القياس والنسبة في الاحتمال والممكن / القسم الثاني

سعد عطية الساعدي



( وقد يكون المعلوم غير محدد ولامشخص . كما إذا عرفت بأن أحد أصدقائك الثلاثة بدون تعين سوف يزورك . ويعبر العلم في هذه الحالة علماً إجمالياً . وهو ارتباط العلم بالمعلوم _ بشيء غامض غير محدد . لاهو زيارة هذا الصديق بالذات ولا هذا ولاذاك _ بل احدهم _ ويرتبط بكل واحدة من الزيارات الثلاث . ولكن ليس ارتباط علم بمعلوم لان واحدة منها ليست معلومة _ بل ارتباط علم بما يحتمل ان يكون هو الممثل الحقيقي للمعلوم . فإن المعلوم كان شيئأ غامضاً وغير محدد فمن المحتمل ان يمتثل في أي واحدة من تلك الزيارات ونطلق على كل واحدة من الزيارت اسم طرف العلم الإجمالي ) 21
أولئك الاصدقاء الثلاثة . وان هذا الارتباط ليس ارتباط علم بمعلوم . لذا هو احتمال ومادام العلم غير محدد فهو علم إجمالي وليس تفصيلياً محدداً بارتباط العلم بالمعلوم .
القياس والاحتمال
لا يمكن تحديد أي من الافتراضات المختلفة النسبة والترتيب من عدة افتراضات في الاحتمال الواحد إلا من خلال القياس كما هو حال النسبة في إفتراض الأول في الاحتمال والأقيسة الافتراضية هي التي نفهم من خلالها مع الأسباب الداخلة في إفتراضات الإحتمال أي الترتيب الافتراضي للإحتمال0 فالقياس الافتراضي هو قياس حساب ورياضيات يتحكم في الاحتمالي0 وبما أن الإحتمال إستدلاله إستقرائي والقياس والنسبة متلازمان في أكثر مسائله بما يتحتم علينا النظر في القاعدة المنطقية للقياس ومنها للإستقراء من أجل تحقيق نتائج منطقية في مسألة الإحتمال وبالشكل العام لأن مسائل تفرّعات الإحتمال عديدة وفيها نظريات وآراء مختلفة سنتجنب الغور في تعددها واختلافاتها الآرائية0 أي إننا سنقف على بعد لنرى المجّمل الكلي للإحتمال ومن خلال المصادر حيث أن الشهيد الصدر قد غطى تلك التفرّعات والمسائل الإحتمالية بعلميته الثاقبة وفكره النيّر في كتابهالأسس المنطقية0 ونحن أخذنا الجانب العام منه ترابطاً مع موضوع البحث
(الخطوات التي تتبع في الاستدلال بالقياس هي ما يلي :
1 - تعين المطلوب
2- تأليف صغرى أحد عنصريها الجزئي المطلوب معرفة حكمه0
3- تأليف كبرى من القاعدة الكلية التي تنطبق على الجزئي بعد التأكد من صدقها
4-إستخراج النتيجة بتأليفها من الأصغرموضوعاً والأكبر محمولاً)22
هذه الخطوات الأساسية في تتبع الاستدلال بالقياس ضمن القاعدة المنطقية للإستدلال بالقياس وبما أن القواعد المنطقية هي تنظم وسائل العقل وتوضيحها وفق المسائل والقضايا توضيحاً علمياً ومعرفياً من أجل ضبط وتقويم النتائج0 ونحن نلاحظ في هذه الخطوات هذا القصد الأساسي ولمّا كان الإستدلال واسعاً وضرورياً معرفياً وعلمياً كانت القاعدة المنطقية هي لتجميع طاقات العقل لهذه السعة الإستدلالة وأهميتها وكذلك جمع جوانب ووسئل العقل وأولها القباس0 ولمّا كان الإحتمال يعتمد أساساً على الفرض في ألإستدلال نجد أن المنطق قد إهتم بالفرض وصاغه ضمن قواعده المنطقية0 (بعد ان ينتهي المستقرئ من مرحلة الملاحظة والتجربة0وذلك عندما تتوفر لديه اللأمثلة الكافية حول المطلوب ينتقل إلى المرحلة الثانية من الاستدلال بالاستقراء وهي مرحلة الغرض)(23) بمعنى ان المرحلة السابقة هي مرحلة تحضير للأفتراض وكلما كانت الملاحظات صائبة والتجارب صحيحة في نتائجها واستيعابها للخبرة يكون الافتراض فيه نسبة الصواب والصحيح اكثر من الخطأ0لأن الاستقراء هو عملية ذهنية يستحضر فيها تلك الملاحظات لأهميتها كمقدمة للاستقراء نفسه من خلال الافتراض0ويحدد لنا المنطق شروط هذه المرحلة بعدة مطالب من أجل تقويم العلم القاعدي كمرتكز يؤمن عملية الاستقراء والافتراض خصوصاً بالصحة والسلامة او تقليل التعارض والاخطاء0(لايعتبر الفرض فرضاً علمياً الا اذا توفر على الشروط التالية:
1- الا يتعارض الفرض والقوانين العلمية الثابتة0
2- ان يكون الفرض قضية قابلة للبرهنة على صحتها او فسادها0
3- ان يكون الفرض قضية قابلة للتطبيق على جميع الجزيئات المشاهدة)(24)0
هذه الشروط المطلوبة في الفرض حتى يكون علمياً0وهناك قواعد علمية لأثبات الفرض وهي نفسها في الشرط الأول والذي وجب على الفرض العلمي بعدم تعارضه معها0 ومن بين هذه القواعد العلمية الطريقة القياسية0 وهي مقصدنا المطلوب0 لأن من البديهيات لايمكن إقامة الإفتراض بين القضايا المطروحة للإحتمال الفرضي إلا من خلال القياس للوصول إلى تلك العلمية التي أوجبها الشرط الأول0 من أجل أن يكون الإفتراض علمياً أي مزوّد بنتائج الأكثر حودثاً أونتائجياً من خلال الجزئيان المشاهدة بما فيها الملاحظة والتجربة لأن القياس يحتاج إليهما لأنهما ترفدانه معرفياً في النتائج القياسية ومن ثم ترتيب الافتراضات نفسها في الاحتمال الواحد على ضوئها0
(الطريقة القياسية والطرق الخمسة التي وضعها : جون إستيوارت بل:والتي تسمى ب-طرق الإستقراء -او قوانين الإستقراء وهي :
الطريقة القياسية وهي ان يفترض المستقرئ وجود-علاقة عليّة -بين الاشياء موضوعة البحث ثم يستنتج من ذلك الافتراض مجموعة نتائج0 ويبحث عما يؤيد صحة هذه النتائج فإن عثر على ذلك تيقن صحة فرضه وان لم يعثر على ما يؤيد تلك النتائج عدل عن فرضه إلى فرض آخر)25
ونحن سنكتفي إلى هذا الحد من شروط وقواعد الإفتراض منطقياً والتي كانت غايتنا لأمرين هما:
1- إنما الإفتراض من أساسيات الإستدلال ومنه الإستقراء ومنه الإحتمال موضوع البحث0
2- إن القياس عملية ذهنية مهمة وأساسية في تلك المطالب والفروع الإستدلالية بما فيها الإستقراء والإفتراض ومنه الإحتمال على إعتبار الإحتمال أساساً مبني على الإفتراض الواحد أوعدة إفتراضات معرفة قياسياً في ترتيبها الإحتمالي وكما سيمر ذكرها من خلال الأمثلة في هذا الشأن0
النسبة والإحتمال
النسب في المتطق أربعة0 يتحد من خلالها وضع وعلاقة النسبة في المواضيع والقضايا وهذه النسب الأربعة الأساسية تعطينا مسألة إشتراك النسبة في تلك المواضيع0 ومن بينها قضايا ومسائل الإحتمال0 والتصديق النسبي لمسألة إفتراضية علمية يكفي بغرض الإفتراضي كنتيجة صحيحة وبنسبية أيضاً وهذا التصديق النسبي ينعكس على الإحتمال طالما يبني الإحتمال نفسه على افتراضات نسبية نبحث عن صدق حدوثها أو نتائجها0 فصدق نتيجة الموضوع هي مطلب علمي ومعرفي صحيح إن كان كلي أو جزئي مطلق أونسبي0
مسائل الإحتمال:
مسائل الإحتمال هي مسائل ذهنية تصورية بحاجة إلى مصاديق في الخارج الموضوعي أوفي مسائل الفكر أيضاً0 وهي كثيرة ومتنوّعة حيث تكوٌن الإحتمال نفسه0 ولكننا سنأخذ أمثلة معينة محددة منها لغرض موضوع البحث0 ولسنا بصدد مناقشة أو حصر لأنواع الإحتمال الواقعي والإحتمال الإفتراضي حسب ما خصه السيد الشهيد الصدر في الأسس المنطقية
(يمكن التميز بسهولة بين العبارتين التاليتين : عبارة نقولها حينما نأخذ عراقياً ولا ندري هل هو ذكي أو لا فنقول : من المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكياً أولا فنقول : من المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكياً0 وعبارة نقول حينما نفترض عراقياً فنقول: إذا كان الإنسان عراقياً فمن المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكياً)26
وفي شرح هاتين العبارتين أوالاحتمالين يقول الشهيد الصدر: العبارة الأولى تتحدث عن إ حتمال واقعي وشك حقيقي0 ويمكن تبديل الشك وبالتالي إزالة الإحتمال نفسه بعد تحقق اليقين0 وذلك بعد تجمع الأدلة والمعلومات التفصيلية لأن الإحتمال كما هو معلوم في العلم الإجمال0 وبعد أن تبين لنا تلك المعلومات الزائلة للشك بأن ذلك الفرد العراقي ذكي أو لا0
ومما يجب الإنتباه والإشارة إلية هو أن القياس كان موجودأً في المسألة ولكنة خفي في بيان العبارة ويكون دورالقياس عند تجمع تلك المعلومات وتحليلها ثم المقارنة بينها بالقياس حتى نفهم كم هي صحة الذكاء الدالة على ذلك الفرد أو عدم الذكاء فمسألة التحقق مسألة قياسية لكي نعطي الدرجة المطلوبة والتي تضمنتها تلك المعلومات 0
( أن كل الإحتمالات القابلة للقياس يمكن تفسيرها على أساس هذا التعريف 0 أي بوصفها تكرارات متناهية على أن نفترض التسليم بمبدأ الأستقرار ) (27)
وفي العبارة الثانية (( تتحدث عن أحتمال أفتراضي )) لا يتحدد فيه الفرد كما في الأحمتال الاول بمعنى في قول السيد الصدر 0 أي عن يقين في صورة شك 0 واليقين هنا هو أن الذكاء موجود عند العراقيين والشك هنا في الشخص المحدد كونه غير معلوماً لدينا إن كان هو من الاذكياء أو لا 0 وعدم التحديد والتعيين قد يكون الذكاء في هذا الفرد أو ذاك 0
ومن المؤكد في مسائل الاحتمال وما يدخل فيه من تكرار ومن مسائل رياضية تكون النسبة موجودة لأن التقدير في الاحتمال وخصوصاً الافتراضي هو تقدير نسبي مادامت المسألة الاحتمالية في العلم الإجمالي 0
الممكن
تعريف الممكن :
يعرفه اهل المعرفه بإنه الكل المتألف 0 الذي يحتاج لغيره 0 وقابل للتغير 0 وهو الذي لا يتحقق وجوده لذاته وكذلك لا يتحقق عدمه لذاته0 بما يعني لا يتحقق إلا بسبب خارج عنه0 وجوده بسبب وعدمه بسبب إي (علة)
أن الممكن لذاته إن وجدت أسباب وجوده تحتم وجوده0 وإن فقدت تحتم عدمه0 لأن صفة الوجود فيه ليست ذاتية حتى لا تفارقه0 وكذلك صفة العدم)28
لايمكن قيام ووجود الممكن إلا لإسباب في الكل المتآلف وكذلك إلا لسبب في الممكن غير المتآلف من عدة مسائل أو إجزاء مختلفة في النوع والجنس0 وهو المختلف عن الواجب الكل غيرالمتآلف وغير المتغيروالذي لا يحتاج وجوده لغيره0 والممكن يدخل في مسائل الفكر وفي المواضيع الخارجية (واقع الأشياء) بما يعني فيه جواز الوجود أو العدم0 فالممكن رابط الجواز بين أن يكون الشيء موجوداً أو عدمه0 وبين هذه الأوصاف مسائل عديده لأن التعاريف ستختزل تلك المسائل وتجعلها في وصف مختصر تعريفاً للمراد التعريف به وبيانه0
أقسام الممكن
الممكن كغيره من المسائل له أقسام وما دام إستخدامه في مسائل الفكر واسعة و دقيقة وعليه أقوال وله إهتمام عند أهل المعرفة والفلاسفة لأنه من المسائل الرئيسية عندهم وهو كذلك 0 وتستخدم الناس في معاني مقاصدهم الكلامية ذكر الممكن إدراكاً بديهياً أولياً لمعناه العام دون معرفة عند العامة منهم مكانته الفلسفية أو أقسامه لما له من الاعتبارات المرافقة له في مسائل الفلسفة وافتراضاتها0(كما ان امكان العقل الأول انما يمكن بالقياس إلى الوجود الذي يعد الوجود الواجب وهكذا القياس في سائر المبدعات وسيأتي لك ما في هذا المقام من الكلام وان لم يكن مثل هذه الإمكانات كافياً في الفيضان بل لابد مع ذلك من شروط أخرى زائدة على أصل الماهية حتى تصير مستعدة لقبول الوجود فالمثل هنا الممكن قسمان من الإمكان أحدهما ذاتي للماهية وهو كونه بحسب الماهية بمجال لا يلزم من فرض وجوده ولا من فرض عدمه محال والآخر استعدادي وهو أيضاً هذا المعني بالقياس إلى نحو خاص من وجوده وذلك لا يحصل إلا عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع )(29) نستخلص من رأي الحكيم صدر المتألهين أن القياس داخل عقلياً في مسائل الإمكان في معرفة وجوده بعد الوجود الواجب طالما الإمكان قابل للتغير وملازم لعلته وسببه ولأنه من المبدعات أي الناشئات بعلة وسبب كما هو حال عدمها ويفترض شروط أخرى زائدة على أصل الماهية وهو التأليف والتلازم في الممكن لانها خارجة عن أصل الموجودة اصلاً في قيامه ووجوده طالما يقوم بسبب ويحدث بعلة كما هو مبين ويقسم هذا الممكن إلى ذاتي للماهية والذي يعتبره بحسب ماهيته لا يلزم فرض وجوده ولا من فرض عدمه محال والاستعدادي وهذا بالقياس لايحصل إلى بتلك الشروط اللازمة ورفع الموانع عن وجوده وقيامه بمعنى أن الشروط اللازمة للثاني من الممكن هي داخلة في سببه وان كانت زائدة لأنها الدليل على رفع الموانع او سببا لرفعها 0
وفي أقسام الممكن تكلم السيد الطباطبائي بوضوح وعناية خدمة موضوع بحثنا خصوصاً فيها بيان للقياس والنسباة ولهذا سنتابع أقوال فقراته لضرورة موضوع البحث وتأكيدا لغايته الأساس وهي القياس والنسبة والممكن (الإمكان عنه هاهنا هو لضرورة والعدم بالنسبة إلى الماهية المأخوذة من حيث هي وهو المسمى ب"الإمكان الخاص "و"الخاصي"وقد يستعمل الإمكان بمعنى سلب الضرورة عن الجانب المخالف سواء كان الموافق ضرورياً أوغير ضروري فيقال" الشيء الفلاني ممكن "أي ليس بممتنع وهو المستعمل في لسان العامة أعم من الإمكان الخاص ولذا يسمى " إمكانياًعاميا "و"عاماً" وقد يستعمل في معنى أخص من ذلك وهو سلب الضرورات الذاتية والوصفية والوقتية كقولنا "الإنسان كاتب بالإمكان "حيث إن الإنسانية لاتقضي ضرورة ولا وقت كذلك وتحقق الإمكان بهذا المعنى في القضية بحسب الاعتبار العقلي بمقايسة المحمول إلى الموضوع لا ينافي ثبوت الضرورة بحسب الخارج بثبوت العلة ويسمى "الإمكان الأخص "(30) نلاحض السلاسة والعمومية في بيان الغرض فهنا السيد الطباطبائي يعطينا إنفتاحاً معرفياً واضحاً قي مسألة الإمكان المطلوب قي عرض السيد الطباطبائي عمومية الممكن بنمو البداهة قياساً ما لدى العامة من إستخدام في المعنى وتعبيراً عما في تصورهم للممكن أو الإمكان0 ويبين لنا في المثال كيفية سلب الافتراضات الضرورية الذاتية والوضعية والوصفية والوقتية في المثل العام لإمكان- الإنسان كاتب- وبالإمكان هو عبارة سلبت تلك الضروريات قبولا ولكن بصيغة التعميم حيث سلبت الذاتية لأن الكتابة للإنسان ليست ضرورة ذاتية فكثير من الناس لا تكتب ما لا تنقص ذاتهم من كونهم لا يكتبون ونتابع :
(وقد يستعمل بمعنى سلب الضرورة من الجهات الثلاث والضرورة بشرط المحمول أيضاً كقولنا: زيد كاتب غدا بالإمكان 0 ويختص بالأمور المستقبلية التي لم تتحقق بعد حتى يثبت فيها الضروة بشرط المحمول0
وهذا الإمكان إنما يثبت بحسب الظن والغفلة عن أن كل حادث مستقبل إما واجب أو ممتنع لإنتهائه إلى مثل موجبة مفروغ عنها0 ويسمى -الإمكان الإستقبالي-)31
لقد لاحظنا فاعلية القياس أو دخوله في الممكن من خلال ماذكره السيد الطباطبائي في المقطع الأول حيث ذكر-القضية بحسب الإعتبار العقلي بمقايسة المحمول إلى الموضوع لا ينافي في ثبوث الضرورة بحسب الخارج بثبوت العلة بما يعني إشتراطاً أن لا نفترض في الممكن ما يخالف أو يعارض ثبوت الضرورة من خلال المقايسة العقلية 0 مادام هذا النوع من الممكن في سلب الضروريات بما يعني أن لايعارض الضروريات وهنا السلب مجازي لا يفعل المخالفة والتعارض لأن هذه الضروريات حقيقة ومعارضتها خطأ0 مما يجعل الممكن محال0 فالقياس هنا من أجل الائتلاف والتوافق حدوثاً في الممكن قياساً بالعقل ما دامت المسألة ذهنية وإن كان واقعها في الخارج 0 والقياس التوافقي بالضرورة العقلية لايعارض تلك الضرورة الإمكانية الثابتة بثبوت العلة
القياس في الممكن
ونعود في هذه الفقرة للسيد الطباطبائي وما نأخذه من كتابه ما خص القياس في الممكن (كل واحدة من المواد ثلاثة اقسام : ما بلذات وما بالغير وما بالقياس إلى الغير : إلا لإمكان , فلا إمكان بالغير . والمراد بما بالذات ان يكون وضع الذات كافياً في تحققه وإن قطع النظر عن كل ما سواه , وبما بالغير ما يتعلق بالغير , وبما بالقياس إلى الغير أنّه إذا قيس الغير كان من الواجب أن يتصف به 0
الوجود بالقياس إلى الغير ,كما في وجود احد المتضائفين إذا قيس إلى وجود الاخر , فان وجود العلو إذا قيس اليه وجود السفل يأبى إلا ان يكون للسفل وجود فلوجود السفل وجوب بالقياس إلى وجود العلو وراء وجوبه بعلته . والامتناع بالقياس إلى الغير , كما في وجود احد المتضائفين إذا قيس إلى عدم الآخر وفي عدمه إذا قيس إلى وجود الآخر ) (32)
الوجود بالقياس إلى الغير . هو من أجل تحديد المقاس به من أجل معرفة وجود الاثنين معاً وترتيبهم بما يوافق النتيجة الحاصلة من القياس نفسه بماهية وجود المقاسين . والوجود بالقياس مسألة ذهنية من حيث المعرفة والوصول إلى النتيجة وهي مهمة في الاستدلال المعرفي والفلسفي لأن القياس من أدواتها الأساسية طالما يتحقق بالذهن في هذه المسائل الدقيقة في تفرعاتها المعرفية , ويكون القياس في حينه لابد منه في عين المقصد من التحديد والتحقيق . ( الامتناع بالقياس إلى الغير , كما في وجود احد المتضائفين اذا قيس إلى عدم الآخر , وفي عدمه اذا قيس إلى وجود الآخر . والإمكان بالقياس إلى الغير , كما في الواجبتين بالذات المفروضين , ففرض وجود احدهما لا يأبى وجود ا لاخر ولا عدمه إذ ليست بينهما علية ومعلولية ولا هما معلولا علة ثالثة ) (33)
الامتناع بالقياس . حيث لاقياس وجود شيء إلى غيره من حيث العدم . لانه غير ممكن ولأن قياس الشيء وجود بوجود شيء آخرلا قياس وجود بعدم ولاعدم بوجود بين الاشياء . لأنه نقص في عدم الإمكان من امتناع القياس لفقد ركني القياس الأساسيين المقاس الموجود بالمقيس الموجود . لأن الموجود قياسا بعدم لا يكون قياس . بل ممتنع اصلاً وبالتالي الممكن محال .
النسبة في الممكن :
( لاريب أن الممكن - الذي يتساوى نسبته إلى الوجود والعدم عقلاً - يتوقف وجوده على شيء يسمى علة , وعدمه على عدمها ) (34)
من البديهيات اذا تساوت نسبة الفشل والنجاح فلا يمكن تحقيق ايهما دون الاخر إلا بالعلة او السبب الذي هو بمقام العلة في احداث النجاح او الفشل والنجاح في امر لابد ان تكون نتيجته واحد منها لأن الفشل والنجاح نقيضان لايجتمعان في شيء مالا في الزمان ولا في المكان .. والنسبة هنا فيهما نسبة إفتراضية طالما نحن لا نعلم بعد النتيجة الممكنة الحصول حقاً بتلك العلة .
( أن الوجوب والأمكان والإمتناع كيفيات ثلاث نسب القضايا . وأن الوجوب والامكان أمران وجوديان لمطابقة القضايا الموجهة بهما للخارج مطابقة تامة بما لها من الجهة , فهما موجودان لكن بوجود موضوعهما لا بوجود منحاز مستقل , فهما كسائر المعاني الفلسفية - من الوحدة والكثرة والقدم والحدوث والقوة والفعل وغيرهما ) (35) أي أن تلك القضايا الثلاث هي كيفيات نسب القضايا . والنسبة هنا تحديدية لمفهوم القضايا عينها . لا بمعنى المتألفة فيها وذلك لأنها خصت ماهية هذه الكيفيات كمسميات لها معاني حدوث في المطابقة للخارج الموضوعي ما دام لهما أمران وجوديان . سناخذ النسبة الداخلة في الحيثيات والافتراضات وتأليف القضايا على أنواع النسبة نفسها لا من حيث المسائل . ( المقولات النسبية : وهي الأين0 ومتى 0 والوضع0 والجدة0 والإضافة0 والفعل0 والإنفعال0 : أما الأين0 فهو هيئة حاصلة من نسبة الشيءإلى المكان 0 أما متى: فهو هيئة حاصلة من نسبة الشيء إلى الزمان0 وأما الوضع: فهو هيئة حاصلة من نسبة أجزاء الشيء بعضها إلى بعض والمجموع إلى الخارج0 وأما الجدة: ويقال لها-الملك0 فهي هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط 0 وأما الإضافة مقولية0 وإنما تفيدها نسبة الشيء الملحوض من حيث هو منتسب إلى شيء0 وأما الفعل: فهو الهيئة الحاصلة من تأثير المؤثر مادام يؤثر0 كالهيئة الحاصلة من تسخين المسخن0 وأماالإنفعال: فهو الهيئة الحاصلة من تأثير المتأثر مادام يتأثر0واعتبار التدرج في تعريف الفعل والإنفعال إلا بداعيين كفعل الواجب (تعالى) بإخراج العقل المجرد من العدم إلى الوجود وإنفعال العقل بخروجه من العدم إلى الوجود بمجرد إمكانه الذاتي)36
الملاحظ هنا بيان مكان النسبة في هذه المقولات وبصورة تعينية معرفية دقيقة0 وهذه المقولات تبين لنا موقع النسبة في هذه التفرعات المتداخلة في حيثية المسائل والقضايا ونستخلص منها أن النسبة أوسع وجوداً في هذه الحيثيات من القياس0
الخلاصة :
حاولنا في بحثنا هذا تشخيص مكانة ودور القياس ومدى شغله للعملية الذهنية الإبداعية في الساحة المعرفية من أجل إ يجاد حدود متعلقات المسائل وبيان الصواب كناتج من خلال مزايا القياس الذهنية0 فكان لزاماً علينا بيان وتعريف القياس كقاعدة منطقية وأقسام وأنواع0 وبشكل موجز ونحن فعلنا ذلك ولم نذكر كل الأقسام والأنواع من خلال المصادر لسببين هما : الأول : عدم الخوض في آراء عديدة ومقاصد معرفية موضوعية منوعة وما يلازمها من مسائل وأمثلة0 مما يحدث الحشو والأطناب في متن البحث وموضوعه ونحن حصرناه في وطلب محدود0
الثاني: عدم الإنجرار إلى مواضيع مطوّلة وما تقضي من تشعبات وتعقيدات مما يصعب السيطرة عليها وتنظيمها لفكرة البحث0 ولهذا أخذنا هذا القدر من الأنواع والأقسام بقدر تعلقها بالموضوع حصراً0 والنتيجة التي نستخلصها من القياس هنا إنه من ومؤلفات الذهن وإبداعه تأليفاً وجودياً حقيقياً تتحقق من خلاله نتائج مهمة ودقيقة0 والقياس بكل أنواعه هو فاعلية الذهن الإبداعية والعملية أيضاً وهويختلف عن الصورة كونها إنطباع الشيء في الذهن من الخارج الموضوعي وكذلك عكس النسبة ومترابطاتها0 والتي هي ليست وليدة الذهن أوإضافات ذهنية غريبة عن ذلك التكون والتركيب0 وعلاقتها بالذهن هي علاقة معرفية موضوعية تتولد من الحيثيات المسائلية0 وما نجده من مسائل النسبة أما من الخبرة العلمية الفكرية السابقة أومن التجربة والاكتشاف0 إذن النسبة هي إفاضات معرفية متكونة في المسائل والمواضيع ولا يمكن للذهن صنع النسبة أو إبتداعها ذهنياً دون ما هي كائنة أوإقحامها دونما هي ان تكون أصلا0 وهذا أصل الفرق بين القياس والنسبة0
فهرست المصادر
1- الأسس المنطقية للإستقراء0 السيد محمد باقر الصدر0 مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر- قم الطبعة الثانية /1426هـ
2- الإسفار الأربعة 0 الحكيم صدر الدين الشيرازي0 دار إحياء التراث العربي بيروت0 الطبعة الخامسة /1419 هـ 1999 م
3- بداية الحكمة0 العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي 0 مؤسسة المعارف الإسلامية ط - ت بلا
4- الأسرارالخفية في المعارف العقلية / العلامة الحلي 0 مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - الطبعة الأولى 1421 هـ
5- خلاصة المنطق / إعداد العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي0 نشر ناضرين/ قم / الطبعة الأولى / 1425 هـ
6- فلسفتنا السيد محمد باقر الصدر / دار المعارف للمطبوعات0 بيروت0 الطبعة الثانية/ 1998 م
7- الإشارات والتنبيهات/ الحكيم أبو علي إبن سينا / مؤسسة مطبوعات ويني/ قم الطبعة اأولى/ 1383 هـ
8- محاضرات في العقيدة لإسلامية / أحمد البهادلي0 دار التعارف للمطبوعات0 بيروت ط بلا / 1413 هـ 1993م
الهوامش
1- خلاصة المنطق إعداد العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي - الطبعة الأولى ص 94/ 1425 هـ
2- الأسرار الخفية في العلوم العقلية العلامة الحلي/ ص117/ 118 - مركزالأبحاث والدراسات لإسلامي- الطبعة الأولى/1421 هـ
3- المصدر نفسه ص 200\201
4- المصدر نفسه ص 201\202
5- المصدر نفسه- ص 198\119
6- فلسفتنا السيد الشهيد الصدر/ دار المعارف للمطبوعات / بيروت 1998م - ص 65
7- الصدر نفسه ص65
8- المصدر نفسه (المصدر الأساس للمعرفة) ص51
9- المصدل نفسه ص75\76
10- المصدر نفسه
11ـ الإشارات والتنبيهات0 الحكيم أبو علي إبن سينا - ص414/ مؤسسة مطبوعات ويني قم0 ط أولى ت 1383 هـ
12 ـ الأسس المنطقية للأستقراء 0 السيد الشهيد محمد باقر الصدر ص 125 مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر / قم / ط الثانية / 1426 هـ
13 ـ المصدر نفسه ص 129
14 ـ المصدر نفسه ص 132 ـ 133 الأسس المنطقية
15 ـ المصدر نفسه 130 ـ 131
16 ـ المصدر نفسه ص 133
17 ـ المصدر نفسه ص 133
18 ـ المصدر نفسه ص 134
19 ـ الأشارات والتنبيهات مصدر سابق ص 374
20 ـ الأسس المنطقية مصدر سابق ص 239
21 ـ نفس المصدر ص 239
22 ـ خلاصة المنطق مصدر سابق ص 102
23 ـ المصدر نفسه ص 124
24 ـ المصدر نفسه ص 126
25 ـ المصدر نفسه ص 126 / 127
26 ـ المصدر نفسه ص 220
27 ـ المصدر نفسه ص 227
28 ـ محاضرات في العقيدة الإسلامية ، أحمد البهادلي ص 131 ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت 1413 هـ / 1993 م / ط بلا
29 ـ الأسفار الأربعة ، الحكيم صدر الدين الشيرازي ، جـ 1 س1 ص 395 ، دار احياء التراث العربي بيروت ط ، الخامية ، 1419 هـ / 1999 م
30 ـ بداية الحكمة العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، ص 62 ، مؤسسة التعارف الإسلامية
31 ـ المصدر نفسه ص 62 / 63
32 ـ المصدر نفسه ص 56 / 57
33 ـ المصدر نفسه ص 57
34 ـ المصدر نفسه ص 59 / 60
35 ـ المصدر نفسه ص 68
36 ـ المصدر نفسه ص 105 / 106