ثمن الصمت

ثمن الصمت
قصة قصيرة بقلم : نزار ب. الزين*
-------------------------

تنظر إلى عينيه و قد أنهكهما القلق و الأرق،

تشفق عليه ،

تسأله للمرة العاشرة عن همه ،

يجيبها بعد صمت طويل..

<<إنها المسؤولية يا عائشة ، إنني فعلا أحمل أكبر الهموم ..

لا أحد يلتزم بالمعايير يا عائشة ..

حيوات الناس مهددة بأكبر الأخطار ..

و لكن ..

و لكن ، لا أحد يهتم بأرواح الناس يا عائشة .. لا أحد >>



تجيبه لائمة : << و هل أنت من سيصلح الكون ، يا عدنان ؟>>

<<إنها أرواح الناس يا عائشة >> يكررها بصوت حزين مرهق ، ثم يضيف :

<< حتى لو كان البناء يخص أمير ، فالمعايير الهندسية لا تعرف أميرا أو وزيرا ، إنها قوانين ، المساس بها يعني الانهيار ...الخراب ... الدمار ...الموت.. يا عائشة >>

تزفر عائشة متذمرة و هي تقول له :

<< أنت تحمل السلم بالعرض ، إحمله بالطول يا رجل ، و أرح نفسك و الآخرين ..>>

ينظر إليها نظرة عتاب و لوم معاً ، و لكن بدون أن ينبث ببنت شفة ،

يهز رأسه يمنة و يسرة …

ثم يتوجه إلى فراشه .



*****



عند منتصف الليل يرن جرس الهاتف ..

يتلقى النبأ مذعورا ...

يهرع إلى مكان الحادث...

الموقع يعج بسيارات الشرطة و المطافئ و الإسعاف ؛

مبنى مواقف السيارات متعدد الأدوار الجارب بناؤه ،انهار برمته ...

طبقة فوق طبقة فوق طبقة ..

الضحايا كانوا من العمال !

اعتادوا أن يناموا في الطبقات المنجزة توفيرا لأجور السكن..

كانوا ثلاثين عاملا طُحنت أجداثهم بين رحى الكتل الإسمنتية ..

أحدهم أحس ببداية الانهيار فحاول أن يلقي بنفسه من علٍ ، فانحبس نصف جسده تحت كتلة خرسانية ، و ظهر نصفه الآخر في الفضاء ..

منظر تقشعر لها الأبدان !

*****

يُكلف كبير المهندسين ، الباشمهندس عدنان ، برئاسة لجنة التحقيق الفنية.

يؤكد عدنان في تقريره أنه نبه ذوي الشأن مرارا إلى مخالفات فنية متكررة ،

أبسطها عدم التقيد بالمدة الكافية لجفاف ( صبة الخرسانة ) قبل بناء (صبة )أخرى فوقها.

و أن حجة مهندسي التنفيذ كانت دائما :

<< إنها أوامر عليا >>

و أن الأمير جحفان صاحب المشروع ، كان يزور الموقع شخصيا ، من حين لآخر ، برفقة كبار مسؤولي وزارة الإعمار ، ليحث المهندسين التنفيذيين ، على مواصلة العمل دون توقف و دون التقيد بحرفية المعايير ..

سعادته متعطش لرؤية مشروعه يناطح السحاب ..



*****

معاون وزير الإعمار يستدعي المهندس عدنان

يخبره بايجاز :...

أنه أعفي من رئاسة لجنة التحقيق ..

و أعفي من وظيفته في وزارة الإعمار ..

و لكن ....

و لكن الأمير جحفان - تقديرا لنزاهته (!!!) - عينه مديرا لأحد فروع إحدى شركاته خارج البلد .

و براتب يعادل ثلاثة أضعاف راتبه الحالي .

كما نصحه معاون الوزير بعدم الإتصال بوسائل الإعلام !

-----------------------------------------------

*نزار بهاء الدين الزين

مغترب يعيش في الولايات المتحدة من اصل سوري

الموقع www.FreeArabi.com :

البريد nizarzain@adelphia.net

الأخ العزيز نزار الزين

تأبى السنين الطويلة إلا أن تمدك بخبرتها ، وتعطيك خلاصة تجاربها .

دائما ما أستمتع في صفحتكم .

فتقبلي شكري وإعجابي .


تحياتي لك ،،،،

أخي الدكتور سلطان
كلماتك شهادة أعتز بها و وسام أعلقه بين شغاف قلبي
دمت متألقا
نزار ب. الزين

أخي نزار

وهل رضي عدنان بثمن هذا الصمت
لو كنت محله لما رضيت
ولأاثرت القضية على اعلى مستوى

ولو كان في ذلك اهدار لحياتي

شكرا لك

[QUOTE=عدنان الاسلام]أخي نزار
وهل رضي عدنان بثمن هذا الصمت
لو كنت محله لما رضيت
ولأاثرت القضية على اعلى مستوى
ولو كان في ذلك اهدار لحياتي
شكرا لك[/QUOTE]

[[font=Simplified Arabic]size=4]

أخي عدنان
يقول التنبي ( فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم )
إذا كان راس السلطة هو صاحب المشروع فلمن تُقدم الشكوى ؟
الظروف تغير الناس أحيانا ، فلا تلم المهندس عدنان المغلوب على أمره ، فاللوم واقع بالدرجة الأولى على الأنظمة الفاسدة !
شكرا لمرورك
مع كل المودة و التقدير
نزار ب. الزين

[/font][/size]

أخي الفاضل

كثيرا ما أرى قصصك تتحدث عن الفساد ، كل الفساد.
و الحق أنك بارع في العرض ، مجيد في اللغة ، و تحمل فكرا واعيا .

وفقت إلي الخير دوما .

أخي الفاضل
كثيرا ما أرى قصصك تتحدث عن الفساد ، كل الفساد.
و الحق أنك بارع في العرض ، مجيد في اللغة ، و تحمل فكرا واعيا .
وفقت إلي الخير دوما

---------------------------------

الأخت الكريمة الملقبة : " حرة "
شكرا لإطارئك الحافز ، أما الفساد يا أختاه فقط اكتوت شعوبنا العربية بناره !
أملي أن يأتي يوم زواله قبل استفحاله أكثر ....
مودتي
نزار

نحن الشعوب من يحمي الأنظمة الفاسدة ونعمل على انتشار سطوتها.

تحياتي لحرف هادف وسامق.


تقديري

نحن الشعوب من يحمي الأنظمة الفاسدة ونعمل على انتشار سطوتها.
تحياتي لحرف هادف وسامق.
تقديري

----------------------------
أخي الفاضل الدكتور سمير
أصبح الأمر مألوفا و كأنه عرف سائد ، فكثير من الموظفين تتبجح زوجاتهم ، فتقول إحداهن على سبيل المثال : راتب زوجي ( كذا ) و لكن يأتيه ( براني ) كذا و كذا !!!! فيهنئها السامعون و السامعات !!!
هنا مكمن الخطر - كما تفضلت - الشعوب فسدت مع فساد حكامها .
أين الحل ؟ و كيف الحل ؟ و متى الحل ؟
شكرا لحضورك الرائع يا أخي و دمت رائعا
نزار ب. الزين
ملاحظة : آسف لتأخري بالرد

السلام عليكم
أستاذنا القاص الفاضل / نزار زين

شوف الأفتراء

الجحفان يريد ان يوظفه عنده لأنه امين - فسيحافظ على ماله ومشاريعه الخاصة فى الخارج - فهو بذلك سيحمى نفسه وممتلكاته لأنه يعلم ان عدنان موظف صالح فليأخذه لنفسه اذاً.
واكبر الشر والخبث ان كل ما سيحدث لبلد غير بلده وناس غير اهله وعمال مساكين من موت ودمار لا يهمه - لأنه لو أمن على البناء سيأخذ كل ماله ولكن الناس ستكون انتهت حياتها !
هو انانى يعتقد انه اشترى الناس بفلوسه - والحق على مسؤولينا ان تركوهم يفهموا هذا وان نفوس شعبهم رخيصة جدا وبلا ثمن !
اما المسؤولين فى هذا البلد - فحسبنا الله ونعم الوكيل على امثالهم ممن تولوا امور الناس فأهلكوهم وتستروا - وتفننوا فى التستر على الفضيحة وايداعها ملف النسيان بأقالة عدنان
هى ضغوطات ولا اخلاقيات من عدة اطراف - من زوجته ومن المسؤولين فى بلاده ومن اغراءات المال - وغلطة منا للسكوت على امثالهم
شكرا لك على هذه أقصوصاتك الرائعة التى ترصد كل مساوىء المجتمع وتحاول تسليط الضوء عليها لعل وعسى !
انت صحافى وليس قاص - صحافى من نوع خاص

تقبل تقديرى واحترامى لقلمكم المفيد