يا يراعاً ينزُّ بالأمنياتِ فوقَ طرسٍ يفيض بالذكرياتِ
أمسنا كان هاهنا يتهادى بالصبا في مرابع الصَّبوات
وخطى العمر بين سود الليالي لم يزل وقعها على الربوات
والنسيم العليل يسترق الخطوَ برجعٍ مغرِّد النفحاتِ
وهو ما زال في (التهائمِ) يسري مستسرّ الخطى على الشرفات
قد ترامى به الوجوم على الأين , كليل الأنفاسِ والنبراتِ
لم يعد ينفث العبير وما عاد يبثُّ الفتونَ بالشذراتِ
فإذا بالخريفِ والحطب اليابس يعني كهولة السنواتِ
في إهابٍ .. كان الربيع به يلهو ..فأضحى المراد للعلَّاتِ
والهوى كان يوم كانَ فتيَّا يقطف العمر من ربيع الحياةِ
وذُكاء التي تقيمُ وراء السحبِ عرساً حسَّانهُ نفثاتي
سكبت ضوءها لتغسل بالإشعاعِ جرحا أحسُّ في عمق ذاتي
والمجالات كلُّها فتنةٌ يقظى تمدُّ الظلالَ في الرحباتِ
بمراحٍ به السنون استدارت فرمتنا بحلوه للشتات
وانتفضنا نعيدها ذكرياتٍ وصداها المبحوح في العرصاتِ
تستعيد النداء بين طلولٍ ورسومٍ وأربعٍ دارساتِ
ذكَّرتني أيامَ نفرحُ بالغيثِ ونعدو في السيل بالوثباتِ
والجدار الذي يريد سقوطاً راح يعطي الإنذار بالطقطقاتِ
نحن من تحتهِ نجلجلُ بالضحكِ ونثني الأعناق باللفتاتِ
ونباح الكلاب يخترق الآذانِ بصوتِ ممزق النَّبحاتِ
وقطيع الأغنامِ يلذعها البرد فترجو المعين بالغمغماتِ
والرذاذ الملتاع من صخب الريح يدق الأبواب والعتباتِ
والعيون التي تحاذر أن تلقاه خلف النوافذ المقفلاتِ
والظلامُ الرهيب يلتحف الصمت , ويرخي ستائرا داكناتِ
وعلى الدربِ هوَّةٌ تنشر الذعر بما حولها من العثراتِ
واللحاظ التي تخطَّفها البرق تضيء الطريق بالومضاتِ
وعلى نورها نسير زرافات ,نباري الرعود بالقهقهاتِ
والسحابُ الذي تكامل عبر الأفق خلَّى السبيل للنيراتِ
فأضاءت بنورها معبر الجونِ وقد ماس بالخطى الخَفِراتِ
وانبرى يوصل السرى في جيوبٍ وشقوقٍ مضيئة الفتحاتِ
وعيون النجوم تومض فيها تحت سجف الظلامِ بالرعشات
أينَ يا ربعُ بعد زحف العوادي مرتع كان مخصب الجنباتِ ؟
أين بيض المنى بسود الليالي؟ أين منى الورى؟واين لداتي ؟
أين شطري الذي افتقدت , وقد عشت على فقدهِ رفيق شكاتي ؟
كان لي توأما , وآسى جراحي بالذي فيه من جميل السمات
كان أغلى من الحياة لروحي بالهوى فيه كم سرت نغماتي
كان لي غنوةً وما زالت الغنوة ملء الأسمار والندوات
كان محراب وحدتي, كان قيثار نشيدي ,وكانَ المفتاح للمعضلاتِ
كلما الهم عضَّني منه نابٌ وتململتُ جاء بالمذهلاتِ
فأراه الدواء للنفس والداء ومن بعده فقت أُساتي
غالهُ الموتُ وهو في ميعةِ العمرِ وابقى الحياةَ للفلذاتِ
أين شطري ترى ؟! وهل ترقب النفس جوابا لسؤلها من رفاتِ
كانَ أحلى من الجمالِ بما يعطي وبعضٌ من العطاء حياتي
فلروحي الغداةَ أصدح بالنجوى ورجع الصدى يبلُّ لهاتي
فالشباب الذي قطفنا جناه ذبلت فيه نضرة الورقات
فوقفنا بالعمر نأنس بالقفر ,وهل في القفار من مؤنساتِ ؟
كم ننادي والصوت يرجع سؤلا عن ليالٍ بحبنا مقمراتِ
أين ما مُزنُ قهقهات الصبايا من خرير السيول في الطرقاتِ ؟
أين جرُّ الذيول في وحلها الراسب من كلِّ أغيدٍ وفتاةِ ؟
أين لا أين فالقضاء طواها فارتضينا الرجوع بالحسراتِ
وعلى رغم ما يثير شجاها فسحة العمر لا تزال تواتي
وإذا كان حبُّنا قد توارى فهنا اليوم مشرق الصفحات
للتي عادها الهوى فتغنَّت لتعيد التغريد بالخفقاتِ
لا حنينا كما يريد التمني بل نشيدا لصفونا في الحياة
فالليالي التي طواها صبانا برزت في مدارج الأمسياتِ
والذي حرَّك المعازف بالذكرى لحاظ تنير في الحجراتِ
تحت أهدابها من الليل جنحٌ والثريا في ضاحك الوجناتِ
جئتهُ والشجون تحرق قلبا يستحث الوجيب بالدقاتِ
خوف أن يسكت الأنين شجاه بعد أن عاد ذائب الحبات
وأنا الآن أستزيد من الذكرى جبين الصباح بالقبلاتِ
وربيع الحياة أنقى المرايا لهوانا وأكرم المعطياتِ
وحديث العيون عن ليلة الصفو ببحر مصفق الموجاتِ
وصفير الرياح يلهث بالإعياء بين الجحور والصخرات
والضباب المسكوب فوق تلال الرمل يبقى نداه في الهضبات
والوجيب المنغوم من خافق الوالهِ أفشى الأسرار بالنبضات
في الحكايات عن غرامٍ تلظَّى بأمانٍ مشبوبة الجمرات
ورؤاهُ العذاب كانت على الدرب تناغي الإحساس والخلجاتِ
بابتسامات وردهِ ولحاظٍ غرداتٍ ذكيَّةِ اللمحاتِ
قيَّدتني على هواه وألقت بفؤادي ما بين ماضٍ وآتِ
فأرى الأمس في مغاني التصابي قد تلاقى بحاضرٍ في فلاةِ
في مكانٍ تثاءب البيد عنهُ جنح ليلٍ يضيء بالهمساتِ
عند شطٍّ يصفِّق الموج فيهِ والدجى يغرق المدى في سباتِ
فيه مدَّت لي السعادة فيئا خطرت في امتداده ذكرياتي
وأنا والسهاد نعبر في الصحراء عمراً موزَّع الرغباتِ
نتحدى الآلام في المركب الصعب ونحتث خطونا بالثباتِ
والمجاديف لا تزال تغني لشراع السفين بالأمنياتِ
ومن الشوق لهفة تحمل الذكرى تناغى بها (ربيع الحياةِ )
يا (بوادي الكتاب) يا (ملتقى الأحبابِ) يا (من أتيت بالبركاتِ)
الحبيب الذي وجدت بنجواه أنيسا يحدُّ من شطحاتي
من هوىً لم يكن سوى ومض برقٍ لسرابٍ أثار من نزواتي
ورمى بي إلى المتاهة في البيداء .. أقفو خطاه في السهراتِ
ما تلوَّتْ بي المآسي على الدرب ..فماذا أضاعَ منِّي أناتي ؟
أهو الحُسن؟ ألفُ حسنٍ تمنَّى سلوتي في القديم من ليلاتي
قلت أهوى الشبيه فيهِ فيمضي يتلهى بمقودي وقناتي
فرجعت الغداة أسال عن مضناي ما بين حيرتي بالتفاتي
للذي أطلب الشبيه له وهماً فأجني الثمار من هفواتي
بحنيني , وبالذي أسهدَ العينَ وأبكى الفؤاد بالزفراتِ
وهو في لجِّها على الزورق الحاني يغذُّ السرى لشطِّ النجاةِ
حيث ألقي العصا ونفرحُ باللقيا , وفي ظلِّ أسعد اللحظاتِ
يا (بوادي الكتاب)يا (ملتقى الأحبابِ)أرجو العطاء منك فهاتي
فالتي تلبس الحياء رداءا والدلال الصداح في الحركاتِ
قد تهادت بين الندامى بشعرٍ يتغنَّى كالناي في الحلباتِ
وانثنت كالغزالِ تخطر وثباً كفراشٍ يرفُّ في الجنَّاتِ
وطيوف الأحلامِ فوق المحيَّا نافست بالرؤى سنا النيراتِ
بالتفاتي إلى يميني أراهُ في يساري يهيمُ في سبحاتي
قالَ ماذا؟ قلت أخاف من البرد قالَ البرود في الكلماتِ
طفلةٌ أحفظ العهود لمن أهوى.. ولكنه شحيح الهباتِ
والدجى راقصٌ وفي كبد الزرقاء بدرٌ ينير في خطراتي
حجبته عنِّي العوائق والأقدارُ مدّت إليه بالأنملات
ورمتهُ إلى الردى في طريقٍ عجزت عن عبوره قدراتي
والأسى ضاق بالصمودِ حباني من معانيه أصعب الصهواتِ
و بها قد عبرت جسر الأماني لا أبالي الأسنة المشرعاتِ
كلما جاءت السهامُ أصابت واستدارت تجود بالطعناتِ
والجراح التي طويت بنفسي صرخت بالأنينِ في جنباتي
يا دموع الأسى رويت حياتي فكفى ما لقيته من عظات
فالغراس التي سقيت بدمعي بادلتني الإحسان بالسيئات
وأرتني كيف الجحود إذا ما راش سهما أصاب بالمهلكات
فاليمين التي سقتها رواءً بادلت بترها بشرِّ أداة
وإلى أن نمت وطاب جناها أسلمتها الأقدار للحشرات
فإذا بالتراب يلحقه الجدب وهل في الجديب من طيبات ؟
قد أصاب الفساد خصب ثراه فأمات الفروع والشجراتِ
فالثرى الخصب ينبت الخير للناس ويربي الثمار بالحسنات
والجديب الجديب ينضح لؤما وجناه إن جاد للدودات
ومن الباطل الذي يكره الله يمين تمدّ للنكرات