فِي حَدِيثِ العَهْدِ يُحْكَى
أَنَّ فَلاحًا عَرِيقًا فِي الحَضَارَةْ
لَوَّنَ الطِّينُ فَخَارَهْ
وَزَكَا الدِّينُ وَقَارَهْ
وَبَنَى لِلعَدْلِ وَالعِلْمِ مَنَارَةْ
وَسَقى الشَّرْقَ انْبِهَارًا فَكَأَنَّ النَّاسَ بِالفَخْرِ سُكَارَى
وَرَّثَ الأَبْنَاءَ بُسْتَانًا خَصِيبًا شَقَّ فِيهِ النَّهْرُ بِالخَيْرِ مَسَارَهْ
فَإِذَا زَارَ حَبِيبٌ أَسْعَدَ الأَمْنُ الزِّيَارَةْ
وَإِذَا عَادَى غَرِيبٌ أَوْرَدَ المُحْتَلَّ نَارَهْ
وِبِشَأْسٍ خَطَّ فِي أُنْشُودَةِ المَجْدِ انْتِصَارَهْ

مَرَّتِ الأَيَّامُ حُبْلَى بِالحِكَايَاتِ الجَمِيَلةْ
وَالزُّنُودُ السُّمْرُ فِي الأَحْدَاثِ لَمْ تَعْدَمْ وَسِيلَةْ
كُلَّمَا مِنْ نَخْلَةٍ شَاخَتْ أَنَاخَتْ فِي رَوَابِيهَا فَسِيلَةْ
هَكَذَا أَثْمَرَتِ البَسْمَةُ فِيهِمْ سُنْبُلاتٍ مِنْ فَضِيلَةْ
دَامَ صَفْوُ العَيشِ حَتَّى خَانَ طِينُ الأَرْضِ نِيلَهْ
وَتَوَانَى الحُبُّ فِي عُرْفِ القَبِيلَةَ
شَمَّرَ الحِقْدُ عَنِ الأَحْدَاقِ ذِئْبًا فَعَوَتْ فِيهَا الرَّذِيلَةْ
وَتَوَلَّى الصِّدْقُ وَابْيَضَّتْ عُيُونُ الحَقِّ حَيْرَى
حَدَّقَ البُهْتَانُ فِي البُسْتُانِ جَدْبًا مُشْمَئِزًّا
وَاشْتَكَى لِلعُقْمِ سَارَةْ

- يَا عَمَارَةْ ..
فِيمَ تَرْجُو أَكْلَ لَحْمِي وَأَنَا أُعْلِيكَ بِاسْمِي؟
كَيْفَ تَغْتَرُّ بِحُلْمِي؟
- يَا بْنَ أُمّْ الجُوعُ يَفْرِينِي بِنَابِهْ
إِنَّهُ إِرْثُ أَبِينَا ... أَنَا لَمْ أَطْلُبْ وَزَارَةْ
خُذْ مِنَ البُسْتِانِ مَا شِئْتَ وَلكِنْ لا تُمِتَ فِينَا المَعَانِي يَا شَرَارَةْ
أَعْطِنِي لَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِن شَعِيرٍ ... بَعْضَ تَمْرٍ أَوْ ... خِيَارَةْ
قَالَ َكلا. لَسْتَ مِنِّي، لَيْسَ عِنْدِي لَكَ مِنْ شَيْءٍ سِوَى قَهْرٍ وَذُلِّ
أَنْتِ عَبْدِي وَأَنَا السَّيِّدُ وَالقَاضِي وَلَنْ تُصْبِحَ مِثْلِي
فَاتَّعِظْ مِنْ بَطْشِ ظِلِّي
وَاخْشَ عِفْرِيتَ المَغَارَةْ
- يَا خَسَارَةْ ... يَا خَسَارَةْ!
- لا تَقُلْ لِي يَا خَسَارَةْ، إِنَّهَا فَنُّ الشَّطَارَةْ!

حَاوَلَ الصَّبْرَ وَلَكِنْ لَمْ يَرَ الصَّبْرُ مَدَارَهْ
فَعَمَارَةْ ... لَمْ يَكُنْ يَمْلُكُ دَارَهْ
لَمْ يَجِدْ إِلا إِزَارَهْ
لَمْ يَجِدْ إِلا هَوَانًا جَاثِمًا فِي كُلِّ رُكْنٍ كُلِّ تَارَةْ
فَانْبَرَى المَحْرُومُ يَومًا يُسْمِعُ الدُّنْيَا شِعَارَهْ
أَعْطِنِي خُبْزًا وَعَدْلًا وَاحْتِرَامًا وَقَرَارَا
جَلْجَلَتْ ثَوْرَةُ عَزْمٍ تَطْلُبُ العِزَّ مَآلا
فَتَهَاوَى العَرْشُ وَالنَّعْشُ تَعَالَى
أُخْضِعَ الوَالِي أَخِيرًا فَاسْتَقَالا
وَارْتَوَى البُسْتَانُ مِنْ فَخْرٍ زُلالا
وِاسْتَتَبَّ الأَمْنُ حِينًا فِي الإِمَارَةْ
هَكَذَا قَدْ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ انْدِحَارَهْ

دَاوَلَ القَوْمُ مِرَاءً فِي تَفَاصِيلِ الحِكَايَةْ
سَاوَمُوا فِي كُلِّ غَايَةْ
فَرَّقَتْهُمْ هُوَّةُ التَّأوِيلِ فِي رَأْيٍ وَرَايَةْ
وَاسْتَقَرَّ الأَمْرُ لِلصُّنْدُوقِ أَن يُؤْتَى خَيَارَهْ
فَازَ بِالصَّوتِ عَمَارَةْ
خَاطَبَ النَّاسَ بِصِدْقٍ وَاعِدًا حُكْمَ الجَدَارَةْ
قَالَ: إِنَّ الظُّلْمَ وَلَّى وَانْتَهَى عَهْدُ المَرَارَةْ
لَيْسَ طَبْعُ الحُرِّ أَنْ يَخْنُقَ جَارَهْ
صَنَعَ الفُلْكَ بِأَلوَاحِ الصَّدَارَةْ
سَخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا: فَاشِلٌ يَجْهَلُ مَا فَنُّ الإِدَارَةْ
زَرَعَ البُسْتَانَ قَمْحًا وَرَوَى السُّوقَ تِجَارَةْ
سَخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا: لَيْسَ فِي هَذا مَهَارَةْ
حَلَبَ الحُبَّ شَهِيَّ الحِلْمِ مِن ثَدْيِ الطَّهَارَةْ
سِخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا: مَذِقٌ فِيهِ خُثَارَةْ
عَقَرُوا النَّاقَةَ لَيْلًا وَاشْتَهَوْا ضَرْعَ الحِمَارَةْ

أَذَّنَ المُرْتَدُّ فِي النَّاسِ بِإعْلامِ الدَّعَارَةْ
رَاقِصَاتٌ قُدْوَةٌ، أَوْ مُخْرِجٌ يُفْتِي، وَقَاضٍ هَجَرَ الفقْهُ دِيَارَهْ
فَتَنَ الجَهْلُ فَخَرَّ الرَّأْسُ عَبْدًا لِلحِجَارَةْ
وَبَنَى هَامَانُ صَرْحًا وَافْتَرَى العِجْلُ خُوَارَهْ
رَفَعُوا قَمْعِيَّةَ الأَسْيَافِ حَلًّا
أَوْسَعُوا شَرْعِيَّةَ الإِنْصَافِ عَذْلًا
وَدَعَوا نَفْعِيَّةَ الإجْحَافِ عَدْلًا
وَادَّعَوا رَجْعِيَّةَ الإِسْفَافِ عَقْلًا
قَلَبُوا الحُكْمَ بِغَدْرٍ مُسْتَغَلًّا
ثُمَّ ذُلًا ..
قَبَّلُوا نَعْلَ التَّجَنِّي بِحَرَارَةْ
عَادَ لِلْحُكْمِ شَرَارَةْ

وَقَفَ الوَالِي خَطِيبًا
قَالَ: هَذا الرَّهْطُ أَعْدَاءُ الحَضَارَةْ
إِنَّهُمْ شِرْذِمَةٌ مِنْ بَعْضِ شُذَّاذٍ وَرُوَّادِ حَقَارَةْ
كَيْفَ يَغْدُو مِثْلَ رَبِّ القَصْرِ بَوَّابُ العَمَارَةْ
إِنَّهُمْ عَارٌ وَإِنَّ الحُرَّ يَسْتَأْصِلُ عَارَهْ
فَاسْتَخَفَّ القَوْمَ قَالُوا:
إِنَّهُ قَوْلٌ حَكِيمُ
صَدَقَ الوَالِي العَظِيمُ
قَدّسُوهُ وَهْوَ عَيرٌ لَمْ يَخُضْ فِي الحَرْبِ غَارَةْ
وَأَطَاعُوهُ قَطِيعًا يَمْضُغُ القَوْلَ وَيَجْتَرُّ القَذَارَةْ

أُدْخِلَ السِّجْنَ عَمَارَةَ
لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَمِيصٌ يَمْنَحُ العَانِي الأَمَارَةْ
لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُدُولٌ يَشْهَدُونَ الحَقَّ فِي أَيِّ اسْتِشَارَةْ
فَتَوَلَّى كُلُّ حِزْبٍ وَاجْتَنَى الكَيْدُ حِوَارَهْ
قِيلَ: إِرْهَابٌ وَشَرٌّ وَنَفَاقٌ وَغَرَارَةْ
قَاوَمُوا بِالسِّلْمِ قَادَتْ جَمْعَهُمْ تِلْكَ العِبَارَةْ
قِيلَ: إِنَّ الفَصْلَ فِي المَيْدَانِ لَيْسَ الحُكْمُ فِي مَلْءِ اسْتِمَارَةْ
خَرَجُوا فِي كُلِّ حَيٍّ، كُلِّ مَيدَانٍ وَحَارَةْ
قِيلَ: كُفُّوا! كُلُّ صَوْتٍ رَافَضٍ يَعْنِي انْتِحَارَهْ
هَتَفُوا عِنْدَ التَّحَدِّي: لا يَهَابُ اللَيثُ غَارَهْ

كَبَّلُوا الكَفَّيْنِ لَكِنْ ظَلَّ زِنْدُ الصَّبْرِ أَقْوَى مِنْ صِفَادِهْ
مَزَّقُوا العَيْنَينِ لَكِنْ ظَلَّ نُورُ الصَّدْرِ أَهْدَى مِنْ سَوَادِهْ
دَبَّجُوا الأَقْوَالَ لَكِنْ ظَلَّ صَوْتُ النَّصْرِ أَعْلَى مِنْ مِدَادِهْ
حَاصَرُوا الأَحْلامَ وَالأَيَّامَ عَدْوًا
ثُمَّ شَقُّوا جَوْفَها وَاسْتَخْرَجُوا مِن نَبْضِهَا تِلكَ الإِشَارَةْ
صَلَّبُوهَا فَغَدَتْ رَمْزَ البِشَارَةْ
وَاسْتَوَتْ فِي الكَوْنِ عُنْوانَ الجَسَارَةْ
كَسْرُ مَا فِي القَلْبِ لا يَعْنِي انْكِسَارَهْ
وَاشْتِهَارُ الكِذْبِ لا يَضْفِي عَلَى عُهْرٍ طَهَارَةْ
وَاشْتِدَادُ الخَطْبِ إِيذَانٌ سَمَاوِيٌّ لِتَفْرِيجٍ
وَإِنَّ الفَجْرَ صِنْوُ الصَّبْرِ فِي كَفِّ اسْتِجَارَةْ