أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: قراءة فى قصة " ردة " للأديبة ربيحة الرفاعى

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي قراءة فى قصة " ردة " للأديبة ربيحة الرفاعى

    ردة .. للأديبة ربيحة الرفاعى

    مُكَلَّلَةً بِانْتِصَارٍ مَا تَزَالُ حُمْرَتُهُ تُلَوِّنُ الثِّيَابَ المُتْرَبَةَ التِي يَلْبَسُ أَعضَاؤُهَا، وَالأَمْتِعَةَ النَّاطِقَةَ بِالإِنْهَاكِ التِي يَحْمِلُونَ، وَصَلَتِ الجَمَاعَةُ أَطرَافَ المَدِينَةِ تَهْزِمُ بِالعَزِيمَةِ الإِعيَاءَ، وَتَشْحَنُ بالغَضَبِ القُلُوبَ وَبِالإِرَادَةِ الدِّمَاءَ، وَتَرَبَّصَتْ بِالقَومِ هَدأَة تَنْقَضُّ عَلَيهِم عِندَها، بَيْنَما اعتَلَى هُوَ صَهْوَةَ الجَبَلِ يَنْظُرُ إلَيهِم مِن بَعِيدٍ مُتَأَمِّلًا، غَارِقًا فِي رَحلَاتِهِ الّتِي لا تَنْتَهِي بَينَ أَمْسٍ يُلاحِقُهُ بِذِكْرَيَاتِهِ، وَغَدٍ يَفْرِضُ فِيهِ سَطْوَتَهُ مُنْتَصِرًا لِرَبِّهِ وَمُعْلِيًا رَايَاتِه، وَكَأنَّمَا تَسَرَّبَ الهُدُوءُ الّذِي يَحلُمُ بِهِ لأَطرَافِه. تَحَرَّكَت كَفُّهُ عَلَى لِحيَتِهِ الكَثَّةِ تُمَسِّدُهَا بِرَزَانَةِ القَائِدِ وَثِقَةِ الأَمِيرِ، وَعَينَاهُ فِي غَفْلَةٍ مُسَافِرَتَانِ عَبرَ المَدَى تُلاحِقَانِ خُيُوطَ الفِكْرِ وَتَغرَقَانِ مَعَ جَسَدِه المَفْتُولِ العَضَلاتِ فِي موَاتِ الشُّعُور.
    كَانَ فَتًى مَلِيحًا يُكَركِرُ بِبَرَاءَةِ الطُّفُولَةِ، إِذ تُدَاعِبِهُ نِسْوَةُ البَلْدَةِ، وَيَبْكِي بِصَخَبِهَا حِينَ يَنْهَرُهُ الرِّجَالُ العَائِدِينَ مِن أَعَمَالِهِم مُتعَبِينَ مُطَالِبِينَ بِالسَّكِينَةِ حَوْلَهُم.. يَركُضُ وَرَاءِ الفَرَاشَاتِ البَيْضَاءِ وَيَركُلُ بِقَدَمَيْهِ الحَصَى وَيَلتَقِطُ لِأُمِّهِ مِنْ بَينِ أَقدَامِ الصِّبيَةِ زَهَرَاتِ الرَّبِيعِ النَّامِيَةَ عَلَى أَطرَافِ الدُّرُوبِ، قَبلَ أَن يَعُودَ لِلبَيْتِ قُبَيْلَ الغُرُوبِ؛ لِيَغتَسِلَ وَيَتَنَاوَلَ عَشَاءَهُ وَيَندَسَّ بَينَ إخْوَتِهِ فِي الفِرَاشِ يُتَابِعُونَ بَرَامِجَ الأَطْفَالِ عَلَى شَاشَةِ تِلْفَازِهِم الصَّغِيرِ، لَكِنَّهُ فِي ذَلِكَ اليَومِ ابْتَعَدَ قَلِيلًا فِي لُعْبَةِ "الاسْتِغُمَايَةِ"، فَاخْتَبَأَتِ الشَّمْسُ وَرَاءَ التِّلالِ قَبلَ أَنْ يَخْتَبِئَ فِي بَيْتِهِ كَكُلِّ يَومٍ، وَاخْتَفَى أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُم أَحَدًا عِنْدَمَا خَرَجَ مِنْ مَخْبِئِهِ، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيْنَ خَرَجَ عَلَيهِ ذَانِكَ المُتَسَكِّعَانِ بِحَرَكَتِهِما المُرْتَخِيِةِ وَأَطْرَافِهِما القَذِرَةِ يَجُرَّانهِ لِبِنَاءٍ غَيْرِ مُكْتَمِلٍ.. حَشَرَاهُ فِي إِحَدَى حُجُرَاتِهِ المُعْتِمَةِ وَاسْتَلّا ذُكُورَتَهُمَا المَوبُوءَةِ تَسْلُبُهُ أَمَانَهُ وَإِنْسَانِيَّتَهُ.
    جَرجَرَ جَسَدَهُ الدَّامِي عَبْرَ البُيُوتِ النَّاعِسَةِ لِيَصِلَ إِلِى حَيثُ كَانَتْ أُسْرَتُهُ تَبْحَثُ عَنْهُ بِرِفْقَةِ بَعضِ الجِيرَانِ، ولمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ لَمّا رَأَوْهُ الَّذِي كَانَ، وَلا أَسْعَفَ رُوحَهُ الجَرِيحَةَ بَعْدَهَا مَا فَعَلُوا، فَقَدْ أَصْبَحَ سُبَّةَ الفِتْيَانِ، وَشَبَّ فِي أَيَّامٍ أَعْوَامًا؛ يَزِيدُ بِهِ الغَضَبُ وَتَسْتَعِرُ فِي أَعْمَاقِهِ الكَرَاهِيَةُ سَاعَةً عَن سَاعَةٍ. فَلَمْ يَتْرُكْ فَنًا لِلقِتَالِ إِلا وَتَعَلَّمَهُ، وَلَا خَلّى سَبِيلًا لِلعُثُورِ عَلَى ذَيْنِكَ الصُّعْلُوكَينِ إِلا وَسَلَكَهُ حَتَى كَادَ يُسلِمُ نَفْسَهُ لِدُرِوبِ الصَّعْلَكَةِ عَلَّهُ يَعْثُرُ عَلَيْهِمَا فِيهَا.
    أَعَادَتْهُ حَرَكَةُ الرِّجَالِ فِي السَّفْحِ إِلى حَيثِ هُوَ، وَنَظَرَ لِلشَّمسِ تَنْسَلُّ بِبُطءٍ وَرَاءَ التِّلالِ البَعِيدَةِ مُسْلِمَةً الرُّقْعَةَ الغَافِلَةَ عَمَّا يَنْتَظِرُهَا لِأَنَامِلِ اللَيْلِ تُوَشِّحُهَا بِالسَّوَادِ، فَهَبَطَ إِلِيهِم بِخِفَّةِ النَّمِرِ مُصْدِرًا تَعْلِيمَاتِهِ بِالتَّأَهُّبِ، بَينَمَا تَعبَثُ كَفُّهُ فِي عَصَبِيَّةٍ بِلِحيَتِهِ الكّثَّةِ وَتَمْتَمَ كَأَنَّمَا يَحّدِّثُ نَفْسَهُ :
    سَنَقْطَعُ بِاسْمِ اللهِ دَابِرَ الفَسَادِ .. حَضِّرُوا المِدَى لِرُؤُوسٍ "قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهُا".!

    قراءة بقلم / هشام النجار

    هنا عدة قضايا فى اتجاهات مختلفة سياسية واجتماعية ، ولنبدأ بالاجتماعية التى طغت أبعادها فى النص وسيطرت عليه ، فهناك أحلام بريئة نقية سرعان ما يتم وأدها وتدنيسها فى واقع اجتماعى مليئ بالقذارة ، وبدلاً من أن تتوجه المجتمعات الى الرقى والتقدم والحضارة بدولة القانون وبالتربية النظيفة وبطاقات الشباب الموظفة فى مكانها بعد تمام الحفاظ عليها وتوجيهها ، ترتد المجتمعات الى الانحطاط والهبوط والتدنى الخلقى والشذوذ والصراع بين تطرفين .
    ففى ناحية هناك سفلة الشذوذ والانحطاط الذين يمثلون ويجسدون العجز العام ؛ عجز عن الارتقاء الانسانى وعن الاشتباك بمفاهيم وقيم النماء والانتاج والعطاء الداعمة لارتقاء المجتمعات وامدادها بالطاقات البشرية والانتاجية ، فالشذوذ بالمنظور الاجتماعى والحضارى تجسيد للعجز واليأس والافلاس والتنازل عن مبادئ التنافسية والعطاء والرضا بالدونية والكسل والسلبية والمهانة ، فى مقابل تطرف آخر يلتبس بالدين من منطلق ثأرى انفعالى عشوائى أهوج ، لا منطلق دعوى رشيد لتحقيق الهداية العامة بآلياتها المنضبطة ، وهذا التطرف المتدثر بالدين ثبت فشله لاعتبارات كثيرة يطول شرحها ، ولكونه يسعى للثأر والصدام فهو يحاول تقمص شخصية الدولة واستلاب حقوقها وأدوارها التنفيذية والقضائية ليتحول التنظيم المتطرف الى مؤسسة صدامية مع المجتمع الذى سيحظى بتعميم أحكام الكفر والفسق والانحراف والشذوذ والجاهلية ، ومع الدولة لكونها متساهلة أو راعية لهذا كله ، ليصبح التنظيم بمثابة دولة صغيرة داخل الدولة تسعى لتطبيق أحكامها الخاصة ، وهو ان نجح فى عملية أو عمليتين يشفى بهما ثأره وغيظه فلن ينجح على الدوام ؛ فتلك الجملة التى جاءت على لسان أمير الجماعة - المجروح مجتمعياً - لا يقوم بها تنظيم عشوائى ثأرى انفعالى حماسى " سَنَقْطَعُ بِاسْمِ اللهِ دَابِرَ الفَسَادِ .. حَضِّرُوا المِدَى لِرُؤُوسٍ "قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهُا " ؛ فدابر الفساد لا يقطعه الا نهضة أمة وهو مشروع شعب بأكمله بجميع تياراته وطوائفه ، وقصة كفاح على مدى زمنى بعيد ومتدرج ، وليس مشروع تنظيم .
    اذاً نحن أمام صراع مجتمعى ساخن وبارد بين العجز والفشل ؛ فى مقابلة تفسر العجز العام وفشل الأمة عن النهوض ، فهو صراع بين صور الشذوذ والانحراف والهبوط والتدنى والانحطاط الأخلاقى والقيمى فى المجتمع ، وبين الفشل بزعامة وقيادة جماعات متطرفة أخطأت الطريق وظنت أنها بهذا السلوك الفردى والمفاهيم السطحية تستطيع وحدها حل الاشكاليات المجتمعية المعقدة بتقمصها شخصية هيئات الدولة التنفيذية والقضائية ، ودولة مرتبكة غائبة عاجزة عن حل جذور الأزمات الحقيقية من بطالة وفقر وخواء ثقافى وعلمى وهو الدرجة الصفرية من الجهل ، فقد يكون المجتمع به نسبة أمية تعليمية لكن لديه وعى ثقافى وحضارى وهذا نفتقده فى مجتمعاتنا .
    المعالجة السياسية لا تقل أهمية وهى امتداد لهذا الصراع الاجتماعى المحتدم البئيس بين العجز والشذوذ والانحراف من ناحية وبين التطرف والفشل فى حل المشكلات والوصول بالمجتمع الى بر الأمان من ناحية أخرى ، لتتوسع دائرة الصراع بين طبقة فقيرة ضالة متمردة تتفشى فيها الجريمة والانحرافات وبين جماعات تتحرك من منطلقات ثأرية ضيقة لا من رؤى اصلاحية منضبطة ، ودولة ومؤسسات وسلطة تصارع من أجل البقاء فوق سطح صفيح واقع منقسم ممزق ، واذا تحركت جاءت متأخرة جداً ك( راعى بقر منتصف الليل ) – هذا الفيلم كان من بطولة داستين هوفمان واخراج جون شليسنجر - الذى غزته المخططات والمؤامرات والأزمات والأوبئة والفتن وأسباب الفشل والعجز ، وجاء متأخراً الى المدينة متوهماً أنه سيغزوها بفحولته الجنسية فيقعده العجز والشلل .
    لا نفهم هذا الواقع السياسى الأعوج ومدى انحداره ، الا اذا ألقينا نظرة على الواقع المستقيم الرشيد والمنهج الصحيح الذى يربط بين هذه الأطراف الثلاث فى هرمية انتاجية مثمرة تصعد بالأمة والمجتمع الى الرفاهية والتقدم والتنمية والريادة ، بديلاً عن " الردة " الأخلاقية والاقتصادية والانحطاط الاجتماعى والفشل فى حل الأزمات .
    الطرف الأول هم نخبة المجتمع من أغنياء ووجهاء ثم علماء ومفكرين ومصلحين ومجددين ، ثم مربين ومثقفين ودعاة ، ثم دستوريين ومشرعين وقضاة .
    الطرف الثانى القاعدة وهم عامة الشعب بكل أطيافه وانتماءاته وطبقاته وطوائفه التى تستجيب وتتفاعل وتسهم بايجابية مع من يمد يده وينفتح على القاعدة الشعبية العريضة بصدق وتجرد .
    ثم قمة الهرم وهى رأس السلطة الحاكمة ومعاونوها ووزراؤها التنفيذيون وقضاتها ومحافظوها وأجهزتها الرقابية .
    العدالة الاجتماعية وهو مطلب من مطالب الشريعة الاسلامية ، نأخذه نموذجاً للتطبيق ؛ فالبعض يطالب الدولة باقرار العدالة الاجتماعية وترسيخ قيمة المساواة فى المجتمع ، واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لحماية الفقراء والارتفاع بمستوى المعيشة وتحسين ، وهذا فى جوهره مطالبة بتطبيق الشرع الذى يأمر بكل هذه الأشياء تحقيقاً للعدالة والمساواة .
    يغفل من يطالبون السلطة بذلك ضرورة مطالبة المجتمع بجهد مماثل ، فقبل مطالبة الدولة بتطبيق الشريعة فى هذا الميدان الواسع الذى يستوعب جهود الجميع ، لابد من مطالبة رجال الأعمال والموسرين والأثرياء والمستثمرين وطبقة أصحاب الدخول الضخمة والحسابات البنكية والعقارات والاستثمارات بالقيام بواجبهم كاملاً فى النهضة .. بل فى تطبيق الشريعة ! وهذا هو الطرف الأول من طرفى قاعدة الهرم ؛ أى طرف نخبة المجتمع وصفوته ، وهم فى هذه الحالة الأثرياء ، وقد يكون فى حالات أخرى من العلماء والدعاة ، وفى حالات أخرى من المفكرين ، وفى حالات أخرى من المُصلحين والمربين ، وفى حالات أخرى من المبدعين والمثقفين .
    لا شك أن النهضة والشريعة الاسلامية – وأنا مصر على الربط بينهما - فى هذا الاتجاه معطلة بشكل كبير ، لكن لا أحد يبذل جهداً يذكر فى طريق توعية الأغنياء وجذبهم ناحية مفاهيم دينهم وقيمه وترقية انتمائهم لمجتمعاتهم وهذا دور الدعاة الذين انشغلوا بالثارات واحتلال مكان السلطة ، ظناً بأن الشريعة لا تطبق الا بعصا الحاكم .
    فى طبقة الأغنياء والأثرياء الكبار هناك حفلات زفاف وأعياد ميلاد وأعياد زواج – بل حفلات طلاق أحياناً - تتكلف الملايين من الجنيهات ، بل فى بعض الأحيان الملايين من الدولارات !
    وهناك فعاليات ومناسبات ينظمها ويقيمها بعض الأغنياء قد تحتاج الشكليات والمظاهر فيها الى بضعة آلاف من الجنيهات لتخرج بصورة جيدة مع الحفاظ على المضمون والجوهر ، الا أنهم يعمدون الى الانفاق على بهارجها ومظاهرها وشكلياتها الملايين .
    وهم يؤاخذون كما تؤاخذ الحكومة اذا أسرفت فى الانفاق على مؤتمراتها ومهرجاناتها وفعالياتها بدون حاجة تذكر لهذا الحجم من الانفاق الذى لن يزيدَ فى المضمون ولن يؤثر فى الجوهر .
    كل هذه الاستفزازات والتصرفات غير المسئولة فى الوقت الذى يئن فيه البسطاء والفقراء والمهمشون تحت وطأة الجوع والفقر والمرض فى العشوائيات والأماكن المجهولة القصية فى المحافظات والأرياف التى لا تصل اليها قدم أحد ، سواء من رجال السلطة أو من رجال الطبقة المرفهة ، وهى تلك التى ترتكب فيها الانحرافات والجرائم كما حدث مع بطل القصة ، فما دامت عناية الدولة ورعايتها لا تصل الى هناك فنوذها وسلطتها وقانونها لا يصل كذلك .
    الشريعة لا يتوقف تطبيقها على جهد الحاكم فقط فى هذا الميدان ، وهو الذى يتعلق برقبته ملايين الفقراء ، يحاول ايجاد عمل لهذا وتدبير مسكن لذاك وتوفير علاج واعانة لتلك .
    وبمبادرة مثل مبادرة رجال أعمال أمريكا وأوربا ، وبالتبرع بنصف ثرواتهم ، نستطيع الارتقاء والنهوض بنصف المصريين الآخر من الفقراء ومعدومى الدخل والمرضى والأرامل والضعفاء والعاطلين وأطفال الشوارع .. الخ
    ونستطيع اعادة النبض والحياة لجسد التكافل الاجتماعى ، واعادة الروح لقيم الاخاء والمساواة والفعالية والايجابية .
    والأهم من ذلك أننا سننزع فتيل الكراهية والأحقاد والضغائن والجريمة والانحطاط القيمى والخلقى ، وسنضيق من دائرة التطرف الأهوج الانفعالى .
    والدعاة والتنظيمات والفصائل الاسلامية فى مطلب ايقاظ الوعى واحياء التراث والدفاع عن الرموز والثوابت والهداية دورهم ليس " " سَنَقْطَعُ بِاسْمِ اللهِ دَابِرَ الفَسَادِ .. حَضِّرُوا المِدَى لِرُؤُوسٍ "قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهُا " ، انما الاسهام فى تطبيق الشريعة بما يحقق بالفعل تطبيقها لا تشويهها .. وهم لهم دورهم بضوابط فى التحرك والتصرف والخطاب وبمنهج موزون ومعتدل وبخطة اصلاحية منهجية شاملة ، وليس بعشوائية وفوضوية أقرب الى سلوك العصابات والمافيا ، والدولة والسلطة – قمة الهرم – عليها دور بمؤسساتها التشريعية بسن القوانين والتشريعات التى تلاحق وتضيق على الفساد والانحراف والجريمة وتفتح آفاق الاستثمار والعمل ، وبمؤسساتها القضائية باقامة العدل على الجميع ومكافحة الجريمة ، وبمؤسساتها التنفيذية والشرطية بمكافحة السرقة والاختلاس والدعارة والشذوذ والفساد .
    هذا ليس تصوراً خيالياً لمجتمع سياسى مترابط ومتعاون ، انما منهج حقيقى وقابل للتطبيق لمن أرادوا العبور والنهضة والمرور الى القمة ، أما التخبط والفوضى والصراع البائس بين العجز والفشل ، فتلك هى الردة الحقيقية الى الانحطاط الحضارى والى مؤخرة الركب ، فى فيلم مأساوى دموى " حُمْرَتُهُ تُلَوِّنُ الثِّيَابَ المُتْرَبَةَ التِي يَلْبَسُ أَعضَاؤُهَا " ، موبوء بالدناءة والقسوة والوحشية " حَشَرَاهُ فِي إِحَدَى حُجُرَاتِهِ المُعْتِمَةِ وَاسْتَلّا ذُكُورَتَهُمَا المَوبُوءَةِ تَسْلُبُهُ أَمَانَهُ وَإِنْسَانِيَّتَهُ " ، فى واقع مترع بالكراهية والأحقاد " وَشَبَّ فِي أَيَّامٍ أَعْوَامًا؛ يَزِيدُ بِهِ الغَضَبُ وَتَسْتَعِرُ فِي أَعْمَاقِهِ الكَرَاهِيَةُ سَاعَةً عَن سَاعَةٍ " ، ودعائية للزعامة المزعومة تنبض بالمرارة والسخرية " فَهَبَطَ إِلِيهِم بِخِفَّةِ النَّمِرِ مُصْدِرًا تَعْلِيمَاتِهِ بِالتَّأَهُّبِ، بَينَمَا تَعبَثُ كَفُّهُ فِي عَصَبِيَّةٍ بِلِحيَتِهِ الكّثَّةِ وَتَمْتَمَ كَأَنَّمَا يَحّدِّثُ نَفْسَهُ :
    سَنَقْطَعُ بِاسْمِ اللهِ دَابِرَ الفَسَادِ .. حَضِّرُوا المِدَى لِرُؤُوسٍ "قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهُا".! " .
    اللغة طيعة منسابة رصينة والأسلوب هادئ منسجم مع جوهر القضايا المطروحة ، فهى من الضخامة التى تستدعى العقلانية والتأنى فى بحثها والسعى لايجاد حلول عميقة وممتدة لها .
    الصور الفنية دقيقة ومميزة ومشغولة بحرفية واتقان وصولاً الى خلق لوحة فنية مزدحمة بالألوان الدالة على الصراع الدموى أحياناً " بِانْتِصَارٍ مَا تَزَالُ حُمْرَتُهُ تُلَوِّنُ الثِّيَابَ المُتْرَبَةَ " ، أو للواقع البرئ النقى الذى من شأنه صناعة النهضة اذا لم تصبه ملوثات وثارات الردة " فَاخْتَبَأَتِ الشَّمْسُ وَرَاءَ التِّلالِ قَبلَ أَنْ يَخْتَبِئَ فِي بَيْتِهِ كَكُلِّ يَومٍ " أو لاظهار عتمة البؤس والشقاء والتدنى والمهانة " حَشَرَاهُ فِي إِحَدَى حُجُرَاتِهِ المُعْتِمَةِ " .
    والصورة الفنية الكلية كانت هى الأكثر تأثيراً وفعالية واحترافية وروعة رغم مرارتها ؛ فلمن يتأمل هناك احترافية أخاذة فى تصوير المجتمع المنهار الممزق العاجز والفاشل كحال بطل القصة الذى تم اغتصابه فهو فى حكم المفعول به بمهانة وذلة من آخرين ، بينما يعجز هذا المجتمع عن الانطلاق من البداية الصحيحة ويفشل فى النهضة بتعاون واسهام وانسجام وتكامل هرمى بين مكوناته ... انها صورة فنية فوق احترافية أبدعت فى تصوير ما تعانيه مجتمعات واقعة فى فخاخ مؤامرات ومستهدفة بالفتن والأوبئة والمرض والفقر والشذوذ .. ومفعول بها وليست فاعلة .

  2. #2
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    قراءة مسهبة غذّتها روافد عديدة من أنهار المعرفة
    شكرا لك أستاذ هشام وشكرا للرّائعة ربيحة على نصّها الرّائع
    بوركتما
    تقديري وتحيّتي

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام النجار مشاهدة المشاركة
    هنا عدة قضايا فى اتجاهات مختلفة سياسية واجتماعية ، ولنبدأ بالاجتماعية التى طغت أبعادها فى النص وسيطرت عليه
    ففى ناحية هناك سفلة الشذوذ والانحطاط الذين يمثلون ويجسدون العجز العام ، فى مقابل تطرف آخر يلتبس بالدين من منطلق ثأرى انفعالى عشوائى أهوج ، لا منطلق دعوى رشيد لتحقيق الهداية العامة بآلياتها المنضبطة

    المعالجة السياسية لا تقل أهمية وهى امتداد لهذا الصراع الاجتماعى المحتدم البئيس بين العجز والشذوذ والانحراف من ناحية وبين التطرف والفشل فى حل المشكلات والوصول بالمجتمع الى بر الأمان من ناحية أخرى ، لتتوسع دائرة الصراع بين طبقة فقيرة ضالة متمردة تتفشى فيها الجريمة والانحرافات وبين جماعات تتحرك من منطلقات ثأرية ضيقة لا من رؤى اصلاحية منضبطة ، ودولة ومؤسسات وسلطة تصارع من أجل البقاء فوق سطح صفيح واقع منقسم ممزق

    لا نفهم هذا الواقع السياسى الأعوج ومدى انحداره ، الا اذا ألقينا نظرة على الواقع المستقيم الرشيد والمنهج الصحيح الذى يربط بين هذه الأطراف الثلاث فى هرمية انتاجية مثمرة تصعد بالأمة والمجتمع الى الرفاهية والتقدم والتنمية والريادة ، بديلاً عن " الردة " الأخلاقية والاقتصادية والانحطاط الاجتماعى والفشل فى حل الأزمات .
    ا
    التخبط والفوضى والصراع البائس بين العجز والفشل ، فتلك هى الردة الحقيقية الى الانحطاط الحضارى والى مؤخرة الركب ، فى فيلم مأساوى دموى " حُمْرَتُهُ تُلَوِّنُ الثِّيَابَ المُتْرَبَةَ التِي يَلْبَسُ أَعضَاؤُهَا " ، موبوء بالدناءة والقسوة والوحشية " حَشَرَاهُ فِي إِحَدَى حُجُرَاتِهِ المُعْتِمَةِ وَاسْتَلّا ذُكُورَتَهُمَا المَوبُوءَةِ تَسْلُبُهُ أَمَانَهُ وَإِنْسَانِيَّتَهُ " ، فى واقع مترع بالكراهية والأحقاد " وَشَبَّ فِي أَيَّامٍ أَعْوَامًا؛ يَزِيدُ بِهِ الغَضَبُ وَتَسْتَعِرُ فِي أَعْمَاقِهِ الكَرَاهِيَةُ سَاعَةً عَن سَاعَةٍ " ، ودعائية للزعامة المزعومة تنبض بالمرارة والسخرية " فَهَبَطَ إِلِيهِم بِخِفَّةِ النَّمِرِ مُصْدِرًا تَعْلِيمَاتِهِ بِالتَّأَهُّبِ، بَينَمَا تَعبَثُ كَفُّهُ فِي عَصَبِيَّةٍ بِلِحيَتِهِ الكّثَّةِ وَتَمْتَمَ كَأَنَّمَا يَحّدِّثُ نَفْسَهُ :
    سَنَقْطَعُ بِاسْمِ اللهِ دَابِرَ الفَسَادِ .. حَضِّرُوا المِدَى لِرُؤُوسٍ "قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهُا".! " .
    اللغة طيعة منسابة رصينة والأسلوب هادئ منسجم مع جوهر القضايا المطروحة ، فهى من الضخامة التى تستدعى العقلانية والتأنى فى بحثها والسعى لايجاد حلول عميقة وممتدة لها .
    الصور الفنية دقيقة ومميزة ومشغولة بحرفية واتقان وصولاً الى خلق لوحة فنية مزدحمة بالألوان الدالة على الصراع

    والصورة الفنية الكلية كانت هى الأكثر تأثيراً وفعالية واحترافية وروعة رغم مرارتها ؛ فلمن يتأمل هناك احترافية أخاذة فى تصوير المجتمع المنهار الممزق العاجز والفاشل كحال بطل القصة الذى تم اغتصابه فهو فى حكم المفعول به بمهانة وذلة من آخرين ، بينما يعجز هذا المجتمع عن الانطلاق من البداية الصحيحة ويفشل فى النهضة بتعاون واسهام وانسجام وتكامل هرمى بين مكوناته ... انها صورة فنية فوق احترافية أبدعت فى تصوير ما تعانيه مجتمعات واقعة فى فخاخ مؤامرات ومستهدفة بالفتن والأوبئة والمرض والفقر والشذوذ .. ومفعول بها وليست فاعلة .
    ماذا أقول في هذه القراءة الإبداعية ترتقي بالنص وترفده ببراعة استثنائية بما يوصل قضيته ويحقق غايته بإضاءة ملامح الطرح وكشف دلالاته
    لا يتحقق هذا لغير ناقد مفكر مرتكز في قراءته لقاعدة ثقافية واسعة ومنهج فكري منظم ووعي اجتماعي كبير

    شكرا لكريم وقفتك على القصة وغوصك في تفاصيلها

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    للأفكار والسلوكيات الخاطئة أسباب كثيرة
    قدمت لنا أستاذتنا العزيزة ربيحة في قصتها الرائعة لغةً وفكرةً أحد تلك الأسباب ..
    وجاءت قراءة أستاذنا العزيز هشام إضاءة لأسباب أخرى ، وهي قراءة غوّاصٍ حاذق أٍستطاع أن يستجلي فيها ما زخرَ به النص من جمالياتٍ على مستوى الشكلِ والمضمون ..

    شكراً لكما من مبدعين رائعين
    تحياتي ومحبتي




    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 473
    المواضيع : 6
    الردود : 473
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    قراءة موفقة من ناقد متمكن لأديبة كبيرة نحب حرفها ونحترم حرفها.
    كنت هنا أقرأ متعلما ومستفيدا من الكبار
    شكرا للناقد وللأديبة

  6. #6
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 842
    المواضيع : 4
    الردود : 842
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    تيار إجرامي يمارس سلوكات تعكس أمراضا نفسية وأخلاقية لها أسباب على مستوى الأفراد والأسر والمجتمع
    وقد أجادت الكاتبة عرض أحد تلك الأسباب، وكان الناقد رائعا في عرض أسباب أخرى منها
    أعجبني ما قرأت

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة فى قصة " وَغشينِي النُعَاس" للأديبة د . نجلاء طمان
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-03-2018, 06:55 PM
  2. قراءة فى قصة " العصفور الأخضر " .. للأديبة نادية الجابى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-08-2015, 02:02 PM
  3. رؤية نقدية لقصة " صياد " للأديبة الكبيرة ربيحة الرفاعى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-10-2014, 11:07 AM
  4. قصيدة"هسهسات فجيعة" للقديرة ربيحة الرفاعى
    بواسطة محسن البدراوى في المنتدى كَرَوَانُ الوَاحَةِ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 21-09-2013, 01:36 AM
  5. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM