سحاب الاستغفال و طريق الإنفعال
يخضع تصرف الفرد في العموم إلى حالتين أساسيتين وهما صفاء الذهن أو مخالطته للشوائب والعوامل الخارجية.
فأما حال الصفاء فإن الفرد يعتمد فيه على خالص تفكيره دون تدخل مؤثرات خارجية, وأما حال المخالطة فإن التصرف يكون متعلقا بجزء من الفكر المستقل وجزء من العوامل الخارجية.
يعتمد الفكر الخالص على قوة تفكير الفرد الناشئة من شخصيته ومن مكتسباته الفكرية طيلة حياته بمختلف تفرعاتها, و تتعلق كفاءته الفكرية بمدى تأثر النظام الفكري الذاتي بالأفكار الخارجية القوية والسليمة وتشبعه بها خاصة تلك المتعلقة بطريقة التفكير ومنهجية التدبير واستغلال الأفكار ومعالجتها. ومن أهم الأفكار المكتسبة و المرتبطة بمنهجية التفكير عموما هي كيفية معالجة الأفكار و تشكيل نظام فكري يعتمد على آليتين رئيستين, وهما آلية تقييم الأفكار وآلية تقويمها.
- تقييم الأفكار : هي آلية يقوم فيها النظام الفكري بوزن الأفكار عن طريق ميزان يتشكل من الأفكار السابقة المتأصلة في النظام الفكري الذاتي كالقيم والمبادئ والقواعد الأخرى,
وهو ما يسمى بالنموذج المرجعي
- تقويم الأفكار : يقوم النظام الفكري بمعالجة الأفكار الوافدة من المحيط الخارجي عن طريق طرح الأفكار المخالفة وهذا بغية عدم تخزينها في نواة الفكر الذاتي أو النموذج المرجعي والذي يشكل مصدر التفكير والقرار, و تخزينها في الذاكرة, وهذا يكرس الرفض. ويقوم هذا النظام أيضا بتعديل الأفكار الوافدة عن طريق النموذج المرجعي بطرح الجانب المخالف, و الربط بين الأفكار المناسبة وتخزينها في النواة الفكرية, فتصبح جزءا من نظام و أسباب الفكر الذاتي وهذا يكرس القبول.
وبما أن الفرد يحتوي على جانب العاطفة فإن النظام الفكري لا بد و أن يتأثر بها, سلبا وإيجابا. فالعاطفة تؤثر على الفرد وتفكيره كونها جزء من خلقته فتوجه تفكيره سلبا وإيجابا, فهي إما تعدل أفكاره فتجعلها أكثر رحمة وعطفا فمتى غاب الرفق غاب الدوام بحيث تجعل تصرفاته أكثر مرونة, و إما سلبا فتؤثر على مبادئه و مقومات تفكيره فتكون تصرفاته غير سوية.
وهناك مؤثرات خارجية يتأثر بها الفرد بقدر استعداده للتأثير و بقدر قوتها, سلبا و إيجابا. منها الدعاية, العاطفة, الصدمات, الإشاعات, الأفراد, البيئة,....وهذا يرجع إلى قوة الفرد الفكرية.
فقد يُستغفل الفرد بأخبار كاذبة إذا كانت آلية التقييم لديه غير متينة فتنشأ لديه سحابة فكرية ملوثة بغبار الإشاعة فتجد تصرفاته متأثرة بها إلى حين زوالها, قد تزول مع مرور الوقت وقد تزول بوفود أخبار جديدة مناقضة. وكثرة التأثر بالمؤثرات الخارجية إنما تدل على ضعف آلية التقييم الفكرية مما يجعله شخصية مضطربة.
وكثرة الإشاعات من شأنها أن تؤثر على هاته الآلية فتشوش على صاحبها وقد تؤثر على نواته الفكرية بالتدريج. فينبغي حينئذ تقوية هذه الآلية عن طريق استقبال الأفكار السليمة باستمرار لتجديد و صيانة النظام الفكري واجتناب كثرة تلقي الأفكار الخارجية التي لا تعلم سلامتها.