أحدث المشاركات

قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: سر المرأة المتوفاة

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي سر المرأة المتوفاة

    [U][U][U]سر المتوفاة !
    قصة قصيرة للأديب الفرنسي:- جي. دي. موبسان.
    ترجمها عن الإنجليزية :- خلف سرحان القرشي.
    (نشرت في دورية وج (أدبي الطائف) العدد الثامن الصادر مؤخرا).
    ---------------------------------------------------------
    كما ينبغي لامرأة عاشت طيلة حياتها طاهرة بريئة، قُبِضت روح العجوز قبضا يسيرا، وتوفيت بهدوء دونما ألم. هاهي الآن ترقد بسلام في سريرها ممددة على ظهرها، مغمضة عينيها، قسمات وجهها ساكنة، خصلات شعرها الأبيض الطويل مرتبة بعناية كأنها أتمت تسريحه قبيل دقائق من موتها.
    ملامحها الشاحبة ساكنة تماما الآن، كلها إذعان وتسليم؛ الأمر الذي يجعل أي إنسان قادرا على أن يستشعر أي روح شفافة حلت في ذلك الجسد، وأي جسد مطمئن قادته تلك الروح، وكذلك أي خاتمة حسنة نالتها هذه الوالدة!
    ابنها القاضي المعهود باستقامته الدائمة، يجثو الآن بجانب سريرها، وكذلك ابنتها (مارجريت) الملقبة بــ (الأخت أيولالي).
    إنهما يبكيان بمرارة، كأن قلبيهما على وشك الانفطار حزنا وكمدا. منذ طفولتهما سلحتهما بمجموعة من المبادئ الأخلاقية والقيم الصارمة. ربّتهما على التمسك بالدين بلا هوادة وعلى الالتزام بالواجبات دون مساومة. فهاهو (الشاب) قد أصبح قاضيا يشار له بالبنان، وعرف عنه تمسكه بالقانون سلاحا به يضرب ذوي النفوس الرديئة بلا شفقة. أما (الفتاة) - بتأثير من قيم الفضيلة التي تشبعت بها في هذه العائلة الصارمة - فقد وهبت حياتها عروسا للكنيسة، واستعاضت بها عن الرجال، لدرجة أنها تمقت الارتباط بأي منهم.
    إنهما بالكاد يعرفان والدهما، كل ما يعرفانه عنه أنه السبب الذي جعل من أمهما المرأة الأكثر شقاء، ولكن دون تفاصيل.
    كانت الراهبة تُقبِّل على نحو مطرد يد المرأة العجوز، تلك اليد العاجية البيضاء، مثلها مثل صليب كبير ممدد على السرير الذي ترقد عليه الآن، وعلى الجانب الآخر من الجثة الممددة كانت اليد الأخرى تبدو ثابتة كأنها ممسكة بملاءة السرير بقبضتها المستمدة قوتها من الموت. إن تلك الملاءة يجب أن تحفظ من التجعد مثلها مثل ذكرى هذه اللحظات الأخيرة التي تسبق المثوى الأبدي.
    بضع نقرات خفيفة على الباب، جعلت الاثنين يحركان رأسيهما لينظرا باتجاهه. إنه الكاهن الذي اضطر لترك طعام العشاء، جاء محمّر الوجه، متقطع الأنفاس من جراء مقاطعة لم يتهيأ لها ذهنيا، حيث كان قد أعد لنفسه كوبا من مخلوط القهوة القوية مع شيء من (البراندي)؛ من أجل أن يقاوم الإعياء الذي أصابه في الليالي الأخيرة، بالإضافة إلى المهمة الجديدة التي بدأت للتو.
    بدا حزينا، ذلك الحزن المتكلف لكاهن يُعَدُّ الموتُ بالنسبة له مصدر رزق. أدى حركة الصليب واقترب بإيماءته المحترفة قائلا: " حسنا، أبنيِّ المسكينين، لقد أتيت لتتجاوزا هذه اللحظات الحزينة. لكن الفتاة رفعت رأسها فجأة وقالت: " شكرا أيها الوالد، لكني وأخي نؤثر أن نظل وحيدين معها. هذه أخر فرصة لنا لنراها، ونرغب أن نبقى معا ثلاثتنا كما اعتدنا ذلك عندما كنا صغارا مع أمنا المسكينة، أمنا الــ .........". حالت دموعها بينها وبين إتمام كلامها. وبهدوء أكثر، ركع الكاهن وهو يفكر في فراشه: "كما تريدان ابنيّ العزيزين". مرة ثانية، وبهدوء أكثر أدى الكاهن بضع صلوات، نهض، خرج بهدوء وهو يتمتم :"كانت قديسة!".
    ظل الثلاثة معا؛ المرأة المتوفاة وابنها وابنتها. تكات الساعة المختفية في الظل، يمكن سماعها بوضوح تام. من خلال النافذة المفتوحة تهب رائحة منعشة لطيفة للعشب والغابات. ويتسلل شيء من ضوء القمر الخفيف. لا صوت يمكن أن يسمع على البسيطة الآن سوى نقيق بعض الضفادع بين حين وآخر وأيضا سقسقة بعض الحشرات المتأخرة في الهجوع. صفاء تام يحيط بهذه المرأة العجوز، يبدو كأنها تزفره من أعماقها لتشبع به الطبيعة من حولها.
    صاح القاضي الذي ما يزال جاثيا ورأسه مدفون في فراش السرير، بكى في صوت تبدل إثر ما غمره من أسى وحزن وحاول أن يخبئه في الملاءات والبطاطين: "ماما، ماما، ماما". أما أخته فقد أخذت تضرب بجبهتها في السرير بشكل محموم كأنها في نوبة صرع، وظلت تئن وهي ترتجف "يا إلهي ....ماما! يا إلهي...ماما"
    ما لبثت عاصفة الحزن تلك إلا أن هدأت تدريجيا. بدأ الأخ وأخته ينتحبان بصوت خافت، كما يحدث عندما يهدأ البحر بعد موج عاصف.
    بعد مضي وقت طويل نسبيا رفعا رأسيهما ونظرا إلى ميتتهما، واسترجعا شيئا من الذكريات؛ ذكريات الأمس العزيز ، ذكريات الزمن القديم التي هبت الآن، وصعدت إلى ذهنيهما بكل تفاصيلها الصغيرة المنسية، تلك التفاصيل العميقة المألوفة، التي تعيد شيئا من الحياة إلى حياة الفقيد. تلك الذكريات البعيدة التي كانت بالأمس عزيزة غالية، وهاهي اليوم مؤلمة حارقة. استعادا مع كل ذكرى من تلك الذكريات؛ الظروف، الكلمات، الابتسامات وترنيمات الأم التي لن تكلم بعد اليوم إنسيا. ألقيا نظرة ثانية على جسدها المسجى، وجدَاها سعيدة هادئة. تذكرا كثيرا مما كانت تقوله لهما، تذكرا تلك الحركة المميزة ليدها الصغيرة التي كثيرا ما كانت تستعملها، عندما تريد التأكيد على شيء ما، كأنها تريد الإمساك بالوقت . إنهما يحبانها الآن أكثر من ذي قبل. لقد أدركا الآن عمق حزنهما وكم سيكونان وحيدين من دونها!
    كانت بالنسبة لهما السند والمرشد، كانت كل شبابهما، وأجمل جزء في حياتهما وقد اختفى الآن والى الأبد. كانت أمهما الرابطة الموصلة بينهما وبين أسلافهما وفقدّاها للتو. أصبحا الآن كائنين معزولين ومقطوعين يصعب عليهما بعد الآن التفكير في ماضيهما.
    قالت الراهبة لأخيها: " أتتذكر كيف اعتادت ماما أن تقرأ رسائلها القديمة؟ كل رسائلها هناك في ذلك الدرج. دعنا الليلة نقرأها بدورنا، ونحن بجوارها، لنعيش شيئا من حياتها عبر الرسائل. سيكون الأمر أشبه بطريق نعبره، لنتعرف على أمها، وعلى أجدادنا الذين لم نعرفهم، وتوجد رسائلهم هنا، وعنهم طالما حدثتنا. ألا تتذكر؟"
    وأخذا من الدرج بضع رزم صغيرة من الورق الأصفر، حُزِمت بعناية، ورتبت واحدة بجانب الأخرى. ألقيا بهذه الآثار على السرير، واختارا واحدة منها كتبت عليها كلمة (أب). فتحاها وشرعا يقرآن فيها. كانت من تلك الرسائل ذات النمط القديم التي قد يجدها الشخص في بعض أدراج الطاولات القديمة لبعض العائلات، تلك الرسائل التي تفوح منها رائحة قرن آخر، وتعبق بشذى الماضي العتيق. بدأت الأولى منها بعبارة "عزيزتي" والثانية بـ "ابنتي الصغيرة الجميلة"، وثمة أخرى بدأت بـ " عزيزتي الابنة:".
    فجأة بدأت الراهبة تقرأ بصوت عال، تقرأ على المرأة العجوز الميتة كل تاريخها، كل ذكرياتها الحنون قراءة جهرية. كان القاضي واضعا مرفقه على السرير يستمع وعيناه مثبتتان، لا يكاد يرفعهما عن أمه، تلك الجثة التي بدت سعيدة رغم أنه لا حراك بها. فجأة توقفت الأخت (أيللولي) عن القراءة قائلة: "هذه الرسائل يجب أن تدفن معها في قبرها. يجب أن يوضع لها كفن خاص بها، يرافق جثتها في لحدها".
    تناولت رزمة أخرى لم تكن تحمل اسما. أخذت تقرأ بصوت ثابت:-
    " عشيقتي الوحيدة: أحبك أقوى ما يكون الحب. منذ أمس أعاني من عذابات بعدِك اللعينة. ذكرياتنا تستحوذ علي. أشعر بشفتيك اللذيذتين تطبقان على شفتي وعينيك في عينَّي وصدرك ملاصق لصدري. آه، كم أحبك، لقد جعلتِنِي مجنونا. هاهما ذراعاي مفتوحتان، أتأوه مدفوعا بالرغبة لاحتوائك. روحي وجسدي يناديان بأعلى صوت. إنهما يريدانك. ما زلت أحتفظ بطعم قبلاتك الحالي في فمي.....".
    اعتدل القاضي في جلسته، توقفت الراهبة عن القراءة، اختطف منها الرسالة. نظر في المكان الذي تُوَقَعُ فيه الرسالة عادة، لم يكن ثمة أي توقيع، فقط تحت تلك الكلمات عبارة "المغرم بك.... هنري"! والدهما كان اسمه (رينييه). الرسالة بالتأكيد ليست منه. فتَّش الابن بسرعة في رزمة الرسائل تلك، وتناول واحدة وقرأ فيها: "لم يعد بوسعي العيش دون مداعباتك لي"!
    فجأة انتصب القاضي، مثلما يفعل تماما عندما يكون في مكتبه بالمحكمة، ألقى نظرة جامدة على المرأة الميتة، بينما كانت أخته الراهبة كانت منتصبة مثل التمثال، الدموع ترتجف في عينيها، ترقب أخاها تنتظر ما سوف يفعله. عَبَرَ القاضي الغرفة ببطء واتجه نحو النافذة، ومنها ظل يحدق في الخارج في ذلك الليل البهيم، وعندما أرجع البصر نحو أخته وجد عينيها قد جفت الآن، ما زالت واقفة بالقرب من السرير، مطرقة رأسها. تقدم قليلا وبسرعة التقط الرسائل، وألقى بها كيفما اتفق في الدرج، وأغلق الستائر المحيطة بالسرير. أشرق نور الصباح... شحُبَ ضوء الشموع التي على الطاولة... ترك الابن مقعده، دون أن ينظر ثانية إلى أمه ... أصدر من أعماقه حكما يقضي بقطع أي صلة تربطهما بها... قال ببطء: " لنخرج الآن يا أختي!"

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.15

    افتراضي

    فقط تحت تلك الكلمات عبارة "المغرم بك.... هنري"! والدهما كان اسمه (رينييه)

    القاضي والراهبة أصدرا على الأم المتوفاة حكمهما فجأة بعد كل هذا الحب والوفاء والاحتواء وحرقة الفراق ربما جاء ببعض حزم وجمود لم نعهده نحن المسلمون حتى وإن أذنبت فهي الآن قيد حساب ستنال به ما اقترفت
    استمتعت بالقراءة هنا فشكرا لك النقل والاختيار أديبنا الفاضل
    وكل عام وأنت بخير
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    أستاذتنا الأديبة المثقفة
    أولاً كل عام وأنت بألف خير
    ومزيداً من الإبداع والتألق
    أنحني إجلالاً لعبارتك الشفيفة
    وذوقك المرهف وأحيي إستمتاعك
    بالقصة وأتفق معك في ماذكرته
    وكما قلت إننا مجتمع مختلف ومغاير
    وأتا نفسي صدمت ولكن مع الإستمتاع
    بالقصة وفنياتها وطريقة موبسان في
    الحبكة والسرد ، أشكرك أستاذتى
    كل ورود الأرض لك وكل الفراش الملوًن

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,062
    المواضيع : 312
    الردود : 21062
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    قصة رائعة ـ أدهشتني بهذه الصور والسرد المتقن الجذاب
    والسبك القوي وفن صياغة القصة
    عظيم متألق حتى في اختيارك
    تقديري وتحياتي. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,444
    المواضيع : 234
    الردود : 3444
    المعدل اليومي : 2.18

    افتراضي

    ليس كل مانراه أو نعتقده هو الحقيقة دائما ـ فربما يختفي المكر والعهر وراء قناع من البراءة والطهر..
    قصة جميلة السرد والحبكة ، والمعنى، والمغزى راقت لي كثيرا ـ فشكرا لك.

  6. #6
    الصورة الرمزية عبدالحكم مندور مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 4,494
    المواضيع : 59
    الردود : 4494
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    يالها من قصة كتبها صاحبها بحبكة بارعة وخلص منها تم ترك كل من يقرؤها يقلب كفا بكف ,, هادفة جميلة خالص الشكر

المواضيع المتشابهه

  1. ~ سِرُّ السَّحابْ.. ~
    بواسطة ياسمين ابن زرافة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 09-10-2020, 06:06 PM
  2. سرّ القبول ...
    بواسطة إدريس الشعشوعي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-04-2009, 01:24 AM
  3. "بعينكِ سرٌّ أبى العقلُ لأن يفهمه "
    بواسطة عبدالخالق الزهراني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-03-2007, 07:11 PM
  4. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-10-2005, 05:39 AM
  5. تحرير المرأة في يوم المرأة العالمي
    بواسطة محمد حافظ في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-03-2005, 11:55 AM