يحي علي ياغي
بقلم: حسين أحمد سليم
فنّان بعلبك الرّاحل، يحي علي ياغي، بعلبكي و هب نفسه و فنّه لبعلبك مدينة الشّمس...
ولد في العام: 1943 م و وافته المنيّة في العام 1982 م
الفنّان الرّاحل، يحي علي ياغي، بعلبكي، و كان يحبّ لنشاطاته أن تكون ضمن إطار بعلبك، حيث محلّ إقامته و أهله و مجتمعه... و كان يفضّل إقامة معارضه لأهل بلدته، و يعتبرهم أحقّ بالمعرفة، لأنّه يعتبر نفسه منهم، و لهم...
و الفنّان يحي علي ياغي، كان في حياته يتّسم بالجرأة في الصّراحة، صراحة تصل به إلى حدّ بعيد، لكنّها كانت طريّة، سليمة، و مباشرة, و دون تسويف أو تجريح، يقول من خلالها الأشياء دون أقنعة...
و يحي علي ياغي البعلبكي، صاحب النّفسيّة الطّيّبة، و الذي كان يرسم الأفكار التي تراود عقل الإنسان، وهب نفسه و فنّه لبعلبك، أحبّ فنّه حتّى تخلّى عن مكاسب كثيرة، ليتمكّن من العودة إلى ربوع مدينته بعلبك، و أعطى أهلها ما ساعدته عليه موهبته...
ولد يحي علي ياغي في بيروت بتاريخ 20 / 11 / 1943 للميلاد، من رحم والدته حمدة ياغي، حيث كان والده ف عداد الشّرطة، و هو رابع أفراد الأسرة المؤلّفة من سبعة أبناء...
عاد مع أفراد أسرته إلى بعلبك، و هو طفل، بعد إنتهاء خدمة والده الوظيفيّة، و إستقرّ فيها نهائيّا، و تلقّى علومه الإبتدائيّة و المتوسّطة في مدارسها...
إستهواه الرّسم منذ صغره، و منذ العام 1960 للمبلاد، راح يحسّ بأنّه يملك شعورا و ميلا إلى الرّسم، فإنطلق يرسم المحيط البعلبكي، بكلّ عناصره و مقوّماته: الفلاّحين و العمّال و الفقراء و سوق الخضارو باعة اللبن... و ما أن بدأ يمارس ميله الدّاخلي إلى الرّسم، حتّى أخذت الصّعاب تواجهه، فكان يجهد كثيرا للحصول على عدّة و أدوات الرّسم، فيما كان يتلقّى الإهمال من المحيط الذي كان يعيش في رحابه...
و أقام محترفا صغيرا في منزله و كان يقضي معظم أوقاته في إشباع هوايته، كما أقام صداقة مميّزة مع الفنّان الكبير الرّاحل رفيق شرف...
دخل يحي علي ياغي بداية إلى المدرسة الفنّيّة برأس بيروت، معهد و محترف الرّسّام الفرنسي غوفدير ( CUVDER ) للفنون في بيروت و قضى فيه عامين كاملين 1963 و 1964 مختصرا نظام الدّراسة، و نال على أثرهما شهادة السّرتفيكا في الرّسم و في الفنون بمعادلة إجازة، و فاز يزمها بجائزة المعهد الأولى... و شارك في المعرض الذي أقامته السّفارة الفرنسيّة تكريما للمتخرّجين...
كان يعمل مدرّسا للرّسم و الفنون شتاء، و يتفرّغ لمرسمه في الصّيف، و إختار منزل والديه الأثري لخلوته و ريشته... و كانت مدينة بعلبك، تشكّل دائرة أعمال الفنّان يحي علي ياغي الفنّيّة الأولى، فرسم القلعة، و رأس العين، و سوق الخضار، ثمّ إتّسعت تلك الدّائرة، حتّى شملت لبنان كلّه، و بعض الدّول العربيّة المجاورة لوطنه لبنان...
إنّ البيئة القوميّة، أرضا و شعبا و مصيرا، أو ما يحصل عليها من ظواهر و حوادث، شكّل مادّة رسومات و ألّفت مواضيع لوحاته المختلفة... فالفنّان إبن بيئته، و كلّ فنّ لا يرسم بيئته، ما هو إلاّ مجرّد نزوة فرديّة، تنتهي بموت صاحبها... و هكذا رسم الفنّان يحي علي ياغي مأساة بيروت في األأعوام الأخيرة، و صوّر الكفاح المسلّح، و بطولات الشّعب الفلسطيني في الأرض المحتلّة، و رسم قوافل النّازحين من سوريا و الأردن بعد حرب ألـ 1967 للميلاد...
هزّت نكسة الخامس من حزيران من العام 1967 للميلاد أعماقه، و لم يعد يشغل تفكيره، سوى آلام الإنسان العربي، و بخاصّة أولئك الذين شرّدهم العدوان على الضّفّة الغربيّة من الأردن... بحيث رسم يومها عدّة لوحات، تحت عنوان بؤساء تحت الشّمس: الأرملة المشرّدة و صدمة العودة و فاجعة العائلة... و كان يرصد نسبة معيّنة من ريع بعض معارضه لنصرة العمل الفدائي الفلسطيني في مجابهة إسرائيل...
تمّ تصنيفه في الفئة الثّانية، من قبل مجلس الجامعة اللبنانيّة في محضرها الذي يحمل الجلسة السّادسة و العشرين للعام 1969 للميلاد و ذلك يوم الثّلاثاء الواقع في الثامن من شهر تمّوز من العام 1969 للميلاد، و بحضور أعضاء المجلس (نقولا نمّار, قيصر نصر، أحمد مكّي، محمّد فرحات، خليل الجميّل، كمال بحصلي، جيلبر عاقل، صادر يونس، صبحي الصّالح، مواهب الأسطة، عبّاس علم الدّين)، و شخص رئيسها فؤاد أفرام البستاني. و ذلك بين الأساتذة الذين تتعاقد معهم وزارة التّربية الوطنيّة للتّدريس بالسّاعات في المدارس الثّانويّة و دور المعلّمين و المعلّمات. و ذلك عملا بأحكام الفقرة الخامسة من المادّة الثّانية من المرسوم رقم 2925 تاريخ 7 / 11 / 1953 للميلاد...
و قد أقام أوّل معرض فنّي له في بيروت العام 1964 للميلاد، و أوّل معرض له في بعلبك في العام 1964 للميلاد أيضا، و توالت معارضه فيما بعد، حتّى بلغت سبعة عشر معرضا، ما بين بيروت و بعلبك و القاهرة و ألمانيا الغربيّة و النّمسا التي كرّمته بميداليّة... و أقام معرضه تحت إسم: لبنان و القمر في فندق الكارلتون خلال العام 1968 في بيروت... و أقام معرضا له في صالة الجامعة العربيّة في العام 1969 للميلاد، و الذي أظهر فيه نضجا أكيدا في كتابة اللوحة، من حيث التّوازن في صلابة الشّكل و إنسانيّة الموضوع و إنفتاحه على آفاق عميقة و بعيدة...
و من معارضه في مدينة الشّمس بعلبك، المعرض الذي دعت إليه ندوة الخميس لرئيسها الرّاحل الأستاذ علي شرف، و أقامته في قاعات المدرسة اللبنانيّة، شارع رأس العين، و كان برعاية الرّاحل الشّاعر الكبير سعيد عقل... و كان يوم السّبت في 23 آب من العام 1969 للميلاد... و معرضه التّاسع كان في قاعة الحركة الإجتماعيّة في بعلبك...
إشترك في خمسة معارض فنّيّة أقامتها وزارة التّربية الوطنيّة و الفنون الجميلة في قاعة الأونيسكو ببيروت في السّنوات: 1965، 1966، 1967، 1968، 1969 للميلاد...
إشترك في المعرض اللبناني في فينّا. و في بينالي الإسكندريّة السّابع للعام 1968 للميلاد...
و الفنّان البعلبكي الرّاحل يحي علي ياغي، كانت لوحاته في غالبيّتها تمثّل مواضيع فلسفيّة فنّيّة متعدّدة تتّسم كلّها بالطّابع الشّرقي و اللبناني... و قد ركب موجة المدرسة التّجريديّة في نتاجاته الفنّيّة، و التي كان مقتنع بأنّها مدرسة لها فلسفتها و مدركاتها و قواعدها و مفاهيمها، و هي لا تزال تؤمن بأنّ الشّكل هو وسيلة للتّعبير رغم تحطيمها للشّكل...
و قد تحدّثت عنه الصّحافة كثيرا، و أشادت بأعماله الخالدة، و أثنت على فنونه الرّائعة...
تزوّج من السّيّدة غفران ياغي في نهاية العام 1969 للميلاد...
و علّم الرّسم في جميع مدارس بعلبك من خاصّة و رسميّة... و أعدّ دراسة فنّيّة تعتبر فريدة من نوعها، لتعليم الأطفال الحروف و الأرقام عن طريق الرّسم... و كان على إتّصال دائم بمركز البحوث و التّوجيه لتبنّي هذه الطّريقة...
و أقام آخر معرض له في مدينة بعلبك، خلال شهر تمّوز من العام 1981 للميلاد، و مع نهاية المعرض، بدأ المرض يتسلّل إليه، و رغم الدّاء ظلّ مثابرا على عمله، و قد أنجز عدّة أعمال، كان قد بدأ بها قبل المعرض...
تمثّل طابع الفنّان البعلبكي، يحي علي ياغي في الرّمزيّة الشّرقيّة، و ميزة هذه المدرسة أنّها، تأخذ رموزنا من عادات و تقالبد المجتمعات الشّرقيّة، دينيّة كانت أم إجتماعيّة أم تاريخيّة، و لكنّها تعطي للرّمز مضمونا جديدا أو شكلا جديدا... إنّها لا تحمل من الرّمز إلاّ إسمه، و تبعث فيه حياة جديدة و أبعادا إنسانيّة جديدة، و تؤلّف الزّخرفة عنصرا أساسيّا من عناصره الرّمزيّة...
و الفنّان يحي علي ياغي في وجوديّته، و في رؤاه الفنّيّة، أخذ من الطّبيعة أبجديّة أشكاله، بكثير من الإخلاص، بنفسيّة مرهفة الشّعور، واضحة النّظر، و بتأنّ و إحساسو ذكاء، بحيث ربط فنّه بمظاهر الأشياء، لينطلق منها بشكل تدريجي، توصّلا إلى تجسيد قدرتها في التّعبير، عن تجاربه الفنّيّة في يوميات حياته... و التي هي واقعيّة، بنسق وصفيّ، تروي حكاية الإنسان في صوره، بميل طبيعيّ، لشعور الرّومنطيقيّة، التي تجسّد في مضامينها، رعشات العاطفة الإنسانيّة النّبيلة... بتنميق فنّيّ للشّكل، و خطّ مدروس و لون يبتكره الفنّان ياغي من دواخله...
داهمته المنيّة في التّاسع من شهر أيّار من العام 1982 للميلاد، بعد أن قضى فترة في مستشفى الجامعة الأميركيّة ببيروت، مخلّفا ثروة فنّيّة متنوّعة، تاركا زوجة (غفران ياغي) و طفلين (زاهر و جوليانا)...
كان الفنّان الرّاحل يحي علي ياغي، وديعا لطيفا، يحبّ كلّ النّاس، على كثير من التّواضع و الطّبيعيّة، و البعد عن الكبرياء و التّعالي و التّكلّف...