أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قراءة فى قصة " اللعنة " للأديب مصطفى حمزة

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي قراءة فى قصة " اللعنة " للأديب مصطفى حمزة

    اللعنة .. للأديب مصطفى حمزة



    بَرئتُ منك ، لا أعرفك ... اخرج من بيتي ..واغرب عن وجهي .. دعني وزادي وأهلي .
    لكنني أخوك ، ابنُ أمك وأبيك ، وهؤلاء أبنائي ، قد اقتلع الإعصارُ بيتنا ، وطرّدنا الأغرابُ ، ولم يعد لدينا سقفٌ ولا لِحافٌ !
    أصَمّ أذنيه وأخرسَ الرّحِمَ ، وأرْتجَ البابَ دُونـَهمْ ، وأسْلـَمَهُمْ لجنودِ الله من فوقهم وأعدائِه من تحتهم.
    ثم دارت الأيامُ دورتها ، فهلّ الربيعُ ، وفاحَ عبيرُ الزهور ، وحَضَنَ الأمانُ الخائفينَ والتحفوا بالسَكن، وأمسى ما كانَ حكايةً من سالف العصر والزمان
    لكنّ لعنةً سوداءَ يُشير إليها الجيلُ بعدَ الجيل ؛ لم تزل في ذلك البيت الذي أغلقَ بابَهُ دونَ أهلِه في يوم رَوْعَتِهمْ !

    رؤية نقدية بقلم / هشام النجار

    مقدمة لابد منها ونحن بصدد تناول نص للأديب المميز مصطفى حمزة ، الذى تحمل مجمل أعماله سمات تستوجب معالجتها على ضوء منطلقاتها وجذورها وتحت ظلال معارفها ومرجعياتها القيمية .
    من خلال قراءاتى لمجمل ما كتب هنا فى الواحة رصدت ولمست تنوع موضوعات ومضامين نصوصه ، ليس فقط التنوع الكمى والمنظور لقضايا مختلفة ، انما هو تنوع استيعابى لدقائق الحياة ودقائق العلاقات الانسانية ، مع غوص تحليلى مميز لشواغل النفس وأمراضها وأطماعها وصراعاتها الحياتية ، ويستطيع المتابع لأعماله بسهولة أن يتذكر الآن عدد غير قليل من قصصه التى تسرح فى هذه المساحة الرحبة من الابداع بحس فلسفى انسانى وبرؤى فكرية راقية .
    هذه السمة على وجه الخصوص تأخذنا مباشرة الى سمة مجاورة وملتصقة بها ، بعد التلميح الذى لا أجد له معنى ولا قيمة - مع توفر الأدلة والشواهد - على مرجعية هذا الفنان الاسلامية ، فأعماله خلفيتها ورؤاها وتصوراتها تعبر عن فكره والتزامه وانحيازه للمنهج الاسلامى بأخلاقياته وقيمه ورؤاه ومفاهيمه ومقاصده .
    أرى أن هذا هو سر تحرره من أسر القضايا التقليدية أو التنوع الظاهرى الكمى ليطرق مضامين انسانية غير تقليدية ، بعكس من يتخيل ويتوهم نفسه متحرراً وهو أسير موضوعات وقضايا بعينها مخاصماً المرجعية الاسلامية ظناً أن هذا هو التحرر ومن مقتضيات حرية المبدع ، بل العكس هو الصحيح مع الخروج الى رحابة الشهادة والغيب والتاريخ والحاضر والمستقبل والانسان والقيم والعلاقات والمجتمع والأسرة والطفل والمرأة والأخلاق والأفكار والصراعات وتفاصيل الحياة ... الخ ، فهو أديب حر متنوع اكتسب تلك السعة فى أفقه وخياله وأساليبه وفنياته ومضامين نصوصه من منطلقاته وجذوره الفكرية الاسلامية .
    تلك المنطلقات كفيلة بتوسيع مساحات الابداع والرؤى باكسابه مهارات وامداده بموضوعات غير متاحة لمن ضيق على نفسه بمخاصمة هذه الرحابة وتلك المساحات الفسيحة فكراً وأداءاً ، كحال جرير والأخطل عندما سئل عنهما سليمان بن عبد الملك فقال " الأخطل ضيق عليه كفره فى القول ، وجرير وسع اسلامُه قولَه " ، فمصطفى حمزة وسعت عليه رؤاه الاسلامية ومنطلقاته القيمية فى اتجاهات عدة سواء على مستوى المضامين وعمق المعالجة أو على مستوى الأسلوب الفنى الذى ألمس تأثره الثرى بالقرآن والسنة .
    فى هذا النص " اللعنة " نقرأ بوضوح هذه السمات ؛ فتلك احدى تنويعاته على جيتار المضامين ، وهى معزوفة راقية يفهمها المستمعون المستمتعون باللحن والأداء كل بحسب ميله وهمومه وجنوحه واهتماماته ، ولا يؤثر هذا العمق والغوص لا فى مقدار المتعة ولا فى فنيات النص ، وقد يذهب أحدهم الى " اللعنة " التى حلت على بنى اسرائيل ومثيلاتها عندما جحدوا أخاهم النبى وتنكروا له ، واللعنة تطال كل من اتصف بهذا الجحود والقسوة والنكران للأخ والقريب والعشير والصديق فى أزمته ومحنته ، كما حلت ببنى اسرائيل تتلوها وترددها الأجيال جيلاً بعد جيل .
    وهنا قراءات انسانية حياتية شتى لقصص جارحة للانسانية وللمشاعر ، وهى حقيقية أبطالها من بنى آدم ولحم ودم لكن بلا قلوب ولا ضمائر ولا قيم ولا مبادئ ، وفى الفرج واليسر والنعمة تسمع منهم معسول الكلام وتظن من فرط ما يتفوهون به من عبارات وشعارات أن الرجولة والشهامة لم تخلق الا لهم ، فاذا ما وقع أخوه ابن أمه وأبيه فى ضيق وأزمة تحول مناضل الأمس العنتر الهصور الى فأر جبان هارب مذعور ، يدور على البيوت يبحث عن مخبأ ، واذا لجأ اليه أخوه فى ساعة عسرة أغلق دونه بابه وأصم أذنيه ، حتى اذا أذن المولى بانفراجة وكشف للغمة ، غطى الربيع بزهوره وعبيره وسلامه على شتاء العواصف والأحزان وبقيت اللعنات تطارد هذا الرعديد الجبان طوال عمره .
    وفى المقابل تظل سيرة المناضل المبتلى المجروح زاهية محفوظة بالاجلال ، وفى الحديث " أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم ، نبى من نبى من نبى " ، فهذا أكرم وأنبل وأجمل ولا يعيب ذكره ولا يخدشه لعنات تاريخية تصيب بعض أهل بيته وان طلبوا الاستغفار وأظهروا التوبة .
    وقد تفهم المعزوفة الجميلة من زوايا اسقاطات حضارية كونية ، فالصراع لا يزال قائما بتبادلية غرائبية لكنها مقدورة لأهداف وغايات وفق سنن مفصلة متقنة لمثل تلك الصراعات بين شعوب وأمم من المفترض أنهم اخوة وأبناء عم ، وقد خلقهم المولى ليتعارفوا ويتعايشوا ، لكن منهم من ورث نبل وكرم وجينات يوسف ومنهم من فيه لؤم وأحقاد وجحود وقسوة اخوته .
    وقد يعترض بعض الحاضرين على تلك الرؤية ، مشيراً الى أن بنى اسرائيل والصهاينة لم يبلغوا معشار قسوة بعض العرب وبعض حكامهم تجاه اخوانهم وأشقائهم من عرب ومسلمين ، واذا هجر وطرد الصهاينة من المسلمين والعرب وتركوهم فى عراء الظمأ والبرد والفقر والغربة ، فما عذر العرب وما مبرراتهم وهم يغلقون أبوابهم دون اخوانهم وأشقائهم المفتونين بالمحن المبتلين بالكوارث السياسية والانسانية ؟
    بل ليس أيضاً من هذا المنظور وحده انما الجحود كذلك من أبناء الوطن الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة ، ولأن الأديب حمزة نشأ على أساليب القرآن فقد نهضت طباعه وملكاته الابداعية والأسلوبية على تلك السعة البلاغية التى تظهر جلية عند التذوق والتلقى ، فأية سعة أروع وأشمل من هذا التنوع والتعدد ، لنقرأ نصاً واحداً من خلال تلك الزوايا وبتلك الاسقاطات التى لا يكاد يرجح أحدها على الآخر .
    وقد نرجح حديث الثورات وأزمات الشعوب مع الحكومات والسلطات الجاحدة التى لا تكاد تفتح للمستضفعين باب مأوى من شورى وحرية وعدالة ومساواة ، فالحاكم المتسلط يظن أن الوطن ملكه وحده " أخرج من بيتى " ، وأنه المتحكم والمسيطر والوصى على ثرواته " زادى " ، وأن من يواليه ويطيعه ويداهنه فقط هو " أهله " ، ومن دونه من المعارضين المخالفين له فحظهم السخط والطرد والتشريد ، فضلاً عن التعذيب والقتل .
    انها القسوة والجحود تجاه أبناء الانسانية أولاد آدم وحواء " ابن أمك وأبيك " ، وتجاه الأشقاء من أب وأم واحدة فى أسرة واحدة ، وتجاه أبناء الوطن لمجرد اظهارهم الرغبة فى التغيير والحصول على بعض الحقوق .. " ثم دارت الأيام وهل الربيع " ، فالظلم لا يدوم ، انما تدوم اللعنة السوداء على الجاحدين الظالمين المضيعين لحقوق الاخوة ، وسواء كانت هذه أو تلك فهى تخدم رؤية الأديب وأبعاد وجذور معالجاته لقضاياه ؛ فالاسلام الحضارى ينكر ذلك السلوك الأحمق الاجرامى بين الأمم ، وشريعته تأمر ببر أولى القربى ، وتعاليمه وآدابه تثنى على الرجولة والشهامة والنخوة والنجدة .
    الأسلوب هنا تنوع كالعادة بين الحوار والسرد ، وهى اضافة لاكتمال قضية تأثر الأديب بالقرآن فى سعة المضامين وتعدد أوجه التأويل والأسلوب .
    الصور الفنية عنيفة وقاسية ومزمجرة مع ضراوة الجحود ووحشيته " أخرس الرحم " ، وحانية مشرقة دافئة مع التغيير المنشود " هل الربيع " ، " حضن الأمان الخائفين " ، " التحفوا بالسكن " .
    الصورة الفنية الكلية شاهقة ومدهشة ؛ فاخوة يوسف لم يعودوا كثرة انما تضاءلوا مع مرور الزمن وأصبح الجاحد الناكر واحداً فرداً وان تكبر وتغطرس فهو ضئيل متهافت ، وصارت الكثرة فى صف يوسف " وهؤلاء أبنائى " ، فقد ورث نضاله الوارثون ، بعد أن وعت الشعوب وتدربت على نكران الظلم والجحود ومقاومة الفساد والعنصرية والتفرقة والسجن والاضطهاد الذى " أمسى ما كان من سالف العصر والزمان " .. وهو ما يناضل من أجله المناضلون " الحقيقيون " .. لا " المزيفون " و " المدعون " .

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    قراءة متقنة غاصت في أدق تفاصيل ما ورائيات الحس المفجر لفكرة النص الجميل للأستاذ مصطفى حمزة " اللعنة"
    تتميز قراءات أديبنا هشام النجار بأفق ثقافي واسع وفكر عميق يظهر جليا عبر السطور التي تحكي رؤيته للنصوص موضوع القراءة، وقد أبحرنا في أفقه الإبداعي بين سطور قراءته المائزة هنا

    دمت بخير أيها الرائع

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قصة " الرحلة " للأديب يوسف إدريس
    بواسطة دينا نبيل في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 21-10-2022, 08:29 PM
  2. "البائـس" ...قراءة نقدية تحليلية فى قصة "الانتقام الرهيب " للأديب : محمد نديم
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-07-2022, 11:34 PM
  3. قراءة فى قصة حامل المصحف الشريف لحبيبتى للأديب د. مصطفى عراقى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 27-02-2017, 06:39 AM
  4. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM
  5. "أرواح فى حلوق"....دراسة نقدية تحليلية عن قصة "حلوق حارة" للأديب الرائع: د.مصطفى عطية
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 09-01-2008, 03:58 PM