بَدأَ الخَريفُ بِخَطْفِ أَلْــــوانِ الشَّجَرْ
وَيَدُ الرَّمَادِ هوتْ على الأُفُقِ النَّـضِـرْ
منْ خَلْفِ نَافِذَتِي سَمِعْتُ رِيـَــــاحَهُ
غَجَريّةً غنّتْ مـــوَاوِيلَ السّــــــفَرْ
غَنَّتْ وَصَايَا عَنْ رِبِــــــيعٍ ذَابـِــل
يسْقَيهِ آخِرَ جَرعَــــةٍ دَمْــعُ المطَرْ
وجهٌ رمَـــاديٌّ زَفيرهُ بـــــــــارِدٌ
يَمْتَدّ مرْتعِــــــشًا عَلَى مَدِّ البَـصَرْ
وتَطايَرتْ فِي الجَــــوّ حُمْرةُ وَجْنَةٍ
شُهُـــبًا تُودِّعُ نَائِمًا بَعْدَ السَّــمــرْ
وكَأَنَّ َأرْواحَ الـــزُّهُورِ تَبَــــخَّرَتْ
فِي الجَوِّ حتَّى أَثْمَلتْ شَجَرًا سَكِـرْ
مُسْتَسْلِمًا للرّيـــحِ يَحْضُنُ بعْــضُه
بَعْضًا كـــمَا وتَرٍ يحنُّ إلى وَتَـــرْ
وَ سَمِعتُ أَوْرَاقًا تُعــــزِِّي بعْضَهَا
حتَّى نَعُودَ إِلَى الحَيَـــاةِ سَنَنْكَسِرْ
**
سَكنَتْ أغاني الصَّيف و الطَّيرِ اللَّعُوبْ
وبدَا يصِيحُ بِجَــوِّهَهَا الرَّعْدُ الغَضُوبْ
سُحِّي الدُّمُوعَ أَيَا سَمَــاءُ فَــإنَّهَا
حِبْرُ الوُجُودِ يَخُطُّهُ الغَيْم السَّكُوبْ
مَطَرٌ تنَاثًر خَلْفَ أَسْتَـــارِ الضَّبَابِ
يَرِنُّ كَـــالأَوْتَــارٌ فِي نَغمٍ طَرُوبْ
لحنٌ سَـــمَاويٌ عمِيقٌ وقْــعُــه
وكَأَنّـهُ يخْطُو عَلَى سَمْعِ القُلُوبْ
يا رعْشَة الأَشْجَارِ يَا حُزْن الطّبِيعَةِ
مَا لِوجْدِكِ مِثْـــلَ وجْديَ لا يَتُوبْ
فَصْل النّــهَايَةِ و الَبـدَايــةِ جاءَ
كاللّيل الخَطيبِ يهِيمُ من خَلفِ الغُيوبْ
والــلّيلُ يفْتَحُ خَافِقَاهُ كمَا المظَلّاتِ
التّي تَطفُو عَلَى طُولِ الـــــدّرُوبْ
و تُقِلُّ سَيّاراتُـــــــهَا سُحُبَ الرُّؤَى
هَذِي تُودِّعُنِي وَذِي أُخْرَى تَــــؤُوبْ
تنْسَابَ فِي الــــنُّورِ الخَفِــيفِ معَ
الشّوارِعِ بين أَشْـــبَــاحِ الــغُــروبْ