قصص من الحياة ( 1 )
أحد الطلاب الفلسطينيين .. تخرَّج من الثانوية العامة بمعدل 98.5% ( علمي ) ، وأراد أن يكمل تعليمه الجامعي فلم يستطع لسوء الحالة المادية لوالديه ، فسيطر عليه الحزن الشديد ، وهو الذي أعطى كل وقته وجهده للدراسة ، وكان يحلم بأن يكون طبيباً لامعاً ، وها هي أحلامه تتحطم أمامه ولا يستطيع أن يفعل شيئاً . كان هذا قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما لم تكن في قطاع غزة أية جامعة ، ولم تكن الدراسة الجامعية ميسرة للجميع ، وخاصة كليات الطب .
سمع بهذا الشاب أحد أغنياء البلد المحسنين ، فاستدعاه وسمع منه الحكاية ، فقال له : ماذا تحب أن تكمل تعليمك ؟ قال الشاب : وما الفائدة إذا لم أستطع أن أنفذ رغبتي ؟ فألح عليه الرجل ، فقال الشاب : أحب أن أدرس الطب ، فهي أمنيتي منذ كنت طفلاً . قال الرجل : وأين تجب أن تكمل تعليمك ؟ قال الشاب : كنت أتمنى أن أكمل تعليمي في ألمانيا . قال الرجل : إذن تسافر وتكمل دراستك على بركة الله . قال الشاب : وكيف ذلك؟! قال الرجل : سأتولى نفقات تعليمك كاملةً ولا أريد أن تعيد لي فلساً واحداً منها ، فهي صدقة لوجه الله .
وفعلاً أكمل الشاب تعليمه في مدينة برلين ، وحصل على أفضل الدرجات في إحدى التخصصات النادرة ، وبقي في ألمانيا حيث افتتح مستشفىً خاصاً بتخصصه النادر ، وذاع صيته في كل مكان . وكان هذا الشاب قد نسي ذلك الرجل ، ولم يهتم الرجل كثيراً لأنه فعل ما فعل ابتغاء وجه الله ، ولأن حاله ميسورة وما زالت أمواله تزداد يوماً بعد يوم .
وذات يوم أحس الرجل بألم شديد ، فعرض نفسه على الأطباء ، فأعربوا عن عجزهم عن معالجته ، بل وقالوا بأنه ليس له علاج في أي بلد عربي ، ونصحوه بأن يذهب إلى ألمانيا للعلاج . وفعلاً ذهب إلى هناك ونصحه أطباء ألمانيا أن يذهب إلى المستشفى الفلاني فهو الوحيد القادر على علاجه .
وعندما ذهب إلى المستشفى أجريت له الفحوصات اللازمة ، فقرر الأطباء أن تجرى له عملية جراحية عاجلة ، ولكنها تكلف كثيراً ، فوافق الرجل وأعطاهم شيكاً مفتوحاً يسجلون فيه الرقم الذي يريدون . المهم في الأمر أن صاحبنا كان كبير طاقم الأطباء الذين سيجرون له العملية الجراحية . ذهب هذا الشاب ( الطبيب ) ليرى أوراق الرجل ونتائج الفحوصات وما إلى ذلك . ويا لهول ما رأى .. رأى أن المريض هو ذلك المحسن الذي كان له فضل تعليمه ووصوله إلى ما وصل إليه ( بعد الله طبعاً ) فذهب مسرعاً إلى قسم الجبائية بالمستشفى واستخرج الشيك المفتوح ومزقه إرباً إرباً ، وقال لإدارة المستشفى : إن أجور إجراء هذه العملية ونفقات إقامة الرجل وجميع ما يلزمه سيكون من حسابي الخاص .
أتدرون كم كانت تلك النفقات جميعاً؟ إنها بالضبط مجموع الأموال التي أنفقها ذلك الرجل في تعليم هذا الشاب . أرأيتم أن البر لا يفنى ؟ وأن الله لا ينسى وإن نسي ابن آدم ؟ أرأيتم أن عمل الخير ينفعكم في الدنيا إضافة إلى الآخرة ؟ أرأيتم عملياً صدق رسولكم الكريم عندما قال : داووا مرضاكم بالصدقات .
إن هذه الحكاية حقيقية وأبطالها لا زالوا على قيد الحياة ، والذي نقلها هو ابن ذلك الرجل المحسن .
اللهم ألهمنا عمل الخير والإخلاص فيه
أمين