سعي الإنسانية من أجل العدالة والحرية * تورغاي الديمر ترجمة : علاء الدين حسو حصري بملتقى الواحة
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90)



في مقالنا السابق ، تحدثنا مطولا عن فترة تقارب قرنين من الزمان المعاصر في تاريخنا ، وبتنا اليوم على قناعة بأن المهمة تقع على عاتقنا. و يجب علينا جميعا، برجالنا ونساؤنا وشبابنا وكهولنا، أن نكافح يدا بيد لإنهاء هذه الحقبة الزمنية . ونسأل المولى عز وجل أن يرزقنا التخلص من هذه الحقبة، ويرزقنا تذوق طعم الحرية والعدالة الإنسانية من جديد.

ظهورنا اليوم، لأجل إنهاء المعاناة التي نعيشها لمدة تزيد عن قرن من الزمان، ولإيقاف الدموع المسكوبة ، ولإنهاء عويل ألاف الأمهات. لكي نكون أمل الأيتام والفقراء والمقهورين .دون أن نطالب بهوية الضحية ولا ديانة المظلوم، مدركين مسؤوليتنا التاريخية لبناء عالم حر جديد، لأن الإنسانية بحاجة إلى عقيدة سليمة وموثوقة.
تسعى اليوم القوى العالمية الفعالة في النواحي السياسية والاقتصادية، وعبر وسائل الإعلام ومراكز المعلومات إلى بناء عالم جديد. ومراكز الدسيسة والخداع لا زالت تعمل مثل الماضي . وهذا ما يضاعف مسؤوليتنا ضمن هذه الحقبة التي نعيشها اليوم. ولا يمكن اعتماد(السير بجانب الحائط)(1) لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا، ومثلنا الأعلى، الذي علمن، على أن[ المسلم الذي يصاب بشوكة في قدمه في أية بقعة من الأرض يشعر بها أخيه المسلم الأخر](2) فأننا وفق هذا المنظور فإن أي مسلم ، وفي المفهوم العام ، فإن أي إنسان تغرس في قدمه شوكة تخصّنا ويجب أن تخصّنا .

يجب أن نطرح حلولا أكثر متانة، وتقدم وعودا أكثر ديمومة، في هذا العالم المتقلب بكثرة من عدالة إلى استغلال ومن حرية إلى عبودية . يجب أن نقف في وجه استمرار تجدد الطبيعة العالمية المبنية على الاضطهاد والعبودية . ينبغي أن نضع حدا للحلول الفردية، والمتسرعة، والأنية، المطروحة بلغة بيروقراطية لقضايا انتهاك حقوق الإنسان وتقيد المجتمعات، والتي تشبه فعاليتها كفعالية اللهب الهشة المنبعثة من احتراق القش .إنها حقيقة مؤلمة، لكننا نشهد اليوم بأنها حالة معظم التيارات السياسية المتواجدة في الساحة. والتي بسببها مع الأسف لا يمكننا أن نواجه التحديات التي تواجه المجتمعات في المنطقة. وهذا ينطبق على كل التيارات الإسلامية وغير الإسلامية المتواجدة في المنطقة.

إن القضية الكردية مازالت مستمرة في جرحنا وتعذيبنا يوميا ، كذلك القضية العلوية، وكذلك المشكلة الأرمنية ، ما زال هناك العديد من قضايا التي تخص الشعوب المسلمة من انتهاك وسلب حقوق، لم تعالج بعد في منطقة مكتظة بالمسلمين. إلى الآن لم تفتح ملفات مجزرة ضحايا سيفاس (3)،ومازال الحديث عن المذبحة التي شهدتها باش باغ(4) تجري وراء الأبواب المغلقة . إن العديد من المشاكل التي تحفظ في محاكم الاستقلال، مثل التظلم والانتهاك والاجحاف وسلب الحقوق، نحن المعنيون في الحقيقة بحلها. سنثور في وجه الظلم والاجحاف ، سندعم المظلوم. لنعلم أن الكفاح من أجل الحرية والعدالة، قديم قدم التاريخ الإنساني. لا يمكن لأحد أن يقف في وجه الحقوق المشروعة في السعي نحو الحرية . لا يمكن إعاقة الشعوب المطالبة بحقوقها الاجتماعية والسياسية المشروعة إلى الأبد . الظلم لا يمكن ان يستمر إلى الأبد.



ضمن هذا المعنى، يحزننا ويفجعنا الحبس البدني لا الفكري، لأستاذنا ذكي شان جوز، ولأخينا فخري مأمور(5) اللذان لهما فضل كبير وعميق في انضاج فكرنا وكفاحنا من أجل الحرية والعدالة. فيقع اليوم على عاتق كل واحد منا مسؤولية المساهمة في إزالة هذا الوضع .

نواجه اليوم في الوسط الذي نعيشه ،في بيوتنا، مقر أعمالنا، العديد من القضايا التي تخص الحرية والعدالة. ولهذا يجب أن ينطلق كفاحنا من البيت ، ومن ثم ننقل شعلة الأمل إلى حينا ، أماكن أعمالنا، شوارعنا، أقاربنا، جيراننا، ونشكل عينة نموذجية. يجب أن تجد الحرية والعدالة منفسا لها في كل بقعة نتواجد فيها ، وتحاج منا إلى المزيد من العمل ، يجب أن نعمل على ديمومة وعودنا ، ويجب تشكيل منظومات ، ونقدم على العمل بخطوات ثابتة.
نحن نجاهد على تكوين عالم يتسع لجميع الحقوق الدينية والاجتماعية والاثنية المشروعة . وهذا يتطلب منا تقوية قداوتنا والمحافظة على استمراريتها، مطالبتنا للحرية والعدالة ليس فقط من أجل أنفسنا،، ولا لفئة معينة من مجتمعنا، بل لكل فئات وشرائح مجتمعنا، ويجب أن نطالبها لذلك . وبمقدار دفاعنا عن حقوق وحريات الاخرين نحقق مطلبنا في الحرية والعدالة ويمكننا عندها أن نقول أننا في الصف المطالب بالحرية والعدالة. يجب أن نبقي دستور " لا أحد حر إن كان هناك فرد واحد غير حر"(6) . على قيد الحياة .

يوجد تطور طويل لمفهوم الحرية والعدالة في عالمنا، وله تعريفات مختلفة في العالم الحديث، وحصره في النطاق البشري المادي أدى إلى ضرر في مفهومه، أن مفهوم العدالة والحرية وفق ثقافتنا ، ضمن هيكله الفردي والاجتماعي وبنيته ينطوي على العيش وفق مبادئ الانصاف والمساوة ، استقامة السلوك والحكم ،السواسية ، الوسطية، الاستقامة، التشاركية، التراتبية، التوازن، التكافؤ ، القضاء وفق الحق، سلوك الطريق القويم، التوجه للتقوى، الصدق، والحيادية ، ومثل هذه القيم تمثل مفهومنا العام للحرية والعدالة.

إن (العدل) هو من اسماء الله سبحانه وتعالى ، الصق جل جله العدل لذاته، وفي القرآن الكريم {الذي خلقك فسواك فعدلك } التي تصف خلق الإنسان فيزيولوجيا بشكل منسجم ومتناسق يدخل ضمن مفهوم العدل .وأمر المسلمين بالعدل . وقد فسر معظم المفسرون الآية الكريمة {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} بانها تدخل ضمن نطاق العدل .

ومن هنا ، إن أي منهج لا يهتم بالجانب الروحاني والمادي للإنسان يعتبر منهجا ناقصا. إن المنهج الخاطئ والمتردد في مفهوم العدالة والحرية الذي اتبعه قسم من رواد التيارات الإسلامية عمّق في تعقيد الأمور. إن الحريات المشوه، والمعارة، والمستوردة، لن تكون قادرة على حل مشاكلنا بصورة صحيحة. إن مفهومنا للعدالة والحرية يجب أن يستند إلى طبيعة عقيدتنا في التوحيد والتقوى. إن تبني مفهوم الحرية بحاجة لقلب سليم، لعقل سليم، لإصغاء سليم. لن تكون هناك حرية أن لم يكن الإخلاص والتفاني .

أن الحرية باعتبارها بدأت تظهر كحق من الحقوق، فإن هذا الحق سيُمنع تثبيته من قبل بعض الفئات النخبوية . لن نترك العدالة كمبادرة بيد السلطة السياسية . يجب علينا نقل خصائص المسلمين الأخلاقية واليقينية إلى هذا العصر. إن الخليفة العادل عمر الفاروق رضي الله عنه – رمز العدالة- أقام دولته وفق مبادئ العدل والشورى والكفاءة ووجوب المصلحة . هذه المبادئ يجب أن تكون اليوم القواعد الرئيسة في بناء وتوجيه الدولة.

إن حرية الضمير والدين هو أصل كل الحقوق والحريات . لا يمكن كبت وتقيد حقوق حرية العقيدة والتعليم والعيش والتعبير و النشر. إن التمفصل الهيكلي وتقسيمات الوعي التي بنيت اليوم على اساس تعريف مفهوم العدالة والحرية يمكن تخطيها فقط وفقط باتخاذ الإنسان كمحور لتحقيق العادلة .



إن أفضل تعبير يوضح هذه العبارة هو حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن انس رضي الله عنه ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ (إن دين الإسلام عالمي، يملك رسائل لكل العصور. لأجل هذا لا يوجد في الإسلام فكرة النمط الواحد، ولا يكون الاختلاف الفكري عنده سبب للتفرقة . إذا كان هناك في بقعة ما أناس متشابهون فإن هذا يدل على عدم وجود أحد(7).

من أجل هذا يجب أن نقرأ هذا الموضوع على ضوء الوحي الإلهي وأن لا نكتفي بالقراءة فقط ، بل نسعى لإحياء عصر النبوة . ونعمل على إيجاد منظومة فكرية تستند على مبادئنا ومراجعنا ومنابعنا التاريخية مستفيدة من التراكمات العالمية .هذه المنظومة الفكرية يجب أن تستند على مفاهيم لا تتعارض مع العدالة وتتناغم مع مبدأ المساوة وتضع الامة نصب عينيها وأن لا تكون بديلة للمنظومات الثورية المبنية على كبت حريات المجتمع وتقيد أفراده . هذه المنظومة يجب أن تستوعب كافة الكائنات المختلفة في تفكيرها وميولها يسارية ، يمنية ، غربية ، شرقية، والاستفادة من ايجابياتها ونبذ سلبياتها و وبمعنى أخرى احتوائها ضمن "دار السلام" كطريق لبناء بلد إنساني، تضع أمام نصب عينها بناء اقتصاد يعتمد على العدل والتوازن لا الاستهلاك والانتاج، يعتمد على أخلاق أسسها المسؤولية والضمير لا الانجاز الفردي، يعتمد على أن الحق أساسه العدل لا القوة، توافق بين الروحية والمادية ، وترتكز على جمالية المحبة .

يجب تشيد مبنى للعالم الجديد قوامه العدالة والاخلاق واليقين. ويجب أن نكافح بالجهد والأدب والفضيلة لتحقق ذلك . وضمن هذا المفهوم علينا ان نعمل من اجل جعل وعودنا دائمة، وأن نركز جهودنا للوصول إلى تغير وصحوة حقيقية ومتأنية ، تستند على الوقائع لا النظريات . تكون قاضمة لضمائر الذين يتحدثون بأشياء كثيرة للمجتمع في المنطقة باسم الحرية والعدالة.
يمكننا بناء أسرة نموذجية بتطبيق قواعد المعلومة الصحيحة والارتباط الصحي والعمل الصالح في اسرتنا مع مراعاة الحريات الفردية وتطوريها ضمن منظور مكمل ومتمم لبعضها البعض. لا أحد يملك حق حرية أن يعمل ما يشاء ، فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الاخرين. (8)

يجب أن نسعى لتكوين عالم يستند إلى ثقافة تمكن فيه ممارسة المرء حقوقه المشروعة في الاعتقاد والدين والثقافة والعرق بحرية وأمان.

رغم العناصر الذي تسعى جاهدة في تكريس تجزئتنا و إقصاء بعضنا البعض فإن الوحدة والتعاضد الذي يظهره لنا وعينا المتأصل بقدرة ديناميكية الصحة الإسلامية في انشاء مستقبل عادل وحر على هذه البقعة .وما نيل الحرية بالتمني والإصغاء وإنما بأخذها بالإحياء.(9)

و لهذه الغاية وجد "متير الاناضول" ، الذي بدا بأحرف صفيرة ولكنه موقد(حاضن) للذين يطلقون وعودا دائمة بكلمات بسيطة . ويقع على كل فرد منا مسؤولية عدم اخماد نار هذا الموقد .

وفي هذا الخصوص يجب أن لا نكتفي بالأقوال المنتشرة على ألستنا جميعا وإنما علينا أن نقرنها بالأفعال بصدق وبإخلاص وبرغبة وبعقل سليم . نحن كمنبر الاناضول نعلم أن الذي لا يزرع لا يحصد(10) .ويتحتم علينا كأفراد أحرار أن نعيد بناء ذاتنا وفق هذا المضمار حتى نجد صدى لذلك في أسرتنا ومجتمعنا ومحيطنا.

نحن كمنبر الأناضول وعبر مطلقاتنا التي عبرنا بها عن ذاتنا ، فإن المشاريع التي نطرحها اليوم هي بمثابة بذور نبذرها في الأرض. وسترعى هذه البذور وتنبت وتخضر بأذن الله تعالى. مهمتنا تنحصر في تحمل مسؤوليتنا وما تبقى فهي على الله الشاهد والرقيب على كل شيء. إننا أحرار في ظل عبوديته الرحيم والعادل بعباده وملاذنا الوحيد، ونعرف أيضا بأن الخير فيما اختاره الله .

نسعى اليوم بأعمالنا، خاصة في مجالات الأسرة والطفل واليتم والشباب والتعليم والإنتاج والاستهلاك، وفي مجالات أخرى مشابهة، وبالتعاون مع ألاف الناس، لتشكيل موجة جديدة في الحرية والعدالة والرحمة ،و من أجل بناء نهضة إنسانية، ولهدم الجدر المشيدة في وجه أخوتنا، ولإزالة الحدود الفاصلة والمانعة لتقاربنا .

إن ما تشهد بلدان الشعوب المسلمة في العامين المنصرمين من انتشار البحث عن الحرية والعدالة ، يضع أمامنا قضية هامة تتطلب منا تحليلا دقيقا. فقد أدى ما يعرف بالربيع العربي إلى مرحلة شهدت انهيار بعض الأنظمة السياسة، وإلى زعزعة بعضها. تظهر هذه المرحلة حتمية التغير الجذري في البنية الجيوسياسية للمنطقة. وطبعا لن نقف أمام الأحداث الجارية عديمي الإحساس، لماذا مثل هذه الأحدث تكرر في منطقتنا الجغرافية بين فترة وأخرى؟ لماذا شعارات السلطات السياسية في هذه المنطقة الجغرافية تدور حول المفهومين اللذين كانا العنوان الرئيسي لمقالنا هذا؟ كيف يمكن للفكر الإسلامي أن يوضح هذا الوباء؟ كيف يمكننا إطلاق سراح العدالة المكبوتة في دهاليز العتمة التي هي من طبيعة الظلم واخراجها إلى نور الشمس؟ كيف يمكن فضح تحريف السلطات السياسية لقيم الولاء لشرف العلم؟ كيف يمكن تفسير انحياز بعض رجال العلم في جارتنا سوريا بجانب الظالم؟
يجب ايضاح هذه المواضيع والمشابه لها. خاصة بعد انزلاق التطورات التي تشهدها البلاد المسلمة في صراعها مع أنظمتها من اجل العدالة والحرية إلى الممرات الأمينة للسلطات السياسية في بلادنا وتذكرنا بما شهدته بلادنا في أربعينات وخمسينات القرن الماضي. يجب علينا كمنظمات مجتمع مدني أن نحافظ على حيوية أعمالنا و أقوالنا و أفكارنا المتعلقة في هذه المواضع.

أن الامكانيات والفرص التي بحوزتنا تحملنا مسؤوليات أخلاقية. نمر بمرحلة فوق العادة. ما يحدث ويجري في العالم لم تستقر بعد على أرضية ثابتة في أذهاننا.
مع الأسف –كعالم إسلامي- لا يوجد في الوقت الحاضر مساعي حثيثة عميقة ومتمعنة محققة. علينا أن نعي ونفهم أولا ماهي مشكلاتنا، وعلى أية أرضية نستند، ومن أين نبدأ لمناقشة قضايانا.

لا يمكن تجاوز المشاكل التي تشهدها تركيا وسوريا واعتبارها تعني فئة معينة. وما تشهده سوريا لا يمكن أن تكون معينة بالسورين فقط. هي في الحقيقة مسألة امتحان جيل. ما نشهده اليوم هو مرور التاريخ بقترة تسليم الراية، وبات اليوم ما نعرفه اليوم مسؤولية أخلاقية، يتطلب منا تدخل أخلاقي. والسنة النبوية تأمرنا بذلك [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان] .

إن ما يشهده العالم الإسلامي وخصوصا سوريا اليوم من تطورات يمكن أن نحس به من خلال الحالة فوق الطبيعية التي تشهدها بلادنا، لا يمكن لأحد أن يلجأ للمشاهد الحقيقية المشروعة مع المبالغة ويتقبل ظلم وارهاب دولة البعث. لا يمكن لأحد تغير مجرى الماء، لا يمكننا تقبل استمرار أي نظام ظالم، لا يمكننا تجاهل قتل الابرياء، ولا يمكننا غض النظر عن انتهاك عفة النساء، ليكن من يكون ، نحن ضد الظالم ومع المظلوم .
يجب أن لا ننسى أن جميع الأنظمة في الشرق الأوسط أقيمت وفق اتفاقات إنجلترا وروسيا بعد الحرب العالمية الاولى . وفي الحقيقية فإنه ابتداء من الجمهورية التركية وإيران ومصر وسوريا والعراق والسعودية العربية وغيرها من الدويلات ما هي عشوائيات شيدت فوق أملاك الأمة الإسلامية ، وأساس هذا التنظيم هو السيطرة على الثروات النفطية وطرق التجارة .

إن الدول الامبريالية الغربية المسلطة على رقاب الإنسانية منذ ثلاثة قرون ومعها سياسيو شعوبها هم عدونا الحقيقي ، و إسرائيل الصهيونية ذلك الكيان غير الشرعي المقام في منطقتنا والمتعاون مع الغرب عدوتنا ، وحكام المسلمين الدمية أعدائنا ، وكل سياسة إمبريالية هي عدوتنا. إنهم رفاق الشيطان، لا يمكن لمسلم أن يبني صداقة مع هؤلاء الشياطين. إن الدول القومية التي نشأت كنتيجة حتمية لفكرة القومية، التي أخترعها الفرنسيون واليهود الماسون، للقضاء على هيمنة الكنسية الكاثوليكية، ولفتح أسواق تجارية ، هي أيضا أنظمة من عمل الشيطان. ولا يمكن أن يعزى لها الشرعية والقدسية. وكذلك إن أية معادلة ترسم بين أخوتنا حدودا على أساس اثني هي أيضا من عمل الشيطان وهي عدوتنا.

لقد واجهنا كعالم إسلامي العديد من القضايا في حربنا مع الإمبريالية في مطلع القرن الماضي. كان هناك الكثير من التعفن، لم نتجدد، كمقولة عاكف(11) لم نقدر على تقديم قيمنا كصورة للقرن... لقد اصطادتنا الامبريالية ونحن في غفلة .لقد خسرنا الجولة الاولى من الحرب. ولكن الحرب لم تنتهي بعد . نعيش اليوم جولة جديدة وبإذن الله سننتصر بقيمنا هذه المرة . نعيش سلطة قيمنا، لن كون هناك دول الخطط ا، ب، ج، . قيمنا ستحمل من جديد العادلة والرحمة إلى العالم. لقد فعلنها سابقا، وسنفعلها مرة اخرى بإذن الله. سنعيد تقديم رسائل الوحي والإسلامية العالمية في العدل والأمان و السعادة و الطمأنينة إلى الإنسانية. لأجل هذا نقف اليوم على عتبة هامة ، نؤمن بأننا ومن هنا سنخطو خطوات هامة .

ينبغي علينا أن نفهم، بما نملكه اليوم من قدرات وفرص ، إنه أصبحت لدينا التزامات أخلاقية. وأنها أمانة في أعناقنا لإحقاق الحق ، وأنها باتت حملا ثقيلا وتحولت إلى امتحان كبير شهدنها مرارا وتكرارا في حياتنا السابقة. أن الخناق المطبق والمتشدد في هذا العالم على العدالة والحرية والرحمة يخصنا معنويا وشخصيا ويجب ان يخصنا ويعنينا. وهكذا نقف اليوم ضمن هذا المفهوم ، أمام تغير ذهني، وعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا التي تقتضيها هذه التغيرات.

كيف نحلل المرحلة الجيدة؟. تقع على عاتقنا جميعا الإجابة على هذا السؤال. علينا أن نرى كمسلمين، وأن نحفظها في أذهننا بأن القدرة الإلهية هي على الدوام معنا في هذه المرحلة الجديدة. نشهد اليوم وسنشهد خسارة واضمحلال وتفتت الفئات التي لم تبصر التغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم، و الآن نشهد بأن هذه الفئات كإيران والسعودية وغيرها من الدول والجماعات، التي لم تقرأ مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة بشكل صحيح ستضمحل وتتلاشى خلال هذه المرحلة.

فإيران ومع الأسف، وقد تجاهلت شعار "لا سنية ولا شيعية" الذي تبناه الخميني قائد الثورة الإسلامية ، ارتدت إلى سنوات بعيدة من ما قبل الثورة، ونظرت إلى الاحداث الجارية في سوريا وفق رؤية النظام ، مضيعة بذلك فرصة رؤية رغبة الشعوب في الحرية والعدالة. فعمدت على تجاهل الظلم الذي يلحق بالشعب السوري وتعين النظام على عمله، مثلما فعل سابقا في مجزرة حماه عام 1982م. وهي بدعمها المادي والعسكري والفني تقف وتساند نظام البعث على قمع ثورة الشعب السوري منذ اللحظة الأولى للثورة. وعلى ضوء هذا ليس من المعقول أن نتقبل سعي إيران لاستغلال الفوضى المنتشرة في المنطقة لتحقيق مكاسب اضافية وتعزيز دورها التأثيري مثلما استغلت القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الإسلامية التي تبنتها ودافعت عنها ضد القوى الغربية.
لذا يجب على الجميع أن يراجع نفسه، فلا يمكن مناقشة مواضيع وحدة واتحاد الأمة، طالما الافكار المترسخة في الذهن متحجرة . طالما يوجد في العالم الإسلامي بعض المفكرين الذين مازال مترسخ في أذهانهم بأن الغربَ سلطةٌ مطلقة، ولا يتفهون الأمل وخط الأفق الذي تشكل في جغرافية العالم الإسلامي بأدمغة وأبدان شابة جسورة مؤمنة بقيمها .

إن "التغير والتحول" كمفهوم جديد لمجتمع، يجب أن يتم بشكل طبيعي عبر المناقشة. واليوم والحمد لله نرى اليوم أن وسائل الاتصال بين البشر، السمعية والمرئية - والتي كانت قبل عشرات السنين مرهونة لبرامج الترفيه - تبث برامج مناقشة، تتناول قضايا اليوم والغد والمستقبل، من خلالها يمكن للمرء أن يستخلص منها مسؤوليته تجاه قضايا العدالة والرحمة ، ولهذا وضمن هذا المفهوم نهتم بها.

أن هذه المرحلة ، هي مرحلة التغير والتحول . لا يمكن عرقلتها، ولا ايقافها، ولن تقف. سندرك بقراءتنا الصحيحة للمتغيرات الجارية في التاريخ بأن جميع العراقيل الأنية التي ستظهر في طريق كفاحنا ستزال خطوة خطوة . نحن في بداية المرحلة التاريخية. علينا العمل بجد وهمة دون روية. إن أية مقاومة تظهر في المنطقة ستبلور مفهوما جديدا، وستفتح لنا آفاقا وآمالا جديدة. سببُ وجودنا هو ايصال قيم الإسلام الكونية إلى العالم الإسلامية وإلى العالم من جديد. علينا أن نعيش ونكافح من أجل هذا المبدأ والأفق.




يجب أن نتناقش على أية مفاهيم منهجية سنعتمدها لحل مشاكلنا المزمنة و التي ستظهر لاحقا . يجب أن نتناول القيم التي تعزز التوافق. يجب أن نميل للحق لا للقوة. يجب أن نوسع الطرق البديلة ووجهات النظر المختلفة. وبالمحافظة على ثباتنا ،وبدون أن نفقد الثقة بأنفسنا وبالاعتماد على بعضنا البعض، سننقل الأمل للأجيال الجديدة وللمجتمع الجديد. هكذا يمكننا المحافظة على المرحلة الجديدة المتشكلة. إن ضمائرنا هي الضمان الوحيد لعدم حيادتنا عن الطريق، وهي السبيل لمعرفة ما نريد وما لا نريد. وتتشكل ضمائرنا بإيماننا بالله سبحانه وتعإلى وباليوم والاخر.

يجب علينا إيقاظ شعورنا وشعور أمتنا وشعور الأمة الإسلامية بالمقدرة والنجاح . ان حالة الوعي المتشكلة من مفهوم "قديم لكن غير مهمل وحديث لكن غير مكتمل" ، يجب أن تتدفق نحو الأسفل بعذوبة وسلاسة . بهذه الطريقة فقط يمكننا تشكيل جيل جديد. ومن اجل هذا على كل فرد منا إزالة جدر الخوف والقلق والإصغاء لصوت الصحوة، في نفسه وبيته، في جمعيته ومؤسسته، في مدينته وبلده. وبإصغائنا لهذا الصوت سيمكننا من إيتاء واجب من واجباتنا المسؤولة عند رب العالمين.

يجب أن لا نعهد للأنظمة الحاكمة حل مشكلاتنا، هذا التعهد سيوقعنا في مطبات عميقة ومتاهات طويلة، طبعا بمقدرة السلطات الحاكمة تقديم حلول ، حيث هناك العديد من الحلول لمشاكل الشعوب، القضية أبعد من مسألة المطبات ، الخوف من تقديم السلطات حلولها على أنها تمثل رأي الفئات المسلمة، وتوافق أراء الجماعات المسلمة وهي الحجة الابدية غير المنتهية المستخدمة لمنع رفع الشعوب اصواتها ولإسكاتها. نحن كمتجمع مدني نمتلك امكانيات أفضل واقوى من امكانيات السلطات في بناء المجتمع الفاضل القابع وراء الأفق لاستقلالنا الدائم ولحريتنا دون ان نقدم تنازلات لأحد. علينا أن نكون اصحاب المصلحة في حل المشاكل لا من حصصها.

وانطلاقا من تحمل مسؤولياتنا نرى: بأن من أهم أسباب التعثر التي تشهده جارتنا سوريا هو غياب التنظيم والتشتت لافتقاد شعبها لقيادة شفافة مقنعة. إن الكثرة العديدة وغزارة الأفكار وتنوع الآراء والامكانات الضخمة إن افتقدت التنظيم والتشكيل، وتشتت الغايات والأهداف، فإنها على الدوام تكون جاهزة لأن تقاد وتستغل وتجزء من قبل أقلية منظمة. وهذا ما يفسر عجز المعارضة في بلد تبلغ نسبتها تسعون بالمئة على بناء تنظيم قادر على اسقاط دكتاتور، لفشلها – مع الأسف- في إنشاء هيكل تنظمي في الماضي.

علينا أن لا نهمل قيمنا في الإيمان، والتي كانت دائما، وفي كل فترات السلطة، مصدر الامان والاطمئنان لحياتنا. لدينا أقوال حول هذا الموضوع المهم، وضمن أرضية مناسبة سنخلط هذه الاقوال مع بعضها البعض ، لنخرج بجمل مبعثرة ، نسعى بها لإيجاد حلول جديدة لقضايانا، لأجل هذا نحن اليوم معاً ، سألين ربنا جل جلاله أن لا يهدر جهودنا...
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



(1)- azıcık aşım ağrısız başım : وهو مثل تركي يقصد به تجنب العمل ، فكلما قل ضيوف البيت قل العمل وتجنب المتاعب ، والترجمة الحرفية ليكون لقاحي قليل من أجل ان يكون وجع رأسي قليل . ويمكن ان يقابله بالعربي (مابدي وجع الراس) او (امشي جنب الحيط واقول سترك ).
(2)- لم اهتدي للحديث . لعل يقصد . الحديث النبوي
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير
(3) ضحايا سيواس : في 2 تموز عام 1993م هاجم متطرفون أتراك فندق ماديمق في مدينة سيفاس(سيواس) وأشعلوا فيه حريقا أدى إلى مقتل 33 شخصا كانوا يشاركون في فعالية ثقافية في المدينة لتخليد ذكرى الشاعر بير سلطان ابدال وكان الضحايا من العلوين .
(4)- مذبحة باش باغ ، يقصد بها المذبحة الذي ارتكبها حزب العمال الكردستاني في قرية باش باغ التابعة لمحافظة ارزنجان في الخامس من تموز عام 1993م وذهب ضحيتها ثلاثون مدنيا . ( مصادر ويكبيديا التركية )

(5)- ذكي شان جوز وفخري مأمور هما ناشطان تم القبض عليهما في الانقلاب الابيض المعروف باسم حركة 28 شباط عام 1997م ومازال في السجن حتى اليوم . ويعتبران من ضحايا تلك الفترة وقد حكم عليهما بطريقة غير حقوقية .
(6)- هذه الجملة هي أحدى الشعارات التي أقرها منبر الاناضول في بيانه الختامي في اجتماعي الدوري السابع الذي اقيم الثاني عشر من اب عام 2012 م وكان العنوان العام لذلك الاجتماع هو نفس عنوان هذا الفصل الذي يعتبر مادته الرئيسة تلك المناقشات التي طرحت في ذلك المؤتمر.



(7) هذه المقولة تخص المفكر الفرنسي ميشيل فوكو ،(1926-1984م) ويعد من أهم فلاسفة القرن الماضي ، الذي شكل ثورة فكرية انقلابية على نظام الأفكار في العالم كله وليس الغربي فقط له العديد من الكتب المؤثرة في العالم مثل نظام الأشياء، السلكة والمعرفة، المراقبة والعقاب، تاريخ الجنون، نظام الخطاب، وكتابه السلطة والمعرفة اثر بالساحة الفكرية العربية منذ ان وظفه إدوارد سعيد في كتابه الإستشراق. (مقابلة مع ميشيل فلو كنت ترجمة سعاد العنزي )
(8) وهذه مقولة مشهورة تخص الفيلسوف الفرنسي شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكو ، صاحب نظرية فصل السلطات. (ويكيبيديا)
(9) ذكرتني الجملة هنا بأمير ال يجب ان نسعى وفق استراتيجيتنا المبينة على القيادة المشتركة والتشاورية المشتركة بحث كل فرد ان يكون نصيب في بناء هذه المنظومة. ونؤمن بأنه بهذه الطريقة يمكن التغلب على شيطاننا الداخلي ورفاقه. ومن أجل هذا يجب علينا أولا إنشاء الجنة -التي هي طموحنا – في بيتنا، في شارعنا وحيّنا، في قرتنا وبلدتنا، في مديتنا ومحافظتنا، في مؤسساتنا وجمعياتنا. يجب ان نتحلى بهذه الصفات في أماكن أعمالنا لكي نكون خادمين حقيقين لهذه التحولات الصحية والمتأنية ومانعين للتدفق..(؟). إن أي حل نطرحه لحل مشكلاتنا ولا يمس الواقع فإن المستجدات اليومية ستبدد جهودنا المبذولة وتحورنا عن هدفنا إلى هدف أخر .
شعراء أحمد شوقي الذي قال وما نيل المطالب بالتمني وإنما أخذها غلابا.
(10) استخدم الكاتب قول تركي مأثور ترجمته الحرفية : الذي لا اثر له في الارض وجه لا يضحك وقت الحصاد.

(11) محمد عاكف أرصوي (1873-1936)من اكبر شعراء تركيا ،وهو كاتب نشيد الاستقلال التركي الذي يردد منذ تسعين عاما وكان كارها للقومية وداعية للوحدة الإسلامية ويتقن العربية .


* هذا فصل من كتاب روح العصر عند تحول القيادة في التاريخ ، وهو للمفكر التركي تورغاي الديمير وهو اول كتاب له لم يترجم بعد، وهو حاليا رئيس منبر الاناضول وهي عبارة عن تجمع اربعين جمعية مدنية في الفكر والتعليم . والترجمة تعود لي ، وكذلك الهوامش ، ، اتمنى من الاخوة النصح والمناقشة ..
علاء الدين حسو