نقد كتاب ( نؤمن بإله واحد ) لنصر الله زكريا
في معرض أربيل الدولي للكتاب ، جذبتني دار نشر اسمها ( الكاتب المقدس ) ، فقلت في نفسي : هذه المرة من عندهم ! سأشتري منهم ما قد يرفع عني لبس الفهم لعقيدتهم ..
وفعلاً اشتريت كتاباً اسمه ( نؤمن بإله واحد ) لنصر الله زكريا ، وكنت قبله اشتريت كتاباً آخر يتحدث أيضاً عن العقيدة المسيحية اسمه ( مسلمون يسألون ومسيحيون يجيبون ) للبروفسور كرستيان ترول والمطران لويس ساكو ..
إطلعت على الكتاب .. وسجلت عليه بعض الملاحظات النقدية ، أضعها بين أيديكم ..
1 ـ يقول المؤلف : ( ترتكز عقيدة وحدانية الله المثلث الأقاليم في المسيحية على الاعلان الإلهي ككل من جهة ، وعلى الكتاب المقدس ، كلمة الله المُوحى بها والمعصومة من الخطأ ، من جهة أخرى ، وبالرغم من أن كلمة ثالوث لم تأت بصريح اللفظ في كل الكتاب المقدس بعهدية القديم والجديد ، إلا أن أسس هذا التعليم مُعلنة وواضحة خلال الكتاب كله ) . ص33 .
ويقول : ( لم تأت لفظة ثالوث في الكتاب المقدس ، ومع ذلك آمن التلاميذ والرسل والمؤمنون في الكنيسة الأولى بهذه العقيدة ) . ص79 .
أي لا وجود للفظ التثليث ( أو الثالوث كما يصرّ المؤلف ) في الكتاب المقدس ، لا في العهد القديم ولا العهد الجديد ، لكن أسس هذه العقيدة موجودة فيه ، وعلى هذه الأسس بُنيت هذه العقيدة ..
والسؤال المنطقي هنا :
لماذا لم يُبيّن الله تعالى هذه ( العقيدة ) في الكتاب المقدس ، مع خطورتها وأهميتها ، وتركها للبشر ليستنتجوها ويستخرجوها بأنفسهم ؟
مع أن العقائد هي أسّ الدين ، وبالتالي لا بدّ أن تكون واضحة وصريحة !
ثمّ أين هذه الأسس الواضحة المعلنة ، ونحن نرى خلاف ذلك ، فكم مرّة ذكر المسيح الثالوث ؟.. ولا مرة .. وكم مرّة ذكر التوحيد ؟.. مرات عديدة .. وبصورة صريحة واضحة لا غبار عليها ..
قال المسيح : ( الوصية الأولى هي : اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا هو الرب الأحد . وأحب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل فكرك وكل قدرتك . والوصية الثانية : أحب قريبك مثلما تحب نفسك . وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين ) . مرقس 12 : 31 .
وقال : ( وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ) . يوحنا 16 : 3 .
وقال : ( وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب ) . مرقس : 13 : 32 .
وعندما سأله أحدهم قائلاً : ( أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ فقال له يسوع : لماذا تدعوني صالحاً ؟ لا صالح إلا واحد وهو اللّه ) . مرقس 10 : 17 .
فهل يحتاج الأمر إلى توضيح أكثر إلى أن المسيح كان يدعو الناس إلى إله واحد لا شريك له ، وأنه كان يعرض نفسه على أنه نبيٌّ مرسل ؟
أما الأسس التي يتكلم عنها صاحب الكتاب فهي كلمات وعبارات مجازية لا يُمكن بناء عقيدة عليها ، كاستخدام لفظ ( الآب ) و ( الابن ) .. والكل يعلم أن تلك الألفاظ استخدمت في الكتاب المقدس مع غير المسيح عليه السلام أيضاً ..
ألا يقرأ المسيحيون إلى اليوم في صلواتهم هذه الآية ( أبانا الذي في السماوات ، ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك في الأرض كما في السماء ) متى 6 : 9 .
فهل صاروا آلهة بمجرد أنهم قالوا : أبانا الذي في السماوات ، أم أن ذلك استخدام مجازي باعترافهم أنفسهم ؟
وكذا لفظ ( الابن ) .. ألم يطلق الرب على إسرائيل لفظ : الابن البكر لله ( قال الرب : إسرائيل ابني البكر ) سفر الخروج 4 : 22 ، وعلى داود ( سفر مزمور 89 : 26 ـ 27 ) ، وعلى سليمان ( سفر صموئيل الثاني ) ؟
ألم يطلق العهد الجديد لفظ الابن على صانعي السلام والصالحين ( هنيئاً لصانعي السلام ، لأنهم أبناء الله يدعون ) متى 5 : 9 . ( أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم ، وصلوا لأجل الذين يضطهدونكم ، فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات ) متى 5 : 44 . ( انظروا كم أحبنا الآب حتى نًدعى أبناء الله ) يوحنا الأولى 3 : 1 . ( لأن كل والذين يقودهم روح الله هم جميعاً أبناء الله ) رومة 8 : 14 .
لكن المؤلف يفاجئنا بعبارة قد تدعم عقيدته .. يقول :
( إن الإيمان بعقيدة وحدانية الله المثلث الأقانيم كما أعلنها الابن المبارك ، السيد المسيح في إرساليته لتلاميذه ، ظهر حين قال " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس " متى : 28 : 19 ، يشكل محور الكرازة والإيمان المسيحي ) . ص98 .
إذن .. عندما نطق المسيح : الآب .. الابن .. الروح القدس ـ وهي عبارة يتيمة في الأناجيل الأربعة ـ عندما نطق بها ظهرت عقيدة الثالوث !
لكن هذه العبارة ( دخيلة ) !
يقول أدولف هرنك : ( صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والابن والروح القدس ، غريب ذكرها على لسان المسيح ، ولم يكن لها وجود في عصر الرسل …كذلك لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم النصرانية ما يتكلم به المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، إن بولس لا يعلم شيئاً عن هذا ) .
وحين نقل المؤرخ يوسابيوس القيصري هذه الفقرة لم يذكر فيها الآب ولا الروح القدس ، بل قال : فقد ذهبوا إلى كل الأمم ليكرزوا بالإنجيل معتمدين على قوة المسيح الذي قال لهم : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم باسمي ) .
لكن يأبى شرّاح الكتاب المقدس إلا أن يُظهروا لنا عبقريتهم اللغوية ، فيقولون في تفسير تلك العبارة :
( إن كلمات الرب يسوع تؤكد حقيقة الثالوث ، يتهم بعض الناس علماء اللاهوت باختراع مفهوم الثالوث وقراءته في سطور الكتاب المقدس ، ولكن، كما نرى هنا ، هذا المفهوم يأتي مباشرة من الرب يسوع المسيح نفسه ، فلم يقل عمدوهم " بإسماء" بل " بإسم " الاب والابن والروح القدس . حقيقة لا ترد كلمة " الثالوث " في الكتاب المقدس صراحة ولكنها تعبر تماماً عن الإله الواحد المثلث الأقانيم : الاب والابن والروح القدس الاله الواحد، آمين ) .
بمعنى آخر .. إذا قلنا إن وثيقة ما وقعت ( باسم ) : عمر وعلي واحمد .. فهذا يعني أن هؤلاء الأشخاص الثلاثة هو شخص واحد ! هكذا يقول شرّاح الكتاب المقدس !
إذن .. كيف تُبنى عقيدة على هذه المجازات والمجازفات ، ثمّ تُنسب إلى الله عزّ وجلّ ؟