ندوة ضمن فعاليات الصالون الفكرى للمفكر الدكتور ناجح ابراهيم " خطاب متجدد لواقع متغير " .. الجمعة 2 أكتوبر 2015م بدار الأدباء بالقاهرة ، ودارت حول " تجسيد الأنبياء فى الدراما والسينما " وكانت ثرية ومثمرة ، وتحدث فيها المفكر الدكتور ناجح ابراهيم والشاعر والكاتب عادل جلال والناقد والشاعر د . يسرى العزب والكاتب هشام النجار والدكتور كامل عبد القوى من علماء الأزهر وتخللت الندوة مداخلة تليفونية للفنان حمدى أحمد نظراً لظروفه الصحية .. وقدمها الكاتب الصحفى والاعلامى أ . محمد حميدة .
عرضت فى مقدمة كلمتى توصيفاً للمشهد العام وواقع التأثير الحضارى والواقع الثقافى والفنى على المستوى الاقليمى والدولى فى الوقت الحالى ، وانعكاس ذلك على الأمة سلبياً ، عندما يضطلع أصحاب الرؤى المناهضة بمهمة تقديم رموز البشرية وتاريخ الانسانية والوجود للعالم ، بينما لا نملك نحن الا بيانات الشجب والادانة والاستنكار .
هناك اختلال فى موازين القوى – بلغة السياسة – فى مشهد التأثير الحضارى ، لصالح طرفين اثنين ينتجان بصورة مكثفة وملفتة أفلاماً تعالج اشكاليات دينية ووجودية ، وتتناول بجرأة شديدة مسيرة عدد من أنبياء الله ورسله ، وهما هوليوود وايران ، فى ظل غيبة شبه تامة عن هذا الميدان لمصر والسعودية " القوى الاسلامية السنية " .
السينما والدراما هى محور اهتمام من يسعون للتأثير وتغيير وعى وقناعات الشعوب حول ملفات حساسة وشائكة ، واعادة تقديم التاريخ ورموزه للعالم بصورة مختلفة .
تقدم الآخرون كثيراً فى هذا الميدان بعد صحوة مميزة لفترة محدودة تعاظم خلالها دور الأزهر الشريف والسينما المصرية تحديداً فى هذا اللون من الفنون فى الخمسينات والستينات وحتى بداية السبعينات .
بالطبع هناك أبعاد وأهداف ومقاصد سياسية ، وكما يقول أفلاطون " رواة القصص هم من يحكمون العالم " ؛ فهذا الانتاج المكثف فى الغرب وفى ايران لا يحدث عشوائياً انما لأهداف سياسية ومقاصد حضارية مدروسة .
على سبيل المثال يضع المؤرخ والناقد جاك شاهين فى كتابه " العرب الأشرار فى السينما .. كيف تشوه هوليوود أمة " سبباً منطقياً لمئات الأفلام الغربية والأمريكية التى تشوه العرب والمسلمين وتصورهم كمتخلفين أشرار ؛ فبعد عشرات الأعوام من تلك العروض سهل كثيراً غزو أمريكا للعراق ؛ حيث لم يكن هناك غير عدد قليل من المحتجين على ذلك الغزو بسبب رسوخ الصورة السلبية عن العرب فى أذهانهم من خلال ما عرض عليهم فى السينما .
الغرب اليوم يعالجون قصص الأنبياء فى السينما لأهداف متعلقة بما يدور على الساحة ، فى سياق اثبات تفوق حضارة عن حضارة وأحقية الغرب فى الهيمنة وفرض الارادة .
ايران هى الأخرى تسعى للنجاح فيما فشلت فيه بالوسائل التقليدية ؛ لتحقيق التفوق الشيعى واستهداف مكانة الأزهر الشريف كمرجعية أولى للعالم الاسلامى ، ولتقديم نفسها بأنها المعبرة عن الاسلام وعن التصور الاسلامى للكون والتاريخ ، وأنها – أى ايران – هى من تستحق الحديث باسم الاسلام والمسلمين ومخاطبة العالم أجمع عن تاريخ الاسلام ورموزه بالصورة وبالأسلوب الذى يتوافق مع رؤيتها وتفسيراتها للنصوص الدينية وللتاريخ الاسلامى .
نتذكر هنا كثيراً من رموزنا الدينية ومن رموز الأزهر الشريف ، على سبيل المثال مولانا الامام عبد الحليم محمود ومولانا الامام محمود شلتوت والامام محمد الفحام والشيخ عبد الحكيم سرور والشيخ على العريض والشيخ على الذهبى والشيخ أحمد الشرباصى ... الخ .
ممن كان لهم دور واسهام مميز فى المرحلة الذهبية للأزهر الشريف فى الاسهام الرائع فى المشهد الثقافى والابداعى ، مما انعكس على رقى المشهد الفنى واهتمامه الشديد بمعالجة قضايا الأمة الحقيقية من خلال معالجة التاريخ العربى والاسلامى معالجة فنية راقية .
ومن أسهم من الفنانين فى مختلف مجالات الابداع الكثيرون ، منهم حسين صدقى وماجدة وفريد شوقى وعباس فارس ويحيى شاهين وحسين حلمى المهندس وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى .. الخ .
تحت عنوان عبارة العالم والداعية المبدع الشيخ أحمد الشرباصى : " على رجال الدين أن يتفننوا وعلى رجال الفن أن يتدينوا " .
أى على رجال الدين عرض قضاياهم ورؤاهم بأساليب غير تقليدية وبصور فنية مبهرة تصل أيضاً الى جمهور الابداع والفن ، ولا تقتصر على متلقى الوعظ والخطابة .
بهذا التعاون والتنسيق قدمت السينما المصرية فى الخمسينات والستينات بدعم واشراف من الأزهر الشريف ورموزه الكبار عصرها الذهبى بالتعاون أيضاً مع مؤسسات الدولة ، فكان الانتاج الفنى للسينما المصرية الذى تناول قضايا الأمة وتاريخها ومسيرتها ورموزها هو الأسبق فى هذا الميدان ، وكان ينافس انتاج أفلام الحركة والكوميديا والأفلام الشبابية فى تلك المرحلة توزيعاً وانتشاراً وتأثيراً خاصة خارج مصر .
كان هناك بعض السلبيات والتجاوزات لكن التجربة بشكل عام كانت ناجحة ، وكان من الممكن أن تتطور بشكل كبير نحو الأرقى والأكمل والأروع لو استمرت .
بالطبع ساعد على ذلك عوامل مهمة ؛ منها " الثورة " وارادة التغيير السياسى والثقافى ، وتوفر الارادة السياسية التى تحرص على توجيه الفنون فى مسار خدمة القضايا الكبرى ، من خلال الاستئناس بالتاريخ العربى والاسلامى وعرض سير وبطولات الرموز الاسلامية لدعم قضايا النضال والوحدة ومقاومة الاستعمار والحفاظ على الثوابت والهوية .
وأرى أن هذه الدوافع متوفرة اليوم وفى كل حين ؛ فنحن أحوج ما نكون لانتاج ثقافى راق يغذى قضايا وملفات الوحدة ومقاومة الاستعمار والنضال والحفاظ على الثوابت والهوية .
ومنها أن السينما فى تلك المرحلة المبكرة بدأت تعرض أفلاماً متنوعة عن المسيح عليه السلام وفترة اضطهاد دعوته ، منها فيلم " ملك الملوك " الذى حقق انتشاراً عالمياً واسعاً وعرض فى مصر فى نهاية الأربعينات ، فاشتاقت الجماهير العربية لانتاج سينمائى يتناول تاريخ الاسلام وفترات مجده ، لذلك تحمس الأزهر الشريف بقوة لهذا المشروع .
سأواصل ان شاء الله عرض ما قدمته من رؤى خلال هذه الندوة فى مقال قادم .