العاطفة لا تعلو على الحقائق .. تلك هى القاعدة المنهجية من قواعد ضبط أداء الحركة الاسلامية التى رصدنا منها الى الآن عشرات القواعد سواء التى استفدناها من منهجية القائد المنهجى الرائد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تلك التى استفدناها من منهجية الفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله . ولو كانت العاطفة تحكم وتعلو لاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك الدعايات الجماهيرية الحماسية بعد موت ابنه ابراهيم ، لكنه حسم الأمر سريعاً فلا تسير الأمة بعده وراء أوهام وأحلام ومبالغات كونية ، واذا كانت الشمس والقمر " آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته " .. ولا حتى لموت ابن الرسول الذى ذرفت عيناه مودعاً " يا ابراهيم انا لا نغنى عنك من الله شيئاً " .. " يا ابراهيم لولا أنه أمر الله ووعد حق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا وانا بك يا ابراهيم لمحزونون ، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب " .. فلا مبالغات ولا مجال للعواطف على حساب الحقائق مع أحد دونه . وقائد الكيان أو الحركة الذى يسكت ويفرح بمبالغات الأتباع وروايات المعجزات والتنويم المغناطيسى دون رد الأمور الى السنن الثابتة وحسمها سريعاً الى الحقائق وعالم الشهادة وصحوة الواقع ، فهو أقرب لدرويش مأزوم ومهزوم هو وحركته لا محالة أمام سطوة الواقع ونصاعة الحقائق وتحدياتها الجسام . العاطفة تجعلهم يجاملون أشخاصاً دون المستوى فى الفهم والفكر والثقافة والكفاءة والأداء ويرفعونهم الى مناصب القيادة دون استحقاق ، رغم الحسم المنهجى الخالد " يا أبا ذر انها أمانة " ، وتجعلهم يغضون الطرف عن مراجعة ومحاسبة المقربين والأسماء المشهورة لاعتبارات كثيرة ، والأداء المنهجى الصحيح المتزن يناقض هذه المسالك المعوجة ، لأن الحسم المنهجى اقتضى من القائد المنهجى تنحية العواطف جانباً حال القصور والتقصير والخطأ أو الانحراف عن المنهج " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " . واذا سار قائد الحركة منحياً الحقائق تتناوشه العواطف والترضيات ويعوقه تطييب الخواطر والصداقات والعشميات عن المحاسبة ووضع الأمور فى نصابها السننى الواقعى الصحيح وعن الحسم المنهجى ، فليس الأغرار من أتباعه حينئذ هم من أضاعوا الحركة بألعابهم ومغامراتهم الصغيرة ، انما المسئولية الأكبر والأضخم تقع على القائد " العاطفى " الذى أفسح المجال واسعاً للمغامرين بدون ضبط منهجى للأداء وبدون حسم فورى من القيادة يمنع التدهور فور ظهور بوادره ورموزه . لا مجال للعواطف والعشميات والمشاعر الطيبة والترضيات فى الأداء السياسى والحركى ؛ فتلك اجابة عمر بن الخطاب رضى الله عنه المنهجية الحاسمة تحت السقيفة عند تجاوز سعد بن عبادة رضى الله عنه ومبايعة أبى بكر ، فثارت العاطفة الجياشة من أحدهم بقوله " قتلتم سعداً " ! هنا لابد من حسم لحساب الحقائق وقد جاء فورياً على لسان عمر " قتل الله سعداً فانه صاحب فتنة وشر " . فى قضيتين أساسيتين من قضايا الحركة الاسلامية أقوم حالياً على تأليف كتابين بشأنيهما رصدت الانحياز والتشبث بروايات ضعيفة وأخرى موضوعة على حساب أحاديث صحيحة ثابتة ، لأن الأولى تأتى على هوى واضع الفكرة أو صاحب الرأى وتدعم موقفه ويراها مناسبة لمصلحة الحركة وتميزها عن الآخرين ! أنظروا الى هذا الحسم المنهجى للفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله " لعلى من الفضائل الثابتة فى الصحيحين وغيرهما .. ومعاوية ليس له بخصوصية فضيلة فى الصحيح " ، وقال " رووا أحاديث لمعاوية عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك كلها كذب " .. وقبل ذلك أوضح خطأ من ذهبوا الى أن على رضى الله عنه لم يمتنع عن مبايعة أبى بكر ستة أشهر مثبتاً الحقيقة ، فلا مراوغات من هذا النوع على حساب الحقائق ولا انحياز لروايات ضعيفة أو موضوعة لتوظيفها فى مصلحة سياسية موهومة ، ولا خداع للرأى العام تحت بند مصلحة الدعوة ! انما مصلحة الدعوة فى أن ننصر المنهج ، وفى أن نقول – سيراً على منهج الفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام - : كذب هذا القائد أو المنظر الاسلامى عندما أورد تلك الروايات الضعيفة أو الموضوعة لحاجة فى نفسه – الله أعلم بها - .. وسقط ذلك القائد بسقوطه فى عبث العشميات والمشاعر الطيبة وترضية الخواطر على حساب الحسم المنهجى .. الذى هو أول وأهم مواهب ومقومات القائد .