إن كنز الولاية لأهل العناية؛ تفك رموزه في رحلة الإسراء والمعراج وقد جعل الله عزَّ وجلَّ أسرار الإسراء في كلمة أسرى:
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى ) (1سورة الإسراء)
ففي ألف البداية؛ كاشفه الله عزَّ وجلَّ بياء النهاية، وبينهما سرُّ أهل العناية:
( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) (10سورة النجم)

فجهاد السالكين في بداية سيد الأولين والآخرين؛ بأن يُقبل على قلبه، ويركِّز البصر على ما في فؤاده، ويطهِّره مما سوى مولاه، ولا يجعل فيه شيئاً لغير وجه الله عزَّ وجلَّ، كما حدث مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومن يجاهد في العبادات، كأن يقوم الليل، ويصوم النهار، ويجتهد في تلاوة القرآن، وما ورد من الأذكار والأعمال مثل هذا نسمِّيه من الأبرار،ويأخذ على عمله أجراً عظيماً، ومنزلة كريمة في دار القرار:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ماذا لهؤلاء ؟
( كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) (107سورة الكهف)

أي: أنه سيأخذ أجره هناك، لكن من يريد المقام الأعظم ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ ) وهذا مقام آخر
( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ) لكن هذا العمل معه نيَّـة مهمَّة
( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (110سورة الكهف)

فمن أراد بلوغ مقام الواصلين؛ فإن جهاده في طهارة القلب:
( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (89 سورة الشعراء)

وقال في ذلك سيدي وإمامي الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه عندما كان في طَوْرٍ أُخذ فيه بالكليِّة عن الحضرة الجسمانيَّة، ووُوجه بالحضرة العليَّة، فغاب عن نفسه، وكان كما قال الله عزَّ وجلَّ : ( كنت لسانه الذي ينطق به) ، وقد قال في هذا المقام:
فرِّغ القلب من سوانا ترانا يا مريداً جمالنا وبهانا

هذا هو جهادك، أن تفرِّغ القلب مما سوى الله، وأن تجعله خالصاً لله عزَّ وجلَّ، فعليك أن تخرج منه الهوى وهو أول داء يمنع السالكين من مدد سيد الأولين والآخرين:
( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) (26سورة ص)
فلا يوجد سالكٌ له هوى، لأن هواه كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

( لا يُؤْمنُ أَحَدُكمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ )(1)
لأن هواه مع الله، وما يحبُّه سيِّدنا ومولانا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإذا تحقق بهذا الجهاد، وصفى القلب، فوراً:
إذا صفا القلب من وهم وشبهات ي شاهد الغيب مسروراً بآيات

وإذا لم يشاهد، فإنه يحتاج لمزيد من الجهاد، وهذا الجهاد لا يصح، ولا يتمُّ، إلا مــع طبيب ربانيّ، وخبير قرآنيّ، أمره بذلك العليّ عزَّ وجلَّ .

لأن الله عزَّ وجلَّ، وهو الذي يعلم أنه ما هناك قلبٌ أتقى، ولا أنقى، ولا أرقى، من حبيب الله ومصطفاة، ومع ذلك أرسل نفراً من الملائكة الكرام؛ ليشقوا بطنه، ويغسلوا قلبه بماء زمزم، ليعلِّمنا:أن الإنسان مهما بلغ،لا يستطيع أن يتمَّ هذا الأمر لنفسه بنفسه، وإنما يحتاج لمن يقوم له به بأمر ربِّه عزَّ وجلَّ؛ فيحتاج إلى طبيب أمره ربُّ العزة بهذه الأعـمال، وصرح له بذلك حبيب الله ومصطفاة صلَّى الله عليه وسلَّم.

وإذا ذهب إلى الطبيب، وكاشفه بما هو معيب، وتحمَّل هذا المقام المهيــب لأن الإنسان لا يحبُّ أن يكاشفه أحدٌ بما هو فيه، وإذا كوشف بعيب فيه؛ ربما يشـرد، وربما يثور ويغضب، وكلُّ ذلك هو علامة منازعة النفس الإبليسية، ودليل على أن جمرة الغضب لم تنتهِ في نفسه بعد.
متى تنتهي جمرة النفس، إذا كان القدح أحبُّ إليه من المدح، وإذا شجَّع من حوله
وقال: (رحم الله امرئ أهدى إليَّ عيوب نفسي)(2)

فــإذا وصل لهذا المقام على التحقيق يعلم أنه قد وضع قدمه على قدم الصدِّيق، وأن هذه بداية سلوكه للطريق.

أما إن كان يحزن من هذا إذا نصحه، ويغضب من هذا إذا كاشفه بعيب له، أو فيه، بل ربما يتخذ موقفاً، أو ربما يتحوَّل ويُحوِّل الأمر إلى عداوة، فإن ذلك دليل على أن النفس ما زالت كامنة، وإن كانت في الظاهر ساكنة، إلا أنها لم تنتهِ كما يحبُّ ربُّ العباد من العباد .


(1)مرويٌ في فتح الباري ومشكاة المصابيح ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
)2)إشارة إلى القول المأثور عن عمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه: (رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي )، ورد فى سُنَنُ الدَّارِمِيِّ فى رِسَالَةُ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ




أن الإنسان لا يحبُّ أن يكاشفه أحدٌ بما هو فيه، وإذا كوشف بعيب فيه؛ ربما يشـرد، وربما يثور ويغضب، وكلُّ ذلك هو علامة منازعة النفس الإبليسية، ودليل على أن جمرة الغضب لم تنتهِ في نفسه بعد.
متى تنتهي جمرة النفس، إذا كان القدح أحبُّ إليه من المدح، وإذا شجَّع من حوله
وقال: (رحم الله إمرئ أهدى إليَّ عيوب نفسي)

فــإذا وصل لهذا المقام على التحقيق يعلم أنه قد وضع قدمه على قدم الصدِّيق، وأن هذه بداية سلوكه للطريق.

أما إن كان يحزن من هذا إذا نصحه، ويغضب من هذا إذا كاشفه بعيب له، أو فيه، بل ربما يتخذ موقفاً، أو ربما يتحوَّل ويُحوِّل الأمر إلى عداوة، فإن ذلك دليل على أن النفس ما زالت كامنة، وإن كانت في الظاهر ساكنة، إلا أنها لم تنتهِ كما يحبُّ ربُّ العباد من العباد .

فإذا ماتت النفس فإن علامة الموت :( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ )
ما عطاؤه ؟ ( وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (122 سورة الأنعام)

يرى كما يرى سيِّد الورى ، يرى الآيات الْمَلَكيَّة ؛ فيرى خـواطر النفوس ، وتجول روحه وقلبه في غياهب القلوب ، ويكاشفه الله بالمحجوب ، لكنه قد رزقه الأدب الذي به لا يفصح عن العيوب ؛ حرصاً وخوفاً على أسرار حضرة علام الغيوب .

وهذا هو مقام السالكين ؛ يرون حقائق الأشياء ، وفيهم يقول إمامنا رَضِيَ الله عنه :
فني من شاهد المجلي ونال الســـرَّ وارتاح
وغنَّى بالحقــــائق من رأى الأشباح أرواح


فنحن نرى ظاهر الإنسان ، وهو بعين قلبه يريه الله غيوب باطن الإنسان ؛ ولذلك يفيض الله على صاحب هذا المقام وهو من أهل البدايات ، لكن له عند الله عنايات يفيض الله عليه من

مقام :[تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ color="red"]( )
(273 سورة البقرة)
فينظر إلى شاشة المرء وهي السيميا فيعلم ما يدور في خلجات قلبه ويرث مقام
( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) (30 سورة محمد)
فيعرف من فلتات اللسان؛ خبايا ما في جنان الإنسان ،وهي رؤية الإسراء التي رآها سيد الأنبياء، وبيَّن الله لنا أنه مع أن الله

(علَّمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيماً) ؛ إلا أنه احتاج أن يرجع في كل مشهد إلى صاحب الروح، لأن معه فتوح أعظم؛ ليكشف له اللبس، ويبين له حقيقة المشـهد، حتى لا ينفرد السالك إذا رأى مثل ذلك، ويظن أنه واصل، فيكون بذلك هالك

لأن بعض السالكين بمجرد أن يرى رؤية مناميه، يظنُّ أنه وصل إلى مقامات الولاية، وينقطع عن صحبة العارفين، فإذا كاشفه الله ببعض المشاهد الكونيَّة، يظن أنه قطب الوقت، ويطلب مدح المريدين، وثناء العلماء والواصـلين،
ويستغني عن العارفين

في حين أنه يحتاج إلى من يفك له رموز هذه المشاهد، كما حدث مع النبي الشاهد صلَّى الله عليه وسلَّم.
[/color]
إشراقات الإسراء- ج2

منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي