ضياع المسؤولية.

ما اثقل حمل الأمانة والمسؤولية ! وما أشد وزر من فرط فيها ! .. إنه آثم قلبه.
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ و مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " رواه البخاري .
* الإمام : وهو الحاكم ، صاحب الولاية العامة على شؤون الناس ، المكلف منهم بتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامة والالتزام بها ، والحرص على تحقيق مصالحهم جميعاً ، وحفظ حقوقهم وأمنهم وتأمين حاجاتهم ، مهما كانت طبيعة ودرجة المسؤولية التي يتولاها.
* الرجــل: في بيته وأهله وأولاده ، يربيهم ويرشدهم وينفق عليهم ويعطيهم اهتمامه ووقته وجهده ومعاملته الحسنة دون تفرقة .
* المرأة : في بيت زوجها ، ترعى أولادها وتشارك زوجها في أعباء الحياة وتؤدي حقوقه وتحافظ على أمواله وشرفه .
* الخادم : في مال سيده ، والعامل في منصبه ، يحفظه ويصونه و ينميته ، يعمل بإتقان وأمانة.
إن المتتبع لأحوال مجتمعنا المعاصر ، يرصد الكثير مواقف التقصير في تحمل المسؤولية من قبل الحاكم والمحكوم في شتى مناحي الحياة ومستوياتها ، مما أََضر بحقوق ومصالح العباد ، وذلك لإسناد الأمر لغير أهله ، والابتعاد عن الله وعن هدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، قدوتنا ودليلنا إلى الخير.

يزخر تاريخنا التليد بالكثير من الصور النَّيِّرَة عن حفظ المسؤولية والأمانة .
* فهذه أم المؤمنين ( خديجة بنت خويلد) رضي الله عنها ، لم تتخل عن زوجها وهو عائد يرتجف من غار حراء ، بل هدأت من روعه بكلمات خالدة قائلة : "كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الحق" .
* وهذه الرميصاء ( أم سليم بنت ملحان) ، كانت مثالا للزوجة الطائعة الصابرة الحليمة . مات ولدها الوحيد في غياب زوحها ، وعندما عاد من السفر ، استقبلته بحفاوة وترحاب ، وتزينت له ومتعته أولا ، ثم اخبرته بالفاجعة بكياسة . فقالت : " يا أبا طلحة ، أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية ، فطلبوا عاريتهم ، أيمنعونهم ؟! قال: ليس لهم ذلك . قالت : إن الله أعارننا ابننا ثم أخذه منا ، فاحتسبه عند الله". . قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، فأبدلهما الله خيرا منه.
* وهذا الخليفة عمر بن عبد العزيز ( أشج بني أمية ) رضي الله عنه ، كان مثالا للمسؤول العادل الورع ، الذي يتحسس معاناة الرعية. دخلت عليه زوجته فاطمة وهو في مصلاه ، يده على خده سائلة دموعه ، فقالت : "يا أمير المؤمنين ، ألشيء حدث " ؟
قال : "
يا فاطمة ! إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، العاري المجهود ، والمظلوم المقهور ، والغريب المأسور ، والكبير ، وذي العيال في أقطار الأرض ، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم ، وأن خصمَهم دونهم محمد ، فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته ، فرحمت نفسي فبكيت".
فحري بنا أن تأسى بهم ، فنستحضر الرقابة الإلهية فيما يسند إلينا من وظائف ومهام . اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي