أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 218
    المواضيع : 51
    الردود : 218
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    ملاحظة((هذا الموضوع طويل جدا ولكنه هام جدا ، إن كنت لا تملك وقتا لا تبدأ في القراءة))



    بداية أخواني أخواتي الكرام أوضح نقطه مهمه

    أحرص دوما قدر الإمكان أن أكون بعيدا عن التهجم عن شيوخنا وعلمائنا ولكن أحيانا تجد نفسك مجبرا على شن هجوم عنيف كرد فعل على فتوة تصدر ممن لا يتقي الله أو من شيخ يسعى لرضاء السلطة والحكم ، وكلنا يعلم أن هذا أمر حدوثه ليس بالقليل الآن

    النقطة الأخرى

    أن حبي وتقدير لشيخ ما أو عالم ما لا يمنع أبدا أن أعارضه في رأي أو قول دام هذا القول أو الرأي أو الفتوة خارج القران والسنة ، خارج الشرع والحدود ، خارج الحلال والحرام

    النقطة الثالثة

    إن الفرق بين الإسلام وسائر الأديان هو العقل والتفكير

    فالله يحاسبنا لأنه وهب لنا العقول التي تفكر وتختار

    والإسلام فيه فكر طبعا فيما عادا ما هو أصلا مقرر في القرآن والسنة من حدود وسنن وشرائع وثوابت ومسلمات إضافة للغيبيات التي نؤمن بها سمعا وطاعة

    ونشير إلا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما يشير عليهم بأمر إن كان هذا وحي من السماء أم من عنده فإن كان من عنده ناقشوه بأدب وأبدوا له الرأي

    نقطة أخيرة وهي الأهم أني أحب الشيخ الجليل الدكتور القرضاوي وأبجله وأجله

    هذا مدخل أول .

    المدخل الثاني هذا المشهد . .

    بالتأكيد أن أغلبنا سمع وقت موت البابا وتابع التعزية الصادرة من الأخوان المسلمين ومن حماس ومن بعض المشايخ وهذا شيء والله أحزنني جدا كما أن سمعنا وهذا الأهم قول الشيخ/ القرضاوي (رحم الله البابا بما قدمه من خير للإنسانية) وهذا أمر كان وقعه شديد علي ومحزن للغاية وأنا أتذكر أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يفعل هذا مع عمه بل كانت دعوته له مشروطة بقبول الله .

    وقت كنت أقرأ الخبر كان في الصباح الباكر حيث أن من عادتي أن أصل المكتب مبكرا قبل ساعات العمل لكي أتصفح الجريدة ، وتصادف وقتها أن كان بالمكتب بعض من الزملاء الكرام وفتح النقاش

    وهذا ما قلت ( لا يا شيخ أحزنني قولك)

    فكان الرد من احد الزملاء من أنت يا جاهل لكي تنتقد الشيخ

    قلت والله إني لأحبه ولكن ما قاله أحزنني

    ودار نقاش حول هذه النقطة وكيف أن البيان أن الدنيا للكفار وأنهم يجوزن بما يعملوا من خير في الدنيا ولكن ليس لهم في الآخرة من اجر

    وفاض بنا القول إلى أن

    قال لي أننا على الأقل إخوة في الإنسانية

    فقلت له هل تآخي المسلم بالكفار تحت أي مسمى كان

    قال لا بل إلى قول الله تعالى في سورة سبأ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)

    وقوله تعالى في سورة الأعراف((قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)) (158)

    واستند على هذه الآيات الشريفة ليثبت أننا أخوة في الإنسانية

    رددت عليه بما اعلم وبقدر فهمي أن هذه الآيات الكريمة هي توضح الموقف في بدأ الرسالة وفي إعلان لظهور الرسول عليه الصلاة والسلام وبعثته وأنه بعد ذلك انقسم الناس بين من أمن به وأصبح من المسلمين ومن أمة محمد وهم الأخوة فعلا وبين من كفر وقد تبرأنا منهم

    المهم كان جدلا لن يفيدكم كثيرا ، حتى وجدت هذا المقال

    وقتها قلت انه ربما يكون من الخير أن اعرض وجهة نظري وأرفق المقال معها وأعلم انه طويل جدا ولكن والله لأني أحبكم في الله أثرت أن نتشارك في هذا ونسال الله أن يغفر لنا إن أخطأنا أو سهونا بلا عمد

    اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ما نعلم

    ونعوذ بك أن نشرك بك ما لا نعلم



    ((( سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا اله الا انت ، أستغفرك وأتوب إليك )))





    المقال :-

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 218
    المواضيع : 51
    الردود : 218
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود

    بقلم الشيخ محمد مصطفى المقرئ

    أجل.. جدير بمن كان في مثل مكانة الشيخ القرضاوي (حفظه الله وأحسن عملنا وعمله) أن يعود، بل أن يكون أسرع الناس أوبة إلى الحق، أجرأهم تصويباً لخطأ نفسه، ولا سيما إن كان هو وحده الذي تتوفر له فرصة التصحيح، أعني الفرصة السانحة والمكافئة من خلال نفس المنبر الذي جرى فيه الخطأ.

    ففي ذلك إعفاء لنفسه من تبعة أن يُتبَعَ في غير صواب، ومسؤولية أن لا يضرب من نفسه القدوة والمثل، فيما يجب على من يدركه خطأ أو زلل، وأهل العلم ـ لا جرم ـ منوط بهم التعليم والتربية جميعاً.

    وقديماً قالوا: "العود أحمد" ، وفي خطاب عمر إلى أبي موسى ـ رضي الله عنهما ـ يوصيه بالتراجع عن الخطأ ، فيقول : " ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل" (1).

    وهذا النصح والتبيين مني ـ وإن وقع متراخياً عن صدور الزلة المعنية ـ مقصوده: أن أصوب ما استطعت من خلال هذا المنبر الموقر، وعبر مقال واحد بزاوية فيه، على أن ذلك قد لا يكافئ برنامجاً بحجم "الشريعة والحياة" أو لا يغطي نفس مجاله ومداه.. آملاً أن يصدر التصويب من الشيخ الموقر نفسه، وعبر منبر "الجزيرة" نفسه.

    لقد ورد على لسان الشيخ الموقر كلام يتصل بأحكام لا مجال فيها للاجتهاد، لأنها معدودة من مسائل العقيدة، والأمر فيها نصي لا يحتمل التأويل، توقيفي لا يسوغ إعمال الرأي فيه.

    وسأنقل ـ فيما يلي ـ كلام الشيخ بنصه وحرفه، قبل أن أشرع في بيان وجوه الخطأ فيه، مستعيناً بالله تعالى أن يوفقني لصياغة الرد عليه في أرق عبارة ممكنة، وأخفها وقعاً على آذان محبي الشيخ، وألطفها نزولاً على نفوسهم.

    قال ـ غفر الله لنا وله ـ : " نقدم عزاءنا في هذا البابا (يعني باب الفاتيكان) الذي كان له مواقف تذكر وتشكر له، ربما يعني بعض المسلمين يقول أنه لم يعتذر عن الحروب الصليبية وما جرى فيها من مآسي للمسلمين كما اعتذر لليهود وبعضهم يأخذ عليه بعض أشياء ولكن مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه، فقد طاف العالم كله وزار بلاد ومنها بلاد المسلمين نفسها، فكان مخلصا لدينه وناشطا من أعظم النشطاء في نشر دعوته والإيمان برسالته وكان له مواقف سياسية يعني تُسجل له في حسناته مثل موقفه ضد الحروب بصفة عامة.

    فكان الرجل رجل سلام وداعية سلام ووقف ضد الحرب على العراق ووقف أيضا ضد إقامة الجدار العازل في الأرض الفلسطينية وأدان اليهود في ذلك وله مواقف مثل هذه يعني تُذكر فتشكر.. لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً ". أهـ.

    راجع نص كلام الشيخ مفرغاً كتابة على موقع "الجزيرة نت" نقلاً عن برنامج "الشريعة والحياة": الأحد الموافق 3/4/2005م.

    وسأكتفي ـ هنا ـ بما ورد في قوله: " لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب "!!

    فهل يجوز شرعاً:

    ــ أن ندعوا الله ـ لمن مات على الكفر، سواء كان له دين أو لا دين له أو كان مرتداً عن دين الإسلام ـ بالرحمة والمثوبة؟

    والجواب على هذا تراه فيما يلي من خلال مسألتين:

    المسألة الأولى: لا يجوز أن يدعى للكافر (الذي يموت على الكفر) بالرحمة.

    ذلك أن الكافر الذي يموت على الكفر مطرود من رحمة الله، ونحن مأمورون بأن نأخذ الناس بظواهرهم، فمن مات على الكفر وجب أن نجري عليه أحكام الكفار، ومن مات على الإسلام؛ وجب أن نجري عليه أحكام أهل القبلة، ولا يسعنا أن نفترض في هؤلاء أو أولئك خلاف ما دل عليه ظاهر أمرهم.

    والرحمة المطلقة لا تحق إلا في حق من مات على الإيمان.. قال تعالى ـ والخطاب في حق المؤمنين ـ : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ).. إلى قوله تعالى: (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )(البقرة : 155ــ 157 ) ، وقال: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) (النساء : 175 ) ، وقال: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (آل عمران : 107 ) ، ولم يزل دعاء المؤمنين ربهم ورجاؤهم إياه (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )(آل عمران: 8 ) ، وأيضاً ما حكاه القرآن عن أصحاب الكهف: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (الكهف : 10 ).

    فالرحمة المطلقة لا حظ فيها للكافر، هذا مع سعة رحمة الله التي وإن شملت الكفار في الدنيا من بعض الوجوه لا تشملهم في الآخرة.. قال تعالى: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام : 147 ).

    ولذلك فإن ما أثبته القرآن من رحمة في حق عموم الناس أو نص على أنها تثبت في حق المشركين منهم إنما هي رحمة نسبية أو جزئية، مقيدة..

    ــ مقيدة بالدنيا ، كما قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ* وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ* إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) (يس : 41ــ 44 ).

    ــ أو مقيدة بتوفير أسباب الهداية إلى الآخرة، كما قال تعالى: (أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ) (الأنعام : 157 ).

    وفرق بين رحمة هي توفير أسباب الهداية للخلق أجمعين، وبين رحمة هي مآل الاهتداء وعاقبته والتي لا تثبت إلا للمؤمنين.. وقد فرق الله بين الرحمتين، كما في قوله: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (التوبة : 61 ). وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ) (الإسراء : 82 ). وقال تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل : 64 ). وقال تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : 89 ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس : 57 ). وقال: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) (الجاثية : 20 ).

    ــ أو مقيدة بتخفيف العذاب عن بعضهم لمعنى مختص بذلك البعض، كما الحال مع أبي طالب عم النبي r . أما فيما سوى ذلك فلا يناله الله برحمة..

    وبهذا التقسيم نفهم قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء : 107 ). وقول النبي r : " إنما يرحم اللهُ من عباده الرحماءَ ‏"‏ (2)‏.

    فالرحمة المذكورة في نحو هذا من النصوص هي من جهة ثبوتها في حق المؤمن غيرها في حق الكافر، أي من جهة وجوهها ومقدارها.. لأنها في حق هذا الأخير مقيدة بهذه الدار، وبأحكام جاء بها النبي r فيها تخفيف عن الناس آمنوا أو لم يؤمنوا، وبأخلاق راقية في معاملة أهل الإيمان لأهل الشرك، وبأسباب للهداية والبيان، ورفع الإصر والأغلال التي كانت على أهل الأديان قبلنا، كما في قوله الله تعالى ـ في صفة النبي r ـ : (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف : 157 ).

    أما رحمة الله عباده في الآخرة فالكافر مطرود منها لا ريب.. ومقتضى الطرد من رحمة الله أن لا يغفر الله للمطرود وهو الذي يموت على الكفر.

    ذلك أن مغفرة الذنوب إنما هو مظهر من مظاهر الرحمة، بل أعظمها.. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) (النساء : 48 )، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (النساء : 116 ). وقد دلت هذه الآية وسابقتها على أن من لم يتب من الشرك حتى مات غير مغفور له، مقطوع بذلك غير معلق على المشيئة، وإنما يدخل في المشيئة من مات على التوحيد مع ما ألم به من ذنب دون الشرك.. (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر : 53 ). فهذه في حق العموم بشرط الإيمان، فالله يغفر الذنوب جميعها بما في ذلك الشرك إن تيب منه.. وإلا فلا مغفرة ولا رحمة.

    لا رحمة ولا مغفرة لم مات على الكفر

    والدعاء بالرحمة للكافر متضمن لطلب المغفرة له ولا ريب، ولا سيما إن اقترن بطلب المثوبة، وحمله على ما هو دون ذلك ـ كرجاء تخفيف العذاب مثلاً ـ بعيد، وقد جاءت الصياغة في كلام الشيخ القرضاوي مطلقة غير مقيدة، بل اقترن بها ما يتعين معه حملها على الإطلاق كما تقدم. ولو فُرض ـ جدلاً ـ جوازُ حملِها على غير ذلك لكان فيها من التلبيس والاشتباه على السامع والقارئ ما يوجب تركها وأن يستبدل بها صياغة تسلم من الالتباس والشبهة.

    والشيخ ـ لا ريب ـ يعلم أنه لا يجوز الاستغفار للكافر الذي مات عل الكفر، ولكن عبارته تضمنت هذا المعنى أو اقتضته، وإن لم يذكر ذلك بصريح لفظه. وإلا فما هو وجه رحمة ومثوبة من مات على الكفر، ولا نعلم في الآخرة سوى دارين ومآلين؟

    والشيخ يعلم أن الكلام إنما يصاغ على ما يفهمه سامعه، وفي المشاهدين والسامعين من يتعذر عليه استكناه المقاصد والنيات، أو حمل الكلام على غير ظاهره، أو صرفه إلى خلاف مدلوله لدلالة أو قرينة خارجة، أو نحوه.. ولذلك وجب التنويه إلى أن من مات على الكفر لا يغفر له، ولا يستغفر له..

    قال تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (التوبة : 113، 114).

    قال الإمام الطبري ـ في تفسير الآية ـ : " يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد r والذين آمنوا به أن يستغفروا, يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى, ذوي قرابة لهم. ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم أنهم من أهل النار; لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله" (3).

    وفي سبب نزول الآية روى الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله r : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله" فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب ـ آخر ما كلمهم ـ : هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله r : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك " ؛ فأنزل الله عز وجل: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله r : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ( القصص : 56 ).

    فالآية على هذا ناسخة لاستغفار النبي r لعمه؛ فإنه استغفر له بعد موته على ما روي في غير الصحيح. وقال الحسين بن الفضل: وهذا بعيد؛ لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي r بمكة (4).

    وفي زيادة للطبري، أوردها العسقلاني في "الفتح" : " قال: أي عم، إنك أعظم الناس عليَّ حقاً، وأحسنهم عندي يداً، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة ". وفيه أنه مع عظيم ما قدم أبو طالب للنبي r لا ترجى له شفاعة إلا أن يؤمن.

    وقد بوب مسلمٌ لهذا الحديث بقوله: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.

    قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : " وأما قول الله تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ) فقال المفسرون وأهل المعاني: معناه: ما ينبغي لهم. قالوا وهو نهي".

    قال: " أما قوله عز وجل: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ( القصص : 56 ). فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج، وغيره، وهي عامة؛ فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى" (5).

    وقد حقق الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ المسألة تحقيقاً رصيناً كعادته في التدقيق والاستقصاء؛ فقال: " قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏:‏ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‏)‏ أي ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي . هكذا وقع في هذه الرواية‏.‏

    وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال‏:‏ قال النبي r ‏:‏ ‏"‏ استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي"‏.‏ فقال أصحابه‏:‏ لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت ".‏ وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي rأتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول‏.‏

    وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ خرج رسول الله r يوماً إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال‏:‏ إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل علي‏:‏ ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ‏)، وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه ‏"‏ نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ‏"‏ ولم يذكر نزول الآية‏.‏

    وفي رواية الطبري من هذا الوجه ‏"‏ لما قدم مكة أتى رسم قبر‏"‏ ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية: ‏"‏ لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت ‏"‏ ، وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه ‏"‏ لما هبط من ثنية عسفان ‏"‏ وفيه نزول الآية في ذلك‏.‏

    فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضا أنه r قال يوم أحد ـ بعد أن شج وجهه ـ : ‏"‏ رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ‏"‏ لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان‏:‏ متقدم، وهو أمر أبي طالب. ومتأخر، وهو أمر آمنة‏.‏

    ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره r للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب‏:‏ ‏"‏ وأنزل الله في أبي طالب‏:‏) إنك لا تهدي من أحببت) ‏"‏ ؛ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال‏:‏ ‏"‏ سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي rفأنزل الله‏:‏ (ما كان للنبي..) الآية ‏".‏ وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ وقال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه‏؟‏ فنزلت. ومن طريق قتادة قال‏:‏ ‏"‏ ذكرنا له أن رجالاً ‏"‏ فذكر نحوه‏ (6).

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 218
    المواضيع : 51
    الردود : 218
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    فهذه أم النبي r المشفع في أمته قاطبة لم يأذن الله تعالى لنبيه في الاستغفار لها، ومثلها كثير من أمهات الصحابة وآبائهم.

    ثم إن قول الله تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ) تضمن قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم؛ فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.

    شبهة وردها:

    فإن قيل: فقد صح أن النبي r قال ـ يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه ـ : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " فكيف يجتمع هذا مع منع الله تعالى رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين. قيل له: إن ذلك القول من النبي r إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء، والدليل عليه: ما رواه مسلم عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي r يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". وفي البخاري أن النبي r ذكر نبياً قبله شجه قومه فجعل النبي r يخبر عنه بأنه قال: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).

    قال الإمام القرطبي: وهذا صريح في الحكاية عمن قبله, لا أنه قاله ابتداء عن نفسه كما ظنه بعضهم. والله أعلم. والنبي الذي حكاه: هو نوح عليه السلام.

    وقال الطاهر بن عاشورـ في قوله تعالى: (ما كان للنبي..) ـ : " وجاءت صيغة النهي بطريق نفي الكون مع لام الجحود مبالغة في التنزه عن هذا الاستغفار" (7).

    وقيل: إن المراد بالاستغفار في الآية الصلاة. قال بعضهم: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا; لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين بقوله: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية.. قال عطاء بن أبي رباح: الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة.

    قلت: وحمل الآية على أن المراد بالاستغفار فيها الصلاة لا ينفي دلالة ما سواها من الأدلة على حرمة الاستغفار للكافر.

    وللآية جواب ثالث أورده الإمام القرطبي: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز; لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت؛ فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا (8).

    ووجه الاستغفار للمشرك في حياته: أن يهديه الله تعالى ببركة استغفار المؤمن له فيتوب فيغفر الله له.

    ثم قال تعالى ـ بعد هاتين الآيتين ـ : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (التوبة : 115 ).

    قال ابن جرير: " يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عه فتتركوا. فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا فيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال؛ فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه "(9).

    وقال الحافظ ابن كثير: " يقول تعالى ـ مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل ـ إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى: ( فأما ثمود فهديناهم ) الآية وقال مجاهد ـ في قوله تعالى: ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم ) الآية.. ـ قال: بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا" (10).

    وقال الطاهر بن هاشور: " وفيه تسجيل أيضاً لكون أولئك المشركين أحرياء بقطع الاستغفار لهم لأن أنبياء الله ما قطعوه عنهم إلا بعد أن أمهلوهم ووعدوهم وبينوا لهم وأعانوهم بالدعاء لهم فما زادهم ذلك إلا طغياناً " (11).

    المسألة الثانية: لا يجوز أن يُدعى للكافر (الذي يموت على الكفر) بالمثوبة.

    أما الدعاء لمن مات على الكفر بالمثوبة فلا يصح ولا يستقيم، ذلك أن الكافر لا مثوبة له في الآخرة.. قال الله تعالى: ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (هود ـ 15، 16).

    ومثلها قول الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) (الشورى : 20 ).

    وقول الله تعالى: ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ) (آل عمران : 145).

    وقد اختلف العلماء في تأويل الآية من سورة هود على آراء(12) :

    فقيل: نزلت في الكفار; قاله الضحاك, واختاره النحاس; بدليل الآية التي بعدها ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار )( هود : 16 ). أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا, بصحة الجسم, وكثرة الرزق, لكن لا حسنة له في الآخرة.

    وقيل: المراد بالآية المؤمنون; أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم يُنقَص شيئاً في الدنيا, وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا, وهذا كما قال r : " إنما الأعمال بالنيات " فالعبد إنما يعطى على وجه قصده, وبحكم ضميره; وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة.

    وقيل: هو لأهل الرياء; وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: " صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك " ثم قال: " إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار". رواه أبو هريرة, ثم بكى بكاء شديداً، وقال: صدق رسول الله r : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) وقرأ الآيتين. خرجه مسلم في "صحيحه " بمعناه، والترمذي أيضاً.

    وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى, كان معه أصل إيمان أو لم يكن; قاله مجاهد وميمون بن مهران, وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفّيَ ثوابَها; فإن كان مسلماً مخلصاً وُفّيَ فِي الدنيا والآخرة, وإن كان كافراً وُفّيَ في الدنيا. وقيل: من كان يريد [ الدنيا ] بغزوه مع النبي r وُفِّيَهَا, أي وُفِّيَ أجرَ الغزاة ولم ينقص منها; وهذا خصوص والصحيح العموم.

    وحكى ابن الجوزي هذه الآراء الأربعة في تفسيره مختصرة (13).

    وأورد ابن كثير نحوها، وإن كان يميل إلى أن الآية في أهل الرياء عامة، فإنه لا ثواب لهم في الآخرة (14).

    وكذلك أوردها ابن العربي، وقال: " أخبر الله سبحانه أن من يريد الدنيا يعطى ثواب عمله فيها، ولا يبخس منه شيئا . واختلف بعد ذلك في وجه التوفية؛ فقيل في ذلك صحة بدنه أو إدرار رزقه.

    قال سعيد بن جبير: " أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد: " من عمل عملاً من صلة، أو صدقة، لا يريد بت وجه الله، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا، ويدرأ بت عنه في الدنيا (15).

    فتقرر ـ على آرائهم جميعاً ـ : أن لا ثواب للكافر في الآخرة. وهذا متقرر في محكمات الشريعة وبدهياتها.

    وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة (أي في توفية الكافر أجره في الدنيا); وكذلك الآية التي في " الشورى" : ( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ) ( الشورى: 20) الآية.. وكذلك: ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ) (آل عمران : 145)(16).

    ومن ذهب إلى هذا قيد هذه الآيات بآية الإسراء (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً) (الإسراء : 18 ). كما نقله من سبق ذكر أقوالهم.

    وبوب الإمام مسلم ـ في "صحيحه": باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.

    وأورد تحته: عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين. فهل ذاك نافعه؟ قال: ‏"‏ لا ينفعه. إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ‏"‏ (17).

    قال الإمام النووي: " أي لم يكن مصدقاً بالبعث، ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل.

    قال القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ : وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم. هذا آخر كلام القاضي.

    وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي ـ في كتابه "البعث والنشور" ـ نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات" (18).

    وفي إحباط عمل الكافر ـ إن مات على الكفر ـ نصوص كثيرة.. منها: قول الله تعالى: (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام : 88 ).

    فهذا شرط ـ كما يقوله ابن كثير ـ (19). ولا مراء في أن تحقيق توحيد الله جل وعلا شرط في قبول الأعمال وسلامتها من البطلان والإحباط.

    وقال الإمام القرطبي ـ في تفسير الآية ـ : " أي لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم " (20).

    وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الزمر : 65 ).

    قال الحافظ ابن كثير ـ في "التفسير" ـ : " هذه كقوله تعالى: " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون"(21).

    وقال القاضي ابن العربي: "هذا وإن كان خطابا للنبي r فقد قيل: إن المراد بذلك أمته، وكيفما تردد الأمر فإنه بيان أن الكفر يحبط العمل كيف كان، ولا يعني به الكفر الأصلي؛ لأنه لم يكن فيه عمل يحبط ، وإنما يعني به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان؛ إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان، فالإيمان معنى يكون به المحل أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل، كما تخيله الشافعية؛ لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع؛ إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة؛ إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)".

    وقال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ) (الفرقان : 23 ).

    قال ابن كثير: "هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ " (22).

    وقال الإمام القرطبي: " (وقدمنا): قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم ، (فجعلناه هباء منثوراً): أي لا ينتفع به; أي أبطلناه بالكفر".

    وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأعراف : 147 ).

    قال ابن كثير: "أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله " (23).

    وقال الطاهر بن عاشور ـ في تفسير هذه الآية ـ : " لا تخلوا جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر، كانوا قد يحسب السامع أنْ ستنفعهم أعمالهم، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية (أي الذين) ، دون الإضمار" (24).

    ونحو ذلك من الآيات كثير..

    ومهما كان للكافرين من أعمال نافعة وآثار مفيدة فهم الأخسرون أعمالاً.. قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) (الكهف : 103ــ 105 ).

    قال أبو بكر بن العربي: " أجاب الله عما وقع التقرير عليهم بقوله : (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) لكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم حملوا عليهم غيرهم ، وألحقوا بهم من سواهم ممن كان في معناهم ، ويرجعون في الجملة إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول : الكفار بالله ، واليوم الآخر، والأنبياء، والتكليف؛ فإن الله زين لكل أمة عملهم، إنفاذاً لمشيئته، وحكما بقضائه، وتصديقا لكلامه. الصنف الثاني: أهل التأويل الفاسد للدليل الذين أخبر الله عنهم بقوله: ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) كأهل حروراء والنهروان، ومن عمل بعملهم اليوم، وشغب الآن على المسلمين تشغيب أولئك حينئذ، فهم مثلهم وشر منهم. قال علي بن أبي طالب يوما، وهو على المنبر: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكواء، فأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال علي: الرياح. قال: ما الحاملات وقرا؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة. قال: فقول الله تعالى: ( هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) قال: ارق إلي أخبرك. قال: فرقى إليه درجتين قال: فتناوله بعصا كانت بيده ، فجعل يضربه بها. ثم قال: أنت وأصحابك. وهذا بناء على القول بتكفير المتأولين. وقد قدمنا نبذة منه، وتمامها في كتب الأصول. الصنف الثالث: الذين أفسدوا أعمالهم بالرياء وضيعوا أحوالهم بالإعجاب".

    وعلى الجملة فإنه لا وزن ولا قيمة لأعمال الكافرين وآثارهم في الآخرة..

    قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ) (إبراهيم : 18 ).

    وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ) إلى قوله: ( لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ) (البقرة ـ من الآية: 264 ).

    وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (النور : 39 ).

    قال الحافظ ابن كثير: " وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء، فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية " (25).

    فالكافرون ضالون ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون، وأن أعمالهم ذات وزن موزون، وأنهم على شيء، وليسوا على شيء... وقد خيب الله ظنهم في أعمالهم كما تقرر في الآيات، أفيليق بأهل الإيمان أن يكون ظنهم بأعمال أهل الضلال كظن أولئك بها، مع ما قطع به القرآن ببوارها؟! قال تعالى: ( إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) (الأعراف ـ من الآية: 30 ).

    قال الطاهر بن عاشور ـ في تفسير آيتي سورة هود: (من كان يريد الحياة الدنيا..) الآية. إلى قوله: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار.. ) الآية ـ : " وفيه تنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، وأن لا يحسبوا أيضاً أن الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم، كما قال تعالى: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (آل عمران : 196، 197 ). " (26).

    غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة:

    غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة مما قدم من عمل في دنياه، ولم يستوف أجره فيها.. أن يخفف به عنه من عذابه يوم القيامة، وهذا لا يعلم في حق معين إلا بنص، كما وقع لأبي طالب عم النبي r .

    روى مسلم في "صحيحه": عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشىء؛ فإنه كان يحوطك؟ (27) ويغضب لك. قال: ‏"‏ نعم، هو في ضحضاح (28) من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"‏‏.

    وفي رواية: قال: ‏"‏ نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ‏"‏.

    وفي رواية: فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه" (29).

    وقد تقدم من كلام الإمام النووي ما نقله عن الإمام البيهقي، قال: " وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات" (30).

    هذا غاية ما يمكن أن يحصله كافر في الآخرة، أما أن يثاب ـ لتطلب له المثوبة ـ فلا.

    وبقطع النظر عما أنجزه بابا الفاتيكان من عمل "صالح"، وأثر "طيب" على حد وصف الشيخ القرضاوي.. فإن كلامنا هنا في بيان حرمة الدعاء للكافر بالرحمة والمثوبة كائناً من كان، وإن فاق عمله وأثره عمل وأثر أبي طالب ـ الذي نُصَّ على تخفيف العذاب عنه ـ أضعافاً مضاعفة.

    وبعد.. فما كنت أحسب أن هذه البدهيات العقدية والأبجديات الشرعية يمكن أن تحتاج يوماً إلى تقرير وبيان، وكنا ـ والشيخ ـ في غنى عن ذلك لولا ما تكلم به الشيخ، وما نخشاه من التباس يحصل للعامة، وأيضاً لما يمكن أن يتسلل إلى نفوسهم ـ والنشء منهم خاصة ـ من معنى تربوي خاطئ، وهو اعتقاد جواز المجاملة أو تأليف الآخر أو إبداء سماحة الإسلام للغير...على حساب عقيدة الإسلام، ووضوحها في عقول أبنائها..

    على أن السماحة، والرحمة، والرأفة ونحو ذلك من المعاني جعل لها الشارع ضابطين اثنين: الأول: أن تكون في اتجاهها الصحيح. والثاني: أن تكون بمقدارها الصحيح، أي من غير إسراف ولا تقتير، وهذا إنما يتحقق بالوقوف عند حدود الله تعالى، فلا تتجاوز ولا تتعدى.

    فالرحمة إن تجاوزت حدود الله كانت تفريطاً وضعفاً، كما أن الشدة إن تجاوزت حدود الله كانت ظلماً وبغياً.

    ووضع الندى في موضع السيف مضر كوضــع الســـيف في موضـــع الندى

    إ

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 218
    المواضيع : 51
    الردود : 218
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    نجازات بابا الفاتيكان..

    ولكن تجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى بعض إنجازات الرجل، كي لا يغتر بما قيل فيه مسلم..

    أولاً: هو البابا الأكثر ولعاً بالتنصير.

    وشهد شاهد من أهلها:

    " في أول تعليق لها بعد تأكد نبأ وفاة 'يوحنا بولس الثاني' زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، وصفت وكالة ميسنا الكنسية [البابا] بأنه كان [البابا المولع بالتنصير].

    وفي معرض ثنائها على 'بولس' الذي هلك يوم أمس السبت قالت الوكالة: إن البابا أخذ على نفسه تبليغ [رسالة الإنجيل] في القارات الخمس أثناء فترة [حبريته].

    وأضافت الوكالة أن فترة مكث يوحنا بولس على سدة الفاتيكان، كانت إحدى أطول الفترات في التاريخ، حيث استمرت أكثر من ستة وعشرين عامًا، بدأت بتوليه [البابوية] عام 1978.

    وعلى الصعيد ذاته ذكرت الوكالة التنصيرية أن يوحنا بولس الذي مات بعد بلوغه 84 عامًا قام بأكثر من مائة رحلة تبشيرية قابل فيها ملايين الحجاج في نحو 129 دولة.

    كما ذكرت الوكالة أن الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان كان قد عقد نحو 737 اجتماعًا ومقابلة مع رؤساء دول العالم خلال ستة وعشرين عامًا، كما أجرى مقابلات تصل إلى 245 مقابلة مع رؤساء وزراء دول العالم.

    وتجدر الإشارة إلى أن 'بولس' كان قد حذر الكاثوليك من التخلي عن التنصير قائلاً: 'إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر" (31).

    وقد اعترف [البابا] ذات مرة باختراق النشاط التنصيري للمنظمات الإغاثية مؤكدًا أن: 'مهمة [التبشير] ملازمة للكنيسة طالما ظلت قائمة، وأن المنظمات [الخيرية] تسعى إلى القيام بـ[واجباتها] من خلال الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية بالمناطق المنكوبة حول العالم لإرواء العطشى إلى [دم المسيح].. على حد زعمه.

    ثانياً: وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و[إسرائيل].

    صرح المسؤول الكاثوليكي الفرنسيسكاني 'ديفيد جايجير' عضو وفد الفاتيكان الذي تفاوض نيابة عن 'يوحنا بولس الثاني' في اتفاقية عام 1993 مع الكيان الصهيوني بأن بولس وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و[إسرائيل]، وأعطى أملاً عظيمًا لتأثير الكنيسة في الدولة اليهودية.

    وقال 'جايجير': إن تأثير [البابا] على إدراك اليهود كان قد اتضح في استطلاع رأي أجري عام 2000حيث أظهر أن غالبية [الإسرائيليين] يعتقدون أنه كان مرشحهم المفضل.
    وزعم المسؤول الكاثوليكي بالفاتيكان أنه: 'بعد أيام قليلة من ظهوره على شاشات التلفزيون 'الإسرائيلي'، استطاع هذا الكاهن -المعين من قبل السيد المسيح - تحويل أنظار غالبية الشعوب الإسرائيلية نحو الكنيسة وزعمائها " ـ حسب تعبيره ـ .

    وعلى الصعيد ذاته قال'جايجير': إن يوحنا بولس - في الواقع - قدم الجمهور 'الإسرائيلي' إلى مفهوم جديد من الإيمان.

    ووصف 'جايجير' تأثير بولس على اليهود بقوله: إن الأغلبية العلمانية 'الإسرائيلية' رأت في بولس شيئًا جديدًا، فهو زعيم ديني لم يكن يعظ بالقومية أو التطرف أو الخوف، بل بالعدالة والمساواة.
    وحسب وكالة آسيا نيوز قال 'جايجير': إن بولس أسس علاقات جيدة للكنيسة مع الشعب اليهودي حيث وقع المعاهدات مع دولة [إسرائيل]، وبوفاة يوحنا بولس؛ يكون قد بدأ عملاً عظيماً ما زال بحاجة إلى من يكمله.

    وكان يوحنا ومسؤولو الفاتيكان قد ساعدوا في التغلب على 'معاداة السامية' في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (32).

    بدأت أولى خطوات بولس نحو التعاون المشترك مع اليهود بتأكد تأييده لتبرئتهم من القتل المزعوم للمسيح ـ عليه السلام - خلال لقاءاته بمؤسسي الدولة الصهيونية وإنشاء مكتب للفاتيكان داخل الكيان الصهيوني.

    ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن زعماء الصهاينة يكلفونه بأدوار تخدم مصالحهم، ويتضح ذلك من لقائه بثمانية عشر قياديًا من الرابطة اليهودية التي تطلق على نفسها 'ضد التشهير', وهي إحدى أبرز المنظمات الأمريكية المتخصصة فيما يسمى بـ'مكافحة معاداة السامية'.

    وقد طلب 'إبراهام فوكسمان' رئيس الرابطة وأحد قادة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من يوحنا ومسؤولي الفاتيكان المساعدة في التغلب على 'معاداة السامية' في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

    وفي هذا الإطار أعرب الرئيس الصهيوني 'موشية كاتساف' عن أسفه العميق لوفاة 'بولس' وقال في برقية عزائه: 'إن الشعب اليهودي سيتذكر يوحنا بولس الثاني الذي ساهم في تغيير أفكار المسيحيين تجاه اليهود بعد فترة من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية لليهود'.

    ثالثاً: أبرأ اليهود من دم المسيح عليه السلام.

    يشار إلى أن الفاتيكان كان قد برأ اليهود من القتل المزعوم للمسيح منهيًا بذلك قرونًا من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية واليهود.

    رابعاً: سعيه الحثيث لتوحيد الكنائس العالمية تحت قيادة كنيسته، حتى بات ذلك يمثل القضية الثانية على قائمة اهتماماته بعد التنصير.

    وكانت القضية الثانية في حياته هي توحيد الطوائف النصرانية تحت زعامة كنيسته، وينضم إلى ذلك دعوته إلى ما يعرف بـ[الحوار بين الأديان] والتي كانت دأبه وديدنه، وكان يرسل نوابه لعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات لتلك [الحوارات] في أماكن متفرقة من العالم [لاسيما العالم المسلم].

    ولا يخلو الأمر من محاولاته المتعددة تحسين الصورة المشوهة التي حاقت بكنيسته وكرادلته بعد تفشي الفضائح الأخلاقية بين القساوسة، فضلاً عن الاعتداءات التاريخية للكاثوليك ضد الأرثوذكس والطوائف الشرقية، ولن نتحدث عن الحملات الصليبية التي تعد علامة سوداء بارزة من تاريخ مرير للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والتي أعلن عنها جورج بوش في خطابه الشهير عند سقوط بغداد وسماها حرب الصليب..

    قضى 'بولس الثاني' عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة [الأم] بالفاتيكان – حسب تعبيره - وبذل الاعتذارات المتعددة على الفظائع التي ارتكبها أجداده في حق تلك الكنائس، ورغم ذلك فقد رفض الأرثوذكس مجددًا قيادة [كنيسة روما].

    وبسبب قيام الكاثوليك بأعمال تنصيرية بين الأرثوذكس في أوكرانيا ومناطق رعايا الكنيسة الأرثوذكسية رفض رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك 'أليكسي الثاني' زيارة 'يوحنا' لروسيا.

    وانتقد أليكسي الثاني الفاتيكان مرات عديدة للعداء التاريخي بينهما بعد أن اقتحم الكاثوليك الموالين للفاتيكان الكنائس الأرثوذكسية في العديد من المدن الروسية عقب سقوط الشيوعية؛ فنهبوها وتركوها خرابًا...

    وبذل [البابا] الأموال الطائلة من أجل استرضاء الأرثوذكس سواء في روسيا أو في مصر واليونان، وقد اشترط شنودة الثالث للغفران للكاثوليك الاشتراك في الإيمان الكامل أولاً قبل الحديث عن العمل تحت راية واحدة الأمر الذي جعل رأسي الكنيسة العالميين [بولس وشنودة] في نزاع شبه دائم ظهر بعضه وخفي أكثره.

    خامساً: تحذيره الملح وتوعده بالجحيم لمن يترك التبشير (التنصير).

    شهدت الحركة التنصيرية في عهد يوحنا بولس توسعًا غير مسبوق، فهو لم يفتأ يرسل منصري الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلى مناطق متفرقة حول العالم لاسيما إلى أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا.

    وقد عقد مجمع [تبشير الشعوب] الذي أسسه بولس التابع للفاتيكان لقاء ضم رؤساء الأساقفة الأمريكيين مع أساقفة أفريقيا الكاثوليك حول أهمية التجديد في وسائل التنصير، وحينئذٍ أعلن [البابا] - في إطار ترهيبه من ترك النصارى [للتبشير]-: 'إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر، ولا بد أن تشكل كلمات [بولس الرسول] شعارًا لكل منهم، فلا تفتخروا أعزائي الأساقفة بأعمالكم [التبشيرية] إذا [بشرتم] فإنه ليس مجالاً للفخر'.

    وقد عقد 'بولس' عشرات المؤتمرات من أجل [إحياء] التنصير في أفريقيا وشرق أوروبا مستفيدًا بالميزانيات الأمريكية والأوربية الضخمة الخاصة بالحملات التنصيرية.

    سادساً: نشاطه في الحرب على [الإرهاب] وتفعيل فكرة [حوار الأديان]:

    التقى الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية خلال الأعوام الستة والعشرين الماضية بنحو 737 رئيس دولة من رؤساء دول العالم و245 مقابلة مع رؤساء وزراء الدول، وقد تركزت حواراته مع هؤلاء الرؤساء في السنوات الأخيرة حول ما يعرف بالحرب على [الإرهاب].

    فعندما قابل رئيس الحكومة الأسبانية 'ثاباتيرو' بالفاتيكان مع وفد من الأساقفة الأسبان أعلن على مسامعهم: 'أكرر ما قلته لكم سابقًا من ضرورة تعاونكم مع الفاتيكان من أجل خدمة قضية السلام وحرب الإرهاب وتنمية الحوار بين الأديان'.

    وعلى سبيل المثال تباحث بولس مع الرئيس اليمني 'علي عبد الله صالح' حول أهمية وضرورة مكافحة [الإرهاب]، بل ووجه حديثه إلى اليمنيين قائلاً: 'إنني أحث جميع الرجال والنساء في منطقتكم على محاربة [الإرهاب] والعمل من أجل [السلام]'.

    ثم انتقل بولس في حديثه للرئيس اليمني إلى مسألة حوار الأديان حيث قال: 'إن العمل من أجل السلام لا يتأتى إلا بعد استقرار [التسامح] في القلوب؛ لذا فعليكم أن تحتضنوا لقاءات للحوار بين الأديان والشعوب في مناطقكم لا سيما الجزيرة العربية'.
    سابعاً: لقاؤه بعلاوي والمطالبة بحماية نصارى العراق:

    عندما التقى 'بولس' رئيس الحكومة العراقية المعين إياد علاوي وزوجته في الفاتيكان حثه على إشراك نصارى العراق في [إرساء دعائم الديموقراطية] – على حد وصفه-، وشدد على حتمية توفير الحرية الدينية للمسيحيين.

    وعن الشأن العراقي أشاد يوحنا بأعمال مجمع الكنائس الشرقية [الإغاثية] بالعراق وفلسطين والتي تتضمن مساعدة الهيئات الكنسية هناك، كما تشمل [التبشير بالإنجيل] في الشرق الأوسط.

    وهذا يكشف أن استنكاره الهزيل غزو العراق هو من قبيل المناورة السياسية، والحيل الدعائية، وللإستهلاك الإعلامي.

    ثامناً: دوره في خدمة المصالح الأمريكية والغربية.:

    وفي هذا الشأن أماطت مصادر أمريكية مقربة من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان اللثام عن دور يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في 'الحرب الباردة' وفي إسقاط الاتحاد السوفيتي.

    وأدلى إدوارد راوني - مستشار الرئيس ريجان بشأن محادثات الأسلحة النووية - بتصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكاثوليكية الأمريكية مفادها أن 'بولس الثاني' شارك 'ريجان' عن كثب فيما عرف تاريخيًا بالحرب الباردة التي أسقطت الاتحاد السوفيتي السابق، ويؤكد 'راوني' على أن البابا قدم كل ما يستطيع لإسقاط المطرقة والمنجل سواء من ناحية تقديم المعلومات أو تحريك عناصره داخل الجمهوريات السوفيتية.

    تاسعاً: حزنه وشجونه على النصرانية أن لا تحكم أوروبا.

    لم يُخفِ 'يوحنا بولس الثاني' شجونه حين أطاحت أوروبا بحلمه باعتماد القيم النصرانية كدستور للاتحاد الأوربي على الرغم من تأييد بعض الدول مثل إيطاليا وبولندا وأيرلندا.

    وظل 'بولس' يحذر من سيطرة العلمانية على أوربا الموحدة حيث كتب رسالة إلى كنيسة بولندا وأساقفتها يحثهم فيها على الوقوف ضد الأصوات الداعية إلى سيطرة العلمانية على القارة الأوربية، محذرًا من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي مذكرًا بدورها التاريخي في نشر الإسلام في القارة، ومذكرًا بضرورة تنصير شرق أوروبا كي تتنفس القارة برئتين ـ حسب وصفه ـ .

    عاشراً: عصر بولس عصر فضائح القساوسة:

    عندما تفجرت الفضائح الخلقية الشاذة لأساقفة الكاثوليك في أمريكا اعتذر [البابا] لأُسر الأطفال الذين اعتُدِي عليهم من قبل القساوسة، ولم تمض أسابيع حتى تفجرت الفضائح من جديد؛ فلم يُطِق [البابا] الاعتذار لمئات المنتهَكين داخل الكنائس من [رجال الدين].

    ويكفي القارئ أن يعلم أن نحو 65 أبرشية تابعة أمريكية أشهرت إفلاسها نظرًا للأزمة المالية الحادة التي تمر بها نتيجة دفعها تعويضات كبيرة لضحايا اعتداءات القساوسة، من بينها أسقفية 'بوسطن' التي تعد هي الأكثر غُرمًا من بين الأسقفيات الكاثوليكية في الولايات المتحدة حيث اضطرت لدفع مبلغ 85 مليون دولار لما يزيد عن 550 ضحية اعتداء جنسي وشذوذ قام بها القساوسة! (33).

    حادي عشر: آخر أعماله.. اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!

    وقد كان البابا يوحنا واضحًا حين أعلن عن رغبته فى توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة وصارت تحمل لقب 'تاريخية'، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.

    فـ البابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجدًا حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001. وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما.

    وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جدًا بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994، بعد أن كان – أيضًا - أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبدًا يهوديًا، عام 1986, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق, وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون.. كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية، كرئيس لما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية' والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.

    وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران 'جوفاني بيرناردو جريمولي' الذي كان يشغل هذا المنصب وعين مكانه المطران 'بول هيندر' الذي كان أسقفًا لمنطقة شبه الجزيرة العربية.

    وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراه في القانون الكنسي.

    وتم إنشاء ما يسمى بـ "إدارة شؤون النيابة الرسولية" في شبه الجزيرة العربية ـ التي تتخذ من العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" مقرًا لها ـ في 28 من يونيو من عام 1889، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتدادًا في العالم، ويعمل فيها نحو: 40 كاهنًاً، و70 راهبة (34).

    هذا هو بابا الفاتيكان مجرداً من هالات الإعلام وأغلفة السياسة ومجاملات المعزين.

    ثُمَّ بقيت ملاحظة تعَجُبٍ لا بد فيها من المعاتبة:

    ذلك أننا ـ من أسف ـ لم نر، ولم نسمع، ولم نقرأ مثل هذا العزاء والتأبين لرموز منا ـ نحن الإسلاميين ـ فقدتهم الأمة، ممن يخالف نهج الشيخ وكثيراً من آرائه وفتاواه، بدءاً بالدكتور علاء محيي الدين ، ومروراً بالعلامة حمود العقلا، وليس انتهاء بالقائد خطاب وخلفه أبي الوليد. وغير هؤلاء كثير. رحمهم الله جميعاً برحمته، وإن لم يترحم عليهم المترحمون على البابا.

    وكتب/

    محمد مختار مصطفى المقرئ

  5. #5
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 218
    المواضيع : 51
    الردود : 218
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    مراجع:

    (1) "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية: ( 86/1) ط : دار الجيل ـ بيروت 1973م.

    (2) صحيح مسلم ـ كتاب الجنائز ـ باب ما يقال عند المريض والميت ـ ح: (923).

    (3) "جامع البيان": (7/50) ط أولى ـ 1421هـ / 2001م.

    (4) فتح ـ كتاب التفسير ـ (16) باب (ما كان للنبي.. ) ح/4679، ومسلم شرح النووي: (1/294) ـ كتاب الإيمان ـ (9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت: (ح/39).

    (5) "مسلم بشرح النووي": (1/297) ط ثانية ـ مؤسسة قرطبة 1414هـ / 1994م.

    (6) "فتح الباري": (8/367ــ 377) ط ثالثة ـ دار الفكر ـ 1407هـ.

    (7) "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.

    (8) الجامع لأحكام القرآن": (4/586ــ 590) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.

    (9) "جامع البيان": (7/65) ط أولى ـ 1421هـ / 2001م.

    (10) "تفسير القرآن العظيم": (2/296) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (11) "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.

    (12) الجامع لأحكام القرآن": (5/16ــ 18) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.

    (13) "زاد المسير": (4/84) ط رابعة ـ 1407هـ / 1987م.

    (14) "تفسير القرآن العظيم": (2/440) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (15) "زاد المسير": (4/84) ط رابعة ـ 1407هـ / 1987م.

    (16) هذه الآية قيدها وفسرها آية " الإسراء " : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " [ الإسراء : 18 ] إلى قوله: " محظورا " [ الإسراء : 20 ] قال القرطبي: "فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد , وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ( في قوله : " من كان يريد الحياة الدنيا " أنها منسوخة بقوله : " من كان يريد العاجلة " ) [ الإسراء : 18] . والصحيح ما ذكرناه ; وأنه من باب الإطلاق والتقييد ; ومثله قوله : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [ البقرة : 186 ] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال , وليس كذلك ; لقوله تعالى : ( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ) [ الأنعام : 41 ] والنسخ في الأخبار لا يجوز; لاستحالة تبدل الواجبات العقلية , ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه , على ما هو مذكور في الأصول ; ويأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وانظر "الجامع لأحكام القرآن": (5/16ــ 18) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.

    (17) "مسلم بشرح النووي": (3/107) ـ كتاب الإيمان ـ (92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل: (ح/365).

    (18) "مسلم بشرح النووي": (3/108).

    (19) "تفسير القرآن العظيم": (2/156) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (20) الجامع لأحكام القرآن": (4/34) ط: دار الحديث ـ القاهرة ـ 1423هـ / 2002م. بدون رقم.

    (21) "تفسير القرآن العظيم": (4/62) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (22) "تفسير القرآن العظيم": (3/315) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (23) "تفسير القرآن العظيم": (2/248) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (24) "التحرير والتنوير": (9/107، 108) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.

    (25) "تفسير القرآن العظيم": (2/315) ط: دار الفكر ـ 1404هـ / 1984م.

    (26) "التحرير والتنوير": (12/22ــ 23) ط دار سحنون بتونس ـ بدون رقم وبدون تاريخ.

    (27) قال أهل اللغة: حاطه يحوطه حوطاً وحياطة إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه.

    (28) الضحضاح فارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار.

    (29) "مسلم بشرح النووي": (3/104) ـ كتاب الإيمان ـ (90) باب شفاعة النبي ص لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه: (ح/357).

    (30) "مسلم بشرح النووي": (3/108).

    (31) "مفكرة الإسلام": الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.

    (32) "مفكرة الإسلام": الثلاثاء 25 صفر 1426هـ الموافق: 5/4/2005م.

    (33) الفقرات من 2ــ 10 منقولة عن مقال كتبه للمفكرة نجاح شوشة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.

    (34) عن تقرير نقلته المفكرة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.

المواضيع المتشابهه

  1. في ذكرى المولد رائعة الدكتور يوسف القرضاوي
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-03-2009, 08:32 PM
  2. سيدي الشيخ أحمــد ياسيــن ..أنت جدير أن أكتب لك
    بواسطة د.عطاالله عبد العال في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 23-09-2008, 10:59 PM
  3. جدير أن نبادلك الجوابا
    بواسطة عتيق بن راشد الفلاسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 12-03-2006, 09:24 AM
  4. أهلا حسن- قصيدة ترحيب بالشيخ حسن يوسف
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-01-2005, 04:50 PM