(( رحلة الإنسان في سفر المعرفة ))
الجزء الثاني
سعد عطية الساعدي
أن الإنسان والمعرفة هما توأمان لا ينفصلان لحاجة الإنسان الملحًة لجني الحقيقة في كل ما يهمة ويشغله فيها ووليد هذه التؤمة هذه الرحلة الطويلة والدقيقة والشاقة لما ظهر فيها من إختلافات وتناقضات وتقاطعات ومن أسباب عديدة والتي أشرنا لها في الجزء الأول وفي هذا الجزء سنبدء في التجزيء والتخصيص لكل من الإتجاهين المتعارضين كما بيناه وعليه سنخًصص هذا الجزء وما يليه للفكر المادي الإلحادي التشكيكي ومن بعده سيكون التخصيص للفكر الإسلامي لغرض المقابلة و بيان الحقيقة ودحض لذلك الفكر الهدام الذي يتعارض مع عقائدنا الرسالية وقيمُنا الإنسانية علما سيكون التعرض لشقي الفكر المادي كنظامين الرأسمالي والشيوعي الإشتراكي -
ان هذان النظامان هما وليدا الفكر المادي بعد تاريخ عدة قرون وبان الإنشطار من خلال فلسفة هيجل المادية وعلى يد ماركس ورفيقه أنجلس بعد أن وضبًا وصاغا فلسفة هيجل صياغة وفق ما يجول في فكرهما لنظام شيوعي إشتراكي مناويء للنظام الرأسمالي الغربي وهذا في نهاية القرن التاسع عشروبداية القرن العشرين وتحقق لهما من خلال ثورة البلاشفة وإنهاء الحكم القيصري الروسي في عام 1917
وعلى أثرها بدء النظام الشيوعي الإشتراكي وتمدده في أوربا الشرقية كما هومعلوم ليسير سيرا مغاير ا للنظام الرأسمالي فكرا وأيدلوجيا وإقتصاديا وبشكل مغاير ومتشدد من الحيث البناء الإقتصادي والسياسي والإجتماعي وعلى وفق الفكر الماركسي وقد شق النظامان طريقيهما بعد أن شكلا حلفان عسكريان وعلى ضوء فكر ونظام كل منهما وما رسموا له من ستراتيجيات عسكرية وإقتصادية توسعية متصاعدة ضمن كل حلف منهما لكي فرض إحكام السيطرة والردع وتحقيق المصالح عبر كسب الولاآت والاصطفافات والأقطاب لإحداث التوازن كما مر في الحرب الباردة في النصف الأخير من القرن الماضي كما هومعلوم للجميع
لقد راهن الماركسيون على بناء مجتمعا إقتصاديا شيوعيا إشتراكيا مثالي التوجه والسلوك العام بعد أن تكون يد الدولة في كل التفاصيل بما فيها إلغاء الطبقية وتحقيق العدالة الإجتماعية على وفق الفكر والنظام الماركسي نفسه وذلك من خلال إلغاء الملكية الخاصة لتحقيق الإشتراكية عبر فترة زمنية طموحة لتحقيق المثالية الإقتصادية والإجتماعية على إعتبار كما يظنون أن الفكر الماركسي الشيوعي يمتلك كل مقومات النجاح الإشتراكي بعد ضرب الرأسمالية البرجوازية والإقطاعية المتحكمة بقوى الإنتاج الصناعي والزراعي بما يعني ضرب الرأسمالية الإنتاجية عموما لتحرير الجهد الإنتاجي الفعال من تلك القوتين وبالتالي الوصول إلى المجتمع الشيوعي وهنا لا بد أن يكون بيد دولة شيوعية علمانية مركزية صارمة القوانين لضمان عدم عودة تلك القوتين أو الطبقتين المستغلتين للأغلبية الكادحة من فلاحين وعمال من جديد لكي لا تفشل الشيوعية وتوجهها الإشتراكي الذي وقف ندا للنظام الرأسمالي الذي تنتمي له تلك القوتان أو الطبقتان الذي أزالها من مجتمعه الشيوعي وحارب عودتها سياسيا وفكريا وإقتصاديا وإجتماعيا من أجل تمكين الأغلبية التي سحقتها تلك البرجوازية الرأسمالية والإقطاعية الرجعية وهذه أدوات كافية وكفيلة لذلك إجتماعيا وإقتصاديا
النظام الماركسي كفكر ونظام سلطة سياسية ووليدته الإشتراكية كنظام إقتصادي بنيًه على عدة نظريات أهمها :
أولا : عدم الإيمان بالأديان كمعتقد بل تبنت الإلحاد بها وإعتبارها معرقلة للتقدم والإزدهار وهذا لن يتوقف على الفكر الماركسي بل هو المشترك الوحيد بين الفكرين الرأسمالي الغربي والماركسي الشيوعي كونه أس الفكر المادي وسبب قيامه كفكر ترعرع ونمى وانشق إلى هذين الفكرين فيما بعد وعليه لايحسب على الفكر الرأسمالي الغربي وحده ولا على الفكر الماركسي وحده بل هو المبنى الأساس للفكر المادي من أجل إبعاد الدين عن المجتمع المادي المنشود بعد جعل الفرد أن يتخلى عن معتقداته الدينية ليكون متجاوبا كليا مع متطلبات ونظريات المادية الفكرية الغربية بدعوى الحرية والحضارة والتقدمية المزعومة والتي صيغت على وفق نظريات تعمدت العمل على هذا الهدف والغرض وبشتى الوسائل والتي أمست معلومة
ثانيا : إلغاء الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة بيد الدولة العاملة في الفكر الشيوعي ونظامه الإشتراكي من أجل إلغاء الرأسمالية بكل أشكالها ومن ثم تحقيق الهدف الإشتراكي الذي ينادون به ويعملون من أجله وهذا يعني تحويل الدولة إلى رأسمالية السلطة بدون منافس لها مما يحملها مسؤولية كبيرة حيال ترويض الشعب بالرغبة أو بالإكراه للإيمان بالقوانين الشيوعية ومن المعلوم أن إلغاء الملكية الخاصة له مردودات سلبية على حقوق الأفراد إقتصاديا و إجتماعيا لا يبررها تكفل الدولة لسد الحاجات تلك لكل الأفراد لما فيه من إجحاف وسلب حرية التملك والرفاه الإقتصادي والإجتماعي للفرد والمجتمع حيث الدولة لايمكنها التغلغل في كل متطلبات الأفراد ومعرفة رغباتهم وطموحهم كحق مشروع ضمن سعي الفرد لبناء حياته المستقبلية الشخصية والأسرية والاجتماعية والإشتراكية الشيوعية لاتحقق له ذلك أو الجزء المهم والإساسي منها بل إلا من خلال الملكية الخاصة وحرية العمل المختار شريطة المشروعية والجد والمثابرة للكسب والنجاح مع تقوية التكافل الإجتماعي من خلال رعاية الدولة والذي يقع على عاتقها توفير الممكنات الإقتصادية العامة من خلال سياسة إقتصادية تنموية للموارد الطبيعية والبشرية و كل وسائل التمكين وهذا لايكون وينجح خصوصا في القطاع الخاص إلا من خلال حق الملكية الخاصة وفق قوانين عادلة تمنع الإستغلال والتلاعب لتحقيق العدالة الإقتصادية والإجتماعية وإطلاق يد العاملين في حرية إختيار نوع العمل لا أن يكون الإنسان جزء من آلية وادوات الإنتاج بل يجب أن يكون هو المسيًر لها والمتحكم فيها حيث ما يرى في الضرورة والحاجة خدمة لمصالحه المشروعة وضمن الجهد الكلي لتحقيق نوعية الإنتاج المختار وعلى وفق القدرة والطاقة لكى لا يستنزف الإنسان للدولة بدعوى محاربة البرجوازية فهذا أصبح شعارا مزيفا لا يخدم حقوق الفرد بل يتنزع منه تلك الحقوق ويكبله لبرجوازية الدولة - وكذلك على الدولة تشجيع كل ممكنات وسائل الإنتاج في القطاع العام والخاص وتيسيرها لتحقيق النمو المتوازن والعدالة الإجتماعية بالملكية الخاصة
ثالثا : النظام الشيوعي الماركسي الإشتراكي ضرب كل أشكال البرجوازيات والإقطاعيات وتقوية الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين وإعتبارهم ركيزة البناء الشيوعي الإشتراكي وكونهم هم وسائل الإنتاج والنمو وهذا لايتم إلا بتحرير هذه القوى الوسائلية الأساسية من تلك البرجوازيات وتمكينها من إدارة الإنتاج وتحقيق الهدف الإشتراكي حيث لا يتحقق هذا الهدف الإشتراكي على يد البرجوازيات المنتفعة لصالح ملكياتها الخاصة على حساب المعدمين من العمال والفلاحين بل التحقيق هذا لا يتم وبشكل مطلوب إلا على يد تلك الطبقة المسحوقة والمعدمة وما يعتقده النظام الإشتراكي هو إبعاد الطبقات البرجوازية وتمكين الطبقات الكادحة يعيد التوازن الحقيقي وسد باب الإلتفاف على هذا النظام من قبل الطبقة البرجوازية بعد أن يكون مقرارات النظام وإدارة الإنتاج بكل أشكاله بيد الطبقات الكادحة عموما والعمالية ومن خلال السلطة الصارمة للدولةالشيوعية خصوصا وهي صمام الإمان لمنع عودة البرجوازية للتحكم بالسلطة والإنتاج ما دام هرم السلطة هو من تلك الطبقة العمالية الكادحة ولا يمكن التنازل عنها لعدم وجود إنتخابات عامة بل بيدالحزب الشيوعي الماركسي وحده لضمان تحقيق الفكر الماركسي الإشتراكي دون معارض أو منازع فكان نظام يقبض بيد من حديد على زمام الحكم لتطبيق ذلك النظام والمحافظة على حيثية هيكليته الحاكمة وسلطته الإشتراكية ولا حرية إختيارية لتلك الطبقات التي ينادي بها النظام الماركسي التي جاء من أجلها مادام لاخيار للفرد فالبناتج لا خيار للمجموع بل كل ما يملك الفرد من جهد وكيان هو مملوك للدولة وبالناتج المجموع أيضا وإن ولدت دكتاتورية الطبقة العاملة ولكنها دكتاتورية نظام لاطبقة في حقيقتها و ما تحرير الطبقة العامة إلا شعار مزيف ما دامت مسلوبة الإرادة في الملكية الخاصة
ولو ناقشنا هذا الفكر بحيثته العقائدية وبنيتة النظامية الإشتراكية من حيث مفردات الخصوصية الفكرية ونظًرية التطبيق وخصوصا الملكية الخاصة كحق فردي وجمعي للمجتمع المراد تطويعه لهذاالفكر ونظامه - عندها نستطيع تحديد المآخذ والسلبيات التي كانت سببا في إنهيارهذا النظام قبل أن يصل إلى المجتمع المثالى كما كان يروًج له ساسته ومنظًروه الإشتراكيون -
إن الإنسان بطبعه مجبول على حب الخير لنفسه آملا لجني السعادة ومنها الشعور باللذة والعيش الرغيد ولهذا يجد ويكدح من أجل ذلك فلا يمكن حرمانه من جبلته هذه وتجريده مما يصبوا له بتجريده من الملكية الخاصة وهي أساس طموحه المشروع لتحقيق تلك السعادة لنفسه وأسرته فلا يمكن قهره بنظام يفرض عليه فرضا ويسوقه لتنظيره الفكري والإقتصادي والإجتماعي مرغما مهما كانت الأسباب والحجج وهذا بحده ظلم وغبن ولكن ليست المعالجة الصحيحة الحقة للقضاء على البرجوازية وإنشاء برجوازية طبقة السلطة الحاكمة ودكتاتورية الطبقة العاملة على حساب حق الأغلبية بالتملك الخاص كحق مشروع أقرته كل الشرائع السماوية والعقل الإنساني المتذوق للحق وخصوصا فيما يخص الطموح الإنساني المشروع للفرد والمجتمع معا
أن الملكيات الخاصة و العامة هي حقوق مقدًسة لايمكن التلاعب بها تحت أي دعوة ولايمكن حجبها لغرض هيمنة فكرحزب يحكم ليساوي الناس في طرق عيشهم ويلغي طموحهم المشروع بدعوى القضاء على الرأسمالية البرجوازية وتحرير الطبقة العاملة من سطوتها متناسين أن هذه الطبقة وكل طبقات وشرائح المجتمع ستصبح تحت دكتاتورية الفكر الواحد والسلطة الواحدة إقتصاديا وهذا سلب للإرادات وحرية السعي المشروع والطموح لحياة وعيش أفضل والذي كفلته شرعة السماء وضمن تفاصيل تحفظ الحقوق وتحقق التكافل الإجتماعي لحفظ كراملة وحق الفرد في
الإختيار بما فيها الملكية الخاصة التي يتملكها الفرد بالجهد والحق المشروع

إن حاكمية الطموح هي الدافع الأول لنمو وسائل الإنتاج وليس التسلط وسلب الإرادات مهما كان القهر النظامي صارما فإن الفطرة الإنسانية تمله وتسأمه ولن يدوم طويلا وما حل بالنظام الإشتراكي ومعسكره السياسي والعسكري من تفكك وتلاشي هو النتيجة الحتمية لمثل هكذا نظام بعد حدوث الفشل وملل الشعوب في الدول للإشتراكية التي ألغت حق إختيارالفرد والمجتمع الشيوعي برمتة وجعلتة أدوات ووسائل إنتاج لاأكثر فهي برجوازية الدولة المطلقة والتي تدخلت بكل تفاصيل حياة الفرد والأسرة والمجتمع وكأن الحياة الخاصة للمجتمع قد أعدمتها الإشتراكية الشيوعية وأحيت حياة السلطة ونظامها الصارم أي أعدمت برجوازية الطبقات المتنفذة وأحيت برجوازية النظام الإشتراكي والشيوعية السلطوية وهنا نلمس البون المتناقض في التنظير

------------ ( ويليه الجزء الثالث قريبا إن شاء الله تعالى )