أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رؤية نقدية لقصة دُميـَة .. للأديب رائد أحمد محمد محمد

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي رؤية نقدية لقصة دُميـَة .. للأديب رائد أحمد محمد محمد

    اسمحوا لى هنا أن أقدم رؤية نقدية لقصة الأديب الغزاوى رائد أحمد محمد الذى تعرفت على على نصوصه خلال اشرافى وتحكيمى فى احدى مسابقات القصة القصيرة قبل عدة سنوات .

    رؤية نقدية لقصة دُميـَة .. للأديب رائد أحمد محمد محمد

    كم عمر الوقت المنقضي الآن؟
    ست ساعات ؟!...كن كافيات لهزيمة الجيوش العربية بأكملها.
    لم تشفع صدمة اليوم الأول أن تكسر المقاومة في غزة حتى اليوم السادس الآن !
    ستة أيام لم نذق النوم إلا قليلا ، اعتدنا منذ بدء العدوان ألا ننام إلا مجتمعين ، لأننا أحببنا أن نضمن موتنا الجماعي إن قدر لبيتنا أن ينضم إلى قائمة البيوت المقصوفة ، كنا نخشى أن يشرب أحد حسرة أحد ، لهذا آثرنا الموت أو الحياة ، لكن...
    معاً!
    ليلة البارحة بالذات ، تعمدنا أن نحشر أنفسنا في بطانية واحدة ، أنا وزوجتي وابنتي الصغيرة ، لأن قافلة البيوت المقصوفة كانت تزحف نحونا سراعاً .
    كَفّنّا أنفسنا جيداً تحت البطانية، واستعددنا للرحيل نائمين ، لم نستيقظ إلا على صوت البيت وهو ينفجر، ولم أفطن إلى أن البيت المنفجر ليس بيتنا إلا عندما تأكدت من استمرارية حاسة السمع عندي، واستمرار تمييزي للأصوات، ومن ثم فقد بدا واضحاً لي أن شبابيك وأبواب بيتي المخلوعة كانت بسبب القصف الذي طال أحد بيوت الجيران الذي يبعد عنا نصف كيلومتر تقريبا! نجحت في إطفاء بكاء الصغيرة بعد جهد جهيد .
    ولكي أضمن مغادرتنا الجماعية التي تقترب وتقترب ، فقد شددت رباط الكفن ، وتعمدت أن أعصر الصبية بين جوانحي.
    كان شعوراً مزدوجاً ، رغبة في الموت الجماعي، وتمني وابتهال لسلامة الصغيرة.
    لم ينقطع الصوت حتى الصباح، وهذا يعني أنني لازلت ممتلكاً لحاسة السمع، وبالتالي لازلت حياً .
    استفقنا جميعاً، أنا وزوجتي والصغيرة، كان استيقاظنا في نفس اللحظة، كأن كل واحد منا أراد أن يبرهن للآخر بقاءه على العهد، إما الموت أو الحياة ... لكن.
    معاً!
    المذاق اللزج للماء، لم يمنعنا من التفكير في فنجان الشاي الصباحي، وفرمل استمرارية التفكير نضوب جرة الغاز المنزلية، وتعذر الحصول على خشب للنار، والرغبة في توفير لتر الغاز العزيز، وعليه فتكدر المزاج المتتالي لا يتحمل مسئوليته استمرارية انقطاع الكهرباء، ولا المذاق اللزج للماء، ولا أصوات الطائرات، ولا بيت الجيران المقصوف، بل تعذر إمكانية ارتشاف فنجان من الشاي الذي ارتقى ليكون جزء من الهوية الاجتماعية لنا كفلسطينيين، وما زاد الطين "بلة"، هو صراخ الطفلة المتعالي، وبكائها المتتالي الذي لا ينقطع، هذا ما أجبرني لأن أصرخ في زوجتي:
    - ما بال الصبية ؟ ...أسكتيها، هل هذا وقت البكاء!!!!!!!
    وحينما أخبرتني زوجتي أن الصبية تبكي لأنها لمحت دمية صغيرة على بعد خمسين متراً من البيت، كانت ترغب في اللعب بها، حمدت الله، لأنني شعرت برجولتي فبإمكاني الآن أن أحقق إحدى رغبات ابنتي الكثيرة والصغيرة
    لكن... المستعصي تحقيقها!
    طلبت من زوجتي أن تحدد لي مكان الدمية، أشارت إليها، أمعنت النظر في الاتجاه المطلوب، لمحت دمية بلاستيكية طولها ثلاثون سنتيمتر تقريباً.
    وجدتني مستغرباً كيف لمحت طفلتي الدمية من هذه المسافة، كيف لمحتها خاصة وأن الدمية كانت مغطاة بالرمال، ساورني شك أن الصبية ترى أكثر مني ومن والدتها، وهذا ما أكد لي أن العطل المفاجئ الذي طال حاسة الرؤية عندنا ليس سببه الكهرباء المقطوعة ولا دخان المنازل المحترقة، بقدر ما أن سببه هو الحالة النفسية المتأزمة المهيمنة، وهذا ما لا تشعر به الفتاة فيؤهلها لأن تبصر بصورة أدق وأكبر!
    أبصرت الدمية من فوهة الباب..
    تحينت اللحظة المناسبة لالتقاطها...
    طمأنت فتاتي الصغيرة... لكني يبدو أنني لم أبدُ مقنعاً لها، لهذا استمرت في البكاء والصراخ ، ووجدتني في ورطة كبيرة، كيف أفهم الصغيرة أن الخروج من البيت مسافة خمسين متراً ليس بالأمر الهين! ولا بالأمر المستساغ.
    شعرت أن نهايتي مقصوفاً بسبب دمية صغيرة لابنتي، لن تكون قصة مستساغة تلوكها أفواه الناس المنتظرين.
    لكن طالما أن المسألة لم تعد مسألة جلبي للدمية لإسعاد الصغيرة بقدر ما هي محاولة لإثبات رجولتي! فقد قررت المغامرة متجشماً كل الممكنات واللاممكنات!
    ودعت زوجتي بابتسامة، وكذا الصغيرة ، حاذيت بين المنازل، سرت على وجل، تعمدت ألا أسير في منتصف الشارع، بل "حافاً" في بيوت الجيران المتتالية، كان هدير "الزنانة" يبعث في نفسي شعوراً باللاصوت!
    لكن هذا لم يمنعني من التقدم... والتقدم .
    أول خمسة أمتار كن الأصعب، وآخر خمسة أمتار منحتني شعوراً بسراب يبتعد ويبتعد، لكن هذا لم يمنعني من التقدم أيضاً.
    ولما لامست الدمية لأعود.
    شعرت بانقطاع الصوت.
    شعرت بالموت.
    لأن الدمية استحالت فجأة لتبدو جثة لطفلة لم تتجاوز الأيام الأولى!
    تيقنت أنها جثة لرضيعة طارت من أحد البيوت المقصوفة.
    وبدا لي أن لهيب القصف لم يشفِ غليله منها، فلامسها دونما اختراق أو احتراق، وهذا ما منحها ملمساً بلاستيكياً رائعاً!
    عدت بالدمية ، ليس إلى بيتي المعمور، بل إلى أكثر الأماكن عمراناً وأماناً هذه الأيام.
    عدت إلى المقبرة .

    رؤية نقدية بقلم / هشام النجار

    تحليل موضوعى :
    قصة الأديب الغزاوى رائد غنيم " دمية " تقترب بكاميرا مكبرة من الواقع الذى تابعناه عبر شاشات الفضائيات أثناء الحرب الاجرامية على غزة .
    كنا نتابع الحدث من أعلى بعمومه عبر صورة كلية نقلت المشهد من الفضاء ، ورائد هنا ينزل بنا على الأرض لنعيش معه أجواء قصة من آلاف القصص التى شهدتها شوارع غزة وبيوتها أثناء الحرب .
    هو كمن يكتب مذكراته ، فلا تشعر بأن الراوى شخص آخر غير البطل ، وهذا التوحد وبراعة التقمص سر من أسرار روعة القصة التى جاءت متماسكة ومحكمة ، خاصة فى حبكتها التى أشاعت الحزن فى النفس بعد اكتشافنا أن " الدمية " التى كان الهدف من السعى إليها هو الرغبة فى إثبات الوجود والتمسك بالحياة ، فإذا بنا أمام " موت " آخر أصابنا – مع الراوى وزوجته وابنته – بالعجز واليأس وضاعف من مأساوية المشهد ودمويته ولا انسانيته .
    فدمية الصبية التى رغبت فيها وسط الحصار والقصف ما هى إلا صبية مقتولة ، والرغبة فى اللعب تجهض بالموت والقتل وما تبقى من بهجة وأمل فى اضفاء بعض السعادة على طفلة يُقبر فى حفرة الموت التى صارت أوسع وأنشط من ساحات الحياة .

    تجديد ابداعى :

    البلاستيك المصنوع للعب والبهجة كان قطعة لحم مدفونة فى الرمال ، والحياة المبثوثة فى جسد طفل تحولها القاذفات الحارقة إلى قطعة بلاستيك ميتة ستدفن أيضا فى الرمال - " فلامسها دونما اختراق أو احتراق، وهذا ما منحها ملمساً بلاستيكياً رائعاً!" - .
    إنها الرمال إذاً ! ستحتضن الصبية " الدمية " ، والدمية " الصبية " معاً وقد صارا شيئا واحداً .
    إنها أرض غزة التى دفنت إسرائيل في أرضها البهجة والفرحة والبراءة .
    والتى طغى فيها الموت على الحياة واللعب والحركة والبهجة ، وكان المشهد القصير الأخير فى القصة كفيلاً باختصار المأساة .
    فالبطل بدلاً من الرجوع لابنته باللعبة " الدمية " تجبره آلة الحرب والدمار على الذهاب بجثة " الدمية" الى المقبرة .
    ولعله أدرك سر بكاء الصغيرة المتواصل وهى تشير الى ما حسبناه وظنه الزوجان دمية ، لعل شيئا ما بداخلها ، غريزة ما كانت ترى بها ما لم نره ، فهى لم تبك رغبة فى اللعب أو الحصول على بعض المتع الصغيرة ، كانت ترى الجسد المطمور تحت الرمال ، فتبكى عن بصيرة ، أن جسداً مثل جسدها الغض قد سرق منه العدو الحياة وحانت اراحته تماماً من التعب ، وكأنها تطلب لرفيقتها الغوث ، أو لعلها تنعاها ، أو تنعى مصيرها المرتقب ، أو كأنها تطلب من أبيها الاسراع فى الذهاب بتلك البراءة بعيداً عن هذا العبث الجنونى فوق الأرض .

    التصوير الفنى :

    المشهد يرسم الموت ويغطى به كل شئ ؛ يغطى به البيوت ؛ حيث يجمع الأب نفسه وزوجته وابنته الصغيرة فى كفن واحد ، فقد تعاهدوا على الموت معاً .
    ويغطى به المكان كله ، حيث صارت المقبرة " أكثر الأماكن عمراناً وأماناً " !
    ويغطى به براءة الطفولة ورغبتها فى الحياة واللعب والحركة والبهجة ؛ حيث استحالت " الدمية " الى جثة طفلة .
    القصة وان افتقرت فى معظم مشاهدها الى التصوير الفنى الجزئى ، الا أن هذه الصورة الفنية الكلية كانت فى غاية الروعة والاحترافية والابداع ، حيث صورت غزة كمكان وساحة للموت والخوف والحزن ، لا مكان فيها ولا مجال للراحة واللعب والبهجة والحياة .
    تنميت أن تكون القفلة عند قوله " ملمساً بلاستيكياً رائعاً " .
    فهى أوقع وأكثر اثارة واحكاماً من الاضافة اليها بالجملتين التاليتين الأخيرتين ، وهما : " عدت بالدمية ، ليس إلى بيتي المعمور، بل إلى أكثر الأماكن عمراناً وأماناً هذه الأيام ، عدت إلى المقبرة " ، اللتين أعتبرهما زائدتين مما حرم هذه القصة الرائعة من قفلة محكمة تليق بها .

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة مؤثرة وأكثر من رائعة ـ ورؤية نقدية فصلت وشرحت
    فكانت جمال على جمال.
    شكرا لك أ. هشام على وجبتك الدسمة. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. رؤية نقدية لقصة " المهنة مراسل حربى " للأديبة هبة الله محمد حسن
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 14-06-2022, 08:41 PM
  2. رؤية نقدية لقصة " ربطة عنق " للأديب حسام القاضى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 14-03-2017, 05:39 PM
  3. رؤية نقدية لقصة الساقية للأديب محمد فطومى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-03-2016, 09:20 PM
  4. رؤية نقدية لقصة " الذى يدوم ولا يدوم " للأديب منير المنيرى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-07-2015, 04:39 PM
  5. رؤية نقدية لقصة " حقيبة متربة وجورب أبيض " .. للأديب حسام القاضى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-05-2015, 08:57 PM