أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: العقل العربي مابين تأويل القديم و إبداع الجديد

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2014
    المشاركات : 9
    المواضيع : 5
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي العقل العربي مابين تأويل القديم و إبداع الجديد

    لماذا فشل الفكر الاصلاحي او كما يسمى النهضوي التنويري في إحداث فرق يُذكر في البنية الثقافية العربية؟
    الدعوة التي حملها هذا الفكر تلخصت في إنتاج تفاسير حديثة لنصوص قديمة بدءاً من الأفغاني و عبده و انتهاءً بالجابري و ابو زيد و أركون و غيرهم من المفكرين الذين عجزوا عن التخلص من الهوية التقليدية المترسخة في عقولهم سواء نتيجة فرض هذه الهوية كهوية نمطية من الخارج-الآخر, أو كهوية مثالية مفروضة من الداخل-الذات, و ذلك في الغالب الأعم بسبب انتماءاتهم الفرعية سواء الطبقية أو الاثنية أو الطائفية, أو بسبب جبنهم في مواجهة القمع الفكري و الثقافي سواء الرسمي أو الشعبي التقليدي.
    كان من السهل على الفكر التقليدي و بخاصة السلفي محاربة و تشتيت هذه الدعوة طالما أنها (أي الدعوة النهضوية) التزمت بالأسس و المنطلقات ذاتها و اقتصرت دعواها على محاولات إعادة التأويل العقلي للنصوص الأسطورية المؤسسة للفكر التقليدي. فكيف يمكن للعقل بطبيعته النقدية أن يجابه الأسطورة دون أن يعريها و يعيدها إلى حجمها الأصلي كظاهرة اجتماعية تاريخية و كيف له أن يقوم بدوره النقدي مع التزامه بقدسية هذه النصوص الأسطورية؟ هي إذن معركة خاسرة من بدايتها, و مصير أصحاب هذه الدعوة محتوم من البداية.
    إذا كان ما ذكرناه يحتمل بعض الصدق في تفسير مصير الفكر الاصلاحي النهضوي في عالمنا العربي, فعلينا أن نتوجه بالسؤال إلى الفكر التقدمي العلماني: لماذا لا نسمع دعوة لانتاج نصوص حديثة تصبح مرجعية لشؤون الحياة الحديثة؟ الم تكن الماركسية مثلا ثورة في انتاج نصوص مرجعية ما زالت قيد التفسير و اعادة التفسير في مجال الاقتصاد السياسي بالذات؟ الم يكن سبب فشل الاحزاب العقائدية العربية المصنفة بالتقدمية عجزها عن انناج نصوص مرجعية تعالج حياتنا الحاضرة مما ادى بنا دوما و في كل انتكاسة للعودة الى نصوص مرجعية قديمة و المحاولة (الفاشلة دوما) لاعادة تفسيرها من منظور حديث لمعالجة شؤون الحياة الدنيوية الحديثة؟ ألم نتعلم بعد أن النصوص القديمة التي تجاوزها الواقع التاريخي للمجتمع لا يمكن أن تقدم الكثير لأهل العصر الحديث؟ فالثمرة كما يقال لا تسقط بعيداً عن الشجرة, و بالتالي فإن أي تأويل مهما تمطى لن يتجاوز المحدودية التاريخية للنص القديم.
    المطلوب إذن فكر جديد و نصوص حديثة, و أن تكون قوة هذه النصوص الحديثة صادرة من اعجازية حديثة, تنبع من منطقها الداخلي القوي, من محايثتها للهموم المطروحة, و من علميتها و ارتباطها الجدلي بالواقع. هذه ليست دعوة إلى ايديولوجيا جديدة بل دعوة إلى (ما فوق) ايديولوجيا, إلى فكر حي يترسب في ذهن العامة على شكل أيديولوجيات تكون قادرة على توجيه دفة التطور لعقود أو ربما قرون قادمة مادة خصبة للعقل النقدي.
    هذه دعوة لانتاج نصوص على مستوى الحقائق الكونية بواسطة العقل و الفكر الموزون, و هي مهمة مارسها العقل في الماضي تحت ستار الوحي (انظر مقالي جدلية العقل و الوحي في نفس الموقع), أما وقد أجمع الناس على انقطاع الوحي, فلا مناص للعقل من أن يفصح عن هويته الحقيقية و عن مصدر شرعيته البشرية. فمن العبث محاولة إرضاء الذات من خلال البحث في الماضي فثمة مفكر مادي يبحث عن جذور أول للمادية (مروة) في التراث و الليبرالي يبحث عن جذور ليبرالية و مختص الفلسفة يبحث عن (جراثيم أولى لها) في التراث و كذلك عالم الاجتماع يحاول عبثاً تنصيب ابن خلدون أباً لهذا العلم. قد تكون هناك نجاحات مبعثرة في عملية التنقيب الأثري هذه, فقد تجد قولا هنا أو فعلا هناك يندرج بجزئيته تحت الاتجاه الذي نفترضه, و لكن كل أعمال التنقيب هذه لم و لن تسفر عن الكشف عما يمكن تسميته أصول أو جذور للفكر الانساني الحديث. و بالمقابل, فان البحث و التنقيب في ارث اوروبا العصور الوسطى لن يكشف هو الآخر عن جذور و جراثيم أولى للفكر الحديث, بل على العكس, فان الثورة على و القطع مع السائد في القرون الوسطى هو من بذر تلك البذور. السلفي يعي هذه الحقيقة جيدا فالحداثة ستعني الثورة على التراث و القطع معه و بالتالي اختار العيش في الماضي عن وعي و هو بخياره هذا صادق مع نفسه. اما الحداثي التصالحي فعبثا يحاول التوفيق ما بين التراث و الحداثة و من هنا خطابه المهزوز.
    أما محاولات الفكر الاصلاحي لإزالة ركام الإرث التفسيري عن صدر النصوص القديمة و استبدالها بركام تفسيري حديث, لن يقود الا إلى دورة جديدة من الإحباط و النكوص الحضاري, و الشواهد تملأ صفحات تاريخانا و تاريخ الغرب, هذا التاريخ الذي يشهد بأن القفزات الحضارية في الغرب قامت على ثورات فكرية أنتجت نصوصا مرجعية جديدة أسست لأيديولوجيات قادت دورات التقدم الحضاري في الغرب. ثورات فكرية ذات مرجعية إنسانية و جذور تاريخية موضوعية, و لنا أن نسأل هل يمكن للباحث اليوم أن يجد هناك أي شبه أو تشارك ما بين أوروبا القرن العاشر و أوروبا القرن الحادي و العشرين في كل مؤسساتها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و حتى الدينية؟ حتماً لا, اذن هناك قطع و تجاوز. ليست الدعوة هنا إلى تبني ما جاءت به هذه الثورات, فشتان ما بين معطيات تاريخنا و واقعنا الحالي و معطيا الواقع الغربي سابقاً و حالياً. و أول المحظورات هو عدم الوقوع في شرك الهويات النمطية و المثالية, فلا الروح الإسلامية " منافية بطبيعتها للفلسفة بسبب انكارها للذاتية و تعلقها بالكلي المقدس الذي يسيرها و يسير كل شيئ" حسب عبد الرحمن بدوي, و لا العقل الغربي برهاني علمي بطبيعته حسب محمد عابد الجابري, فتنميط العقل يمثل حجراً عليه و قيد, في حين أن الحرية هي الشرط الأول و الضروري لفاعلية العقل.

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فيصل يغان مشاهدة المشاركة

    على العكس, فان الثورة على و القطع مع السائد في القرون الوسطى هو من بذر تلك البذور. السلفي يعي هذه الحقيقة جيدا فالحداثة ستعني الثورة على التراث و القطع معه و بالتالي اختار العيش في الماضي عن وعي و هو بخياره هذا صادق مع نفسه. اما الحداثي التصالحي فعبثا يحاول التوفيق ما بين التراث و الحداثة و من هنا خطابه المهزوز.



    أول المحظورات هو عدم الوقوع في شرك الهويات النمطية و المثالية, فلا الروح الإسلامية " منافية بطبيعتها للفلسفة بسبب انكارها للذاتية و تعلقها بالكلي المقدس الذي يسيرها و يسير كل شيئ" حسب عبد الرحمن بدوي, و لا العقل الغربي برهاني علمي بطبيعته حسب محمد عابد الجابري, فتنميط العقل يمثل حجراً عليه و قيد, في حين أن الحرية هي الشرط الأول و الضروري لفاعلية العقل.
    مرحبًا بك ..

    العنوان يؤشر أهمية رسم رؤية للخلاص من واقعنا المعرفي وفق شروط نهضة فكرية .. لكن الكاتب استغرق في تصنيف ماجرى ويجري .. وهذا التصنيف يقع في أسر الرسم في الفراغ .. أما مسألة الهويات واسقاطها على العقل العربي بحسب الجابري والإسلامي بحسب آركون لا علاقة له بالتنميط من حيث أن شرط العقلانية تكليف معرفي لايختص بالجغرافيا فلا شرق ولاغرب يؤثران على واقعية العقلنة ، ثم : ماعلاقة الحرية بالتنميط؟

    الحق أقول أننا نعيش داخل حصون التخلف في الواقع لأننا لم ننطلق من محاسبة الذات معرفيًا وغياب المؤسساتية المنتجة للمعرفة .. نحن أسرى الاجترار والتكرار والاغترار ... والسمو على الذات ورفض محاسبتها .. وبدليل اخفاق جل المشاريع النهضوية ...






    المقال مهم لكني أشعر أن للحديث فيه تتمة ... لعلنا نصل إلى حلول ...




    بالغ تقديري.
    الإنسان : موقف

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2014
    المشاركات : 9
    المواضيع : 5
    الردود : 9
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    أستاذنا الفاضل خليل حلاوجي
    شكرا لحضورك و تعليقك الصريح و المباشر. إسمح لي بالإجابة على ملاحظاتك بالتالي:
    لم يكن هدف هذه العجالة رسم طريق للخلاص من واقعنا المعرفي فهذه مهمة أجل و أصعب من أن يتصدى لها شخص واحد و تتجاوز قدراتي المتواضعة. مساهمتي في هذا الاتجاه لا تتعدى تحديد ما اعتبره شرطا ضروريا (مع عدم كفايته) ألا و هو الثورة على و القطع مع التراث (دون الخوض في تعريف و تصنيف التراث حاليا)
    أتفق تماما مع ملاحظتك حول كون شرط العقلانية تكليف معرفي لا يختص بالجغرافيا فمن هنا الدعوة في المقال لعدم الارتهان للنمطية فالتنميط غير عقلاني
    النمطية حد من حدود الهوية (في صراع الهوية مع الآخر) إذن هي قيد (ان ارتضيناها) للعقل فلا يغامر و يرتحل خارجها فيبقى أسيرا للتكرار و تأويل و اعادة تأويل القديم المؤسس للنمط بهذا المعنى يكون التنميط (أو الاصح القبول و الارتهان له) ضدا للحرية
    أتفق تماما مع ضرورة محاسبة الذات و خصوصا مساءلتها عن الهوية التي ارتضتها و النمطيات المحمولة على هذه الهوية و التي ارتهنت لها
    و أخيرا أتفهم حساسية موضوع التراث و الدعوة للقطع معه, و لكن الأمر يستلزم مناقشة مفهوم التراث و الاصطلاح على ما يعنيه و أرجو أن يسنح لي في قادم الأيام التطرق لهذا الموضوع
    أرجو أن أكون أوضحت ما أرمي إليه
    تحياتي

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    قلبي يحبكم .. وننتظر المزيد على لهفة واشتياق.


    تقديري أستاذ محمد فيصل ..

المواضيع المتشابهه

  1. تأويلُ رؤياي
    بواسطة إرادة عمران في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 23-02-2017, 01:23 PM
  2. تأويل!.. (قصة قصيرة)
    بواسطة محمد جباري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 19-12-2015, 10:27 AM
  3. قليلات العقل وكاملو العقل..
    بواسطة نبيل عودة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-08-2012, 06:44 PM
  4. غزة مابين النفاق العربي والغربي
    بواسطة عمار باطويل في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-01-2009, 02:38 PM
  5. ( مختارات من الشعر العربي القديم )
    بواسطة راندا رأفت في المنتدى مهْرَجَانُ الوَاحَةِ السَّنَوِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-06-2005, 12:10 AM