منهجية تفكيك التكتلات المعادية

 هل وقفنا على دروس قصة نعيم بن مسعود الأشجعى رضى الله عنه ؟ فقد أسلم خفية عن قومه وكان من المشاركين فى حلف الأحزاب المحاصر للمدينة ، فلما تآمرت بنو قريظة مع الأحزاب واشتد الخطب على المسلمين حتى بلغت القلوب الحناجر ، كان نعيم من الهدايا التى ساقها الله للمسلمين ليقوم بدور فى فك الارتباط بين الأحزاب وبنى قريظة ، وكان ذلك من جملة الأدوات التى فككت التحالف المعادى .
 اتى نعيم الى النبى صلى الله عليه وسلم وقال له : : " انى قد أسلمت ولم يعلم قومى باسلامى فمرنى بما شئت ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : انما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب الينا من بقائك ، فاخرج فان الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بنى قريظة وكان ينادمهم فى الجاهلية فقال : يا بنى قريظة ، قد عرفتم ودى اياكم وخاصة ما بينى وبينكم ، قالوا : قل فلست عندنا بمتهم ، فقال لهم ان قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم وفيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وان قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه ، فان رأوا نهزة أصابوا ، وان كانوا غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً .
 ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لهم : قد عرفتم ودى بكم معشر قريش وفراقى محمداً ، وقد بلغنى أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا على ، قالوا : نفعل ، قال أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خلافهم محمداً وأرسلوا اليه انا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهناً رجالاً ونسلمهم اليكم لتضربوا أعناقهم ثم نكون معك على ما بقى منهم حتى تستأصلهم ؟ ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك .
 فلما كانت ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين أرسل أبو سفيان الى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل فى نفر من قريش وغطفان يقول لهم : انا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نفاجئ محمداً ، فأرسلوا اليهم ان اليوم السبت علمتم ما نال منا من تعدى فى السبت ، ومع ذلك فلا نقاتل معكم أحداً حتى تعطونا رهناً ، فلما رجع الرسول بذاك قالوا : صدقنا والله نعيم بن مسعود فردوا اليهم الرسل وقالوا والله لا نعطيكم رهناً أبداً فاخرجوا معنا ان شئتم والا فلا عهد بيننا وبينكم ، فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود ، وخذل بينهم واختلفت كلمتهم ... وبعث الله عليهم ريحاً عاصفاً فى ليال" .
 الدرس الأول : النصر والانجاز لا يعود للمعجزات ولا لتدخل السنن الكونية فقط ، انما تسبقها فعالية الجهد البشرى ، أنظر ترتيب الأحداث : " وخذل بينهم .. وبعث الله عليهم ريحاً " .
 الثانى : الاعتماد على تفكيك الأحلاف والتكتلات المناهضة للمنهج والمعادية للأمة من خلال الجهد المخابراتى وأساليب الخداع التى تعتمد على اخفاء الحقائق وبث الفتن وزرع الوقيعة بين المتحالفين وصولاً لتخذيلهم بعد نزع الثقة المتبادلة بينهم واحلال الشكوك والهواجس محلها ، فلا يأمن حلف لمقاصد وغايات حليفه .
 الثالث : الحرب خدعة ومكائد وخطط وتوظيف لجميع الأدوات والحيل ، وأقواها الحيل المخابراتية القادرة على فك الارتباط بين أحلاف الأعداء ، وليست فقط اسراع لحمل سلاح وحشد لشباب فى ساحات المعارك .. وبسبب غياب البعد المخابراتى عن التنظيمات الجهادية " الاسلامية " ، ظلت أمريكا وحلفاؤها – وفى مقدمتهم ايران واسرائيل - بما تمتلكه من قدرات استخباراتية وأساليب خداع ، توظف الاسلاميين الجهاديين لحساب مصالحها منذ حرب الروس فى أفغانستان الى اليوم .
 الرابع : الحرب – عند الاضطرار اليها - تقودها دولة بقائد بصير محنك ، قادر بالفعل على تخذيل الأعداء واضعاف قواهم وتفكيك تكتلاتهم وأحلافهم .. بعكس قادة التنظيمات المحترفين فى تكثير الأعداء ومضاعفة تكتلاتهم وأحلافهم ضد الأمة وضد المنهج ، وفارق كبير جداً بين قائد قادر على تفكيك الارتباط بين الأحلاف المعادية ، وبين من يكرر بغباء منهج اثارة العالم والفرقاء ضد الأمة والمنهج ليتكتلوا ويتكاتفوا لحربها والنيل منها متوحدين متعاونين .
 الدرس الخامس : " انما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب الينا من بقائك " .. فليس المهم تكثير الجنود والأتباع وتسليمهم أسلحة وجمعهم بالآلاف فى ساحة الحرب ومرمى نيران العدو ، انما لابد من الحضور النوعى ، بعقول قادرة على توظيف الطاقات والمواهب فى مهام نوعية قادرة بالفعل على انهاك العدو وتفكيك قواه .
 السادس : " الحرب خدعة " ، وليست نزهة خلوية وليست مشادة فى الشارع بين شخصين أو عائلتين ، وليست منظرة ومظهرة بادعاء الزعامة والقدرة على القيادة بدون مواهب ولا خطط ولا تفكير استراتيجى خططى وامكانيات مخابراتية ، وليست ساحة للحنجوريين والهتيفة بشعارات " اسلامية .. اسلامية " ، فليس الاسلام هو من يخسر فى ساحات المعارك منذ ثمانينات القرن الماضى الى اليوم ، انما تنظيمات لا تدرى عن الحرب الا أنها حمل للسلاح وسفر الى احدى صحراوات المعارك ووعود بالحور العين .
 الدرس السابع : المسلمون لما اشتد عليهم الكرب وبلغت قلوبهم الحناجر سألوا النبى صلى الله عليه وسلم " هل من شئ نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ .. قال : نعم .. اللهم استر عوارتنا وآمن روعاتنا " .. وكان يقول " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب .. اللهم اهزمهم وزلزلهم " ، يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا ويهزمهم ويزلزلهم ، ليس ونحن هكذا دراويش يسهل توظيفنا فى فخاخ الأعداء ومصائد استخباراتهم العتيدة ، فليس هذا مستوى ومقام من تتنزل عليه آيات الله القدير " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً " .
 وكثير من الجهاديين والاسلاميين ينتظرون من الله جنود السماء والريح ولا يكملون الآية " وكان الله بما تعملون بصيراً " ، فأين جهودكم وعملكم وابداعكم وعقولكم ومواهبكم وخططكم الاستخباراتية ، وبلوغكم مستوى ما وصل اليه العدو من مكر ودهاء وذكاء لتستحقوا تنزل آيات السماء عليكم ؟ .
 هم ينتظرونها لكنها من المكانة والقيمة بحيث لا تتنزل على الدراويش .