المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام النجار
هذا عنوان كتاب مشهور لأبى الحسن الندوى رحمه الله ، وأيضاً عنوان محاضرة لى وعمرى حوالى 17 سنة أى قبل حوالى 26 عاماً ، ألقيتها فى الإسماعيلية فى مناخ حماسى ملتهب نتيجة الأحداث السياسية الساخنة وما تستدعيه من إسقاطات مبالغ فيها أسهمت فيها إلى حد بعيد حماسة الشباب ، وبالطبع دارت حول أراء أحادية لا تقبل التنوع والنقاش .. لكنها ليست تكفيرية والحمد لله ، فلم أكفر يوماً أحداً إنما كان إسقاطاً غايته الرفض والمعارضة السياسية للأوضاع القائمة فى ذلك الوقت . اليوم بعد تنوع الخبرات وعمق القراءات على مدار السنوات الماضية ظلت تلك المحاضرة عالقة فى ذهنى ، إنتظاراً لمناسبة تصحيح وإعلان صريح بمراجعة واجبة .. أراها ضرورية لشبابنا اليوم ، ليس فقط فى هذه المسألة إنما فى مسائل فكرية كثيرة سنظل بإذن الله نباشر مراجعتها وتصحيحها إلى أن نلقى الله . وفى قتال مانعى الزكاة كان هناك خلاف بين كبار الصحابة ، فلم يجتمعوا على رأى واحد حتى نقدس نحن هذا الرأى ونستصحبه فى خلافاتنا السياسية ونسقطه بدون فرز وتنقيح على واقعنا . وكان منطلق وأساس الخلاف بين الصحابة هو إعتبار المصلحة ، ورؤية كل تيار وكل طرف من أطراف الخلاف بأن إجتهاده هو الأقرب لتحقيق المصلحة العامة بحسب ظروف المرحلة وإحتياجات تلك الفترة الزمنية وجميعهم سعى لترجيح رأيه وترجمته عملياً وتأخير وجهة نظر الآخرين من هذا المنطلق . فمنهم من رأى قتالَ مانعى الزكاة دفاعاً عن هيبة الدولة خاصة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم والحرص على الإبقاء على الدولة متماسكة بعد هذا الحدث الجلل الذى قد تتوالد إثره الإنشقاقات ورغبات الإنفصال ونزعات الإستقلال والتمرد ؛ فالزكاة كانت أحد أهم مظاهر الولاء السياسى للدولة والإعتراف بشرعيتها والإنضواء تحت سلطانها ، ولم تكن مجرد فريضة دينية . وقد كان هذا رأى أبى بكر الصديق رضى الله عنه الذى إنتصر له أثناء ولايته وإستجاب له الصحابة رغم تحفظهم الشديد على هذا التوجه وعلى رأسهم الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى كان يرى عدمَ قتالهم وأن المصلحة تقتضى ذلك خوفاً أيضاً على دينهم فلا يُفتنوا فيه عندما تباشر الدولة قتالهم وهم يشهدون بالوحدانية ويُظهرون الإسلام . وإقتضت المصلحة أيضاً أثناء ولاية عمر الرجوع عن أسلوب التعامل مع مانعى الزكاة فأسرع إلى رد الإعتبار لهم وأطلق سجناءهم وأعاد إليهم سباياهم وأسراهم ، وكانت وجهة المصلحة وعنوانها فى مرحلة ولاية عمر رضى الله عنه هى أن الدولة قد توطدت دعائمها وترسخت قوتها وتمكنت بالفعل من فرض هيبتها ولم يعد هناك خوف من نزعات تمرد أو إنفصال مما يستدعى قتال موحدين لإمتناعهم عن دفع الزكاة . وكما دعم الصحابة رضوان الله عليهم موقف أبى بكر وتفهموا رؤيته وغاياته من القتال تحقيقاً للمصلحة السياسية فى عهده ، كذلك تفهموا موقف ورؤية عمر تحقيقاً أيضاً للمصلحة بناءاً على رؤية مختلفة فى عهده نتيجة تغير الظروف والأحوال . ما الذى حدث هنا ؟ الذى حدث إختلاف فى التطبيق حول مسألة واحدة بتغير الظروف إستصحاباً للمصلحة التى أمرنا الإسلام بالدوران معها حيث دارت ، والمصلحة نسبية ومتغيرة ، فإذا ثبتنا وجمُدنا على رأى أحادى فى كل الأزمان وفى جميع الأحوال وأصررنا على التمسك به رغم أنه غير مناسب لأحوالنا وظروف المرحلة التى نحياها ، فلا نزعم حينذ وصلاً بالشريعة .. ولا نلومن حين نفشل وننهزم ونخسر إلا أنفسنا . هذان رأيان بينهما 26 سنة تقريباً .. لمن رغب فى إكتساب الخبرات من شبابنا ، بدلاً من البدء من نقطة الصفر وتكرار الكوارث