آية الله حسين يتحدث عن العيد فى اندونيسيا

حاوره / هشام النجار

آية الله حسين أحد أصدقائنا المقربين فى اندونيسيا الحبيبة ، وهو أحد المترجمين الذين صاحبونا فى رحلتنا الدعوية والفكرية الأخيرة باندونيسيا ، وعندما تحظى بصديق هناك فقد حزت خيراً كثيراً يصل لمستوى الكنز الأخلاقى والمعرفى والثقافى والانسانى ، والمدهش فى هذا البلد الاسلامى الرائع الكبير أنه سرعان ما تتوطد العلاقة بينك وبين رفيق اندونيسى أو رفاق ، كأنك وهم عشرة وصحبة من زمن الطفولة تعرفهم جيداً وبينك وبينهم وفاق وصلات وقربة ومواقف وذكريات .
هناك خيط يجمع بين لبنان واندونيسيا – رغم الفوارق الكبيرة جداً والضخمة فى كل شئ – أن الشعبين يجيدان الأمرين ويتقنانه ويتفنن الناس هنا وهناك فى صناعة البهجة والفرحة ، وفى نفس الوقت لا يكون ذلك على حساب الجد والعمل والنضال للحياة ، لكن اندونيسيا تتميز ببهجة خاصة وابداع خاص حريص على ألا يطيش بالثوابت أو يخرج عن مألوف العادات والأخلاق ، بل الغناء غالباً ما يحث على الفضيلة والخير ويمدح فى الرموز الدينية والشعائر ، مع غزل عفيف ظريف بمعان راقية وكلمات مؤدبة رقيقة يجيدها ويحفظها الجميع ، لأن الغناء هناك تقليد موروث من تراث هذا الشعب الذى يحرصون على الحفاظ عليه وعلى احيائه ، وهم فى ذات الوقت حريصون على أداء الشعائر والالتزام بالدين وعباداته وقيمه ومبادئه .
فى رحلة قطار استغرقت حوالى السبع ساعات من جاكرتا الى جاوة كانوا جميعاً يتناقلون الميكروفون على موسيقى الأغانى الكثيرة والمنوعة من تراثهم ، وظلوا طوال الرحلة يغنون بأصواتهم العذبة الرقيقة وبأداء فنى متميز ، فى لوحة ابداعية نادراً ما تتكرر ، وكان بجانبى صديقى آية الله حسين أسأله عن معانى كلمات الأغانى ويجيبنى ، وكثيراً ما تطلق القفشات المرحة على معانى كلمات الأغنيات العذبة ، ومنها – على سبيل المثال – أغنية تتحدث عن الزوجة الثانية ، وكيف أن الأولى " يحبها " ، أما الثانية " فيحتاج اليها " !
سألت آية الله عن عادات الشعب الاندونيسى فى رمضان ؟
ج : فقال : نبدأ استقبال رمضان قبله بأيام حيث يبدأ الناس بالتوافد على المساجد ويتحلقون ويذكرون الله ويصلون على النبى صلى الله عليه وسلم ويقرأون القرآن ، ويتزايد الاقبال على الدروس والمواعظ التى يلقيها العلماء والدعاة فى المساجد .
س : وما هى المواضيع التى يتناولونها فى خطبهم ودروسهم ؟؟
ج : كل شئ متعلق بالشهر الكريم وعن أهميته وأخلاقه وفضائله وعن الأمور التى ينبغى أن يلتزم بها المسلمون خلاله من عبادات ومعاملات وآداب .
س : وهل هناك عادات خاصة وطقوس خاصة يقوم بها الاندونيسيون خلال هذا الشهر الكريم ؟
ج : نحن وجميع الأسر نحرص فى هذا الشهر على زيارة قبور الأهالى وقبور الأولياء والعلماء والمشايخ ، وهذا تقليد قديم جداً هنا فى اندونيسيا ، لابقاء واحياء قيمة الوفاء لكل من له فضل علينا فى تربية أو علم ، فلا ننساهم فى هذه المناسبات بالزيارة والدعاء والمؤانسة وقراءة الفاتحة .
س : وما قصة هذه الطبلة الضخمة التى نراها فى كل مكان تقريباً ، فى المطاعم والفنادق .. الخ ، وهل هى خاصة فقط برمضان للتنبيه على موعد السحور والافطار ؟
ج : هذه الطبلة الضخمة تقليد اندونيسى أيضاً ، وهى غير مرتبطة برمضان فحسب ، بل هى رمز لدخول الوقت والتنبيه للالتزام به بدقة ، سواء كان وقت صلاة أو سحور أو افطار ، أو وقت عمل ، فهنا يحترمون جداً قيمة الوقت ويقدسونها .
س : وماذا عن المظاهر الاحتفالية التى تنظمها الدولة ؟
ج : كثير من المظاهر الاحتفالية التى تنظمها الدولة لاحياء رمضان والاحتفاء به على مستوى الاعلام وهيئات ولجان العلماء والدعاة ونشاطهم الواسع خلال هذا الشهر ، وعلى المستوى الثقافى والفنى وتقديم المواد الثقافية والفنية المناسبة لرمضان وروحانياته وأجوائه ، وأيضاً تنظيم المسابقات فى حفظ القرآن وتفسيره ، وهذه يدعمها رئيس الجمهورية ويحضر بنفسه احتفالاتها لتوزيع الجوائز على الفائزين .
س : وماذا عن الاستعدادات لعيد الفطر المبارك ؟
ج : قبل قدوم العيد بأيام قليلة نبدأ فى تنظيف المساجد وترتيبها وتزيينها ، وأيضاً تنظيف قبور العلماء والمشايخ ، وفى ليلة عيد الفطر نجتمع فى المساجد لنستمع الى كلمات الدعاة والعلماء بهذه المناسبة .
س : وماذا عن الأجواء الاحتفالية فى العيد ؟
ج : هذه منتشرة جداً ومظاهرها متنوعة ، فلا يخلو مكان من اندونيسيا فى العيد من حفلات ومهرجانات غنائية واستعراضية راقية ، لا تقتصر فقط على الشباب ، انما الجميع يشارك فيها ، بما يناسب طبيعة المناسبة وارتباطها بالدين والقيم .
س : وماذا يصنع أطفال اندونيسيا فى العيد ؟
ج : هم مثل أطفال العالم كله فى مثل هذه المناسبات السعيدة ، يحرصون على ارتداء الثياب الجديدة الزاهية والثياب الوطنية المعبرة عن التراث والتاريخ الاندونيسى ، ويحرصون على النزهات والرحلات وارتياد أماكن اللهو واللعب وأماكن العروض الفنية والمزارات السياحية مثل البرج الذهبى أو مسجد الاستقلال أو المتحف الوطنى ، وغيرهم .
س : وماذا عنكم .. أى الأماكن تحب زيارتها فى العيد ؟
ج : عادة ما نحرص على الذهاب الى المناطق الجبلية والأماكن السياحية هناك ، فنحن نستمتع أكثر بالعيد فى هذه الأجواء .
س : وما هى أهم وأشهر القصص التى تحكى للأطفال فى مثل هذه المناسبات ؟
ج : نحن نعتز هنا بقصة الأولياء التسعة الذين جاءوا بالاسلام الى اندونيسيا ، لذلك نشأنا ونحن أطفال عليها ، ولا زلنا نذكر أن آباءنا وأمهاتنا كانوا على الدوام يقصونها علينا فى هذه المناسبات وغيرها .
س : اعطنا لمحة عن هذه القصة الجميلة ؟
ج : هى قصة تسعة دعاة الى الله وهم علماء مشهورون اشتهروا بالأولياء التسعة ، نشروا الاسلام فى اندونيسيا بالدعوة الرقيقة المتدرجة وبالأسلوب السهل الممتنع ، وهم جميعهم من بلاد أخرى ، فمنهم من هو من الصين ومنهم من هو من حضرموت .. الخ ، والاندونيسى الوحيد بينهم كان اسمه " سنن كالى باغا " .
وبدأوا بانشاء سلطة اسلامية فى جاوا الوسطى ، وحولوها من بوذية ووثنية الى اسلامية ، واعتمدوا الأساليب المرنة اللينة التوافقية فى الدعوة ، واشتهروا بمنهج غاية فى اللطف والعمق وصار هذا المنهج مدرسة فى الدعوة الى الله والى الاسلام تنتسب اليهم ، بأنهم استخدموا نفس الطقوس والتراث الفنى والموسيقى والغنائى البوذى وقاموا بأسلمته ، أى أنهم قاموا بتركيب القيم الاسلامية والمفاهيم والمبادئ الاسلامية على ذلك التراث المتجذر فى البيئة والذهنية الاندونيسية حتى لا يجد الوافد الجديد صعوبات فى الانتشار أو ما يحول بين الناس وبين الاقبال عليه ، بأن يشعروا بالغربة حياله .
س : وهل هناك تراث آخر غير الموسيقى والغناء قاموا بأسلمته ؟
ج : نعم ، هناك أيضاً الحركات القتالية وفنون الدفاع عن النفس ، استخدموها أيضاً فى الدعوة الى الاسلام ، حتى كثير من التقاليد والمظاهر الموروثة عن البوذية ، مثل التجمعات والتحلق فى دوائر للذكر والتسبيح والتهليل بصورة جماعية ، فهذه الحلقات موروثة عن البوذية ، لكن صارت تستخدم للدعوة للاسلام ونشر تعاليمه وعلومه .
وثبت نجاح هذا المنهج المتفرد فى الدعوة الى الاسلام ، حيث أثمرت هذه الجهود الابداعية فى الدعوة أكبر بلد اسلامى من حيث عدد السكان وهو اندونيسيا .
وهذا يدلنا على أن الاسلام لم ينتشر بالعنف ولا بالسلاح ، ولن ينتشر بالتفجير والغلظة والتكفير ، انما باللين والمرونة والاعتماد على عوامل الجذب الجماهيرى وتحبيب الناس فى الاسلام ، لا تنفيرهم منه .
س : هل هناك عوامل أخرى أسهمت فى نشر الاسلام فى اندونيسيا ؟
ج : التجار العرب كان لهم دوراً كبيراً أيضاً ممن كانوا يأتون للتجارة هنا ، فقد نشروا الاسلام بين الأسر الاندونيسية عن طريق الاختلاط بهم والزواج من اندونيسيات ، ومنهم الكثير ممن فضل الاقامة الدائمة هنا ، وكان لذلك الأثر الكبير فى نشر الاسلام على نطاق واسع فى كافة الجزر والمحافظات .
س : هل تأثرت اللغة الاندونيسية بهذا الاختلاط بالعرب ؟
ج : نعم تأثرت كثيراً ، فهناك اقبال من ناحية على تعلم العربية ، لمن يريد التوسع فى فهم الاسلام والقرآن والسنة وعلومهما ، ومن ناحية أخرى هناك مصطلحات عربية وكلمات عربية دخلت فى بنية اللغة الاندونيسية وصارت كلمات متداولة بنفس معناها العربى ، مثل كلمة " الامام " وكلمة " صحة " .. الخ .
س : أخيراً .. من هو العالم الاندونيسى الذى تكن له تقديراً خاصاً ، وتخصه بجانب كبير من دعواتك وأمنياتك ؟
ج : هو الشيخ مصطفى يعقوب حفظه الله رئيس رابطة العلماء وامام الأئمة ، ويلقبه مريدوه ومحبوه هنا بأمير المؤمنين ، نظراً لمكانته العلمية الرفيعة .
فى الختام نشكر صديقنا الحبيب آية الله حسين على هذا الحوار الشيق ، سائلين الله أن يبارك فى اندونيسيا وعلمائها ودعاتها وشبابها وأطفالها ونسائها ومثقفيها ومفكريها ، وأن يبقيها قوية ناهضة ركناً من أركان الأمة الاسلامية ، بجانب مصر والممكلة السعودية والدول الاسلامية والعربية الكبرى .
كل عام واندونيسيا الحبيبة وكل العالم الاسلامى بخير وعزة وقوة ومنعة وكرامة وتمكين .