيبنا شاعرنا الكبير المبدع على السؤال ببساطة ووضوح كعادة الشعراء.. إنه فقط يرسخ في أذهاننا الحقائق ويلهب في وجداننا الثقة ويخرس الهواجس.. متكئاً على تاريخ المدينة وحاضرها وماضيها وماضينا.

    ثم يهدهد شوقنا إلى المدينة ويصبرنا ويسلينا.

    أحسست أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بني حجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواك

    في القدس كل فتى سواك.. وهى الغزالة في المدى.

    حكم الزمان ببينها.. مازلت تركض أثرها مذ ودعتك بعينها.

    فأنت يا مسلم صاحب المدينة وأنت سيدها.. وأنت وأنا والمسلمون جميعا مصيرها.

    ورغم بعدنا عنها ونحن هنا في بولاق أو مصر الجديدة أو سوهاج أو أسيوط أو سيدي بشر أو المنصورة أو حلوان أو البحيرة أو مطروح ، أو بورسعيد أو دمياط.

    ورغم أنهم هناك يطردون أهلها ويهدمون أبنيتها ويغيرون ملامحها ويصخبون في شوارعها ويزدحمون في طرقاتها.

    رغم ذلك ورغم كل شيء.. فليس في القدس إلا أنت :

    رفقا بنفسك ساعة

    أنى أراك وهنت

    في القدس من في القدس إلا أنت

    الشاعر الفلسطيني الكبير تميم البرغوثى هو ابن الشاعر المعروف مريد البرغوثى.. والروائية المصرية الشهيرة رضوى عاشور.

    قصيدته المذهلة العميقة (في القدس) من أروع ما قرأت من نصوص في الفترة الأخيرة.
    أقرأ ان شئت هذا الحديث الفلسفى العميق .. انه ليس صوت تميم انما صوت القدس أكاد أسمعها - وهنا تكمن براعة الشاعر :
    وما كل نفس حين تلقى حبيبها تسر.

    ولا كل الغياب يضيرها.

    فإن سرها قبل الفراق لقاؤه.

    فليس بمأمون عليها سرورها.



    فى القدس

    شعر/ مريد البرغوثى

    مررنا على دار الحبيب فردّنا

    عن الدار قانون الأعادي وسورها

    فقلت لنفسي ربما هي نعمة

    فماذا ترى في القدس حين تزورها

    ترى كُلْ ما لا تستطيع احتماله

    إذا ما بدت من جانب الدرب دورها

    وما كل نفس حين تلقى حبيبها

    تسر ولا كل الغياب يضيرُها

    فإن سرها قبل الفراق لقاؤه

    فليس بمأمون عليها سرورها

    متى تبصر القدس العتيقة مرة

    فسوف تراها العين حيث تديرها

    في القدس، بائع خضرة من جورجيا برم بزوجته يفكر في قضاء إجازة أو في طلاء البيت

    في القدس، توراة وكهل جاء من منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها

    في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعاً في السوق،

    رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين،

    قبعة تُحَيّي حائط المبكى

    وسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقاً

    تراهم يأخذون لبعضهم صوراً

    مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم

    في القدس أسوارٌ من الريحان

    في القدس متراس من الاسمنت

    في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم

    في القدس صلينا على الأسفلت

    في القدس من في القدس إلا أنت

    وتلفّت التاريخ لي متبسّماً

    أظننت حقاً أن عينك سوف تخطئهم، وتبصر غيرهم

    ها هم أمامك، مَتْنُ نص أنتَ حاشيةٌ عليه وهامش

    أحسست أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بني

    حجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواك

    في القدس كل فتى سواك

    وهي الغزالة في المدى، حكم الزمان ببيْنِها

    ما زلت تركض إثرها مذ ودعتك بعينها

    رفقاً بنفسك ساعة إني أراك وهنت

    في القدس من في القدس إلا أنت

    يا كاتب التاريخ مهلاً

    فالمدينة دهرها دهران

    دهر مطمئن لا يغير خطوه وكأنه يمشي خلال النوم

    وهناك دهر كامن متلثم يمشي بلا صوت حذار القوم

    هذا احتلال للهواء وذا احتمال فيه

    لم يظهر لمنتظريه

    فاتركه يجيء من نفسه

    فالدهر لا يجدي لديه اللوم

    إن المدينة شمسها شمسان

    شمس للغريب ودونها شمس لأهل الدار

    شمس محايدة بلا معنى

    وأخرى تحفظ الأسماء والأخبار

    تقسو وترحم حين تشرق أو تغيب

    وتحتها وجه المدينة، كالرهينة، دائماً متغير في لعبة الإخفاء والإظهار

    ما كان متنا تحت عين الشمس

    يمسي هامشاً في الظل

    ثم يعود متناً مرة أخرى

    فلا تسئ القراءة، وانتبه يا شيخُ للمسطور في الأسفار

    والقدس تعرف نفسها، فاسأل هناك الخلق يدلُلْكَ الجميع

    فكل شيء في المدينة

    ذو لسان، حين تسأله، يُبين

    في القدس رائحة تلخص بابلاً والهند في دكان عطار بخان الزيت

    وتقول لي إذ يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع علي:" لا تحفل به"

    وتفوح من بعد انحسار الغاز، وهي تقول لي: "أرأيتْ"

    في القدس يزداد الهلال تقوساً مثل الجنين

    حدباً على أشباهه فوق القباب

    تطورت ما بينهم عبر السنين علاقة الأب بالبنين

    في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن

    في القدس تعريف الجمال مثمن الأضلاع أزرق،

    فوقه، يا دام عزك، قبة ذهبية،

    تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء ملخصاً فيها

    تُدَلّلها وتدنيها

    توزعها كأكياس المعونة في الحصار لمستحقيها

    إذا ما أمة من بعد خطبة جمعة مَدّت بأيديها

    وفي القدس السماء تفرقت في الناس تحمينا ونحميها

    ونحملها على أكتافنا حملاً إذا جارت على أقمارها الأزمان

    في القدس أعمدة الرخام الداكنات

    كأن تعريق الرخام دخان

    ونوافذ تعلو المساجد والكنائس،

    أمسكت بيد الصباح تُريه كيف النقشُ بالألوان،

    وهو يقول: "لا بل هكذا"

    فتقول: " لا بل هكذا"

    حتى إذا طال الخلاف تقاسماً

    فالصبح حر خارج العتبات لكن

    إن أراد دخولها

    فعليه أن يرضى بحكم نوافذ الرحمن

    في القدس مدرسة لمملوك أتى مما وراء النهر

    باعوه بسوق نخاسة في أصفهان

    لتاجر من أهل بغداد أتى حلباً فخاف أميرها من زرقة في عينه اليسرى

    فأعطاه لقافلة أتت مصراً، فأصبح بعد بضعِ سنينَ غلاّبَ المغول وصاحب السلطان

    في القدس يرتاح التناقض، والعجائب ليس ينكرها العباد

    كأنها قطع القماش يقلّبون قديمها وجديدها،

    والمعجزات هناك تُلْمَسُ باليدين

    في القدس لو صافحت شيخاً أو لمست بناية

    لوجدت منقوشاً على كفيك نصّ قصيدة

    يابْن الكرام أو اثنتينْ

    في القدس، رغم تتابع النكبات، ريح براءة في الجو، ريح طفولة،

    فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح بين رصاصَتَينْ

    في القدس تنتظم القبور، كأنهن سطور تاريخ المدينة والكتاب ترابها

    الكل مروا من هنا

    فالقدس تقبل من أتاها كافراً أو مؤمناً

    أمرر بها واقرأ شواهدها بكل لغات أهل الأرض

    فيها الزنج والإفرنج والقفجاق والصقلاب والبشناق

    والتتار والأتراك، أهل الله والهلاك، والفقراء والملاك، والفجار والنساك،

    فيها كل من وطئ الثرى

    كانوا الهوامش في الكتاب فأصبحوا نص المدينة قبلنا

    يا كاتب التاريخ ماذا جد فاستثنيتنا

    يا شيخ فلتعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرة أخرى، أراك لحَنْتَ

    العين تُغمضُ، ثم تنظرُ، سائقُ السيارة الصفراء، مال بنا شمالاً نائياً عن بابها

    والقدس صارت خلفنا

    والعين تبصرها بمرآة اليمين،

    تغيرت ألوانها في الشمس، من قبل الغياب

    إذ فاجأتني بسمة لم أدر كيف تسلّلت للوجه

    قالت لي وقد أمْعَنْتُ ما أمعنْتْ

    يا أيها الباكي وراء السور، أحمق أنت؟

    أجننت؟

    لا تبك عينك أيها المنسيّ من متن الكتاب

    لا تبك عينك أيها العربي واعلم أنّهُ

    في القدس من في القدس لكن

    لا أرى في القدس إلا أنت

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,098
    المواضيع : 317
    الردود : 21098
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    قصيدة رائعة وعميقة ومن أروع ما قرأت،
    ومن أروع ما قيل في الشعر العربي الحدبث عن القدس
    مشاعر صادقة جارفة من حزن وألم عندما لم تسمح له القوات الإسرائيلية
    بالدخول غلى المدينة لأداء صلاة الجمعة لصغر سنه.
    يارك الله فيك على جميل اختيارك وسلمت
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. ردا على رائعة الزجال تميم الاسدي / زجل لطفي الياسيني
    بواسطة لطفي الياسيني في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-01-2023, 05:56 PM
  2. تميم البرغوثي والدولة الفلسطينية
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 26-10-2011, 08:43 PM
  3. تميم البرغوثى: يامصر هانت وبانت كلها كام يوم
    بواسطة عدنان القماش في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-01-2011, 10:04 PM
  4. تحية الى الشاعر تميم البرغوثي/ شعر لطفي الياسيني
    بواسطة لطفي الياسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 02-10-2008, 09:00 PM
  5. قراءة نقدية وتحليلية لقصيدة الليل - تميم البرغوثي -
    بواسطة أنس إبراهيم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-06-2008, 03:19 PM