أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: وقفات مع الشيخ الألباني

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي وقفات مع الشيخ الألباني

    وقفات مع الشيخ الألباني

    حول شريط (من منهج الخوارج)





    حقوق الطبع محفوظة

    الطبعة الأولى

    1418هـ -1997م






    من

    اصدارات الجماعة الإسلامية


    بمصر








    وقفـات

    مع الشيخ الألباني

    حول شريط (من منهج الخوارج)




















    m

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسـتغفره ونـعـوذ باللـه مـن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضـل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحـده لا شـريك له و أشـهد أن محمـداً عـبـده ورسـوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .

    وبعد

    فـإنَّ الشـيـخ نـاصـرالـديـن الألـبــاني واحــد مــن علمــاء العصـر الـذيـن لا يُنـكِـرُ فضلهـم إلا جاحـدُُ أو مكابر ؛ فقـد خدم الشيخ حفظه الله حـديث رسـول اللـه وعـمـل علـى نشـر السنـة وقمـع البـدعة وإشـاعـة علم السـلف فـي الأمـة نســأل اللـه أن يجـزيـه عــن ذلـك خيـر الجزاء .

    ولكـن أبـى اللـه أن تـكـون الـعصمــة لأحـد مــن البشـر إلا لأنبيـائه الكــرام ؛ والشيـخ حفظـه اللـه بشـر يخطـيء ويصيب ؛ ولن يُعدم المتعقب لكتـابات الشيـخ أو أشرطتـه أن يجد خطأ هنا أو زلة هناك .

    ولسنـا بحمد اللـه ممـن يتتبـع الـزلات فيـضخمهـا ويكثر مـن الـدندنـة حـولهـا ؛ ولـذا فلـم يـكن مـن ديننـا البحث عن مثل تلك الزلات ؛ ولكن إن قابلنا شيئ منها أثنـاء درسـنا أو بحثنـا أعرضنـا عمـا وجدنـاه من خطأ وعملنـا بالصواب؛ وربمـا نبهنـا علـى ذلـك الخطـأ فـي بـعـض مجالسـنـا بقـول حسـن وأســلوب ليـن دون مــا ضجيج أو تشهير .

    بيد أنني سمعت في الفترة الأخيرة شريطاً للشيـخ حفظه الله رأيت أنَّ من حق العلـم علينا المبـادرة إلـى مناقشة بعض ما جاء فيه مناقشة هادئة يعلم الله أنه ليس لي من ورائها قصد إلا بيان الحق ومعرفة الصواب .

    والشريط المشار إليه عنوانه " من منهج الخوارج " وقد سجل في 29 جمادى الآخرة 1416 هـ الموافق 23/10/1995 وهو برقم 830/1 من سلسلة " الهدى والنور " كما ذكر في مقدمته .

    وفي هذا الشريط يتناول الشيخ ما يحدث في مصر والجزائر من أحداث ويستنكر الخروج على حكام المسلمين اليوم ويفتي في بعض القضايا المتعلقة في هذا الأمر .

    وهذه الرسالة التي بين يديك - أخي القاريء الكريم - تتناول موضوعين اثنين لعلهما أهم ما طرح الشيخ في هذا الشريط :

    أما الموضوع الأول فهو موضوع الخروج على الحاكم الكافر ؛ إذ يرى الشيخ أنه لا يجوز الخروج على الحكام الآن حتى ولو كانوا من المقطوع بكفرهم .

    وأما الموضوع الثاني فهو يتعلق بقضية تكفير الحاكم الذي يشرع للناس من دون الله ويلزم الناس بالتحاكم إلى القوانين الوضعية إذ يرى الشيخ أن هذا الحاكم ينطبق عليه ما جاء عن ابن عباس من قوله - رضي الله عنهما -" كفر دون كفر " .

    وفي هذه الرسالة يجد القاريء مناقشة علمية لهذين الأمرين وبيان لوجه الحق فيهما ، ثم إني ألحقت بذلك صفحات أخرى حول موضوعات أخرى متفرقة تتعلق بهاتين القضيتين .

    والحق أنه من الأمور التي دفعتني إلى كتابة هذه الرسالة أني وجدت الحديث في مثل هذه الموضوعات قد صار سمة عامة في أحاديث الشيخ ومجالسه ؛ فلو كان الأمر أمر مجلس واحد عرض فيه الشيخ رأيه لهان الأمر ولكنا وجدنا الشيخ على مدى سنوات مضت قد أكثرمن الحديث في مثل هذين الموضوعين ناعياً على القائلين بخلاف قوله جهلهم وتعجلهم مستعملا في ذلك العبارات الشديدة القاسية؛ بينما لا نجد شيئاً من هذه القسوة على الطرف الآخر وهم الحكام العلمانيون الذين هم السبب الأكبر في بلاء هذه الأمة بما اقترفوا في حقها من إبعادها عن كتاب ربها وسنة نبيها r ؛ ومن إجبارها على السير في فلك الغرب الكافر والرضا بمخططات اليهود والنصارى .

    ولقد كان مما رأيناه من آثار منهج الشيخ هذا أن كثيراً من الشباب ممن يتبعون الشيخ ويسيرون على نهجه صاروا ينظرون إلى هؤلاء الحكام المغيرين المبدلين لشرع الله على أنهم أولياء الأمور الذين يجب أن نسمع لهم ونطيع وأن الخروج عليهم كالخروج على أئمة المسلمين الأولين ؛ بينما نراهم ينظرون إلى إخوانهم الذين يعادون هؤلاء الحكام على أنهم خوارج مبتدعة لا يستحقون إلا الذم والقدح والتقريع ، بل ربما ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك كاستعداء السلطات عليهم وغير ذلك .

    ومن هنا فقد رأيت الإقدام على كتابة هذه الصفحات مع ما في ذلك من مشقة بالغة على النفس ؛ فإني لم أكن أود يوما أن أقف من الشيخ ناصر حفظه الله موقف الراد أو المعترض ولكنه الحق الذي علمنا ديننا أنه أحب إلينا من علمائنا ومشايخنا والناس أجمعين.

    وبهذه المناسبة فإني أود أن أعلن أننا حين نختلف مع الشيخ في بعض المسائل العلمية فإننا نبرأ إلى الله U من أولئك المبتدعة الذين يعادون الشيخ ويبغضونه لأجل تمسكه بالسنة ودفاعه عن العقيدة الصحيحة ؛ ونسال الله أن يجعل خلافنا معه في إطار أهل السنة والجماعة أهل الحق والعدل الذين هم على ما كان عليه النبي r وأصحابه وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا إنه رؤوف رحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


    أبو إسراء الأسيوطي

    مساء السبت 11 من شعبان 1417 هـ

    الموافق 21/12/1996 م

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    الفصل الأول

    قضية الخروج على الحاكم الكافر

    هذه هي المسألة الأولى التي نود الحديث عنها ، فقد سئل الشيخ في أول الشريط المشار إليه عما يحدث في الجزائر من أحداث والموقف الشرعي منه فأجاب الشيخ بأن ذكَّر أولاً بقول أهل العلم "ما بني على فاسد فهو فاسد " وضرب على ذلك مثلاً بالصلاة التي تبنى على غير طهارة وأنها ليست بصلاة ، ثم قال الشيخ ما نصه :" ذكرنا دائماً وأبداً بأن الخروج على الحكام ولو كانوا من المقطوع بكفرهم أن الخروج عليهم ليس مشروعاً إطلاقاً ؛ ذلك بأن هذا الخروج إذا كان ولابد ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع كالصلاة التي قلنا آنفاً : إنها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة وهي الوضوء . ونحن نحتج في مثل هذه المسألة بمثل قوله تبارك وتعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . إن الدور الذي يمر به المسلمون اليوم من تحكم بعض الحكام وعلى افتراض أن كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماماً ، إذا افترضنا هذه الفرضية فنقول : إن الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام ولنقل الكفار مجاراة لجماعة التكفير لفظاً لا معنى لأن لنا في ذلك التفصيل المعروف فنقول : إن الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام لا تخرج عن الحياة التي حياها رسول اللهr وأصحابه الكرام فيما يسمي في عرف أهل العلم بالعصر المكي ، لقد عاش عليه السلام تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة والتي كانت تأبى صراحة أن تستجيب لدعوة الرسول عليه السلام وأن يقولوا كلمة الحق لاإله إلا الله حتى أن عمه أبا طالب وفي آخر رمق من حياته قال له لولا أن تعيرني بها قومي لأقررت بها عينك . أولئك الكفار الصريحون في كفرهم المعاندون لدعوة نبيهم كان الرسول عليه السلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم ولا يتكلم معهم إلا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ، ثم جاء العهد المدني ثم تتابعت الأحكام الشرعية وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين كما هو معروف في السيرة النبوية ، أما في العهد الأول : العهد المكي لم يكن هناك خروج كما يفعل اليوم كثير من المسلمين في غير ما بلد إسلامي ، فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه السلام الذي أمرنا بالاقتداء به وبخاصة في الآية السابقة {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ... " .

    انتهى كلام الشيخ ناصر حول عدم مشروعية الخروج على الحكام حتى لو كانوا من المقطوع بكفرهم ، وتعليقاً عليه يؤسفنا أن نقول : إن في هذه القطعة من كلام الشيخ مخالفة للنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله r ولإجماع أهل العلم من سلف هذه الأمة وإليك البيان :

    1- أما مخالفة هذا الكلام للنصوص الشرعية :

    أ- فلأن الله U قد أمر في غير آية من كتابه الكريم بقتال الكافرين:

    فمن ذلك قوله تعالى :" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "الأنفال :39 ، وقوله تعالى : "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة :5 ،وقوله : "فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " التوبة:12 .

    فإذا كانت هذه الآيات وغيرها آمرة بقتال الكفار ، وكان الحكام كافرين ، فكيف يكون الخروج عليهم وقتالهم ليس مشروعاً إطلاقاً على حد تعبير الشيخ حفظه الله ؟

    ب - ثم أين يذهب الشيخ من الأحاديث التي تنص تحديداً على قتال الحكام إذا كفروا :

    - كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : (دعانا النبي r فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لاننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) . [ أخرجه البخاري ( 7055-7056 ) ومسلم ( 170) (كتاب لإيمان حديث 24 ) ]

    - وفي حديث أم سلمة مرفوعاً : ( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا )

    [ أخرجه مسلم (1854) وأبو داود ( 4760 ) والترمذي (2665 ) وأحمد (6/302 ، 305 ، 321 )] .

    - وفي حديث عوف بن مالك " .. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة ... " [أخرجه مسلم (1855) وأحمد (6/24) والدارمي (2/324)].

    أوليست هذه الأحاديث نصوصاً قاطعة في مشروعية الخروج على الحكام بالسيف إذا كفروا وخرجوا عن حكم الشرع الحنيف ؟ .

    أوليست الحالة التي شرع لنا فيها المصطفىr أن نخرج على الحكام هي عين الحالة التي قال عنها الشيخ إن الخروج فيها على الحكام ليس مشروعا إطلاقا ؟!

    ج- ثم إننا نسأل الشيخ فنقول : أليس كفر الحاكم نوعاً من المنكرات؟ ونحن لا نشك أن إجابته ستكون بلى إنه منكر ، بل إنه أكبر المنكرات ، ونقول فإذا كان الأمر كذلك فإن رسولنا r قد أمرنا بإزالة المنكر فقال : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " [أخرجه مسلم (49) وأبو داود (1140) ،(4340) والترمذي (2172) وابن ماجه (1275 ) ،(4013) والنسائي ( 8/ 111-112) وأحمد (3/54) من حديث أبي سعيد الخدري ] .

    وعلى ذلك فنحن مطالبون شرعاً بإزالة منكر هذا الحاكم أي كفره ، فإن لم يندفع منكره إلا بقتاله والخروج عليه بالسيف وجب ذلك ، قال القرافي في الذخيرة (3/387) عند تعداده لأسباب الجهاد: "السبب الأول وهو معتبر في أصل وجوبه ويتجه أن يكون إزالة منكر الكفر فإنه أعظم المنكرات ومن علم منكراً وقدر على إزالته وجب عليه إزالته ... " .

    2- وأما مخالفة الشيخ لإجماع أهل العلم من السلف الصالح ومن بعدهم فإني أنقل هنا بعض النقول الدالة على ذلك :

    أ - فقد نقل الحافظ في الفتح (13/124) عن ابن التين قوله:"وقد أجمعوا أنه- أي الخليفة -إذا دعا إلىكفر أو بدعة أنه يقام عليه واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك هل يقام عليه أولا" قال ابن حجر :" وما ادعاه من الإجماع على القيام فيما إذا دعا الخليفة إلى البدعة مردود إلا إن حمل على بدعة تؤدي إلى صريح الكفر ... "

    ب- وقال الحافظ أيضاً في الفتح (13/132) : " ... وملخصه أنه ينعزل بالكفر إجماعاً فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض".

    ج- وجاء في الفتح أيضاً (13/11) :"...وعن بعضهم لايجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلاً فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه ".

    د- ونقل النووي في شرح مسلم (12/ 229) عن القاضي عياض : " فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام وخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه..." .

    هـ- وقال الإمام ابن كثير بعد ما ذكر الياسق الذي وضعه جنكيز خان:" فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله r فمن فعل ذلك منهم فهم كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير " [ تفسير القرآن العظيم 2/68] .

    و- وقال الشوكاني بعد كلام له في كفر من يتحاكم إلى غير شرع الله :" .. وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية ..." . [ الدواء العاجل في دفع العدو الصائل ص: 25]

    ز- وقال ابن عبد البر في الكافي (1/463) :" .. وسأل العمري العابد - وهوعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله [بن عبد الله] بن عمر بن الخطاب سأل مالك بن أنس فقال : يا أبا عبد الله أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله عز وجل وحكم بغيرها ؟ فقال مالك : الأمر في ذلك إلى الكثرة والقلة . وقال أبو عمر : جواب مالك هذا وإن كان في جهاد غير المشركين فإنه يشمل المشركين ويجمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأنه يقول من علم أنه إذا بارز العدو قتلوه ولم ينل منهم شيئاً جاز له الانصراف عنهم إلى فئة من المسلمين بما يحاوله فيه ..." .

    فهذه النصوص القاطعة من أقوال أهل العلم والحاكية للإجماع على أنه يُخرَج على الحاكم إذا كفر تبين خطأ الشيخ الألباني فيما ذهب إليه من عدم مشروعية الخروج على الحاكم الكافر .

    كما أن المتأمل في صيغة السؤال الموجه للإمام مالك رحمه الله يجد أن السائل لايسأل عن جواز قتال من يحكم بغير ما أنزل الله ،وإنما يسأل عن جوازالتخلف عن قتالهم ، فإذا علمنا أن السائل هو عبد الله بن عبد العزيز العمري العالم الزاهد الثقة الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر كما في تهذيب التهذيب (3/196-197) ، أقول إذا علمنا ذلك ، علمنا لم كان السؤال بهذه الصيغة ، فالعمري العابد رحمه الله قد استقر في ذهنه أن قتال من لم يحكم بما أنزل الله مشروع بل واجب ولكنه يسأل هل من رخصة تسوغ التخلف عن هذا القتال ؟ وكان رد الإمام مالك رحمه الله دقيقا أيضا فإنه أرجع الأمر للقلة والكثرة أي للقدرة أي من كان عنده قدرة لم يسعه التخلف و من كان غير قادر فلا شيء عليه إن هو انصرف عن القتال .

    كما أن في تفسير الإمام ابن عبد البر لكلام إمام دار الهجرة رضي الله عنه لفتة طيبة وهي قوله : (جاز له الانصراف ) ولم يقل ( وجب عليه الانصراف ) مما يدل على أن القدرة ليست شرطا في صحة القتال بل هي شرط في وجوبه فمن لم يكن قادراً على الجهاد فلا شيء عليه إن هو تكلف الجهاد فجاهد حتى لو علم أنه لن يحقق النصر على العدو ما دام في ذلك مصلحة شرعية ككسر قلوب الكفار أو تجرئة قلوب أهل الإيمان أو غير ذلك .

    2- أما ما استدل به الشيخ من أن حال المسلمين تحت حكم هؤلاء الحكام يشبه حال النبي r في العصر المكي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أولئك الكفار في مكة ؛ فإن المرء ليعجب منه أشد العجب ؛ إذ كيف للشيخ وهو من هو علماً وتحقيقاً أن يقع في مثل هذا الاستدلال العجيب .

    إذ لاشك أن الشيخ يعلم أن دين الله قد كمل وأن نعمته قد تمت وأنه قد كان في العهد المكي أحكام نسخت في العهد المدني منها أن الجهاد كان ممنوعا في العصر المكي ثم فُرض في العهد المدني ، ونحن مطالبون بآخر أمر النبي r فما مات عليه النبي r هو الدين إلى يوم الدين ، وليس لأحد أن يعطل حكماً ثبت عن النبيr بدعوى أننا في حال يشبه العصر المكي وإلا لصح أن يقول قائل : لانزكي ولا نصوم لأننا في حال يشبه العهد المكي وإنما فرضت الزكاة والصيام في العهد المدني .

    ومن أعجب العجب أن الشيخ الألباني قد قال بنفس هذا الذي قلناه في شريط سابق كان عنوانه ( حركة حماس وأهل السنة في خان يونس ) وقد سجل بتاريخ 8/1/1414 هـ وهو برقم 747/1 من سلسلة الهدى والنور كم ذكر مقدم الشريط ، ففي ذلك الشريط سأل الشيخَ قادمٌ من خان يونس قائلاً :" يقول إخواننا هناك : نحن نعتقد فيما يسمى بالمجتمع المكي ، من الصبر والدعوة... لكن يقول :خان يونس كل أهلها مسلمون ،وأحياناً نضطر إلى إزالة المنكر باليد فهل يجوز لنا أن نزيل منكراً باليد ....؟ " ، فأجاب الشيخ : "أولاً خرج منك كلمة أظن أنها لم تكن مقصودة..أو بعبارة أخرى سبق لسان عنهم ، ولا أظن أنهم يقصدون معنى ذلك اللفظ ، ذكرت فيما علق في ذهني أنهم يعتبرون أنفسهم في العهد المكي " .. ..لأننا نسمع نحن من بعض الناس أنهم فعلاً يعتبرون أنفسهم بسسب بعض الظروف والضغوط التي يعيشونها أنهم في العهد المكي ، وهذا فيه ضلال مبين ، لأن اعتبار المسلم نفسه في العهد المكي معناه أنه يتخلص من أحكام مقطوع بين علماء المسلمين بوجوب إتيانها أو بوجوب الابتعاد عنها ، وهذا لا يقوله مسلم أبداً ، وفي ظني أن الذي يحملهم على مثل هذه الكلمة فضلاً عن أن يعتقدوا معناها هو شعورهم بأنهم لا يستطيعون أن يقوموا هم بأنفسهم بكثير أو قليل على الأقل من الأحكام الشرعية ، فالذي يحملهم على هذا هو في الواقع جهلهم بالإسلام وبالقواعد العلمية الإسلامية التي بها يتمكن المسلم من أن يتجاوب مع كل الظروف التي يعيشها دون أن يزعم بأنه يعيش في العهد المكي أو في مثل العهد المكي " .

    ثم عاد الشيخ للإجابة عن سؤال السائل بما حاصله أن السؤال عن جواز تغيير النكر باليد لا مسوغ له بعد قول الرسول r : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ..." إلخ الحديث ، ولكن يجب قياس المصالح والمفاسد فلا يغير المنكر باليد ولا باللسان إذا ترتب على التغيير مفسدة أكبر من ذلك المنكر .

    وهذا كلام في غاية القوة كما ترى ، ومثله كلام آخر للشيخ نشره على لسانه صاحب كتاب (حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ) حيث أورد في الكتاب المذكور (1/396) إجابة للشيخ عن سؤال حول التدرج في عرض الشريعة جاء فيها ما نصه : ( لقد وصلنا الإسلام كاملا متكاملا ولا يجوز تطبيق بعضه وإهمال بعضه الآخر أو اختيار ما يناسب الظروف وإهمال ما لا يناسب مع إمكان التطبيق . فإن الاسلام الذي بين أيدينا اليوم يختلف عن الاسلام قبل أن ينزل قوله تبارك وتعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } . الإسلام كما هو بين أيدينا كامل لا نقص فيه أحكاماً وتطبيقاً وكل ما فيه لايناقض العقل ولا يستحيل تطبيقه ولكنه يأتي وفق القاعدة التي تلخصها الآية : { فاتقوا الله ما استطعتم } فالأصل إذاً العمل بالشريعة وتطبيقها كاملة قدر المستطاع ، وهذا ما نص عليه حديث رسول اللهr: ( ما أمرتكم من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) .. " ا.هـ المقصود من كلام الشيخ الألباني ، ونحن بحمد الله لم نقل إلا بمثل ما قاله الشيخ ، فالدين قد كمل والنعمة قد تمت ومما علمناه يقيناً أن التشريع قد انتهى إلى وجوب الجهاد ومن الجهاد الخروج على الحكام إن بدا منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان والله أعلم .

    5- بل إننا نضيف إلى ما سبق أنه بافتراض أن هناك شبهة في تكفير هؤلاء الحكام الذين شرعوا للناس ما لم يأذن به الله فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مانعاً من قتالهم ، ذلك أنهم ممتنعون عن تطبيق أحكام الله وقد وقع الإجماع على أن كل طائفة ذات شوكة امتنعت عن شيء من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى لو كانت مقرة بتلك الشرائع غير جاحدة لها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع عدة من الفتاوى ، ومن ذلك قوله رحمه الله حين سئل عن قتال التتار : " كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة وكذلك ثبت عنه r من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ) ، فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال ، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب ، فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب ، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته - التي لاعذر لأحد في جحودها وتركها- التي يكفر الجاحد لوجوبها ، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لاأعلم فيه خلافاً بين العلماء " .

    [ مجموع الفتاوى 28/502-503]

    وقال رحمه الله : " والدين هو الطاعة ، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله ، وجب القتال حتى يكون الدين كله لله " .

    [ مجموع الفتاوى 28/544]

    وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام قد نص عليه غيره من العلماء :

    فقد قال النووي في شرح حديث أبي هريرة الذي فيه مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : " فيه وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرهما من واجبات الإسلام قليلاً كان أو كثيراً لقوله رضي الله عنه : لو منعوني عقالاً أو عناقاً ..." [ شرح صحيح مسلم 2/212] .

    وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (2/596) عند حديثه عن آية الحرابة في سورة المائدة : " فإن قيل كيف يقال إن هذه الآية تناولت المسلمين وقد قال { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} وتلك صفة الكفار ؟ قلنا الحرابة تكون بالاعتقاد الفاسد وقد تكون بالمعصية فيجازى بمثلها وقد قال تعالى { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } ، فإن قيل ذلك في من يستحل الربا ، قلنا نعم وفي من فعله فقد اتفقت الأمة على أن من يفعل المعصية يحارب كما لو اتفق أهل بلد على العمل بالربا وعلى ترك الجمعة والجماعة".

    وقال ابن قدامة في الكافي (1/127) : " الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها وهو من فرائض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة كالجهاد فإن اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا عليه ".

    وقال ابن خويزمنداد : " ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالاً كانوا مرتدين والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة ، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالاًجاز للإمام محاربتهم ألا ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلك فقال : { فأذنوا بحرب من الله ورسوله } .." [ انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/364] .

    وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص:73): "...فإذا دخل في الإسلام فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة وقام بشرائع الإسلام فله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين وإن أخل بشيء من هذه الأركان فإن كانوا جماعة لهم منعة قوتلوا ... " .

    قلت : فإذا كانت الطائفة ذات الشوكة تقاتل إذا منعت فريضة واحدة من فرائض الإسلام فإن حكامنا اليوم قد منعوا أكثر فرائض الإسلام ، وإلا فليقل لنا الشيخ هل التزم حكامنا جهاد الكفار ؟ وهل التزموا ضرب الجزية على أهل الكتاب ؟ وهل التزموا تحريم الزنا ؟ وهل التزموا أحكام القصاص والحدود والديات ؟ وهل ،وهل ،وهل ..

    إن الباحث في أحوال حكامنا اليوم يجدهم قد امتنعوا عن أكثر شرائع الإسلام ، وهم في أحسن أحوالهم سيقولون نحن مقرون بهذه الشرائع غير جاحدين لها ، ولكن هذا الإقرار ليس مانعاً من قتالهم كما سبق بيانه في كلام شيخ الإسلام ، فكيف إذا كان هؤلاء الحكام لا يقرون أصلاً بأشياء كثيرة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة ؛ فإننا على سبيل المثال نعلم يقيناً أن حكامنا لايقرون بأحكام أهل الذمة التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله ويقولون إنه لا فرق بين مسلم ونصراني فالكل أمام القانون سواء ، ويقولون إن الجزية شيء قد عفا عليه الزمن وقد حل مفهوم المواطنة محل مفهوم أهل الذمة ، كما أن منهم من يصف الحدود الشرعية بالوحشية ومجافاة روح العصر ، وغير ذلك كثير .

    ومن أجل ذلك نقول إنه ينبغي ألا يكون هناك خلاف في مشروعية الخروج على هؤلاء الحكام المجرمين الذين لم يكتفوا بتعطيل شرع الله وإلزام الناس بالتحاكم إلى قوانين وثنية ، فراحوا ينكلون بالدعاة إلى الله ما بين قتل وتشريد وتعذيب وإحالة إلى مجازر وحشية يسمونها بالمحاكم العسكرية وليس لهم من هدف في ذلك إلا القضاء على كل دعوة لإقامة شرع الله وتحكيم كتابه في الأرض .

    نقول إنه ينبغي ألا يكون هناك خلاف في مشروعية ذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية في الخروج من مثل قياس المصالح والمفاسد والالتزام بالأحكام الشرعية في الجهاد والله أعلم .

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    الفصل الثاني

    قضية كفر التشريع

    فقد سئل الشيخ في الشريط المشار إليه عن قول ابن عباس في تفسير قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} حيث قال السائل هداه الله : " يتأولون (بقصد المجاهدين الذين يسميهم هو بخوارج العصر) تفسير قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} تأدباً أن ابن عباس لم يقصد في قوله هذا في من (كذا بالشريط) ضاهى بتشريعه أحكام وتشريع الله تعالى وأتى بتشريعات مضاهية لتشريعات الله بل قصد هذا في من غير وبدل في نظام الحكم من شورى وخلافة إلى ملكية و....و... إلخ "

    فأجاب الشيخ :" لا يفيدهم شيئاً إطلاقاً هذا التأويل الهزيل ذلك لأنه كأي تأويل من تأويلاتهم لأننا سنقول لهم ما دليلكم على هذا التأويل ؟ فسوف لا يحيرون جواباً هذا أولاً ، ثانياً : الآية التي قال فيها عبدالله بن عباس هذه الكلمة معروفة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } بماذا فسرها علماء التفسير سيعود المناقشة من أولها ؛ علماء التفسير اتفقوا على أن الكفر قسمان: كفر اعتقادي وكفر عملي ، وقالوا في هذه الآية بالذات من لم يعمل بحكم أنزله الله فهو في حال من حالتين : إما أنه لم يعمل بهذا الحكم كفراً به فهذا من أهل النار خالداً فيها أبداً ، وإما اتباعاً لهواه لا عقيدةً وإنما عملاً كهؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالإسلام فلا كلام فيهم هذا بالنسبة للكفر الاعتقادي ، وكهؤلاء المسلمين الذين فيهم المرابي وفيهم الزاني وفيهم السارق و..و..الخ هؤلاء لا يطلق عليهم الكفر بمعنى الردة إذا كانوا يؤمنون بشرعية تحريم هذه المسائل ، حينئذ علماء التفسير في هذه الآية صرحوا بخلاف ما تأولوا فقالوا الحكم الذي أنزله الله إن لم يعمل به اعتقاداً فهو كافر وإن لم يعمل به إيماناً بالحكم لكنه تساهل في تطبيقه هذا كفر عملي إذن هم خالفوا ليس السلف الأوليين بل وأتباعهم من المفسرين والفقهاء والمحدثين إذن هم خالفوا الفرقة الناجية " انتهى المقصود من كلام الشيخ الألباني بنصه وقد حكم فيه كما ترى على مخالفيه في هذه المسألة بأنهم خالفوا الفرقة الناجية أي خالفوا أهل السنة والجماعة.

    وأقول إن الحق الذي نعتقده وندين به أن ما جاء عن ابن عباس في هذه القضية لا يمكن أن يقصد به حال حكام هذه الأيام الذين يُنحون شريعة الله عن أن تحكم عباد الله ويستبدلون بها قوانين وضعية يلزمون الناس بالإذعان لها والتحاكم إليها ، إنما يقصد بمقولة ( كفر دون كفر) أن تحمل القاضي أو الأمير شهوته وهواه على أن يقضي بين الناس في واقعة أو وقائع بغير حكم الله وهو في قرارة نفسه مقر بأنه عاصٍ مقصر ، ونحن حين نقول ذلك فإننا لم نأت ببدع من القول بل إننا على يقين من أنه القول الذي دلت عليه نصوص الشرع الحنيف وأقوال أهل العلم من سلف هذه الأمة ومن بعدهم ، غير أننا قبل أن نشرع في الإجابة على السؤال الذي قال الشيخ إننا لن نحير جواباً عليه وهو قوله: ( ما دليلكم على هذا التأويل ؟ ) أقول قبل الإجابة على هذا السؤال فإننا نرى أن نمهد لذلك بمقدمات ثلاث :




    المقدمة الأولى

    تحرير ما جاء عن ابن عباس في ذلك

    لقد اعتمد الشيخ في كلامه على ما جاء عن ابن عباس tفي تفسير قوله تعالى{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة : 44 . من قوله رضي الله عنهما " كفر دون كفر " أو "ليس الكفر الذي تذهبون إليه " .

    وأقول : قد وردت آثار عن ابن عباس في هذه الآية وفي بعضها إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله وفي بعضها الآخر ما يفيد التفصيل المشهور في تفسير الآية الكريمة .

    أ- فقد أخرج وكيع في أخبار القضاة (1/41): حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال :" سئل ابن عباس عن قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال: كفى به كفره".

    وهذا الأثر صحيح الإسناد إلى ابن عباس رضي الله عنهما ؛ رجاله رجال الصحيح ما خلا شيخ وكيع: الحسن بن أبي الربيع الجرجاني وهو ابن الجعد العبدي. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق ، وذكره ابن حبان في الثقات [انظر تهذيب التهذيب 1/515] ، وقال الحافظ في التقريب (1/505) : "صدوق " .

    وبنفس إسناد وكيع أخرجه ابن جرير (12055) لكن بلفظ: " هي به كفر ، قال ابن طاووس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه " ، فهذه الرواية صريحة في أن ابن عباس رضي الله عنهما قد أطلق الكفر في حق من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل وأن زيادة " وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله " ليست من قول ابن عباس إنما هي من قول ابن طاووس.

    ب- نعم قد جاءت الزيادة معزوة لابن عباس في رواية أخرى وهي التي أخرجها ابن جرير (12053) حدثنا هناد قال حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال:" هي به كفر وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله " .

    وهذا إسناده صحيح أيضاً رجاله رجال الكتب الستة ما خلا هناد و ابن وكيع ، فأما هناد فهو السري الحافظ القدوة روى عنه الجماعة سوى البخاري.[ تذكرة الحفاظ 2/507] ، وأما ابن وكيع فهو سفيان بن وكيع بن الجراح قال الحافظ في التقريب(1/312): "كان صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه " أ.هـ غير أن ذلك لا يضر فقد تابعه هناد كما ترى.

    والحاصل أن هذه الزيادة جاءت معزوة لطاووس في رواية عبدالرزاق بينما جاءت معزوة إلى ابن عباس في رواية سفيان الثوري مما قد يحمل على القول بأنها ليست من كلام ابن عباس وإنما جاءت مدرجة في رواية سفيان ، وهذا محتمل خصوصاً وأن وكيعاً قد أخرج الأثر في أخبار القضاة بدون هذه الزيادة كما سبق ، لكن لا يمكن الجزم بذلك فمن الممكن أن تكون الزيادة ثابتة من قول ابن عباس وابن طاووس كليهما وهو الأظهر والله أعلم .

    جـ - وقد أخرج الحاكم (2/313) من طريق هشام بن حجير عن طاووس قال : قال ابن عباسt - :" إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن الملة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون كفر دون كفر " .

    قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد.

    وأخرجه أيضاً ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير(2/62) من طريق هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال: " ليس بالكفر الذي يذهبون إليه " .

    وهشام بن حجير متكلم فيه فقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما [ انظر تهذيب التهذيب 6/25] وأورده ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال(7/2569) وكذلك أورده العقيلي في الضعفاء الكبير (4/238) ولم يوثقه إلا المتساهلون كالعجلي وابن سعد ، وأخرج له البخاري ومسلم متابعة لا استقلالاً ، فأما البخاري فلم يخرج له إلا حديثه عن طاوس عن أبي هريرة (6720) في قصة سليمان u وقوله( لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ..) الحديث وقد أخرجه برقم (5224) بمتابعة ابن طاوس له عن أبيه عن أبي هريرة ، وأما مسلم فقد روى له حديثين أحدهما حديث أبي هريرة السابق برقم( 1654) وذلك أيضاً بمتابعة ابن طاوس عن ابيه في نفس الموضع ، والحديث الثاني هو حديث ابن عباس قال : " قال لي معاوية : أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص ..." الحديث فقد أخرجه برقم(1246) من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس وقد تابعه في نفس الموضع الحسن بن مسلم عن طاوس ، وقال أبوحاتم: يكتب حديثه ( تهذيب التهذيب6/25) أي وينظر هل توبع فيقبل حديثه أم لا فيرد ؟ قلت : وهذا الحديث مما لا نعلم له فيه متابعاً ، ففي النفس من صحته شيء وإن صححه الحاكم فإنه معروف بتساهله رحمه الله .

    د - وأخرج ابن جرير (12063) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: " من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق " .

    وهذا منقطع فإن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس كما أنه متكلم فيه [ انظر تهذيب التهذيب 4/213-214] وفيه أيضاً عبدالله بن صالح كاتب الليث وقد اختلف فيه والأكثرون على تضعيفه.

    قلت : فتحصل من ذلك أن مما ينسب إلى ابن عباس t في تفسير الآية ما لا يصح سنده ومنه ما يصح ، وما صح عنه ففي بعضه إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله بغير تفصيل وفي بعضه زيادة " وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله " وإن كانت قد ثبتت أيضاً من قول ابن طاووس كما أسلفنا .

    وإذن فالوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يخلو من كلام وأخذ ورد وعليه فإنه لو افترضنا أن مسلماً قد وقف عند ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله لكان له عذره في ذلك ، نقول هذا مع ميلنا كما أسلفنا إلى ثبوت الزيادة المذكورة آنفاً عنه t .





    المقدمة الثانية

    أثر ابن عباس ليس القول الوحيد في المسألة

    وذلك أن الشيخ الألباني قد اعتبر ما ورد عن ابن عباس t هو قول السلف والمفسرين بل الفرقة الناجية كلها في المسألة ، ولكن الواقع غير ذلك فقد ثبت اختلاف السلف رضوان الله عليهم في ذلك فمنهم من حمل الكفر الوارد في الآية على الكفر الأكبر دون تفصيل .

    - فقد أخرج ابن جرير في تفسيره (12061): حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال أخبرنا عبدالملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق " أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال : من السحت. قال فقالا: أفي الحكم ؟ قال : ذاك الكفر. ثم تلا هذه الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}".

    وهذا الأثر صحيح الإسناد إلى ابن مسعود t: رجاله ثقات رجال الكتب الستة .[ انظر تهذيب التهذيب 6/240، 6/41-43، 3/497 -498، 2/380] .

    - وأخرج أبويعلى في مسنده (5266) عن مسروق قال: " كنت جالساً عند عبدالله ( يعني ابن مسعود ) فقال له رجل : ما السحت ؟ قال : الرشا. فقال : في الحكم ؟ قال: ذاك الكفر ثم قرأ {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} " ، وأخرجه البيهقي (10/139) ووكيع في أخبار القضاة(1/52) ، وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (2/250) ونسبه لمسدد ، ونقل الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على المطالب العالية قول البوصيري : " رواه مسدد وأبويعلى والطبراني موقوفاً بإسناد صحيح والحاكم وعنه البيهقي ..." .

    والأثر أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/199) وقال: " رواه أبويعلى وشيخ أبي يعلى محمد بن عثمان لم أعرفه" أ.هـ قال الشيخ الأعظمي في تعليقه على المطالب العالية (2/250) جواباً على ما قاله الهيثمي: " إن لم يعرف محمد بن عثمان فلا ضير لأن فطراً شيخه تابعه شعبة عند الحاكم والبيهقي وتابع محمد بن عثمان مكي بن إبراهيم عند البيهقي... " .

    قلت هذا بافتراض صحة ما جاء في مسند أبي يعلى من قول أبي يعلى :" حدثنا محمد بن عثمان عن عمر " وإلا فقد ذكر الشيخ الأعظمي في نفس الموضع أن الذي في المسندة " ثنا محمد ثنا عثمان بن عمر " . وقد جزم محقق مسند أبي يعلى بأن الصواب " محمد عن عثمان بن عمر " وأن ما جاء في المسند تحريف ثم قال : " وعثمان بن عمر هو العبدي " [ انظر مسند أبي يعلى الموصلي تحقيق حسين سليم أسد 9/173-174] . قلت :عثمان بن عمر العبدي ثقة من رجال الستة [ تهذيب التهذيب 4/92-93] .

    وأخرج الطبراني في الكبير (9/226) (9100) عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : " الرشوة في الحكم الكفر وهي بين الناس سحت " قال الهيثمي في المجمع (4/199) :"ورجاله رجال الصحيح " أ. هـ .

    وأخرجه وكيع في أخبار القضاة (1/52) بلفظ " الهدية على الحكم الكفر وهي فيما بينكم السحت".

    قلت: فهذه الآثار عن ابن مسعود t فيها التفرقة بين الرشوة التي تكون بين الناس عامة والرشوة التي تكون للحكام أو القضاة خاصة ؛ فالأولى سحت والثانية كفر ، ولاشك أنه يقصد بالكفر هنا الكفر الأكبر وذلك لأمرين :

    الأول : أنه أطلقه من غير تقييد والكفر إذا أطلق انصرف إلى الأكبر كما هو معلوم. والثاني: أنه جعله في مقابلة السحت وهو كفر أصغر فيكون ما جعل في مقابله كفراً أكبر ، قال الجصاص في أحكام القرآن (2/433): " وقد تأول ابن مسعود ومسروق السحت على الهدية في الشفاعة إلى السلطان وقال: إن أخذ الرشا على الأحكام كفر " .

    ويؤكد ما ذكرناه من إثبات الخلاف في ذلك ما ذكره الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (1/336-337) حيث قال : " ... قال ابن عباس : ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وكذلك قال طاووس... ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له وهو قول عكرمة وهو تأويل مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم أو لم يحكم ، ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله... ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النصوص تعمداً من غير جهل به ولا خطأ في التأويل حكاه البغوي عن العلماء عموماً، ومنهم من تأولها على أهل الكتاب ... ومنهم من جعله كفراً ينقل عن الملة" . أ.هـ

    وهذا الذي نقله ابن القيم رحمه الله صريح في أن قول ابن عباس الذي جعله الشيخ عمدةً فيما ذهب إليه ليس القول الوحيد في المسألة ، بل من السلف من جعل الكفر في الآية كفراً أكبر ينقل عن الملة ومنهم من قال بغير ذلك.

    وعلى ذلك فلو قال قائل إن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر كفراً أكبر يخرج من الملة لكان له سلف فيما ذهب إليه والله أعلم .

    نقول هذا مع اعتقادنا أن الصواب في المسألة أن الكفر هنا يشمل الكفرين الأكبر والأصغر بحسب حال الحاكم فإنه إن حكم بغير ما أنزل الله وهو مقر بوجوب تحكيم شرع الله معترف بأنه عاصٍ مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر ، وإن حكم بغير ما أنزل الله مستهيناً بشرع الله أو معتقداً أن شرع غيره أفضل منه أو مثله أو أنه مخير في ذلك فكل ذلك ونحوه كفر أكبر وهذا هو الذي قرره ابن القيم كما سيأتي بمشيئة الله وهو معنى كلام ابن عباس t ، لكنا مازلنا نقول : إن هذا في حاكم قضى في واقعة أو وقائع بغير شرع الله مع كون الشريعة الحاكمة له هي شريعة الإسلام أما الذين يشرعون من دون الله ويحاكمون الناس إلى قوانين ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان ففعلهم هذا كفر أكبر مخرج من الملة غير داخل في هذا التقسيم وهذا الذي سنتكلم عنه بعد قليل بمشيئة الله تعالى بشيء من التفصيل .




    المقدمة الثالثة:

    ليس ما قلناه تأويلاً

    إننا نقول : إننا حين فرقنا بين من حكم في واقعة أو وقائع بغير شرع الله ، وبين من شرع من دون الله وحملنا كلام ابن عباس t على حالة القضاء وليس على حالة التشريع فإن هذا الذي عمدنا إليه ليس تأويلاً كما ذكر الشيخ - غفر الله لنا وله - بل هو حمل للفظ على أصل معناه في اللغة ؛ ذلك أن معنى الحكم في اللغة هو القضاء كما في القاموس المحيط (4/98).

    وهو في الاصطلاح القرآني قد يأتي أيضاً بمعنى القضاء كما في قوله تعالى :{و أن احكم بينهم بما أنزل الله } المائدة:49، وقوله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} البقرة : 188 .

    وقد يأتي الحكم في القرآن بمعنى القدر وهو الذي يسميه العلماء الحكم الكوني القدري كما في قوله تعالى: { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} يوسف : 108 .

    وقد يأتي بمعنى التشريع وهو الذي يسميه العلماء الحكم الشرعي، كما في قوله تعالى : { إن الله يحكم ما يريد } المائدة :1 .

    [ ينظر في بيان الحكم الكوني والحكم الشرعي شفاء العليل لابن القيم: ص270-283 وشرح الطحاوية 2/658 ] .

    وكلام ابن عباس t وارد في قوله تعالى : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة 44 . فحين نقول إن ابن عباس رضي الله عنهما يعني هنا الحكم الذي بمعنى القضاء لا الذي بمعنى التشريع فإننا لا نكون قد تأولنا ؛ لأن التأويل المقصود هنا هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر ، فهل صرفنا نحن لفظ الحكم عن معناه الظاهر أم رددناه إلى أصل معناه وهو القضاء؟!

    بل إني وجدت لابن عباس نفسه ما يفيد إطلاقة الحكم بمعنى القضاء وذلك فيما أخرجه الطبراني في الكبير (10/226)(10621) عن ابن بريدة الأسلمي قال : "شتم رجل ابن عباس ، فقال ابن عباس: إنك لتشتمني وفيَّ ثلاث خصال ، إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح ومالي به من سائمة".

    قال الهيثمي في المجمع (9/284) : " ورجاله رجال الصحيح " .

    قلت والشاهد من ذلك قوله (... بالحاكم من حكام المسلمين يعدل...) مع قوله ( ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً ) فذلك يدل على إطلاقة الحكم بمعنى القضاء .

    وعلى كل حال فإن اللفظ إذا كان يقع على عدة معانٍ فاختيار أحدها لا يعدُّ تأويلاً مجال والله أعلم.




    الأدلة على صحة ما قلناه

    ونشرع الآن بتوفيق الله في الإجابة عن السؤال الذي طرحه الشيخ الألباني وحكم بأننا لن نحير جواباً بشأنه ، وهو قوله : ما دليلكم على هذا التأويل ؟ فنقول إننا رغم اعتراضنا على صيغة السؤال- حيث أثبتنا من قبل أن ما قلناه ليس تأويلاً- إلا أننا سنجيب عنه قائلين :

    إن الذي حملنا على التفرقة بين حاكم شرع لعباد الله شرعاً غير شرع الله وألزمهم بالتحاكم إليه وبين حاكمٍ قضى بين الناس في واقعة أو وقائع بغير حكم الله ، حيث اعتبرنا الأول قد أتى كفراً أكبر مخرجاً من الملَّة بينما قلنا عن الثاني إن كفره دائر بين الكفر الأصغر والكفر الأكبر وحملنا أثر ابن عباس على الثاني ، نقول إن الذي حملنا على ذلك أمور كثيرة منها :

    أولاً: الأدلة على أن التشريع من دون الله كفر أكبر

    إن النصوص الشرعية قد دلّت على أن من شرع للناس قانوناً غير شرع الله وألزمهم بالتحاكم إليه فقد كفر كفراً أكبر يخرجه من الملَّة :

    1- فمن ذلك قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } النساء : 59 . فقد أمرت الآية الكريمة المسلمين أن يردوا أمرهم عند التنازع إلى الله ورسوله وبينت أنهم لا يكونون مؤمنين بالله واليوم الآخر إن لم يفعلوا ذلك ؛ ذلك أن الآية قد جعلت الرد إلى الله ورسوله - كما يقول الإمام ابن القيم - " من موجبات الإيمان ولوازمه ، فإذا انتفى هذا الرَّد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيّما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ... " . [ إعلام الموقعين : 1/84]

    وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية : " أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فدل ذلك على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنّة ولا يرجع إليهما فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر " . [ تفسير ابن كثير : 1/519 ]

    وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين: "وتأمل ما في الآية.. كيف ذكر النكرة وهي قوله (شيء) في سياق الشرط وهو قوله جلَّ شأنه { فإن تنازعتم } المفيد للعموم .. ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطاً في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر بقوله: { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} " . [ رسالة تحكيم القوانين ص: 6-7]

    أقول : وماذا يفعل أصحاب القوانين الوضعية غير أنهم يردُّون نزاعاتهم وخلافاتهم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله؟!

    2- ومن ذلك قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلَّهم ضلالاً بعيداً } النساء:60 .

    ففي هذه الآية تكذيب لمن يزعم الإيمان وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم إلى غير شرع الله U ، قال ابن القيم في أعلام الموقِّعين (1/85) : " ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه ، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه علىغير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لايعلمون أنه طاعة لله " .

    وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية (1/520) : " هذا إنكار من الله U على من يدَّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجلٍ من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول : بيني وبينك محمد ، وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف ، وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهر الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية وقيل غير ذلك والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما وهو المراد بالطاغوت هنا".

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    وقال الشيخ سليمان بن عبدالله النجدي في تيسير العزيز الحميد(ص554) : " فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول r في موارد النزاع فقد كذب في شهادته".

    3- ومن ذلك قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً ممّا قضيت ويسلِّموا تسليماً} النساء :65 .

    فإن الله قد نفى في هذه الآية الإيمان كما يقول الشيخ محمد بن إبراهيم " عن من لم يُحكِّموا النبي r فيما شجر بينهم مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم " . [ رسالة تحكيم القوانين ص: 5 ]

    ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره (1/521) : "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول r في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الإنقياد إليه ظاهراً و باطناً " .

    وقال الإمام ابن القيم : " أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلِّموا تسليماً وينقادوا انقياداً ". [ إعلام الموقعين 1/86]

    4- وقوله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } المائدة : 50 ، فالله عز وجل يذكر حكم الجاهلية أي شرعتها ومنهجها في مقابل حكم الله أي شرعته ومنهجه ، وإذا كانت شرعة الله هي ما جاء في كتابه وسنة نبيه r فماذا تكون شرعة الجاهلية إلا نظمها وقوانينها المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه r ؟ .

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم : " فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلَّت على أن قسمة الحكم ثنائية وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية شاءوا أم أبوا بل هم أسوأ منهم حالاً وأكذب منهم مقالاً ، ذلك أن أهل الجاهلية لا تناقض لديهم حول هذا الصدد وأما القانونيين فمتناقضون حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول r ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا وقد قال تعالى في أمثال هؤلاء { أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } ... " . [ رسالة تحكيم القوانين ص: 11-12 ]

    ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية من تفسيره (2/68): " ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من االيهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متَّبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله r فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في كثير ولا قليل ". أ.هـ

    وإنني أدعو الشيخ الألباني - وهو الذي يتهمنا بمخالفة السلف الأوليين وأتباعهم من المفسرين والفقهاء والمحدثين - أدعوه إلى أن يتأمل هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير عن حكم التتار ووصفه لياسقهم الذي كانو إليه يحتكمون ثم يقول لنا : أيُّ فرق يجده بين ما كان عليه هؤلاء القوم الذين كفَّرهم ابن كثير وأوجب قتالهم وبين ما عليه حكامنا الآن ؟ أو ليس حكامنا اليوم قد اقتبسوا من شرائع الغرب الكافر قوانين ما أنزل الله بها من سلطان وألزموا الناس بالتحاكم إليها والخضوع لها ولايستثنى من ذلك إلا ما يسمى بقانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية وهو مع ذلك لم يسلم من عبثهم فأدخلوا فيه أيضاً أشياء تخالف كتاب الله وسنة رسوله ؟

    أما نحن فإننا لا نجد فارقاً بين هؤلاء وأولئك ، بل إن الأمر في عصرنا أسوا مما كان عليه الحال في عصر التتار كما سيأتي بعد قليل من خلال نقلنا لتعليق العلامة الشيخ أحمد شاكر على كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله .

    غير أني أحب قبل أن أنتقل من هذه النقطة إلى غيرها أن أنبه إلى أن التتار حين كانوا يحتكمون إلى هذا الياسق كانوا قد دخلوا في الإسلام وانتسبوا إليه ، لكنهم لما حكَّموا كتابهم هذا وقدموه على كتاب الله وسنة رسوله كفرهم العلماء وأوجبوا قتالهم ، فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/360) في حوادث سنة 694: "وفيها ملك التتار قازان بن أرغون بن أبغابن تولى بن جنكيز خان فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ونثر الذهب والفصة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه وتسمى بمحمود ..".

    وقال في البداية والنهاية أيضاً : " وقد تكلم في كيفية قتال هؤلاء التتار من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الإسلام ، وليسوا بغاة على الإمام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه ، فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما ، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم ، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة ، فتفطن العلماء والناس لذلك وكان يقول للناس : إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني " . [ البداية والنهاية 14/25 ، وانظر أيضاً مجموع الفتاوى 28/501-502 ، 28/509 وما بعدها ] .

    والمقصود من إيراد هذا التنبيه بيان أنه لا يصح أن يحتج محتج بأن حكام زماننا يظهرون الإسلام وينطقون بالشهادتين فلا يجوز تكفيرهم ، فنقول قد كان التتار أيضاً كذلك فلم يمنع ذلك من تكفيرهم وقتالهم لما كانوا يتحاكمون إلى ذلك الياسق الذي هو أشبه شيء بهذه القوانين الوضعية التي غلبت على ديار المسلمين ، ولذلك سماها الشيخ أحمد شاكر بالياسق العصري كما في عمدة التفسير (4/173-174) .

    5- وأعود الآن إلى سرد بعض أدلة كفر التشريع فأقول : ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " الشورى : 21 .

    فمن شرع للناس نظاماً لم يأذن به الله فقد جعل من نفسه شريكاً لله عز وجل ، يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية من تفسيره (4/112) : " أي هم لا يتبعون ما شرع الله من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة " .

    6- ومن ذلك قوله تعالى عن اليهود والنصارى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً سبحانه وتعالى عما يشركون } التوبة :31 . فمن المعلوم أن عبادة اليهود والنصارى للأحبار والرهبان إنما كانت في طاعتهم لهم في تحريمهم الحلال وتحليلهم الحرام ، وقد ورد في ذلك حديث عدي بن حاتم عند الترمذي (3095) وابن جرير(16631،16632، 16633) والبيهقي (10/116) والطبراني في الكبير (17/92) وغيرهم وفيه " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " ، قال الترمذي : "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث " أ.هـ، والحديث حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/67) وضعفه بعضهم وعلى كل حال فمعناه صحيح لا نعلم فيه خلافاً ، قال في فتح المجيد (ص79 ) حول هذه الآية "فظهر بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ماأحله الله وأطاعه في معصية الله واتبعه في ما لم يأذن به الله فقد اتخذه رباً ومعبوداً وجعله لله شريكاً ... " .

    7- ومن ذلك قوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ... } الأنعام :121 ، فقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا للمسلمين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله وتأكلون ما ذبحتم أنتم ولا تأكلون ما قتل الله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .

    [ راجع تفسير ابن كثير 2/172 ]

    وهذه الآية تبين بعمومها أن اتباع غير شرع الله شرك بالله U ، قال ابن كثير في تفسيره (2/172) : " أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك كقوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ... } الآية ..." . أ.هـ

    ولا شك أن اتباع هذه القوانين الوضعية المنافية لشرع الله عدول عن شرع الله وطاعة لواضعيها من شياطين الإنس والجن ، وقد قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان (4/91) عند حديثه عن قوله تعالى : { ولا يشرك في حكمه أحداً } : " ويفهم من هذه الآيات كقوله {ولا يشرك في حكمه أحداً } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرع الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أُخر كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لماشرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } ..." أ.هـ

    8- وقد وقع الإجماع على أن التشريع من دون الله والتحاكم إلى غير شرعه كفر أكبر مخرج من الملة :

    فقد قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (13/128) بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين".

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد r فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كما قال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } .." [ مجموع الفتاوى 28/524] .

    وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (3/267) : " والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء". أ.هـ

    وأقول : كم حلل حكامنا من الحرام المجمع عليه وكم حرموا من الحلال المجمع عليه وكم بدلوا من الشرع المجمع عليه ، يعرف ذلك كل مطلع على أحوالهم عارف بأمورهم كما يأتي بيانه بمشيئة الرحمن .

    وقال الشنقيطي في أضواء البيان (3/400) في تفسير قوله تعالى { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } : " ... فهو قسم من الله جل وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك وهذا الشرك مخرج من الملة بإجماع المسلمين " .

    وقال عبد القادر عودة : " ولا خلاف بينهم ( أي الأئمة المجتهدين ) قولاً واعتقاداً في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وتعطيل أحكام الإسلام وشرع ما لم يأذن به الله إنما هو كفر وردة وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين .. " . [ الإسلام وأوضاعنا القانونية ص:60 ]

    وبعد .. فهذه النصوص القرآنية الواضحة ومعها الإجماع المذكور تبين بأجلى عبارة أن التشريع من دون الله والتحاكم إلى غير شرعه كفر أكبر مخرج من الملة ، ومتى كان الأمر كذلك لم يكن التفصيل المنقول عن ابن عباس وارداً في هذه المسألة ، وإنما هو وارد في موضوع القضاء ، وأن الكفر الأصغر إنما يكون في انحراف بعض الحكام والقضاة واتباعهم للهوى في ما يقضون به بين الناس مع كونهم عارفين بتقصيرهم لا يفضلون غير شرع الله عليه ولا شريعة لهم يحتكمون إليها إلا شريعة الإسلام .

  5. #5
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    ثانياً : الأدلة على أن القوانين الوضعية كفر بواح

    لقد كان ما سبق بياناً لحكم التشريع من دون الله بصفة عامة ، ونريد الآن أن نتحدث بصفة خاصة عن القوانين الوضعية التي ألزم حكامنا الناس بالتحاكم إليها لنبين - لمن لا يعلم - أنها أحلت الحرام وحرمت الحلال وبدلت الشرع مما يعني أنها كفر وردة باتفاق الفقهاء كما سبق نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وسأكتفي هنا بذكر أمثلة قليلة توضح ماأقول :

    أ - فأما تحليل الحرام فإن قانون العقوبات المصري يخلو من نص يحرم الزنا إذا وقع من غير متزوج أو غير متزوجة ، ومعنى ذلك أن الزنا في هذه الحالة مباح لأننا نعلم أن القاعدة عند أهل القانون أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وأيضاً فإن الزنا إذا وقع من الزوج في غير منزل الزوجية فإنه مباح في قانون العقوبات المصري لأنه ينص في مادته السابعة والسبعين بعد المئتين على أن " كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لاتزيد عن ستة أشهر " ، كما أن الزنا إذا وقع من الزوجة برضا زوجها فإنه لا يعد جريمة يعاقَب عليها لأن المادة الثالثة والسبعين بعد المئتين من قانون العقوبات تنص على أنه " لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها ... " .

    كما أن الدستور المصري وقانون العقوبات يخلوان تماماً من الإشارة إلى حد الردة ومعنى ذلك أن ارتداد المسلم عن دينه مباح عند هؤلاء القوم لما أسلفنا من أن القاعدة عندهم أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وقس على ذلك الكثير مما حرمه الله ورسوله وسكت عنه الدستور والقانون فصار مباحاً عندهم ، بل إن هناك من القوانين ما ينص صراحة على إباحة ما حرمه الله ومثال ذلك المادة (226) من القانون المدني المصري التي تبيح بل تلزم بدفع الفوائد (أي الربا ) علي التأخير في سداد الديون وذلك حيث نصت على أنه " إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية ، 5% في المسائل التجارية ، وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها وهذا ما لم ينص القانون على غيره " .

    كما تنص المادة (228) مدني على أنه " لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرراً لحق به من هذا التأخير " .

    ب- وأما تحريم ماأحله الله فمثاله المادة (201) من قانون العقوبات المصري والتي تنص على أن " كل شخص ولو كان من رجال الدين أثناء تأدية وظيفته ألقى في أحد أماكن العبادة أو في حفل ديني مقالة تضمنت قدحاً أو ذماً في الحكومة أو في قانون أو في مرسوم أو قرار جمهوري أو في عمل من أعمال جهات الإدارة العمومية أو أذاع أو نشر بصفة نصائح أو تعليمات دينية رسالة مشتملة على شيء من ذلك يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .." .

    فهذه المادة تجعل النصيحة الدينية التي هي واجب شرعي غير جائزة وتعاقب من أقدم عليها ، وهذا تحريم صريح لما أحله -بل لما أوجبه- الله تعالى .

    ج- وأما تبديل شرع الله فأمثلته كثيرة منها :

    نص المادة (274) من قانون العقوبات التي تنص على أن "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين ، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرته لها كما كانت" . وأما الزوج الزاني فقدسبق أن المادة (277) تنص على أنه إذا زنى في منزل الزوجية فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر ، وفي هذا كله تبديل لحد الرجم ، كما أن إعطاء الزوج حق إيقاف العقوبة في حالة زنى الزوجة تبديل لشرع الله أيضاً ، وغير ذلك كثير.

    د- ويكفي أن نعلم هنا أن حق التشريع قد أعطي لغير الله U فقد نصت المادة (86) من الدستور المصري على أنه " يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع .. " ، والتشريع كما أسلفنا حق خالص لله U لايجوز أن ينازعه فيه أحد ، والمادة المشار إليها لم تقيد سلطة المجلس في التشريع بأي قيد فلم تقل مثلاً " فيما لايخالف الشريعة " ، ومعنى ذلك أنهم يشرعون ما يشاؤن أو ما يشاء حاكم البلاد .

    ومن أجل ذلك قلنا إن هذه القوانين الوضعية مناقضة لشرع الله بل إنها محادة له أكبر المحادة ، وإن من سنها فقد كفر ومن رضي بها وحمل الناس على التحاكم إليها فقد كفر .

    وقد تفطن إلى هذا الذي قلناه كثير من علماء العصر فبينوا خطورة هذه القوانين الوضعية وبينوا أنها كفر صريح مخرج من الملة ، وإني أسوق هنا طائفة من أقوالهم في ذلك لعلها تقنع الشيخ الألباني بأن ما نقوله ليس قول الخوارج وليس مخالفاً لقول الفرقة الناجية التي نسأل الله أن يثبتنا على معتقدها حتى نلقاه إنه جواد بركريم :

    1- فمن هؤلاء العلماء : العالم الجليل الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال في رسالة تحكيم القوانين : " إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد r ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله U{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } ... " . [ رسالة تحكيم القوانين ص: 5]

    ويقول أيضاً في نفس الرسالة : " فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم ، فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة " . [المصدر السابق ص20-21]

    2- ويقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على ما سبق نقله من كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار : " أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت ، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر ... إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امريء حسيب نفسه ... " [ عمدة التفسير 4/ 173-174 ] .

    3- وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (4/92) عند الحديث عن قوله تعالى { ولا يشرك في حكمه أحداً } الكهف :26 ، قال بعد أن ذكر طائفة من الآيات الدالة على أن التشريع من دون الله كفر : " وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهرغاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم " .

    4- ويقول الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي في حاشيته على زاد المستقنع المسماة بالسلسبيل في معرفة الدليل : " .. فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد ، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدةً وعبادةً وأحكاماً وأخلاقاً وسلوكاً ونظاماً ، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله ، هو حكم بأحكام طاغوتية ... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهوملحد زنديق كافر بالله العظيم ". [ السلسبيل 2/384].

    5- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في رسالة ( نقد القومية العربية ) : " الوجه الرابع من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولابد إلى رفض حكم القرآن لأن القوميين من غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف ، وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة ... ". [ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 1/309]

    6-وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله : " من أصدر تشريعاً عاماً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملة كافراً " أ.هـ

    [ انظر عن كتاب أهمية الجهاد في نشر الدعوة لعلي بن نافع العلياني ص 196] .

    7- وقال الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقه على كتاب فتح المجيد (ص 275-276) : " الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله ... ويدخل في ذلك ولا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها ، والقوانين والدساتير الوضعية نفسها طواغيت وواضعوها طواغيت ومروجوها طواغيت .. ".

    وقال في نفس المصدر (ص 387) تعليقاً على كلام ابن كثير في ياسق التتار : " ومثل هذا وشر منه من اتخذ كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله r فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها ... " .

    8- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : " من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاًبه أو احتقاراً له أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، ومن هؤلاء من يصنعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية ، لتكون منهاجاً يسير عليه الناس ، فإنهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " . [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2/143] .

    وقال تعليقاً على شريط للشيخ الألباني قرر فيه أنه لا يحكم بكفر الحاكم الذي لايحكم بما أنزل الله إلا إذا اعتقد حل ذلك قال : " ... ولكننا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر لأننا نقول من اعتقد حل ذلك -حتى لو حكم بحكم الله ،وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى - فهو كافر كفر عقيدة . لكن كلامنا على العمل ، وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع هذا هو الظاهر ، وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟ قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي " . [ من كتاب فتنة التكفير للعلامة الألباني مع تعليقات للشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين هامش ص28].

    9- وقال الشيخ صالح الفوزان في كتابه الإرشاد إلىصحيح الاعتقاد (1/72) : " فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله } وقال : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ... " .

    وقال في نفس الكتاب (1/74) بعد نقله لكلام ابن كثير حول الياسق : " ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلاً عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية ... " .

    10- ولو ذهبنا نستقصي كلام العلماء في هذه القوانين الوضعية وكفر من تحاكم إليها لوجدنا الكثير وفيما ذكرناه كفاية ، غير أني أحب في ختام هذه النقول أن أحتج على الشيخ الألباني بما قاله هو نفسه وذلك حسبما ورد في كتاب (فتاوى الشيخ الألباني ومقارنتها بفتاوى العلماء) حيث جاء فيه في ص (263) نقلاًعن شريط يحمل الرقم الواحد والسبعين بعد المائة على لسان الشيخ متحدثاً عن حوار جرى بينه وبين أحد القساوسة : " ... بينت له أن المسلمين ما كفروا أتاتورك لأنه مسلم ، لا ، لأنه هو تبرأ من الإسلام حينما فرض على المسلمين نظاماً غير نظام الإسلام ، من جملتها مثلاً أنه سوى في الإرث بين الذكر والأنثى ، والله يقول عندنا { للذكر مثل حظ الأنثيين } ثم فرض على الشعب التركي المسلم القبعة ...". أ.هـ

    فنحن نلاحظ هنا أن الشيخ قد دافع عن تكفير أتاتورك وعلل ذلك بأنه فرض على المسلمين نظاماً غير نظام الإسلام ، وأقول فما الفارق إذن بين أتاتورك وغيره من الحكام الذين فرضوا أيضاً على الشعوب المسلمة نظاماً غير نظام الإسلام فيه إسقاط حد الردة وحد شرب الخمر وحد الزنا وحد السرقة وغير ذلك ، وفيه أيضاً ما هو أشد من فرض القبعة على المسلمين ألا وهو فرض حلق اللحية على الضباط والجنود في الجيش والشرطة بحيث يحاكم أحدهم إذا أعفى لحيته ، كما أن بعض الأنظمة العربية تحظر على النساء ارتداء الحجاب الشرعي ، وفي مصر أصدر وزير التعليم منذ فترة قراراً يمنع طالبات المدارس من تغطية رؤوسهن بالخمار الشرعي إلا أن تأتي الواحدة منهن بموافقة ولي أمرها أما ستر الوجه فقد منعه الوزير تماماً معللاً ذلك بأنه لباس غير أخلاقي ، إننا في الحقيقة لانجد فارقاً بين أتاتورك وغيره من هؤلاء الحكام الذين أشرنا إليهم وسنظل نقول ذلك حتى يأتينا الشيخ حفظه الله ببرهان على غير ذلك والله المستعان .

  6. #6
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    ثالثاً : أقوال العلماء المعاصرين

    في أن أثر ابن عباس لا ينطبق على حكام عصرنا

    لقد كان حديثنا في النقطتين السابقتين حول التشريع من دون الله وبيان أنه كفر أكبر ، ثم حول القوانين الوضعية وبيان أنها كفر صريح ، ونريد الآن أن نخوض في مسألة أكثر خصوصية وهي بيان أن قول ابن عباس لا ينطبق على حكام عصرنا وقوانينهم الوضعية الباطلة ونكتفي في هذه النقطة بنقل أقوال بعض أهل العلم المعاصرين ممن خبروا تلك القوانين وشاهدوا آثارها المدمرة ، ومقصودنا هنا أن نبين للشيخ حفظه الله أننالم نأت ببدع من القول حين ذكرنا أن قول ابن عباس غير وارد فيمن شرع للناس قانوناً ما أنزل الله به من سلطان فنقول وبالله التوفيق :

    1- قال الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر في عمدة التفسير (4/156-158) تعليقاً على أثر ابن عباس المشار إليه : " وهذه الآثار عن ابن عباس وغيره مما يلعب بها المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على الدين يجعلونها عذراً أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام . وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما كان يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمداً إلى الهوى أو جهلاً بالحكم ، والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر ، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون ذلك عذراً لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف ، وهذان الأثران رواهما الطبري (12025) ،(12026) وكتب عليهما أخي السيد محمود محمد شاكر تعليقاً نفيساً جداً قوياً صريحاً... " ثم ذكر الشيخ نص أولى الروايتين ثم قال :" فكتب أخي السيد محمود محمد شاكر بمناسبة هذين الأثرين ما نصه : " اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة ، وبعد فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام . فلما وقف على هذين الأثرين اتخذهما رأياً يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي عنها والعامل عليها ... ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلطان ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه ، ولذلك قال لهم في الخبرالأول (12025) : ( فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً ) وقال لهم في الخبر الثاني : ( إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب ) وإذن فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه r فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه .... فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها رغبة في نصرة سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين " .

    فهذا الكلام من الشيخ أحمد شاكر وإقراره لكلام أخيه واضح وضوح الشمس في التفرقة بين الحال التي قصدها ابن عباس وأبو مجلز والحال التي نحن فيها الآن ، وأن كلامهما وارد في أمراء الجور الذين يحكمون في قضية أو قضايا بغير ما أنزل الله مع كون الشريعة التي يحتكمون إليها هي شريعة الإسلام ، وليس وارداً في من سن للناس قانوناً مخالفاً لشرع الله وألزمهم بالتحاكم إليه .

    2- ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة وإما كفر عمل لاينقل عن الملة ، أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع .... الخامس وهوأعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً .... فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسولهr فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتي كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني وغيرها من القوانين ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغيرذلك ... فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ... " إلى أن قال رحمه الله : " وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وهوالذي لا يخرج من الملة فقد تقدم أن تفسير ابن عباس ... قد شمل ذلك القسم ... وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى " [ رسالة تحكيم القوانين ص:15-24] .

    وقد مر بنا من قبل حكم الشيخ بأن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين في الحكم بين العالمين ، فالشيخ رحمه الله يبين أن اتخاذ قانون مخالف لشرع الله والخضوع له كفرأكبر مخرج من الملة وأن الكفر الأصغر المفهوم من كلام ابن عباس إنما هو في حق من حملته شهوته على الحكم بغير ما أنزل الله في قضية أو قضايا مع اعترافه بالتقصير وعدم اتخاذه قانوناً مخالفاً لشرع الله.

    3- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين : " هل هناك فرق بين المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي وبين المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً ؟ فأجاب حفظه الله : " نعم هناك فرق ، فإن المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً لا يتأتى فيها التقسيم السابق ، وإنما هي من القسم الأول فقط ، لأن هذا المشرع تشريعاً يخالف الإسلام إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد كما سبقت الإشارة إليه " [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/144) ] ، وقول الشيخ : وإنما هي من القسم الأول فقط : أي من القسم الذي نفى الله عنه الإيمان فهو من الكفر الأكبر المخرج من الملة [ راجع المصدر نفسه 2/141].

    وإذن فهذا الذي يعتبره الشيخ تأويلاً هزيلاً ليس مجرد قول خال عن الدليل يلقيه بغير علم بعض الجهال ممن يسميهم الشيخ ومن معه بخوارج العصر ، وإنما هو قول المحققين من علماء أهل السنة والجماعة في عصرنا ممن خبرتلك القوانين وعرف مناقضتها لكتاب الله وسنة رسولهr.

    بل إنني أدعو الشيخ الألباني إلى أن يتأمل عبارة الإمام ابن القيم عند حديثه عن الاختلاف في تفسيرقوله تعالى {ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الكافرون } حيث قال رحمه الله في مدارج السالكين (1/337) :"والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه بأنه حكم الله فهذا كفر أكبر ، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطيء له حكم المخطئين".أ.هـ

    والمقصود هنا هو التأمل في قوله رحمه الله ( في هذه الواقعة) فهو يتحدث عن واقعة يقضي فيها الحاكم بغير ما أنزل الله ، أي أنه يعني بالتفصيل المذكور حالة القضاء أو إصدار أمر في واقعة بعينها ولا يقصد التشريع العام ، إذ إنه لو قصد التشريع لما كان لقوله (في هذه الواقعة ) معنى لأن المشرع لا يشرع لواقعة بعينها بل يشرع حكماً عاماً يلتزم به الناس في حياتهم ، وهذا يؤكد صحة ما قلناه من أن قول ابن عباس يتناول حالة القضاء لاحالة التشريع والله أعلم .




    رابعاً : بيان كفر الحكام الحاليين

    حتى لو طبقنا قول ابن عباس عليهم

    وذلك أنه قد تبين لنا مما نقلناه عن أهل العلم سابقاً أن كلام ابن عباس يدل على أن من قضى بين الناس في واقعة أو وقائع بغير شرع الله فهو دائر بين الكفرين الأصغر والأكبر وأنه إن كان الحامل له على ذلك شهوته وهواه مع اعترافه بأنه عاص مقصر وأن حكم الله هو الحق فهذا كفره كفر اصغر ، وأما إن كان فعل ذلك جاحداً لحكم الله أو معتقداً أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو مثله أو أنه مخير في الحكم بشرع الله أو مستهيناً بشرع الله فهذا كفره كفر أكبر مخرج من الملة .

    وقد بينا أن الحاكم الذي يشرع للناس من دون الله أو يحملهم على التحاكم إلى غير شرع الله غير داخل في هذا التفصيل ، ومع ذلك فإننا نقول : سنفترض أنه يمكن تطبيق قول ابن عباس على الحاكم الذي يشرع من دون الله فإن أي منصف لابد أن يصنف حكامنا هذه الأيام في عداد من وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة ، وذلك لأن قرائن أحوالهم لا تدل أبداً على أنهم ممن غلبت عليهم شهوة أو هوى فحكموا بغير ما أنزل الله مع اعتقادهم بوجوب الحكم بما أنزل الله واعترافهم بأنه عاصون مستحقون للوعيد :

    - فحين استهزأ حاكم مصر السابق بالحجاب الشرعي فوصفه بأنه خيمة فهل كان يمكن القول إنه معترف بتقصيره وانه قد حملته شهوته وهواه على ترك الحكم بشرع الله ؟ أم أن هذا الاستهزاء في حد ذاته دليل على رفضه لشرع الله وتفضيله أحكام البشرعليه ؟ .

    - وحين يمنع النظام المصري الحالي مجرد مناقشة تطبيق الشريعة في مجلس الشعب فهل لذلك من معنى إلا أنهم لا يرغبون حتى في التفكير في تطبيق شرع الله ؟

    -وحينما يرسل رئيس مصر الحالي إلى جعفر نميري ( رئيس السودان الأسبق) حينما أعلن تطبيق الشريعة في السودان محذراً إياه من ذلك ، وحين يتباهى رئيس النظام المصري بأنه نصح الرئيس التونسي بقمع الإسلاميين المطالبين بتحكيم الشريعة والشدة معهم مشيراً إلى أنه حين استجاب لنصحه لم يحدث له ما حدث للرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد الذي لم يعمل بتلك النصائح فحدث له ما هو معلوم ؛ أقول حين يحدث ذلك فهل يمكن القول إن حاكم مصر من النوع الذي حملته شهوته وهواه على ترك الحكم بما أنزل الله مع اعترافه بتقصيره وعصيانه ؟ ، وإذا كانت شهوته قد حملته على الحكم بغير شرع الله في بلده فما شأنه بغيره من الحكام ؟ ولماذا ينصحهم بعدم الحكم بشرع الله ؟ ولماذا ينصحهم بقمع الداعين إلى شرع الله؟ ولماذا يقدم لهم الخبرة والمعونة في التعامل مع هؤلاء الدعاة وكيفية القضاء عليهم ؟ إنني لا أفهم لذلك كله معنى إلا أنه يرفض شرع الله من حيث الأصل ويؤثر أهواء البشر عليه .

    - بل إنني أقول إن أحسن هؤلاء الحكام حالاً من يقول بالديمقراطية ؛ أي يقول أنا مع الشعب فإن اختار الشريعة الإسلامية فلن أمانع في ذلك ، ومع ذلك فهذا الذي هو أحسنهم حالاً كافر خارج من الملة كما بينه تفصيل الإمام ابن القيم حيث قال : " وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر " [ المدارج : 1/337] . فهذا الذي أرجع الأمر إلى الشعب قد اعتقد أنه مخير في الأمر وأنه لا يلزمه حكم الله ، وفعله وقوله يدلان على ذلك ، وهو باستشارته البشر في العمل بشرع الله قد خرج عن حكم أهل الإيمان لأن الله تعالى يقول : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } الأحزاب :36 .

    - وحكامنا قد قامت عروشهم على فكرة العلمانية التي تعني الفصل بين الدين والدولة ، وقد كان حاكم مصر السابق يردد كثيراً مقولته الشهيرة " لادين في السياسة ولاسياسة في الدين " ، ولا يزال حكامنا يسيرون على نفس المنوال مقسمين حياة الناس بين الله وبين أهواء البشر مرددين " أعط مالله لله وما لقيصر لقيصر " ، فتركوا لله جانباً يسيراً من حياة الناس وهو المتمثل في بعض العبادات ، أما حياة الناس العامة من سياسة واقتصاد واجتماع وغيره فقد تركوها لأهواء الذين لا يعلمون فكانوا كمن قال الله فيهم { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } البقرة : 85 .

    - وهم يصرحون دائماً بأنه لافرق بين المسلم وغيره في ظل دولتهم العلمانية ويرفعون شعار (الدين لله والوطن للجميع) ، ويعتبرون أحكام أهل الذمة أحكاماً رجعية قد عفى عليها الزمن وحل محلها مفهوم المواطنة الذي يعني المساواة بين سائر المواطنين ، ولا شك أن هذا رفض لأحكام الله وامتناع عن تطبيقها وهو الكفر بعينه ، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والأفتاء (1/541): " وأما من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر " .

    - وحكامنا الآن قد صار هاجسهم الأول وشغلهم الشاغل هو كيفية القضاء على الحركات الإسلامية الداعية إلى تحكيم شرع الله ، وهاهو النظام المصري ينكل بالدعاة ما بين تشريد وتعذيب وقتل في الشوارع وعلى أعتاب المساجد ، وها هي المساجد تقتحم وتنتهك حرماتها من قبل زبانية النظام على مرأى من الناس ومسمع ، وها هي المحاكم العسكرية لا تزال تدفع بخيرة شباب مصر إلى المقاصل لا لشيء إلا أنهم يدعون إلى شرع الله ويريدون أن يحكمهم كتاب الله وسنة رسوله ، فهل يقال في مثل هذا النظام إنه معترف بتقصيره مقر بأنه عاص مستحق للعقوبة وهو الذي صرح رئيسه في العام 1986 م بأن الجماعات الإسلامية مرض يجب القضاء عليه ، وبأنهم يجربون الوسائل من أجل القضاء على تلك الجماعات ، ثم صرح في أول ولايته الثالثة عام 1993م بأن أول المهام التي سيتفرغ لها القضاء على التطرف ، وكلنا يعلم أنه لا يعني بالتطرف إلا الدعوة إلى حكم القرآن والسنة .

    - وحكامنا يوالون اليهود والنصارى وينصرونهم على عباد الله الموحدين ، وما مؤتمر شرم الشيخ عنا ببعيد ، وقد عقد في العام 1996م من أجل مناصرة حكومة اليهود وعلى رأسها في ذلك الوقت شمعون بيريز ، وذلك بعد عدة عمليات جهادية قوية نفذها أعضاء حماس والجهاد في فلسطين المحتلة ، فهذا المؤتمر عقد على أرض مصرية وبأوامر من "كلينتون " سيد أولئك الحكام ، ومقصوده كما أسلفنا نصرة اليهود على المجاهدين في فلسطين المسلمة.

    - وحكامنا ذهبوا إلى فلسطين المحتلة يذرفون الدموع حزناً على الإرهابي المجرم (رابين ) ، بينما لم نسمع لهم صوتاً حين قتل اليهود المجاهد (يحيى عياش ) والمجاهد ( فتحي الشقاقي ) ، بل لعل الأقرب إلى المنطق والواقع أنهم كانوا من الشامتين في مقتل هذين الرجلين وأمثالهما من المجاهدين ؛ لأن وجود هؤلاء المجاهدين عقبة في طريق سلامهم المزعوم مع اليهود.

    - وحكامنا قد تركوا الجهاد في سبيل الله (سواء كان طلباً أو دفعاً ) ، والشيخ الألباني يقول :" .. أي حاكم في الدنيا إذا قيل له لماذا لاتجاهد في سبيل الله ؟ إذا قال الآن ليس هناك جهاد ، الآن حرية ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إلى آخره من هذه التأويلات التي ما أنزل الله بها من سلطان فهذا المنكر للجهاد كشرع هذا هو الكافر ، أما الذي يعتقد أنه يجب أن يجاهد ، لكن الله يعينا وليس عندنا الاستعداد كما ينبغي وريثما نستعد ، إلى آخره وهو يستطيع أن يستعد فيكون آثماً " . [ فتاوى الشيخ الألباني ص: 303-304 ]

    وحكامنا حين تركوا الجهاد بنوعيه لم يقولوا : ( الله يعينا ) أو: (نحن مقرون بوجوب الجهاد لكن ليس عندنا القدرة ) ، إنما هم من النوع الأول الذي حكم الشيخ بكفره ؛ ذلك أنهم لايقرون بمبدأ الجهاد لنشر الإسلام ويسخرون ممن ينادي بذلك ، وهم يقرون بدلاً من ذلك بما قررته الأمم المتحدة من أنه لايجوز استعمال القوة إلا دفاعاً ، ومع ذلك فحتى الجهاد الدفاعي ضد اليهود قد أغلقوا بابه وقد أعلن حاكم مصر السابق أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب بيننا وبين اليهود ، ولا يزال حكامنا الحاليون يرددون أن السلام خيارهم الوحيد ، ولوكانوا ممن يقرون بالجهاد ولكنهم يقولون ( الله يعينا ) على حد تعبير الشيخ لتركوا غيرهم يجاهد ، ولكنهم على العكس من ذلك لا يفتأون يعادون من ينادي بالجهاد لتحرير فلسطين ويتعاونون مع حكومة اليهود في القضاء على المجاهدين .

    وبعد فهذا غيض من فيض مما يمكن أن يقال عن حكامنا وبيان أنه لا يمكن أن يقال في شأنهم إنهم تركوا الحكم بما أنزل الله لشهوة نفس أو هوى قلب ، بل هو إيثار لأهواء أهل الأرض على شريعة رب الأرض والسماء ، ومثل هؤلاء لايستقيم عند أهل الحق أن يوصف كفرهم بالكفر الأصغر بل هو الكفر الأكبر والردة السافرة والله أعلم.

    وأخيراً فلعل القاريء يلحظ تركيزنا على حكام مصر فهم الذين عرفناهم وخبرنا أحوالهم ، وما نحسب غالبية حكام المسلمين اليوم إلا أمثالهم ومع ذلك فمن وجدناه من هؤلاء الحكام غير متلبس بما أسلفنا من صفات الكفر فليس داخلاً في ما ذكرناه ، هذا مع العلم بأن من حكام المسلمين اليوم من هو كافر بأصل مذهبه ومعتقده أو فكره المخالف للشرع بغض النظر عن قضية الحكم ، وذلك كمن يعتقد بمذهب النصيرية ، أو من ينكر السنة ، أو من يدين بمباديء حزب البعث والله أعلم .

    الفصل الثالث

    وقفات أخرى مع الشيخ الألباني

    وبعد أن فرغنا من مناقشة القضيتين اللتين أردنا الحديث عنهما فإنني أرى من المناسب إثبات بعض التنبيهات السريعة على آراء أخري للشيخ تتعلق بما سبق الحديث عنه فأقول وبالله التوفيق :

  7. #7
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    - فهم غريب لقضية الأعداد

    يقول الله تبارك ونعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ..} الأنفال : 60 ، وفي هذه الآية أمر إلهي كريم موجه للمسلمين بإعداد العدة لقتال أعداء الله ، ولكن الشيخ الألباني حفظه الله يضع لتنفيذ هذا الأمر شرطاً غريباً لا نعلم أحداً سبقه إليه ، وذلك حيث يقول كما في كتاب فتاوى الشيخ الألباني " .. لمن الخطاب { وأعدوا لهم } .. أعدوا معشر المسلمين .. معشر المؤمنين بالله حقاً .. هل نحن كذلك ؟ إذن نحن ما صرنا بهذه المثابة التي تستحق توجيه الخطاب إلينا مباشرة لأننا لسنا مؤمنين حقاً ... " [ فتاوى الشيخ الألباني ص: 258 نقلاً عن الشريط الواحد والسبعين بعد المائة ] ، وفي موضع آخر من الكتاب يكرر الشيخ رأيه هذا قائلاً : " لمن الخطاب في قوله {وأعدوا لهم } ؟ المسلمون المؤمنون حقاً والمحافظون على كل ما أمر الله به ورسوله أم هم أمثالنا من المسلمين في آخر الزمان . من المقصود بهذا الخطاب ؟ هم طبعاً النوع الأول من المؤمنين " . [المصدر السابق ص 448] . ثم يقول موضحاً صفات المؤمنين المخاطبين بهذه الآية : " ليس من الضروري أن يكون هؤلاء يصومون الدهر ويقومون الليل ، لا ، هذه نوافل ، لكن المؤمنين هم الذبن يأتون بما فرض الله وينتهون عما حرم الله " .

    [ المصدر السابق ص 451-452 نقلاً عن الشريط السادس والثلاثين بعد المائة ] .

    ونحن بدورنا نسأل الشيخ من أين جاء بهذا الشرط الغريب ؟ وما الدليل على أن الخطاب في الآية هو للمؤمنين حقاً ؟ أو الذين وصفهم الشيخ بأنهم يأتون بما فرض الله وينتهون عما حرم الله؟ .

    إن الله U خاطب المؤمنين بقوله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ..} البقرة : 183 ، وخاطبهم بقوله { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..} المائدة : 1، وخاطبهم بقوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... } الآية المائدة :6، وخاطبهم بقوله : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .. } الأحزاب :56 ، إلى غير ذلك من الآيات التي جاء الخطاب فيها للمؤمنين أمراً أو نهياً ، فهل يمكن لأحد أن يقول إن الخطاب في هذه الآيات جميعها إنما هو لطائفة مخصوصة من المسلمين وهم المؤمنون حقاً؟ إنه لوصح ما يقوله الشيخ لجاز لقائل أن يقول : لن أصوم رمضان لأني لست من هؤلاء المؤمنين حقاً الذين يأتون الفرائض كلها وينتهون عما حرم الله ، أو يقول لن أوفي بالعقود أو لن أصلي على النبيr وذلك لأني لست مؤمناً حقاً .

    فإن قال الشيخ أنا لم أقل هذا إلا في شأن الإعداد فقط ، قلنا له وما الفارق بين الأمر بالإعداد وغيره من الأوامر والنواهي الشرعية التي خوطب بها المؤمنون ؟ أو ليس الكل خطاباً للذين آمنوا ؟ .

    ويا لها من مكافأة كبيرة يكافأ بهاالمقصرون في القيام بما افترضه الله عليهم حيث يقال لهم - بناء على تفسير الشيخ -: بما أنكم عصاة مقصرون في إتيان الواجبات فسوف نكافئكم بإسقاط واجب الإعداد عنكم ، ومن باب أولى فأنتم معفون من أمر الجهاد نفسه إذ ما دام المرء غير مطالب بالإعداد فهو غير مطالب بالجهاد ، بل إني سمعت للشيخ شريطاً منذ سنوات يقرر فيه ذلك بالنسبة للجهاد أيضاً ، لكن ليس تحت يدي الآن ذلك الشريط لأثبت نص قوله فيه .

    والحق أن الجهاد والإعداد له واجبان شرعيان لا يشترط لآدائهما أن يكون المرء خالياً من المعاصي والذنوب ، وقد جاء الأمر بهما أمراً مطلقاً غير مشروط بهذا الشرط الذي اشترطه الشيخ ، وقد كان في السلف من يجاهد ولما تكتمل عنده الشروط التي اشترطها الشيخ ومن ذلك ما جاء في حديث البراء رضي الله عنه : " أتى النبيَ r رجلٌ مقنع بالحديد فقال : يا رسول الله أقاتل أو أسلم ؟ قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل . فقال رسول الله r : عمل قليلاً وأجر كثيراً " [أخرجه البخاري(2808) واللفظ له ومسلم (1900)] . فهذا الرجل قد قاتل بعد إسلامه مباشرة ولم يطلب منه النبي r أن ينتظر حتى يكون من أولئك الذين يأتون الفرائض ويتركون المحرمات .

    ومثله ما جاء في قصة أصيرم بني عبد الأشهل ؛ فقد روى ابن إسحاق عن أبي هريرة أنه كان يقول : حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلِّ قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو ؟ فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش . قال الحصين : فقلت لمحمود بن أسد : كيف كان شأن الأصيرم ؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه . فلما كان يوم خرج رسول الله r إلى أحد بدا له الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة قال : فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا للأصيرم ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء به ؛فقالوا ما جاء بك يا عمرو ؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ؟ قال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول اللهr ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ، ثم لم يلبث أن مات في أيديهم . فذكروه لرسول الله r فقال: إنه لمن أهل الجنة . " [ أخرجه ابن اسحاق كما في سيرة ابن هشام ( 3/95) ، وصححه الحافظ في الفتح (6/25 )، وأخرج القصة من طريق آخر عن أبي هريرة أبو داود (2537) والحاكم (3/28) ] .

    وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً : " ... إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " [ أخرجه البخاري (3062) ومسلم (111) ] .

    وفي خبر أبي محجن الثقفي أنه كان " لا يزال يجلد في الخمر فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون فكأنه رأى المشركين وقد أصابوا في المسلمين فأرسل إلى أم ولد سعد - أو إلى امرأة سعد - يقول لها إن أبا محجن يقول لك إن خليت سبيله وحملتيه على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحاً ليكونن أول من يرجع إلا أن يقتل ....فحلت عنه قيوده وحمل على فرس كان في الدار وأعطي سلاحاً ثم جعل يركض حتى لحق بالقوم فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه فنظر إليه سعد فتعجب وقال من هذا الفارس؟ .. فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى هزمهم الله فرجع أبو محجن ورد السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان ، فجاء سعد فقالت له امرأته - أو أم ولده - كيف كان قتالكم ؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن ، فقالت والله إنه لأبو محجن كان من أمره كذا وكذا ... فدعا به وحل عنه قيوده وقال لانجلدك في الخمر أبداً قال أبو محجن وأنا لاتدخل رأسي أبداً ...." . [القصة أخرجها عبد الرزاق(17077) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين ، وهذا سند صحيح إلى ابن سيرين ، كما أخرجها ابن أبي شيبة (15593) وسعيد بن منصور(2502) وأبو أحمد الحاكم كما في الإصابة(4/173) عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ] .

    ومن أصول أهل السنة والجماعة الجهاد مع كل بر وفاجر من الأمراء ، ومعنى ذلك أن الفاجر من الأمراء جهاده مشروع وأننا مطالبون بالجهاد معه رغم فسقه وفجوره وهذا يسقط الشرط الذي اشترطه الشيخ .

    ومن أغرب ما في دعوة الشيخ هذه أنها تخالف قول النبي r : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ". [ أخرجه مسلم (156) ،(1923) وأحمد (3/345)، (3/384) وابن حبان (6780 -إحسان ) وابن الجارود في المنتقى (1031) من حديث جابر بن عبد الله ، وفي معناه حديث جابر بن سمرة عند مسلم (1922)، وحديث عقبة بن عامر عند مسلم أيضاً (1924)، وحديث عمران بن حصين عند أبي داود (2484) وأحمد(4/437)].

    فقد أخبر النبي r أنه لاتزال طائفة من أمته تقاتل في سبيل الله وأن ذلك لا ينقطع حتى آخر الزمان ، قال الإمام الخطابي في معالم السنن : " فيه بيان أن الجهاد لا ينقطع أبداً وإذا كان معقولاً أن الأئمة كلهم لا يتفق أن يكونوا عدلاً فقد دل هذا على أن جهاد الكفار مع أئمة الجور واجب كهو مع أهل العدل وأن جورهم لا يسقط طاعتهم في الجهاد وفيما أشبه ذلك من المعروف .." [ معالم السنن بهامش سنن أبي داود 3/11] .
    وقال النووي في شرح مسلم (13/67 ) : " وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي r إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث " .

    والمقصود أن قول الشيخ الألباني في هذه المسألة هو أن أمثالنا من المسلمين في آخر الزمان غير مخاطبين في هذا العصر بالجهاد والإعداد له لكوننا لسنا مؤمنين حقاً ، بينما تبين هذه الأحاديث أنه لن يخلو عصر من طائفة تقاتل في سبيل الله مهما كان حال الأمة من القوة والضعف أو البعد عن شرع الله ، ثم إننا نقول إنه ليس للمرء أن يحكم على غيره من المسلمين فقد يكون هو غير قادر على الجهاد أو حتى على الإعداد لكن غيره قد يستطيع ذلك فيجب على القادر ما لا يجب على غير القادر ، وحينئذ فليس لغير القادر أن ينكر على غيره ممن قدر على إقامة أمر الله فقام به ؛ قال القاضي ابن أبي العز في مقدمة شرح الطحاوية (ص16): " وإن كان العبد عاجزاً عن معرفة بعض ذلك أو العمل به فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول r بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه ، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ويرضى بذلك ويود أن يكون قائماً به".




    2- ما فائدة تكفير الحكام مع

    عدم القدرة على قتالهم ؟

    يقول الشيخ الألباني : " هبوا أن هؤلاء كفار كفر ردة وأنهم لوكان هناك حاكم أعلى عليهم واكتشف منهم أن كفرهم كفر ردة لوجب على ذلك الحاكم أن يطبق فيهم الحد ، الآن ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية ، إذا سلمنا جدلاً أن كل هؤلاء الحكام هم كفار كفر ردة؟ ماذا يمكن أن تعملوا ؟ هؤلاء الكفار احتلوا من بلاد الإسلام ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين فماذا نستطيع نحن وأنتم أن نعمل مع هؤلاء حتى تستطيعوا أنتم مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار ؟ هلا تركتم هذه الناحية جانباً وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة ، وذلك باتباع سنة رسول الله r التي ربى أصحابه عليها ونشأهم على نظامها وأساسها .. " أ. هـ [ من كتاب فتاوى الشيخ الألباني ص: 250-251 نقلاًعن الشريط السبعين بعد المائة السادسة ].

    فالشيخ هنا يرى عدم التعرض للحكام الكافرين إذا كنا غير قادرين على إزالتهم وأنه ينبغي السكوت عنهم فلا نعلن تكفيرهم ولا ننطق بالحق في وجوههم ولا نعد العدة لجهادهم ، وبدلاً من ذلك فإنه لابد من الانشغال بتأسيس القاعدة الإسلامية عن طريق ما يعبر عنه الشيخ دائماً بالتربية والتصفية .

    وأقول لاشك في أهمية التربية الإيمانية التي دعا إليها الشيخ ، ولكن الذي نخالف الشيخ فيه هو أن يكون طريق التربية والتصفية هو وحده المطلوب وأنه لا ينبغي أن نفعل شيئاً تجاه الحكام الكافرين ما دمنا غير قادرين عل إزالتهم ، ذلك أنه ليس الأمر الوحيد المترتب على كفرهم هو قتالهم والخروج عليهم ، بل إن هناك أموراً كثيرة يطالب بها المسلمون تجاه من يُحكم بكفره سواء كان حاكماً أو محكوماً .

    - فمن هذه الأمور البراءة من هذا الكافر وإعلانه بالبغض والعداوة لكفره وقد قال الله عز وجل : - { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ...} [ الممتحنة : 4 ] .

    ولا شك أن إبراهيم والذين معه حين قالوا ذلك كانوا فئة مستضعفة لا يستطيعون قتال قومهم ومع ذلك تبرأوا منهم وبارزوهم بالعداوة والبغضاء ، وكذلك كانت حال نبينا r في مكة فقد كان ومن معه مستضعفين لايقوون على قتال مشركي قريش ، ومع ذلك فإنه r كان يصدع بالحق في وجوههم ويسفه عبادتهم لغير الله ويتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة ، بل وفي الدنيا أيضاً كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " .. أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ... " الحديث [أخرجه أحمد (2/218) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1/289-290) والطبري في التاريخ (2/332) والبيهقي في دلائل النبوة (2/275) من حديث عبد الله بن عمرو ، والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/15-16) وقال : "رواه أحمد وقد صرح ابن اسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح " أ.هـ ، والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند (11/204) ] .

    قال البيهقي في الدلائل (2/275) : " وفي هذا الحديث أنهr أوعدهم بالذبح وهو القتل في مثل تلك الحال ثم صدق الله تعالى قوله بعد ذلك بزمان فقطع دابرهم وكفى المسلمين شرهم " .

    - ومن هذه الأمور : النصح للأمة ببيان حال هؤلاء الذين يدعون الإسلام مع كونهم ليسوا كذلك فإن تركهم من غير أن يبين حالهم فيه غش للأمة وكتمان للحق الذي أمرنا بالصدع به .

    - ومن هذه الأمور أن المرتدين لا تحل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، فيجب على من عرف حال المرتدين أن لايأكل ذبائحهم وأن لا ينكح نساءهم ويجب عليه أيضاً أن يُعرِّف من لا يعلم حالهم بذلك حتى يعاملهم بنفس المعاملة .

  8. #8
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 9
    المواضيع : 2
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تتمه

    - ومن هذه الأمور أنه يجب على المسلمين الإعداد لقتال هؤلاء الكفارعند عدم القدرة على قتالهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/259) : " يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز فإن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب " .

    إلى غير ذلك من الأمور الواجبة تجاه المرتدين والتي لاعلاقة لها بالقدرة على قتالهم ، فإذا كان المسلم غير قادر على بعض هذه الأمور فإن ما يقدر عليه لايسقط وجوبه ، وقد تقرر في الأصول أن الميسور لا يسقط بالمعسور ، وقد قال النبي r:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". [سبق تخريجه ] ، فنحن إن لم نستطع إزالة منكر هذا الحاكم الكافر - وهو كفره- بأيدينا فإننا ننتقل إن استطعنا إلى التغيير باللسان وهو بيان ما هو عليه من الكفر وأنه يلزمه الإقلاع عنه والتوبة إلى الله ، فالمسلم عليه القيام بما يستطيع في باب تغيير المنكر .

    كما أنه لايشترط أن يعلم المغير أن المنكر سيزول من جراء تغييره ، بل على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن علم أن المنكر سيبقى على حاله ، قال النووي في شرح مسلم (2/23) : " ولا يسقط عن المكلف الأمر والنهي لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول كما قال الله عز وجل : { ما على الرسول إلا البلاغ} ... " .

    والشيخ يذكر أن المسلمين لم يستطيعوا تحرير فلسطين من اليهود ، ونحن نقول نعم ، ولكن هل عدم وجود هذه الاستطاعة مانع من الحديث عن هؤلاء اليهود والتحذير منهم ودعوة الأمة إلى الوقوف في وجههم وجهادهم ؟ ما أظن الشيخ يقول إنه يلزمنا السكوت عن اليهود وعدم الحديث عن وجوب جهادهم بدعوى عدم القدرة على إزالتهم ، ونحن نقول نفس الشيء بالنسبة للحاكم إذا كفر فإن عدم قدرتنا على إزالته ليست مانعة من القيام بما نقدر عليه من الأمور الواجبة علينا تجاهه والله أعلم .




    3- الخلط بين جماعة التكفير

    والقائلين بتكفير الحكام

    قد مر بنا قول الشيخ الألباني في بداية الشريط الذي كان موضوع بحثنا في الفصلين الأول والثاني : " إن الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام ولنقل الكفار مجاراة لجماعة التكفير .... " إلخ ما ذكره الشيخ حفظه الله ، وواضح من كلامه هذا أنه يخلط بين كل من يقول بكفر الحكام وبين جماعة التكفير ، وقد تكرر ذلك منه بصورة أو بأخرى في مواضع أخرى من هذا الشريط وغيره .

    والذي نحب أن يكون واضحاً لدى الشيخ أنه ليس كل من قال بكفر الحكام داخلاً في إطار من يسمون بجماعة التكفير ، فجماعة التكفير هو الاسم الذي صار علماً على جماعة تتبنى طائفة من الآراء البدعية من أهمها تكفير صاحب المعصية إن أصر عليها ، وترى تلك الجماعة أنها وحدها جماعة المسلمين وأن من لم ينضم إليها فليس بمسلم ، وأما تكفير الحاكم الذي يشرع للناس من دون الله فهو أمر مجمع عليه كما أسلفنا وليس خاصاً بتلك الجماعة التي يسمونها جماعة التكفير وتسمي نفسها جماعة المسلمين .

    وفي مصر مثلاً فإن الجماعة الإسلامية ترى تكفير الحكام المبدلين للشرائع وترى الخروج عليهم ومع ذلك تختلف عن تلك التي تسمى بجماعة التكفير ، بل إن للجماعة الإسلامية أبحاثاً وكتابات في الرد على فكر التكفير ، وفي كتاب " ميثاق العمل الإسلامي " - الذي يحوي فكر الجماعة الإسلامية - فصل بعنوان عقيدتنا ، وفيه تبين الجماعة أن عقيدتها هي عقيدة السلف الصالح ، ثم تفصل تلك العقيدة ، فإذا هي عين ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات وأبواب الإيمان وغير ذلك ، ومما جاء في ميثاق العمل الإسلامي ص :32 " والمسلم لايكفر بالمعاصي وإن كثرت وإن لم يتب منها ما لم يستحلها بقلبه ... " .

    وفي الميثاق أيضاً فصل بعنوان " فهمنا " جاء فيه (ص56): " والضابط الصحيح والوحيد لفهم الإسلام فهماً صحيحاً مجرداً عن النقص منزهاً عن الخلل هو أن نبحث عن فهم سلف هذه الأمة له : فهمِ الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن اتبعهم من علماء أمتنا الأثبات الثقات الذين لم يبتدعوا ولم يغيروا ولم يبدلوا ، الذين امتثلوا قول النبيr (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) ، لذا فإنا لا نعدل عن فهم سلفنا الصالح ولا نعدل به فهماً آخر ..." .

    وأما جماعة شكري مصطفى التي تسمى بجماعة التكفير والهجرة فإنها تخالف ذلك تماماً فهي لاتعتد بفهم السلف ولا غيرهم وتكفركما أسلفنا من ارتكب ذنباً ولم يتب منه ، وحتى في قضية الخروج على الحكام فإن البون شاسع بين جماعة شكري وبين الجماعات الجهادية كالجماعة الإسلامية وغيرها فإن الذي قد لا يعلمه الكثيرون أن شكري لم يكن يرى الخروج على الحكام إطلاقاً بل هو لايرى الجهاد أصلاً إلا بعد أن تُفني قوى العالم الحديث بعضها بما لديها من أسلحة فتاكة وبعدها تظهر حركته لتقاتل الشراذم الباقية من الكفار ، وهويقول عن ذلك في كتاب الخلافة : " .... هل هناك فرصة للحركة الإسلامية اليوم أعظم من أن تكون وافرة متربصة في نجوة من الأرض تعبد الله وتنتظر كيف تحطم الدول الكافرة نفسها بنفسها وبإذن الله - تسع سنوات مثلاً بل وأقل من ذلك بكثير حسب ما تقرره قوة القنابل والصواريخ وما اخترع المكر الشيطاني في القرن العشرين " . ويقول عن دور الحركة الإسلامية في زمن الانتظار هذا : " وفيه يتفرغ المسلمون في نجوة من الأرض لعبادة ربهم والتقرب إليه زلفى بعمل الصالحات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتطهر أثوابهم مما علق بها وأشربتها من نجس الجاهلية ورجسها وأوبئتها وحينئذ يؤذن للفجر أن ينفجر ....و إنما على المسسلمين أن ينتظروا ويعتبروا ويصبروا ويسجدوا ويركعوا ويسيروا على مواقع القدر من خلال الواقع حتى يؤذن لهم في حمل السيف المنصور والمعول المزخور لتدمير البقية البا قية بعد قدر الله من الكفار " .

    وهو لا يرى قتالاً إسلامياً أبداً إلا يوم أن يرجع الناس للسيف والنبل والخيل فهو يقول في المصدر السابق : "إن المسلمين لم يعرفوا ولن يعرفوا قتالاً إلا بالصف والسيف والخيل والنبل وأنه لم تكن هناك حرب في سبيل الله منذ أن تودع هذا العتاد السالف الذكر وأنه أيضاً لن تكون ..." إلخ ما ذكره في ذلك [ انظر وثيقة الحلافة لشكري أحمد مصطفى المطبوعة ضمن كتاب الثائرون لرفعت سيد أحمد من ص115و حتى ص160 ] .

    وبكل حال فإن هذا الفكر الذي كان ينادي به شكري هو من ذلك الكلام الذي يقال فيه إن حكايته تغني عن تكلف الرد عليه ، ولذا فإنه من الظلم البين أن نقرن بين الفصائل الجهادية وخصوصاً الجماعة الإسلامية بمصر وبين فكر جماعة التكفير لمجرد أن الطرفين قد توافقا في مسألة تكفير الحكام الحاليين ، و إلا لجاز لنا أن نقرن بين الشيح الألباني وجماعة التكفير بجامع أن كلاًمنهما لا يرى الخروج الآن ويرى الاكتفاء بالتربية وإن كان كل منهما له رؤيته الخاصة في التربية ومثل هذا لايقوله منصف كما ترى.

    على أن لنا ملحظاً فيما يتعلق بالتكفير ، فإن المتابع لواقع الحركة الإسلامية اليوم وخصوصاً في مصر يلحظ ولابد إنحساراً كبيراً في هذا الفكر بحيث لم يعد في مصر إلا شراذم متناثرون هنا وهناك ممن يقولون بما كان يقول به شكري مصطفى قبل وفاته ، ولم يعد النظام الحاكم في مصر يلاحق القائلين بالتكفير كما كان يفعل قديماً بعد أن عرف أنهم وإن كانوا يكفرونه ويكفرون المجتمع كله إلا أنهم لا يفكرون في الخروج عليه .




    4 -من مسائل الجهاد

    تعرض الشيخ الألبانى في شريطه هذا وربما في غيره لأشياء مما يحدث في أثناء الخروج على الحكام وليس من غرضنا مناقشة هذه الأمور التفصيلية فإنه لما كان الشيخ غير مقر من حيث الأصل بمشروعية هذا الخروج فلا فائدة من مناقشة هذه الأمور غير أن هناك مسألتين لفتتا نظري فأحببت أن أعلق عليهما تعليقاً يسيراً :

    أ- أما المسألة الأولى فهي أن الشيخ قد تعرض لما يحدث في الجزائر من قصد النساء والأطفال بالقتل وأن هذا لا يجوز ما دام هؤلاء لا يقاتلون ولا يعينون على قتال ، وذكَّر بما ورد في السنة من النهي عن ذلك .

    وأقول صدق الشيخ فيما قال ، فإنه ليس معنى اختلافنا معه في أصل المسألة أن لا نخضع لما ذكره من الحق ، ونحن نقول دائماً إنه لابد من الالتزام بالضوابط الشرعية في الجهاد ولا خير في عمل ولو كان مشروعاً مالم يمارسه فاعله على مقتضى قواعد الشرع الحنيف .

    ولعله من المناسب هنا أن أذكر بأن الجماعة الإسلامية بمصر كانت من أول من نبه إلى عدم جواز ما تردد عن الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر من قصد النساء والأطفال بالقتل ، كما أنه لم يفت الجماعة الإسلامية بمصر أن تنبه على غير ذلك من الممارسات الخاطئة التي حدثت في الجزائر مثل قتل الشيخين محمد السعيد وعبد الرزاق رجام ، وقتل الرهبان وغيرذلك.

    ونحن بحمد الله مع كل تصحيح لمسيرة الجهاد ، ولسنا نرضى بأن تستغل راية الجهاد لارتكاب ما لا يقره الشرع الحنيف ولا يرضاه الله ورسوله سواء كان ذلك في الجزائر أو في مصر أو في غيرهما ، والحق أحق أن يتبع والله المستعان .

    ب- وأما المسألة الثانية فهي تتعلق بسؤال وجه للشيخ جاء فيه: " هناك فتوى من الجماعة الإسلامية التي في مصر ، إذا قبض على أحد أفراد الجماعة وتعرض للتعذيب حتى يعترف على أفراد جماعته أجازوا له الانتحار" ، أي فما الحكم في ذلك؟ .

    فأجاب الشيخ بأنه لا يجوز ذلك وأنه في الغالب دليل على الاعتراض على قضاء الله وقدره ، ثم قال الشيخ :" ولابد لي من كلمة - وهي ختام - فأقول : هذا الحكم خاصة من الجماعة الإسلامية زعموا أنهم أفتوا بعضاً أو أفتوا أنفسهم وجماعتهم وأفرادهم أنه إذا وقع أسيراً في يد الحاكم الظالم أنه يجوز له أن ينتحر من أين جاء هذا الحكم؟ ألم يُصَب المسلمون الأولون بمثل ما يصاب به هؤلاء المتأخرون؟ فهل أفتاهم الرسول r بمثل هذه الفتوى ؟ هذا يأتي بسبب الجهل أولاً بالكتاب والسنة ، وثانياً الاستعجال بإقامة ما هو واجب وهو إقامة الحكم بالإسلام ، بالكتاب والسنة فكيف يقيم الحكم بالكتاب والسنة من يفتي عاجلاً بخلاف الكتاب والسنة ؟....". [من كتاب فتاوى الشيخ الألباني ص : 364-365 ]

    والحق أني لست أدري كيف رضي الشيخ لنفسه أن يتهم أناساً لم يلقهم ولم يعرف كامل أحوالهم بأنهم جهلة ومستعجلون ويفتون بما يخالف الكتاب والسنة ؟ ، لكني على أية حال أود أن أسأله عفا الله عنا وعنه :

    هلا تأكدت من أن الجماعة الإسلامية تفتي حقاً بهذه الفتوى؟ هل قابلت واحداً من هذه الجماعة فقال لك ذلك ؟ هل قرأت شيئاً من كتابات تلك الجماعة فيه مثل هذه الفتوى؟.

    إن الذي أعتقده أن الشيخ لم يفعل شيئاً من ذلك ولو فعل لما قال ما قال الأن الحقيقة أن نسبة تلك الفتوى إلى الجماعة الإسلامية غير صحيحة ، وليس للشيخ أن يسألني عن الدليل لأنه هو ومن سأله المطالَبان بالدليل والأصل عدم نسبة شيء إلى تلك الجماعة أو غيرها حتى يقوم الدليل عليه .

    ومع ذلك فإننا نسوق للشيخ دليلاً يبين له عدم صحة ما ذُكر له وهو بيان أصدرته الجماعة الإسلامية تنفي فيه أن يكون قد صدر منها بيان تدعو فيه أعضاءها للانتحار حين القبض عليهم منعاً للاعترافات التي يمكن أن يدلوا بها حال التحقيق معهم ، ومما جاء في هذا البيان : " إن الجماعة الإسلامية لم ولن تصدر مثل هذا البيان المتأفك ، ذلك أن الإسلام يحرم الانتحار بأدلة ثابتة قطعية " ، كما بينت في البيان المشار إليه أن هذا الذي نسب إليها إنما هو فرية افتراها النظام المصري كي يتمكن من قتل أكبر عدد ممكن من المعتقلين ثم يدعي بعد ذلك أنهم انتحروا استناداً إلى هذا البيان المكذوب . [ يمكن للقارئ أن يطالع نص ذلك البيان كاملاً في ملاحق هذا الكتاب ]

    وأخيراً فإني أقول للشيخ : ألم يكن من الأولى بدلاً من الوقوع في أناس لا تعرفهم أن تقول: لو صح هذا الذي تقول فالجواب كذا وكذا؟ ، أو أن تجيب جواباً عاماً في المسألة كأن تقول إن ذلك الأمر لا يجوز شرعاً دون أن تتعرض لأحد بعينه ودون أن تنساق وراء أخبار لايمكنك التأكد من صحتها؟.







    5- توضيح مهم حول الموقف في مصر

    إن من المهمات التي ينبغي التنبيه عليها أن كثيراً ممن يتكلمون عما يحدث في مصر أو في غيرها يغيب عنهم كثير من معرفة الواقع في هذه البلدان فينتج عن ذلك خطأ فيما يصدر عنهم من أحكام ومثال ذلك ما أشرنا إليه قبل قليل من القول بإن الجماعة الإسلامية في مصر تفتي لأعضائها بقتل أنفسهم إذا ما وقعوا في الأسر ، ومثال ذلك أيضاً بل أهم منه أن أصل ما حدث في مصر في هذه السنوات الأخيرة ليس هو القيام لخلع حاكم كافر ، وإنما هو ضرورة الدفاع عن النفس ؛ ذلك أن الجماعة الإسلامية في مصر وإن أقرت بوجوب الخروج على الحاكم الكافر إلا أنهاكانت ترى تأخير ذلك ريثما يتم الإعداد الذي تصبح معه المصلحة راجحة في الخروج ، وقد تم التركيز بدلاً من ذلك على الدعوة وتربية الأفراد ونشر العقيدة الصحيحة والاهتمام بطلب العلم مع تغيير ما يمكن تغييره من المنكرات الظاهرة .

    لكن النظام العلماني في مصر لم يكن ليسمح لدعوة كهذه أن تستمر إلى أن تؤتي ثمارها ، فأخذ يعمل على القضاء على هذه الدعوة ، فبدأ في شن الاعتقالات الواسعة والتعذيب الرهيب واحتجاز النساء واقتحام المساجد وقتل الدعاة في الطرقات وعلى أعتاب المساجد ولم يكن لذلك من مبرر إلا محاولة خنق الدعوة ومنعها من الوصول إلى ما تصبو إليه ، بل إن أعمدة هذا النظام لا يخفون أن هدفهم هو القضاء المبرم على تلك الجماعة وغيرها من الجماعات التي يصفونها بالتطرف ، كما أنه لا يخفى على من له خبرة بمثل النظام المصري أنه إن نجح في القضاء على تلك الجماعات التي يسميها متطرفة فلن يتوقف عند ذلك بل لابد أن يمتد بطشه إلى تلك الجماعات التي يصفها أحياناً بالاعتدال كالإخوان وغيرهم .

    وكانت الجماعة الإسلامية قد أصدرت في حوالي العام 1408هـ كتيباً بعنوان ( تقرير خطير) بينت فيه - بالأسماء والأرقام - ما يوقعه النظام المصري على أبنائها من تعذيب وقتل واعتقال للنساء وإجهاض للحوامل ، ثم تساءلت في نهاية التقرير: هل إذا قمنا بعد ذلك كله نحمل السلاح دفاعاً عن أنفسنا يقال عنا إننا دعاة عنف وإرهاب ؟ .

    ومن هنا رأت الجماعة الإسلامية أنها في حالة دفع لا تحتمل التأخير ، ولا شك أنه لا يشترط في حالة الدفع ما يشترط في حالة الطلب ، فكان لابد من الدفاع بما تيسر من وسائل الدفاع ، ولقد كان لسان حال هؤلاء المدافعين أنه إن أبى هؤلاء المجرمون إلا أن يقتلونا فليكن ذلك بعد أن نجعلهم يتجرعون كأس الموت قبل أن يسقونا إياها ، وأنه لابد من تلقينهم درساً مهماً يجعلهم يحسبون ألف حساب قبل أن يفكروا مرة أخرى في الاعتداء على الدعاة إلى الله .

    ولقد كان من نتيجة هذا الفهم أن رأينا شباباً يأتيهم رجال الفزع المسمون زوراً برجال الأمن للقبض عليهم فلا يستسلمون لهم بل يقاتلون حتى يُقتلوا أو ينجيهم الله منهم ، وهم في ذلك يضعون نصب أعينهم مثل قول الإمام أحمد في مثل تلك الحالات : " ما يعجبني أن يستأسر " ، "فليقاتل أحب إليَّ ، الأسر شديد " ،" يقاتل ولو أعطوه الأمان قد لايفون " [ انظر الفروع لابن مفلح 6/201-202] . هذا علماً بأن هؤلاء المقاومين يعلمون أن الأمر لن ينتهي بأسرهم وإلقائهم في السجون ، بل إنه التعذيب الرهيب حتي يدلوا على إخوانهم وحتى يعترفوا بما يراد لهم أن يعترفوا به مما لم يفعلوه ، هذا فضلاً عن الإذلال النفسي الذي يريد أولئك المجرمون أن يوقعوه على الأخ المسلم ، ثم إن كثيراً من أولئك الشباب يعلمون جيداً أن مصيرهم إلى القتل ولابد ، ومنهم من يكون محكوماً عليه بالقتل من قبل ما يسمى بالمحاكم العسكرية ، فلا شك أن استماتته في القتال وعدم تسليم نفسه -والحالة هذه - خير له وأشرف.

    ولقد حاول أولئك الرجال في مصر أن يوصلوا لإخوانهم المسلمين هذه الصورة الصحيحة لما يحدث في مصر ، ولكن ذلك كان يصطدم بقلة الإمكانات من جهة ، وبالتفوق الكاسح للإعلام الرسمي الذي لا يفتأ يصور هؤلاء الدعاة والمجاهدين على أنهم مجموعة من الإرهابيين الذين لاهمَّ لهم إلا ترويع الآمنين من جهة أخرى .

    وإنني من باب المساعدة في توصيل هذه الصورة الصحيحة أنشر في ملاحق هذا الكتاب بياناً كانت الجماعة الإسلامية قد وزعته بمناسبة عيد الأضحى عام 1413 هـ وكان الذي كتبه هو الأخ طلعت ياسين الذي كان واحداً من دعاة الجماعة وقادتها ، فلما بدأت موجة الإرهاب الدموي التي شنتها أجهزة النظام في مصر تحول إلى قيادة العمل العسكري ، وهو في هذا البيان يحكي بأسلوب مؤثر كيف يتحول شاب مسلم من مجرد الاكتفاء بأمر الدعوة اللسانية إلى مجاهد يحمل السلاح دفاعاً عن الدين والنفس والعرض ، ولم يمض عام على ذلك البيان حتى قتل الأخ طلعت بأيدي رجال النظام وقالت وزارة الدخلية إنه قتل في مواجهة مسلحة مع قواتها عند محاولة القبض عليه ، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء وأن يجعله عنده من المقبولين .




    6- كلمة أخيرة

    وكلمة أخيرة أوجهها للشيخ الألباني حفظه الله من باب النصيحة التي أوجبها الله على المسلمين فأقول :

    لقد كثرت يا شيخ مجالسك التي تتناول فيها مخالفيك في مثل المسائل التي تعرضنا لها في الصفحات السابقة أو في غيرها ، ولقد لاحظنا كما لاحظ غيرنا شدتك على مخالفيك وقسوتك عليهم ورميهم بالجهل وضحالة العلم وأنهم يخالفون الفرقة الناجية إلى غير ذلك مما ذكرتموه في غير مجلس ، وقد تكون هذه قناعتك ورأيك في هؤلاء المخالفين ، لكن ما رأيك في أولئك الحكام العلمانيين الذين اعتلوا سدة الحكم في بلاد المسلمين وحكموهم بغير ما أنزل الله وأذاقوا الدعاة إلى الله العذاب ألواناً ؟ ألا يستحق هؤلاء الحكام مجلساً توضح فيه ظلمهم وتجرأهم على شرع الله ؟! فإنك وإن كنت لا تعتقد كفرهم فما نظنك إلا معتقداً فسقهم وجورهم وبعدهم عن شرع الله .

    فإن لم تكن قادراً على نقدهم نقداً صريحاً أفلا يمكن أن تقيم شيئاً من التوازن في قولك كأن تقول مثلاً- بعد اشتدادك على مخالفيك - : إن السبب في ما يحدث هم الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ولو أنهم حكموا شرع الله لكفونا هذه المشكلات .

    بل إنني أطلب من الشيخ شيئاً هو أهون من ذلك وهو أن يتوجه إلى أولئك الحكام بنصيحة رقيقة يبين لهم فيها ما يجب عليهم من تطبيق شرع الله والرفق بعباد الله والعمل لصالح الأمة ، فإن كان الشيخ يرى أنه ليس من المصلحة فعل شيء من ذلك فما باله لم يحسب حساباً للمفسدة المترتبة على هجومه على هؤلاء الذين يخالفونه في بعض ما ذهب إليه لكنهم في النهاية إخوة له يحبونه ويقدرونه وقد تتلمذ الكثير منهم على كتبه أو استفاد منها بوجه من الوجوه ، أوَلا يكون الصدع بالحق إلا في وجوه أولئك المستضعفين الذين لا يدل ظاهرهم إلا على أنهم قد قصدوا الحق فيما قاموا به من عمل ؟.

    إني أقول للشيخ بكل صدق : إن كلماتك هذه لهي أشد على الشباب المعذَّبين في مصر من سياط الظالمين ؛ ذلك أن أولئك الظالمين قد عُرف عداؤهم لدعوة الله فلا ينتظر منهم غير التنكيل بالدعاة وإيقاع الأذى بهم ، أما أنت فإن هؤلاء المعذَّبين لا يزالون ينظرون إليك باعتيارك واحداً من علماء المسلمين يطلبون منك النصرة ولو يدعوة صادقة فإذا بهم يجدونك - بغير قصد منك - قد صرت في خندق الطواغيت تجادل عنهم وتُجهِّل من كفرهم وترميه بأشنع التهم ، وإن هؤلاء الطواغيت لأسعد الناس حالاً بمثل أقوالك أيها الشيخ الجليل، وإنهم ليستغلونها أسوأ استغلال في الحط من عزيمة أولئك الشباب وفي هز ثقتهم بعلمائهم ومحاولة الوقيعة بين شباب الدعوة وعلمائهم.

    وأخيراً أقول للشيخ إن حبنا له هوالذي حملنا على أن نكتب هذا تصحيحاً ونصحاً ورغبة في الإصلاح ، وإني لأسأل الله لي ولك وللمسلمين الإخلاص في القول والعمل والرجوع إلى الحق وحسن الخاتمة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين .

  9. #9
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2004
    الدولة : أرض الاسلام
    العمر : 61
    المشاركات : 368
    المواضيع : 53
    الردود : 368
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    أخي خليفة
    موضوع يستحق التأمل والوقوف عليه , حيث تبحث عن الحق فتجده عند هذا الفهم او في ذاك , او في ثالث .
    وطالما ان البحث يعتمد التأصيل وغايته الوصول الى الصواب من مظانه والفهم من دليله الشرعي , فالبحث فيه من الرقي ما فيه , بغض النظر عن الصواب .
    وكم يسعدني حين يتحاور المسلمين منطلقين من الكتاب والسنة وما أرشدا اليه .
    لعل – ان كان في العمر بقية – وفي الوقت سعة ان اقف عند بعض نقاط الخلاف .
    والله ولي التوفيق , وجزاك الله خيرا .

المواضيع المتشابهه

  1. تواضع الشّيخ الألباني
    بواسطة ربيع بن المدني السملالي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11-06-2023, 12:49 PM
  2. وصية الشيخ الألباني رحمه الله إلى الزوجين. ...!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-05-2007, 12:38 PM
  3. برنامج مكتبة الشيخ الألباني
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-11-2006, 02:50 AM
  4. فضائل سور القرآن الكريم كما حققها الألباني/منقول
    بواسطة قلب الليل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 28-06-2006, 09:27 PM
  5. فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -....!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 14-11-2005, 06:01 AM