فتى القدس


ألْقَى الحصى نحو العدوّ فروّعَــهْ
لمْ يَخْشَ غدْرَ رصاصهِ أو مدفعَهْ
وثَبَ الفتى يُلْقِى الحجـارةَ مثْلما
تـلـقي السّيول مياهَها المُتدفّعـةْ
كالسّيف في ضرباتهِ والّليث في
وثبـاتهِ والـرّعد عند القعـقعَةْ
والطائـراتُ تحيطــهُ وكأنّهــا
أسْرَابُ غربانٍ تَوالَتْ مُفْـزِعَةْ
تَنْشَقّ عَنْها كُلّ طائرةٍ إذَا
مَا رامـَتِ الشّبْلَ الصّغيرَ لِتَصْرَعَهْ
وكأنّها ودُخَانُها مِنْ خَلْفِهَا
ثعـبــانُ جـوٍّ جـرّ أرْقَـمَهُ معَـهْ
ألْقَتْ على أرض السّلام لَهيبها
والقوم صرْعى والقلوب مُرَوّعةْ
جمع الفتى العزمَ المتين ومتْنُهُ
صَلْدٌ كصخر القدس لمّا جَمّعــهْ
فَرَأَى التّلال أسِنّة ً ورأى السّهـــو
ل أعِنّة ً ورأى الْعَواصِفَ زوبَعةْ
وَمَضَى لِيَعْزِفَ بالحجارة لَحْنَهُ
ما أعْذَبَ اللّحن البهيّ وأرْوَعَهْ!
يا صارمًا يأبى الثـواءَ بغمدِهِ
وديارُهُ فـي أسْرِهَــا مُـتوجّعةْ
يا للجسارةِ والبطولةِ والفِدا
إذ راحَ يعْدو في خِضَمّ الْمَعْمَعَةْ
كالّليْثِ يَسْتَبِقُ الْمَهَاةَ يُرِيدُهَا
فَينالُها مـِنْ بَيْنِ ألـْفِ مُدَرّعَةْ
ضرْغَامُ آجامٍ وصَقْرُ سَحَائِبٍ
وسَليلُ أمْجَادٍ وفــارِسُ مَوقِعَةْ
نَظَرَ الفَتَى لِلقُدْسِ تَرْنُو نَحْوَهُ
كَالْأُمّ قـبْلَ فِــرَاقِهِ لِتُوَدّعهْ
وَمَضَى يَشُـمّ رُبوعَها وعَبيرَهَا
وَنَسَائِمًــا قُدسِيّة ً مُتَضَوّعةْ
وَمَضَى يُحَدّث في السّمَاءِ حمامةً
بيضاءَ حامتْ فوقهُ كي تَسْمَعَهْ
كَمْ أوْدَعَ الطّفْلُ الْحَمامةَ سرّهُ
ما أودَعَ الورْقاءَ بَلْ ما أوْدَعَهْ !
كَمْ بَثّها شَكْـوَاهْ وَهْيَ تَبُثّه ُ
الشّــــكْـوَى عَلَى الزّيْتُونَةِ الْمُتَفَرِّعَةْ
لَمْ يَدْرِ إلاّ والْمَدَافِعُ حَوْلَــــهُ
تُرْدِي حَمَائِمَهُ وَتَحْرِقُ أَفْرُعَهْ
عزّ السّلاح فَلَمْ يَجِدْ إلاّ الْحَصَى
فَمَضَى بِمعْوْلِهِ الصّغير لِيَقْلَعَهْ
زَهَدَ الْحَيَاةَ وَمَا الْحَيَاةُ عزيزةً
عِنْدَ الذِي اخْتَارَ الشّهادةَ مَطْمَعَـهْ
قَدْ أَغْلَقُوا أَبْوابَهُمْ مِنْ خَلْفِهِ
فَمَضَى إلى بابِ الْجهَادِ لِيَقْرَعَهْ
مَنَعُوهُ دِجْلَةَ والفراتَ ونيلَ مِصــــرَ
فَأَيْنَ يَرْجُو يَا بِلادِي مَشْرَعَهْ؟!
فَدِيـارُ دِجْـلَةَ أُحْرِقَـتْ وَرُبَى الفـُـــــرا
تِ تَمَزّقَـتْ والنّيل يَفْقِدُ منْبَعَهْ
وَمِنَ الْمُحِيطِ إلَى الْخَلِيجِ بِلادُنا
خَلْفَ الْحُدودِ وخَوْفِهَا مُتَقَوْقِــعَةْ
مَاذَا سَيَرْجُو مِنْ صَنِيعَةِ غَاصِبٍ
مَلَكَ العَدُوّ زِمَامَهُ أَوْ طَبّعَهْ؟!
ماذا سَيَرْجُو مِنْ سَلِيبِ إرَادَةٍ
مَا عَادَ يَدْرِي مَنْ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهْ؟!
هُوَ لا يُريدُ مِنَ العُروبَةِ دمْعَهَا
فَدُمُوعُهَا لَيْسَتْ تُوَاسِي أَدْمُعَهْ
كَانَتْ كَعقْدٍ وَاحِدٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ
والْحَبْلُ يَجْمَعُــهَا كَمَا قَدْ جَمّعهْ
حَتّى إذَا مَا الْحَبْلُ مَزّقَهُ العِدَى
سَقَطَتْ لَآلِيهَا الثّمينة مُسْرِعَةْ
لَوْ أَنّ ذِئْبَ الْغَدْرِ أَبْصَرَ نَارَهَا
مَا كَانَ مدّ عَلَى رُبَاهَا أَذْرُعَهْ