السلام عليكم
الأستاذة الشاعرة المبدعة غيداء الأيوبي
قصيدتك هذه تصوّرين فيه حالة التسلل إلى النوم ، وكيف يتميع الوعي فيسيل من حالة اليقظة العنيدة إلى حالة الاستسلام للجريان مع تيار شلالات الأحلام .
توظفين عناصر الطبيعة كرموز تمثل نقاط العلام في خارطة النوم والأرق والسهاد والأحلام .
فلديك الرمز الطبيعي (جبل) من العناد هو قمة اليقظة . وأنت مكتفة عليه ممنوعة من الرقاد والاسترخاء
عَلَى جَبَلٍ تَشَيَّدَ بِالْعِنَادِ=تُكَتِّفُنِي عَرَاقِيِلُ الرُّقَادِ
جبل تشيّد بالعناد هو قمة العناد ،وفي قمة العناد يتأبى الرقاد على الشاعرة ، فعراقيل الرقاد هي موانع النوم . وما تلك الموانع إلا الهواجس التي تجعل محاولات الإغفاء أشبه بفترات خمود البركان الذي ما يلبث أن ينفجر بثوراته واحدة تلو الأخرى ، ليفجّر وعي الشاعرة على ما يقذفه من مخبوءات ومكنونات السهاد فتسيل كحمم على حواف بركان النوم . فالرمزان من الطبيعة البركان والحمم وثورات البركان هي حالات الأرق التي تقاطع الإغفاء .
وَبُرْكَانٌ مِنَ الثَّوْرَاتِ نَوْمِي=يُفَجِّرُنِي عَلَى حِمَمِ السُّهَادِ
أريد أن أشيد بشاعريةٍ وخيالٍ وكثافة تعبيرٍ وتجديدٍ معنوي انطوت عليه هذه الصور الشعرية المبدّعة .
أَنَا الْمَحْبُوسُ فِي لَيْلِ السَّهَارَى=وَقُضْبَانِي يُسَامِرُهَا انْفِرَادِي
ما شاء الله ! بساطة الصورة في الشطر الأول دعمتها الشاعرة بتكملة فذة في الشطر الثاني . حينما حوّلت الانفراد إلى كائن واضح الحضور أخذ يحاور قضبان السجن . فكيف يتجسد اللاكيان بشخصية ذات حضور ولها القدرة على الحوار؟! أقل ما أصف به خيال الشاعرة هنا هوالتميز والأصالة في الإبداع .
وَشَلَّالٌ مِنَ الأَحْلاَمِ يَحْدُو=يَصُبُّ الآهَ فِي جَمْرِ الْعِمَادِ
لديك الرمز من الطبيعة (شلال ) الأحلام . وما أنسبه من تشبيه . يدل على رهافة ميزانك البلاغي .
فَأَلْقَانِي مَعَ الطُّوفَانِ أَجْرِي=لِنَسْحَقَ بِالرَّوَى كُتَلَ الرَّمَادِ
الطوفان رمز يفيض بالجريان والإرواء وأنت مع هذا الجريان جارية ، لسحق كتل الرماد . وماهي كتل الرماد ؟ هي بقايا ما اشتعل وانطفأ وخمدت ناره من ذلك الجمر .
تُسَابِقُنِي إِلى الأَنْهَارِ عَيْنٌ=فَأَلْحَقُهَا بِدَمْعَاتٍ شِدَادِ
وتَرْدِفُنِي بِذَا الْمَسْكُوبِ رُوحٌ=تُحَرِّرُنِي عَلَى شَطْءِ الْوِهَادِ*
وَأَرْمِي مَا تَبَقَّى مِنْ قُيُودٍ=وَأَجْمَعُ مَا تَحَرَّرَ بِامْتِدَادِي
عَلَى رَمْلٍ تَبَلَّلَ بِاعْتِصَارِي=أَمُدُّ بِسَاطَ رِحْلاَتِ الْوِسَادِ
رحلة مع المد والجزر على شاطئ الوسادة الرملي الذي بلّله المدّ من تقدّم الشاعرة (البحر) باتجاه امتداد اللاوعي .
وَأَنْطَلِقُ الْهُوَيْنَى فِي فَضاءٍ=تَهُبُّ رِيَاحُهُ الرَّعْوَى* بِحَادِ
فَأَلْمَحُ فِي مَهَبِّ الرِّيِحِ طَيْفاً=يُهَفْهِفُ مِنْ بَعِيِدٍ لِاصْطِيَادِي
وَإِنِّي بِاخْتِرَاقِ النُّورِ أَبْدُو=كَلَأْلاَءٍ تَنَاثَرَ بِاطِّرَادِ
وَلَوْ رَافَقْتُ فِي الجَوْزَاءِ نَجْماً=فَلَنْ أَرْضَى بِلاَ وَهْجِ اتِّحَادِ
فَرُؤْيَا النُّورِ فِي حُلُمٍ سَرِيِعٍ=تُرَافِقُنِي لِأَوْقَاتِ ارْتِدَادِي
وَإِنِّي مِنْ ظَلاَمِ الدَّهْرِ أَرْجُو=بَقَاءَ الطَّيْفِ فِي قَلْبِ الْوِدَادِ
فَصُرْتُ إِذَا الْتَقَانِي فِي مَنَامِي=أُدَثِّرُ ذُو الْجِيَادِ بِذِي الْجِيَادِ*
في داخل الحلم الشاعرة ، هو حلم المنام وحلم الروح في آن واحد . وفيه تدثر الشاعرة فارس أحلامها وهو" ذو الجياد" بمعنى الفارس، ب"ذي الجياد" .بمعنى كل ما هو جيد وثمين ورفيع من الدثار أو الرداء الذي يحيط بالحلم ويحفظه ويكنّه عن العيون . ولعل الشاعرة سهت عن ضرورة نصب المفعول به من الأسماء الخمسة "ذا"
وَأَغْفُو لاَ أُفَتِّشُ عَنْ لِحَافٍ=إِذَا الْتَفَّ الْبَرِيِقُ عَلَى مِهَادِي
هُوَ السِّحْرُ الْيُلَمْلِمُ أُقْحُوَانِي=لِيَسْكُبَنِ رَبِيِعاً بِانْعِقَادِي
وَمَا طَعْمُ الْحَيَاةِ بِلاَ رَفِيِفٍ=يُحَرِّكُ شَوْرَةً عِنْدَ الْعِبَادِ
فَوَجْهُ الْبَدْرِ فِي حُزْنِ اللَّيَالِي=كَنُورِ الشَّمْسِ فِي وَقْتِ الْحِدَادِ
وَإِنِّي دُونَ هَذَا النُّورِ أَكْبُو=عَلَى فَرْشٍ تَنَجَّدَ بِالْقَتَادِ
تحتي للإبداع والشاعرية الأنثوية والشخصية الشعرية المميزة ممثلة بالشاعرة الأستاذة غيداء الأيوبي