أحدث المشاركات

بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: أقوال نفيسة لابن خلدون في الشعر والشعراء

  1. #1
    الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Aug 2013
    المشاركات : 1,051
    المواضيع : 97
    الردود : 1051
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي أقوال نفيسة لابن خلدون في الشعر والشعراء

    ج1.
    أردت أن أضع في هذا الموضوع أقوالا نفيسة لابن خلدون تخص الشعر والشعراء وحاولت بعد كل قول استخراج الفوائد عن طريق تلخيصها في نقاط ثم أعقبتها بتعقيبات بسيطة وملخصة أيضا. وقمت بوضع عناوين تخص كل قول مقتبس حسب تدرجها من العام إلى الخاص.

    1-إستمرار البلاغة في اللغة:
    "و ما زالت هذه البلاغة و البيان ديدن العرب و مذهبهم لهذا العهد. و لا تلتفتن في ذلك إلى خرفشة النحاة أهل صناعة الإعراب القاصرة مداركهم عن التحقيق حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت و أن اللسان العربي فسد اعتبارا بما وقع في أواخر الكلم من فساد الإعراب الذي يتدارسون قوانينه. و هي مقالة دسها التشيع في طباعهم و ألقاها القصور في أفئدتهم و إلا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى و التعبير عن المقاصد و التعاون فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد و أساليب اللسان و فنونه من النظم و النثر موجودة في مخاطباتهم و فهم الخطيب المصقع في محافلهم و مجامعهم و الشاعر المفلق على أساليب لغتهم. و الذوق الصحيح و الطبع السليم شاهدان بذلك. و لم يفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط الذي لزم في لسان مضر طريقة واحدة و مهيما معروفا و هو الإعراب. و هو بعض من أحكام اللسان"

    -يستفاد من هذا القول أن اللغة العربية -الصحيحة بعيدا عن اللهجات- بفنونها لم تكن تزل سليمة وصحيحة برغم ما شابها من جراء الاختلاط بالعجم, بدليل الكتابات الموجودة آنذاك من شعر ونثر والتي هي على شاكلة ما كُتب من قبل وقد تتفوق عليها في البلاغة (هذا ما سيأتي بيانه لاحقا). وهذا يمهد لنا طريقا لبسط الاقوال اللاحقة كوننا ننطلق من منطلق سلامة اللغة وبالتالي سلامة الدراسات والنقد المهتمة بمختلف فنونها.
    -الاشكالية المطروحة تكمن في استمرار سلامة اللغة في عصرنا هذا. الاجابة تكون من نفس المنطلق حيث تعكس النصوص المعاصرة سلامة وبلاغة اللغة المكتوب بها والامثلة كثيرة (انظر مثلا قصائد احمد شوقي وغيره). ونجد اهتماما ملحوظا بحركات الاعراب في عصرنا الحالي ربما بسبب ما ذكره ابن خلدون.


    2-تعلم فن اللغة عن طريق التكرار
    "إعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعانى و جودتها و تصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها. و ليس ذلك بالنظر إلى المفردات و إنما هو بالنظر إلى التراكيب. فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة و مراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئد الغاية من إفادة مقصوده للسامع و هذا هو معنى البلاغة. و الملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولا و تعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حالا. و معنى الحال أنها صفة غير راسخه ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة. فالمتكلم من العرب حين كانت ملكته اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله و أساليبهم في مخاطباتهم و كيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيلقنها أولا ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك. ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة و من كل متكلم و استعماله يتكرر إلى أن يضير ذلك ملكة و صفة راسخة و يكون كأحدهم. هكذا تصيرت الألسن و اللغات من جيل إلى جيل و تعلمها العجم و الأطفال. و هذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم و لم يأخذوها عن غيرهم"

    -بين ابن خلدون أن تعلم اللغة يكون بالاحتكاك بأصحابها ولا يكون هذا إلا بالتكرارالمستمر. فيكون في بداية الأمر تعلم المفردات مستقلة عن غيرها ثم يكون تعلم تركيبها فيما بينها لتشكيل معنى للكلام وهذا عن طريق المخالطة التي تتيح لصاحبها استشعار التراكيب السليمة والبليغة ومحاكاتها حتى تتشكل له ملكة.
    والاستمرار لازم كون المكتسبات اللغوية في بداية الطريق لا تزال غير راسخة وقد تزول. وهذا حال كل مبتدئ في أي فن من فنون اللغة العربية. هذا يمهد لنا بيان كيفية تعلم الشعر فيما سنقدمه لاحقا.
    -المخالطة لا تستلزم المجالسة وإن كانت من أفضل طرق التعليم, وهي تستعمل حاليا في تعليم اللغات عن طريق ارسال المتعلم إلى البلاد الأصلية للغة لمدة كافية, ولكن كثرة القراءة والحفظ يتحيان للفرد امتلاك الاسلوب (سياتي بيانه في الملكة الشعرية).

    3-كيفية تعلم اللغة:
    "و وجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة و يروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن و الحديث و كلام السلف و مخاطبات فحول العرب في أسجاعهم و أشعارهم و كلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم و المنثور منزلة من نشأ بينهم و لقن العبارة عن المقاصد منهم. ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حساب عباراتهم و تأليف كلماتهم و ما وعاه و حفظه من أساليبهم و ترتيب ألفاظهم فتحثل له هذه الملكة بهذا الحفظ و الاستعمال و يزداد بكثرتهما رسوخا و قوة و يحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع و التفهم الحسن لمنازع العرب و أسليبهم في التراكيب و مراعاة التطبيق بينهما و بين مقتضيات الأحوال".

    -يبين صاحب المقدمة هنا الطريق التي تؤدي إلى الاحتكاك السليم ألا وهو حفظ القرآن والاحاديث وكذا سائر كلام فحول اللغة العربية ثم محاولة الكتابة بأسلوبه الخاص مراعيا في ذلك الواقع الذي يعيشه.
    -هل يمكن في عصرنا هذا الوصول إلى مرتبة من عايش العرب وتعلم لغتهم -على قول ابن خلدون, فعصرنا يتميز بضياع اللغة السليمة من ألسن الناس واستبداد اللهجات واللغات الاجنبية. أي هل يكفي الاحتكاك بالنصوص لاكتساب ملكة من عاش في عصر انتشار اللغة العربية البليغة. يبدو الامر صعبا إن لم يكن غير ممكن وهذا بسبب التباين الواسع في مدة وطريقة الاحتكاك فليس كمن عاش في وسط عربي ثقافة ولغة كمن عاش في وسط هجين, والعبرة هنا بقارنة أفراد من نفس المرتبة اللغوية فنقابل فحول اللغة في عصرنا مع فحولها في عصر اللغة العربية و انتشارها.
    يمكن تقليل الفجوة باللجوء إلى علوم النحو والصرف بتعليم قوانينها بالاضافة إلى الاحتكاك مع النصوص وأصحاب اللغة.

    4- عدم كفاية تعلم قوانين اللغة وأنها قد لا تكون ضرورية
    "...صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة و مقاييسها خاصة. فهو علم بكيفية لا نفس كيفية. فليست نفس الملكة و إنما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علماً ولا يحكمها عملاً. مثل أن يقول بصير بالخياطة غير محكم لملكتها في التعبير عن بعض أنواعها الخياطة هي أن يدخل الخيط في خرت الإبرة ثم يغرزها في لفقي الثوب مجتمعين و يخرجها من الجانب الآخر بمقدار كذا ثم يردها إلى حيث ابتدأت ويخرجها قدام منفذها الأول بمطرح ما بين الثقبين الأولين ثم يتمادى على ذلك إلى آخر العمل و يعطي صورة الحبك و التثبيت و التفتيح و سائر أنواع الخياطة و أعمالها. و هو إذا طولب أن يعمل ذلك بيده لا يحكم منه شيئاً....و لذلك نجد كثيراً من جهابذة النحاة و المهرة في صناعة العربية المحيطين علماً بتلك القوانين إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذوي مودته أو شكوى ظلامه أو قصد من قصوده أخطأ فيها عن الصواب و أكثر من اللحن ولم يجد تأليف الكلام لذلك و العبارة عن المقصود على أساليب اللسان العربي , و كذا نجد كثيراً ممن يحسن هذه الملكة ويجيد التفنن في المنظوم و المنثور و هو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول و لا المرفوع من المجرور و لا شيئاً من قوانين صناعة العربية.
    فمن هذا تعلم أن الملكة هي غير صناعة العربية و إنها مستغنية عنها بالجملة و قد نجد بعض المهرة في صناعة الإعراب بصيراً بحال هذه الملكة و هو قليل و اتفاقي و أكثر ما يقع للمخالطين لكتاب سيبوبه.. فإنه لم يقتصر على قوانين الإعراب فقط بل ملأ كتابه من أمثال العرب و شواهد أشعارهم و عباراتهم فكان فيه جزء صالح من تعليم هذه الملكة
    "

    -يتبين من هنا أن تعلم قوانين اللغة كالنحو والصرف لا تعد غاية في ذاتها بل هي وسيلة لاكتساب مهارات كتابة اللغة واجتناب الاخطاء كوضع العلامات الصحيحة آخر الكلمات والصرف الصحيح وغيرها. فقد يكون النحوي غير قادر على الكتابة الصحيحة وقد يكون الجاهل بقواعد النحو قادرا على تقديم نصوص مميزة, والسبب يعود في ذلك إلى الاحتكاك بالنصوص وأصحاب اللغة البليغة ومدى اكتساب الفرد لملكة الانشاء.
    -مع ضعف الاعتماد على القراءة و الاحتكاك بالنصوص في وقتنا هذا يكون تبني الطريقتين وسيلة فعالة, و الاشكالية موجودة الآن في قلة القراءة.

    5-البلاغة العربية لا يمتلكها الأعاجم
    "و إذا تبين لك ذلك علمت منه أن الأعاجم الداخلين في اللسان العربي الطارئين عليه المضطرين إلى النطق به لمخالطة أهله كالفرس و الروم و الترك بالمشرق و كالبربر بالمغرب فإنه لا يحصل لهم هذا الذوق لقصور حظهم في هذه الملكة التي قررنا أمرها لأن قصاراهم بعد طائفة من العمر و سبق ملكة أخرى إلى اللسان و هي لغاتهم أن يعتنوا بما يتداوله أهل مصر بينهم في المحاورة من مفرد و مركب لما يضطرون إليه من ذلك. و هذه الملكة قد ذهبت لأهل الأمصار و بعدوا عنها كما تقدم. و إنما لهم في ذلك ملكة أخرى و ليست هي ملكة اللسان المطلوبة. و من عرف أحكام تلك الملكة من القوانين المسطرة في الكتب فليس من تحصيل الملكة في شيء. إنما حصل أحكامها كما عرفت. و إنما تحصل هذه الملكة بالممارسة و الاعتياد و التكرر لكلام العرب. فإن عرض لك ما تسمعة من أن سيبويه و الفارسي و الزمخشري و أمثالهم من فرسان الكلام كانوا أعجاما مع حصول هذه الملكة لهم فاعلم أن أولئك القوم الذين تسمع عنهم إنما كانوا عجما في نسبهم فقط".

    -يبين الكاتب أن من فاته تعلم اللغة والبلاغة عن طريق اكتساب الملكة في صغره لا يحصل عليها في كبره بسبب أنه اكتسب بلاغة لغة أعجمية وهي تحول دون امتلاك بلاغة اللغة العربية. فامتلاك البلاغة يكون بشرط أساي وهو عدم امتاك بلاغة أخرى.
    -هناك من يتكلم عدة لغات فهل هذا يخالف ما جاء به ابن خلدون أم يطابق. المطابقة تتجلى في معرفة أن هؤلاء تكلموا تلك اللغات في صغرهم فحصلوا على الملكات بصورة متوازية, أو أنهم لا يملكون بلاغة تلك اللغات وإنما كلام دون البلاغة وأنهم يملكون أدواتها فقط دون البلاغة...
    فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان
    أبو عبد الله

  2. #2
    الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Aug 2013
    المشاركات : 1,051
    المواضيع : 97
    الردود : 1051
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    6-البلاغة إذا سبقتها بلاغة أخرى لا تتم:
    "و اليوم الواحد من العجم إذا خالط أهل اللسان العربي بالأمصار فأول ما يجد تلك الملكة المقصودة من اللسان العربي ممتحية الآثار. و يجد ملكتهم الخاصة بهم ملكة أخرى مخالفة لملكة اللسان العربي. ثم إذا فرضنا أنة أقبل على الممارسة لكلام العرب و أشعارهم بالمدارسة و الحفظ يستفيد تحصيلها فقل أن يحصل له ما قدمناه من أن الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحل فلا تحصل إلا ناقصة مخدوشة. و إن فرضنا أعجميا في النسب سلم من مخالطة اللسان العجمي بالكلية و ذهب إلى تعلم هذه الملكة بالحفظ و المدارسة فربما يحصل له ذلك لكنه من الندور بحيث لا يخفى عليك بما تقرر. و ربما يدعى كثير ممن ينظر في هذه القوانين البيانية حصول هذا الذوق له بها و هو غلط أو مغالطة و إنما حصلت له الملكة إن حصلت في تلك القوانين البيانية و ليست من ملكة العبارة في شيء. و الله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم."
    "و لقد نقل ابن الرفيق أن بعض كتاب القيروان كتب إلى صاحب له: يا أخي و من لا عدمت فقده أعلمني أبو سعيد كلاما أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأتي و عاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج. و أما أهل المنزل الكلاب من أمر الشين فقد كذبوا هذا باطلا ليس من هذا حرفا واحدا. و كتابي إليك و أنا مشتاق إليك إن شاء الله. و هكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري شبية بما ذكرنا. و كذلك أشعارهم [أهل أفريقية] كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة و لم تزل كذلك لهذا العهد و لهذا ما كان بأفريقية من مشاهير الشعراء إلا ابن رشيق و ابن شرف. و أكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها و لم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الآن مائلة إلى القصور. ".

    -بين الكاتب أن من اكتسب لغة غير العربية فإنه لا يستطيع امتلاك بلاغة اللغة العربية بعدها كون الملكة الأولى تقف عائقا أمام ملكة اللغة العربية وتكون ملكة ناقصة. كذلك من لم يمتلك بلاغة لغة أبدا, وهو نادر, فإن تأخره يحول دون إتمام بلاغة اللغة العربية إلا في النادر ولا نغتر ببعض البلاغة والبيان.
    -هذا القول يبين أمرين, الاول هو أن المشكلة تكون في سبق أحد الملكات البلاغية وليس في توافقهما, والثاني يكمن في أن المحتكّ بالنصوص العربية دون أهلها لا يمكنه اكتساب البلاغة المنشودة.
    فهل توافق الملكات يمكن الفرد من اكتساب بلاغة لغتين فأكثر؟
    إذا اعتمدنا على مبدأ الكاتب في غلبة الملكات فإن إحدى الملكات تسبق الأخرى ولا بد وهذا يرجع إلى أمرين: إما سبق إحدى اللغات عند الطفل فيميل إلى الأسبق بسبب امتلاكه لبعض اللغة وسهولة اكتسابها مقارنة بلغة جديدة, وإما, إذا افترضنا توازي المسار التعلمي في اللغتين, فإن طبعه يميل إلى إحدى اللغات, لسبب معين كلغة الابوين أو تفضيله لطابع لغوي معين أو أسباب جسمانية كاليد التي يكتب بها أو صعوبة نطق بعض الحروف أو غيرها, وتكون له الملكة في هاته اللغة. هذا لا يخالف ما قلناه سابقا في أن أصحاب اللغات المتعددة قد امتلكوا بلاغة لغات متعددة لسببن : الأول هو نقص إحدى الملكات بالضرورة, والثاني أن اكتساب أدوات اللغة لا يعني اكتساب البلاغة و الملكة.
    هذا البيان سيفيدنا, إن شاء الله في لتكلم عن الملكة الشعرية وهو فن من فنون اللغة.

    7-إنقسام فن اللغة إلى فني النثر والشعر:
    "اعلم أن لسان العرب و كلامهم على فنين في الشعر المنظوم و هو الكلام الموزون المقفى و معناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد و هو القافية. و في النثر و هو الكلام غير الموزون و كل واحد من الفنين يشتمل على فنون و مذاهب في الكلام. و في النثر و هو الكلام غير الموزون و كل واحد من الفنين يشتمل على فنون و مذاهب في الكلام. فأما الشعر فمنه المدح و الهجاء و الرثاء و أما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعا و يلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة تسمى سجعا و منه المرسل و هو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقا و لا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية و لا غيرها"

    -يعرف هنا الكاتب الشعر ابتداء على أنه ذلك الفن الذين تحكمه أوزان وقوافي وهو الذي يشتمل على المدح والهجاء وغيره من الفنون. وسنسوق فيما بعد تعريفا آخر له أكثر تخصيصا.
    -الفاصل إذن بين الفنين هو الوزن والفافية إلى حد الآن.

    8-نفي وجود ما يسمى بالشعر الحر أو الفن المنثور المقفى:
    " و اعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عند أهله و لا تصلح للفن الآخر و لا تستعمل فيه مثل النسيب المختص بالشعر و الحمد و الدعاء المختص بالخطب و الدعاء المختص بالمخاطبات و أمثال ذلك. و قد استعمل المتأخرون أساليب الشعر و موازينه في المنثور من كثرة الأشجاع و التزام التقفية و تقديم النسيب بين يدي الأغراض. و صار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر و فنه و لم يفترقا إلا في الوزن. و استمر المتأخرون من الكتاب على هذه الطريقة و استعملوها في المخاطبات السلطانية و قصروا الاستعمال في المنثور كله على هذا الفن الذي ارتضوه و خلطوا الأساليب فيه و هجروا المرسل و تناسوه و خصوصا أهل المشرق. و صارت المخاطبات السلطانية لهذا العهد عند الكتاب الغفل جارية على هذا الأسلوب الذي أشرنا إليه و هو غير صواب من جهة البلاغة لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال من أحوال المخاطب و المخاطب. و هذا الفن المنثور المقفى أدخل المتأخرون فيه أساليب الشعر ... و أما إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم و ما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم و قصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة و انفساح خطوبه. و ولعوا بهذا المسجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود و مقتضى الحال فيه. و يجبرونه بذلك القدر من التزيين بالأسجاع و الألقاب البديعة و يغفلون عما سوى ذلك. و أكثر من أخذ بهذا الفن و بالغ فيه في سائر أنحاه كلامهم كتاب المشرق و شعراؤه لهذا العهد حتى إنهم ليخلون بالإعراب في الكلمات و التصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة لا يجتمعان معها فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس. و يدعون الإعراب و يفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس. فتأفل ذلك بما قدمناه لك تقف على صحة ما ذكرناه. و الله الموفق للصواب بمنه و كرمه و الله تعالى أعلم."

    -يقوم الكاتب هنا بنفي وجود الفن المنثور المقفى في الأدب العربي وهو ما يعادل الشعر الحر حاليا. وهو استعمال بعض أدوات الشعر كالقافية والمحسنات وإهمال الوزن. فلا أصحابه الشعر نظموا ولا المرسل -أو النثر- كتبوا وهو معيبة في حقهم. ويبين أن سبب ذلك يعود إلى قصور أقلامهم عن كتابة النثر السليم دون حشو للمحسنات والقوافي.
    -هذا ما يعد مشكلة في عصرنا بسبب انكباب الكثير على كتابة الشعر الحر ليس لسبب قصورهم عن كتابة النثر وإنما بسبب قصورهم عن كتابة الشعر. فهؤلاء -الأولون- أنزلوا النثر منزلة قرب الشعر وحرروه من الأوزان حتى يغطون على عجزهم عن كتابة النثر, وهؤلاء أنزلوا الشعر مكانة قرب النثر لتغطية عجزهم عن كتابة الشعر.

    9-عدم التمكن من الشعر والنثر عند فرد واحد إلا نادرا:
    "و السبب في ذلك [في أنه لا تتفق الإجادة في فني المنظوم و المنثور معاً إلا للأقل] أنه كما بيناه ملكة في اللسان فإذا تسبقت إلى محله ملكة أخرى قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة. لأن تمام الملكات و حصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل و أيسر. و إذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المادة القابلة و عالقة عن سرعة القبول فوقعت المنافاة و تعذر التمام في الملكة و هذا موجود به في الملكات الصناعية كلها على الإطلاق. و قد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا البرهان. فاعتبر مثله في اللغات فإنها ملكات اللسان و هي بمنزلة الصناعة. و انظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكون قاصرا في اللسان العربي أبدا. فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكة اللسان العربي و لا يزال قاصرا فيه و لو تعلمه و علمه. و كذا البربري و الرومي. و الإفرنجي قل أن تجد أحدا منهم محكما لملكة اللسان العربي."

    -بنفس الطريقة يبين الكاتب أن صاحب الملكة والبلاغة الشعرية لا يمكنه تحصيل الملكة والبلاغة في النثر إلا في النادر وهو مبدأ الملكة الواحدة أو التخصص.
    - التخصص مبدأ تبنى عليه علوم ووظائف العصر, فبسبب توسع العلوم وتعدد المهام والاحتياج لأفراد مؤهلين توجب تكوين وتوظيف أفراد في ميادين ضيقة وعميقة في آن واحد.

    10-تميز الشعر العربي بتركيبته:
    "هذا الفن من فنون كلام العرب و هو المسمى بالشعر عندهم و يوجد في سائر اللغات إلا أننا الآن إنما نتكلم في الشعر الذي للعرب. فإن أمكن أن تجد فيه أهل الألسن الأخرى مقصودهم من كلامهم و إلا فلكل لسان أحكام في البلاغة تخصه. و هو في لسان العرب غريب النزعة عزيز المنحى إذ هو كلام مفصل قطعا قطعا متساوية في الوزن متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة و تسمى كل قطعين من هذه القطعات عندهم بيتا و يسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رويا و قافية و يسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة و كلمة. و ينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله و ما بعده. و إذا أفرد كان تاما في بابه في مدح أؤ تشبيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقل في إفادته. ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك و يستطرد للخروج من فن إلى فن و من مقصود إلى مقصود بأن يوطئ المقصود الأول و معانيه إلى أن يناسب المقصود الثاني و يبعد الكلام عن التنافر".

    -يوضح الكاتب أن الشعر العربي ذو طابع خاص ويبين أن وحدته في البناء هي البيت وأن كل بيت ينتهي بالقافية وأن مجموع الابيات يشكل القصيدة. وبين كذلك أن البيت مستقل في معناه متشابه في مبناه عن طريق القافية والوزن, فكل بيت يكمل فيه معنى معين بحيث لا يحتاج إلى غيره. غير أنه متناسق في معناه مع بقية أبيات القصيدة كي يخدم المعنى والهدف العام ويجتنب التنافر.

    11-وجوب اتفاق أوزان الأبيات:
    "كما يستطرد من التشبيب إلى المدح و من وصف البيداء و الطلول إلى وصف الركاب أو الخيل أو الطيف و من وصف الممدوح إلى وصف قومه و عساكره و من التفجع و العزاء في الرثاء إلى التأثر و أمثال ذلك. و يراعي فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد حذرا من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه. فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس. و لهذه الموازين شروط و أحكام تضمنها علم العروض. و ليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن و إنما هي أوزان مخصوصة تسميها أهل تلك الصناعة البحور. و قد حصروها في خمسة عشر بحرا بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية نظما."

    -يبين الكاتب بأن الشاعر يتوجب عليه مراعاة وزن البحر واستعماله في كامل القصيدة وأن هاته الأوزان يتضمنها خمسة عشر بحرا.
    -لكن هناك من يُتم المعنى في أكثر من بيت وهو مشهود.

    12-صعوبة قول الشعر على من دخله متأخرا:
    "و الشعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من المتأخرين لاستقلال كل بيت منه بأنه كلام تام في مقصوده و يصلح أن ينفرد دون ما سواه فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطف في تلك الملكة حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب و يبرز مستقلا بنفسه. ثم يأتى ببيت آخر كذلك ثم ببيت آخر و يستكمل الفنون الوافية بمقصوده. ثم يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض بحسب اختلاف الفنون التى في القصيدة. و لصعوبة منحاه و غرابة فنه كان محكا للقرائح في استجادة أساليبه و شحذ الأفكار في تنزيل الكلام في قوالبه. و لا يكفي فيه ملكة الكلام العربي على الإطلاق بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف و محاولة في رعاية الأساليب التي اختصته العرب بها و استعمالها فيه."

    -يتضح من كلام الكاتب أن استقلال البيت بمقصود معين وصعوبة إفراغ المعنى في بيت واحد مع مراعاة الوزن والقافية, وكذا توالي الأبيات وخدمتها المعنى العام يشكل صعوبة في وجه من دخل عالم الشعر متأخرا ولو كان يملك البلاغة النثرية.
    -هذا يؤكده نبوغ الشعراء ممن كانت لديه تربية شعرية واحتكاكا بالشعر والشعراء منذ نعوم الاظافر.
    لكن الكاتب لم يتطرق في قوله إلى الموهبة الشعرية ودورها في نشأة الشاعر وهذا بصرف النظر عن الملكة المكتسبة ونقصد بهذا الملكة الفطرية, فهل للملكة الفطرية دور مع ضعف الاحتكاك مع النصوص والشعراء.
    أكيد للمكة الفطرية دور ويُستدل عليها بميول الطفل إلى فن الشعر دون غيره, ولكن لا يمكننا تأكيد دورها في الوصول بالشاعر إلى صف شعراء عاشوا في بيئة عربية صرفة.






    يتبع..

  3. #3

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 19
    المواضيع : 3
    الردود : 19
    المعدل اليومي : 0.01
    من مواضيعي

      افتراضي

      سأبقى في انتظار التكملة - بإذن الله - .

    • #5
      أديبة
      تاريخ التسجيل : Aug 2014
      المشاركات : 842
      المواضيع : 4
      الردود : 842
      المعدل اليومي : 0.24

      افتراضي

      أقوال قيمة تستحق النقل
      وفي الاطلاع عليها منفعة

    • #6
      الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
      تاريخ التسجيل : Aug 2013
      المشاركات : 1,051
      المواضيع : 97
      الردود : 1051
      المعدل اليومي : 0.27

      افتراضي

      13- تعريف الشعر و دور الأسلوب فيه :
      "و قول العروضيين في حده إنه الكلام الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده و لا رسم له. و صناعتهم إنما تنظر في الشعر من حيث اتفاق أبياته في عدد المتحركات و السواكن على التوالي، و مماثلة عروض أبيات الشعر لضربها. و ذلك نظر في وزن مجدد عن الألفاظ و دلالتها. فناسب أن يكون حدا عندهم، و نحن هنا ننظر في الشعر باعتبار ما فيه من الإعراب و البلاغة. و الوزن و القوالب الخاصة. فلا جرم إن حدهم ذلك لا يصلح له عندنا فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية فنقول: الشعر هو الكلام البليغ المبني على الإستعاره و الأوصاف، المفضل بأجزاء متفقة في الوزن و الروي مستقل كل جزء منها في غرضه و مقصده عما قبله و بعده الجاري على أساليب العرب المخصوصة به. فقولنا الكلام البليغ جنس و قولنا المبني على الاستعارة و الأوصاف فصل له عما يخلو من هذه فإنه في الغالب ليس بشعر و قولنا المفصل بأجزاء متفقة الوزن و الروي فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل و قولنا مستقل كل جزء منها في غرضه و مقصده عما قبله و بعده بيان للحقيقة لأن الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك و لم يفصل به شيء. و قولنا الجاري على الأساليب المخصوصة به فصل له عما لم يجر منه على أساليب العرب المعروفة فإنه حينئذ لا يكون شعرا إنما هو كلام منظوم لأن الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور. و كذا أساليب المنثور لا تكون للشعر فما كان من الكلام منظوما و ليس على تلك الأساليب فلا يكون شعرا. و بهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبي و المعري ليس هو من الشعر في شيء لأنهما لم يجريا على أساليب العرب فيه، و قولنا في الحد الجاري على أساليب العرب فصل له عن شعر غير العرب من الأمم ".

      - يتجاوز هنا الكاتب تعريف العروضيين للشعر على أنه كلام موزون مقفى و الذي يمكن أن نسميه نظما إذا ما أثبتنا للكلام معنى سليما. فهو يعتبره:
      - كلاما بليغا : يشترط الكاتب في الشعر أن يكون كلاما بليغا يحتوي على محسنات كالاستعارات و غيرها من فنون البلاغة وإذا تأملنا أشعار الكبار نجد فيها من البيان ما يكفي لجعله أحد أركان الشعر, وهذا ما يفصله عن النظم.
      - مكونا من أجزاء مستقلة في المعنى و المقصد ولكنها تبنى على وزن واحد وهو البحر و تعتمد على حرف واحد تنتهي به و هو القافية.
      - جاريا على أساليب العرب و هو القالب العام الذي يميز النص عن غيره من أساليب العجم لما فيه من ألفاظ و بيان و تركيبات معينة للكلام معهودة عندهم و هي طريقة بناء الكلام مثل المساكن تكون على منوال متشابه فلا يدخل فيها من لا يشبهها و لو كان بيتا مثل مساكن الروم و مساكن الصينيين إذا رأيتها فإنك تفرق بينها. وهذا القالب يستشعره الفرد و يتدرب عليه بالمحاكاة. فنجد من يعتبر شعر المتنبي و المعري نظما كونه لا يجري على أساليب العرب, و هو كمن يبني بيتا على شاكلة بيوت شعوب تملك ثقافة و فنا مخالف فلا نعده بيتا.

      14- شروط لكتابة الشعر :
      " و إذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر فلنرجع إلى الكلام في كيفية عمله فنقول: اعلم أن لعمل الشعر و إحكام صناعته شروطا أولها: الحفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها و يتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب. و هذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الإسلاميين مثل ابن ربيعة و كثير و ذي الرمة و جرير و أبى نواس و حبيب و البحتري و الرضي و أبى فراس. و أكثره شعر كتاب الأغاني لأنه جمع شعر أهل الطبقة الإسلامية كله و المختار من شعر الجاهلية. و من كان خاليا من المحفوظ فنظمه قاصر رديء و لا يعطيه الرونق و الحلاوة إلا كثرة المحفوظ. فمن قل حفظه أو عدم لم يكن له شعر و إنما هو نظم ساقط. و اجتناب الشعر أولى بمن لم يكن له محفوظ. ثم بعد الامتلاء من الحفظ و شحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم و بالإكثار منه تستحكم ملكته و ترسخ. و ربما يقال إن من شرطه نسيان ذلك المحفوظ لتمحى رسومه الحرفية الظاهرة إذ هي صادرة عن استعمالها بعينها. فإذا نسيها و قد تكيفت النفس بها انتقش الأسلوب فيها كأنه منوال يؤخذ بالنسج عليه بأمثالها من كلمات أخري ضرورة. ثم لا بد له من الخلوة و استجادة المكان المنظور فيه من المياه و الأزهار و كذا المسموع لاستنارة القريحة باستجماعها و تنشيطها بملاذ السرور. ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام و نشاط فذلك أجمع له و أنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه. قالوا: و خير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم و فراغ المعدة و نشاط الفكر و في هؤلاء الجمام. و ربما قالوا إن من بواعثه العشق و الانتشاء ذكر ذلك ابن رشيق في كتاب العمدة و هو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة و إعطاء حقها و لم يكتب فيها أحد قبله و لا بعده مثله. قالوا: فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت أخر و لا يكره نفسه عليه."

      يضع الكاتب شروطا يجب أن تتوفر في من يريد كتابة الشعر وهي :
      - حفظ شعر العرب بكثرة حتى تنشأ عنده ملكة مقبولة تمكنه من كتابة شعر مقبول والا كانت كتابته مجرد نظم والأولى به تركه إلى حين يكثر عنده المحفوظ.
      - يوصي أيضا بنسيان المحفوظ من الشعر حتى لا يبقى سوى القالب المميز للأشعار يكتب على منواله دون تقليد. و أذكر هنا رواية مفادها أن رجلا أراد تعلم الشعر فجاء إلى أحدهم فقال له احفظ ألف بيت ففعل و لما رجع إليه قال له انس الأبيات الألف فذهب و هو يظن أنه هزأ به و ترك الشعر وبعد مدة رأى نفسه يكتب الشعر من حيث لا يشعر فأدرك حينها مراد من نصحه
      و هذا صحيح بحيث لا نجد شاعرا لا يحفظ الأشعار. لكن الكتابة بغية عرضها للنقد و التصحيح من شأنه أن يختصر الطريق إذا ما اقترن بالحفظ .
      - يضيف شروطا أخرى منها الخلوة و اختيار المكان المناسب و الاصوات المريحة و كذا اختيار الزمن المناسب و يكون بعد الاستيقاظ من النوم صباحا.و لا يكره نفسه على الكتابة لغياب الاستعداد النفسي.


      15- نصائح أساسية لكتابة الشعر :
      "و ليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه و نسجه بعضها و يبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها. فربما تجيء نافرة قلقة و إذا سمح الخاطر بالبيت و لم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه و لم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء و ليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح و النقد و لا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة. فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو نبات فكره و اختراع قريحته و لا يستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب. و الخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة. و قد حظر أئمة اللسان المولد من ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة. و يجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده. و إنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم. و كذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على الفهم. و إنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معانيه أو أوفى منها. فإن كانت المعاني كثيرة كان حشوا و استعمل الذهن بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة. و لا يكون الشعر سهلا إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن. و لهذا كان شيوخنا رحمهم الله يعيبون شعر أبى بكر بن خفاجة شاعر شرق الأندلس لكثرة معانيه و ازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبئ و المعري بعدم النسج على الأساليب العربية كما مر فكان شعرهما كلاما منظوما نازلا عن طبقة الشعر و الحاكم بذلك هو الذوق. و ليجتنب الشاعر أيضا الحوشي من الألفاظ و المقصر و كذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة و كذلك المعاني المبتذلة بالشهرة فإن الكلام ينزل بها عن البلاغة أيضا فيصير مبتذلا و يقرب من عدم الإفادة كقولهم: النار حارة و السماء فوقنا. و بمقدار ما يقرب من طبقة عدم الإفادة يبعد عن رتبة البلاغة إذ هما طرفان. و لهذا كان الشعر في الربانيات و النبويات قليل الإجادة في الغالب و لا يحذق فيه إلا الفحول و في القليل على العشر لأن معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك. و إذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه و يعاوده فإن القريحة مثل الضرع يدر بالامتراء و يجف بالترك و الإهمال. "

      يعرض الكاتب بعض النصائح التي من شأنها أن ترتقي بمن يريد كتابة الشعر :
      - تصيد الأفكار و لو كانت لا تخدم السياق فإنها ستجد مكانا تدرج فيه في القصيدة
      - مراجعة و تنقيح الشعر
      - إجتناب الضرورات متى تيسر ذلك
      - إجتناب التراكيب المعقدة حيث عليه يتعين جعل أول ما يصل إلى متلقي المعنى قبل المبنى
      - إجتناب وضع معان متعددة في بيت واحد و هو قصير قد يحتمل فكرة واحدة كمن يضع أشكال كثيرة في مربع صغير مما يذهب بجمال الصورة و لو كانت التفاصيل جميلة
      - إجتناب الألفاظ الوحشية و كذلك السوقية
      - إجتناب المعاني المتداولة بكثرة كونها تضعف البلاغة و لا تقدم فائدة.
      - تكرار المحاولة و التمرن فإنها تروض القريحة

      يقول :
      "و بالجملة فهذه الصناعة و تعلمها مستوفى في كتاب العمدة لابن رشيق و قد ذكرنا منها ما حضرنا بحسب الجهد. و من أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه البغية من ذلك. و هذه نبذة كافية و الله المعين. و قد نظم الناس في أمر هذه الصناعة الشعرية ما يجب فيها. و من أحسن ما قيل في ذلك و أظنه لابن رشيق:
      لــعـن الله صـنـعة الـشـعر مــاذا ... مــن ضـنـوف الـجهال مـنه لـقينا
      يـؤثـرون الـغـريب مـنـه عـلى مـا ... كــان سـهـلا لـلـسامعين مـبـينا
      ويــرون الـمـحال مـعـنى صـحيحا ... و خـسـيس الـكـلام شـيئا ثـمينا
      يـجـهلون الـصـواب مـنـه و لا يـد ... رون لـلـجـهـل أنــهــم يـجـهـلونا *
      فـهـم عـنـد مــن سـوانـا يـلامـو ... ن و فــي الـحـق عـنـدنا يـعذرونا
      إنما الشعر ما يناسب في النظم ... و إن كــان فــي الـصـفات فـنـونا
      فــأتـى بـعـضـه يـشـاكـل بـعـضا ... وأقــامـت لـــه الــصـدور الـمـتونا
      كــل مـعنى أتـاك مـنه عـلى مـا ... تـتـمـنى و لـــم يــكـن أن يـكـونا
      فـتـنـاهى مــن الـبـيان إلــى أن ... كــــاد حـسـنـا يـبـيـن لـلـنـاظرينا
      فــكــأن الألــفــاظ مــنـه وجـــوه ... و الـمـعـاني ركـبـن فـيـها عـيـونا
      إنـما فـي المرام حسب الأماني ... يـتـحـلى بـحـسـنه الـمـنـشدونا
      فــإذا مــا مـدحـت بـالـشعر حـرا ... رمــت فـيـه مـذاهب الـمشتهينا
      فـجـعلت الـنـسيب سـهـلا قـريبا ... و جـعـلت الـمـديح صـدقـا مـبـينا
      و تـنكبت مـا يـهجن فـي السمع ... و إن كــــــان لــفــظـه مـــوزونــا
      و إذا مــــــا عــرضــتـه بــهــجـاء ... عــبـت فـيـه مـذاهـب الـمـرقبينا
      فـجـعـلـت الـتـصـريح مــنـه دواء ... و جـعـلـت الـتـعـريض داء دفـيـنـا
      و إذا مــا بـكـيت فـيه عـلى الـغا ... ديـــن يــومـا لـلـبين و الـظـاعنينا
      خـلت دون الأسـى و ذللت ما كا ... ن مـن الـدعع في العيون مصونا
      ثــم إن كـنـت عـاتـبا جـئـت بـالو ... عـــد وعــيـدا و بـالـصـعوبة بـيـنا
      فـتـركـت الـــذي عـتـبـت عـلـيـه ... حـــــذرا آمــنــا عــزيــزا مـهـيـنـا
      و أصـح الـقريض مـا قـارب النظم ... و إن كــــان واضــحــا مـسـتـبينا
      فــإذا قـيـل أطـمـع الـنـاس طــرا ... و إذا ريــــم أعــجــز الـمـعـجـزينا


      ومن ذلك أيضا قول بعضهم و هو الناشي:
      الـشـعر مـا قـومت ربـع صـدوره ... و شـددت بـالتهذيب أس مـتونه
      و رأيـت بالأطناب شعب صدوعه ... و فـتـحت بـالايـجاز عــور عـيونه
      و جـمـعت بـيـن قـريـبه و بـعيده ... و جـمـعت بـين مـجمه و مـعينه
      و إذا مـدحـت بـه جـوادا مـاجدا ... و قـضـيته بـالـشكر حـق ديـونه
      أصـفـيـتـه بـتـفـتـش و رضـيـتـه ... و خـصـصـته بـخـطيره و ثـمـينه
      فـيكون جزلا في مساق صنوفه ... و يـكون سـهلا في اتفاق فنونه
      و إذا بـكـيت بــه الـديار و أهـلها ... أجـريـت لـلـمخزون مـاء شـؤونه
      و إذا أردت كــنـايـة عـــن ريــبـة ... بـايـنـت بـيـن ظـهـوره و بـطـونه
      فجعلت سامعه يشوب شكوكه ... بــثـبـوتـه و ظــنــونـه بـيـقـيـنـه
      و إذا عـتـبت عـلى أخ فـي زلـة ... أدمـجـت شـدتـه لـه فـي لـينه
      فـتـركـتـه مـسـتـانـسأ بـدمـاثـة ... مـسـتـأمـنا لـوعـوتـه و حــزونـه
      و إذا نـبـذت إلـى الـذي عـلقتها ... إذ صـارمـتـك بـفـاتـنات شـؤونـه
      تـيـمـتـهـا بـلـطـيـفـه و رفــيـقـه ... و شـغـفـتـها بـخـبـيـه و كـمـنـه
      و إذا اعتذرت لسقطة أسقطتها ... و أشـكـت بـين مـخيله و مـبينه
      فـيـحول ذنـبـك عـند مـن يـعتده ... عـتـبـا عـلـيـه مـطـالـبا بـيـمـينه


      يتبع

    • #7
      الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
      تاريخ التسجيل : Aug 2013
      المشاركات : 1,051
      المواضيع : 97
      الردود : 1051
      المعدل اليومي : 0.27

      افتراضي

      اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
      موضوع هام وفائدته عظيمة
      مع أنه طويل

      شكرا لك أخي

      بوركت
      بارك الله فيك أختي الكريمة
      شكرا على التعقيب الجميل

    • #8
    • #9
      الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
      تاريخ التسجيل : Aug 2013
      المشاركات : 1,051
      المواضيع : 97
      الردود : 1051
      المعدل اليومي : 0.27

      افتراضي

      اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رويدة القحطاني مشاهدة المشاركة
      أقوال قيمة تستحق النقل
      وفي الاطلاع عليها منفعة
      بارك الله فيك فعلا هي أقوال قيمة قد لا تكون عند غيره
      شكرا للمرور الطيب
      تقديري

    • #10
      قلم منتسب
      تاريخ التسجيل : Aug 2014
      المشاركات : 19
      المواضيع : 3
      الردود : 19
      المعدل اليومي : 0.01
      من مواضيعي

        افتراضي

        سأبقى في انتظار التكملة - بإذن الله - .

      صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

      المواضيع المتشابهه

      1. قصيدة مباركة شريفة نفيسة
        بواسطة عادل العاني في المنتدى الاسْترَاحَةُ
        مشاركات: 21
        آخر مشاركة: 24-11-2016, 05:10 AM
      2. ابن خلدون ما بين الرمزية و الحقيقة
        بواسطة محمد فيصل يغان في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
        مشاركات: 0
        آخر مشاركة: 17-12-2014, 05:51 PM
      3. مأساة الشعر والشعراء
        بواسطة عبداللطيف محمد الشبامي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
        مشاركات: 1
        آخر مشاركة: 14-05-2013, 09:51 AM
      4. ابن خلدون :: شعر :: صبري الصبري
        بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
        مشاركات: 12
        آخر مشاركة: 08-06-2011, 08:28 AM
      5. أحب الشعر والشعراء
        بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
        مشاركات: 26
        آخر مشاركة: 21-10-2009, 07:31 PM