أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: بوح 3

  1. #1
    الصورة الرمزية مامون احمد مصطفى أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2016
    المشاركات : 60
    المواضيع : 35
    الردود : 60
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي بوح 3

    بوح
    الأشياء
    " 3 "

    لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟

    حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.

    تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.

    ينبت السؤال من جديد، لماذا نغادر الأشياء؟

    ما هي الأشياء؟ التي نغادرها، ولا نعرف عنها سوى أنها الأشياء؟

    أهي الأوطان؟ أم سلاحف الطفولة؟ أم حيات الجبال التي دككنا رأسها بأحجار الصوان ثارا من الخوف والسم؟ ربما هي عيدان النرجس وزهر الدحنون؟ وربما سقوف الصفيح التي كانت تضربها حبات المطر، وكنا هروبا من المأساة نعتبر ضجيجها قطعة موسيقية، تغنى بها شعراء، ومجدها أدباء؟

    ربما هي المقبرة الموغلة في الوحشة والانطواء، بالمجهول المركز من المجهول؟ وربما هي مجموعة الحراذين التي كنا نطاردها من سور إلى سور، لنذبحها ونصبغ العشب بدمائها، دون مبرر ودون سبب.

    ربما هي اللوعة التي كانت تمزق وجوه الناس القاطنة المخيم، ويمكن أن تكون وحل الشتاء الذي كان يلتصق بنا ويرفض مغادرتنا.

    وربما؟ وربما؟

    لكننا نبقى ندور في مساحة الغموض، ويبقى في السؤال عذاب الغيب والمجهول، لماذا نغادر الأشياء؟ ونحن بالإحساس نجزم بمعرفتنا بكنه الأشياء وفحواها، لكننا حين نحاول الإجابة، الشرح، نشعر بالعجز القاتل، تنساب المسلمات من بين أيدينا كما ينساب السراب من عيون الموتي لهثا خلف ما يعرفون بأنه الماء، لكنهم لا يعترفوا، أمام انفلات الحياة من الروح، بسراب اليقين ووهم المسلمات، بل يتدافعوا نحو الوهم والسراب، بقوة الموت نحو ما قالوا بأنه الماء المنقذ من حر الصحراء وقيظ الرمل.

    هي الأشياء التي تتداخل وتتشابك بأعماقنا، تماما كالأغصان المتداخلة المتشابكة بدون إرادة منها ووعي، لتشكل تعقيدا يبدو للناظر بروعة التشكيل ودقة التنظيم، لكنه لا يعرف، ولا يود أن يعترف، بان ما يعرف، اقل كثيرا من روعة التشكل وقوة التنظيم، لكنه يظل متوجا جهله بما شاهدت عينيه وما قرر عقله.

    وحين تتداخل الأشياء بذاته وتتعاظم، ويشعر بالعجز عن الكشف والاكتشاف، يخرج من طور الروعة والدقة إلى طور الغموض والدهشة، ليسأل من جديد، وهو موقن بمعرفة ما يسأل عنه ، " لماذا تغادرنا الأشياء " ؟ يتنبه للسؤال فيعاود التساؤل من جديد ، " لماذا نغادر الأشياء "؟

    ما هي الأشياء؟
    هي الأشياء.
    كيف نغادرها؟
    صمت وحيرة.
    كيف تغادرنا؟
    صمت وحيرة.
    صوت ارتطام، صراخ مجهول.
    ماذا نعني بصوت ارتطام؟
    وكيف يصرخ المجهول فينا؟

    يعاودنا اليقين المجهول ممزوجا بأشياء، نعم بأشياء، نعرفها ولا تعرفنا.

    تعرفنا ولا نعرفها.

    هناك، على الشاطئ الراقد منذ أزل مجهول، تتحرك المياه بغضب وهدوء، تنفجر البراكين وتلتهب العواصف، تتكون الحياة وتنعدم، تتحرك المخلوقات برتابة وتجدد، تتداخل الأشياء، الموت والحياة، الهدوء والانفجار، يتشكل الشاطئ بالصخر المخرم، المنمنم، ويسافر الرمل عبر مسافات الأرض والزمن.

    نداهم الشاطئ بزيارة، ونحن نحمل بين أيدينا كانون الشواء، نطبع الابتسامات، نغازل الرمال، تثير ذهولنا الأصداف.

    تضربنا فكرة مفاجئة، من أين أتت هذه الأصداف، وكيف زحفت الرمال من بين شقوق البراكين الملتهبة، وكيف استطاعت أن تخرج من بين طيات المجهول إلى أيدينا؟

    كيف نغادر الأشياء؟
    كيف تغادر الأشياء ذاتها؟
    كيف تغادرنا الأشياء؟

    حين سقط الألم في حلق الوجود، تنامت الأشياء وتضخمت، بدأت تكبر وتتمدد، تنتشر وتتوغل بأعماق الأشياء، لتتكون أشياء وأشياء، فتتمدد هي الأخرى ، لتتكون أشياء وأشياء، وتتكون أشياء وأشياء.

    وحين تعملق الألم والوجع وامتزجا بالعذاب والغموض، تناسلت الأشياء وانقسمت، تناسل المجهول وانقسام المعلوم، دخلت فينا، ودخلنا فيها، تمازجت بنا وانصهرنا فيها، عشقتنا وعشقناها.

    عرفتنا
    وتعمقنا جهلا بها.

    - عن ماذا تتحدث؟
    - عن اللاشيء.
    - غريب.
    - ما الغرابة في ذلك؟
    - اللاشيء معدوم.
    - وكيف استطعت أن تعرف العدم؟ أليس ما لا نعرف هو بغير مسمى، لأنه لا يخضع للعقل أو الإحساس ؟
    - ولكن اللاشيء من العدم؟
    - العدم غير موجود في ذاكرة الأشياء، لكننا نسمي اللاشيء، فهو بالتأكيد موجود.
    - أين؟
    - هناك وهنا، بأعماقنا الخافقة بالعجز والغموض والصغر. هناك بين الأشياء التي تبحث عنا ونبحث عنها، وهنا بين الأشياء القابعة بأعماقنا، وهنا بين الأشياء التي نقبع بأعماقها.
    - أتكتب عن اللاشيء، والشيء تنساه.
    - الشيء يكتب عنه كل الناس، أليس من حق اللاشيء أن أن نكتب عنه، ألا يستحق اللاشيء أن نضيع قليل القليل من المداد من اجل هيبته وغموضه.
    - الشيء مدرك، واللاشيء مستتر خلف الإدراك، فلنكتب عن المدرك، لنرتقي بالشيء، لنحييه ونمنحه البريق، أما اللاشيء فليبق مطويا باللاشيء.
    - هذه أنانيه.
    - بل أنت عاجز عن الكتابة عن الأشياء، فالتويت نحو اللاشيء هربا من العجز والخوف.
    - أوليس من حقي الالتواء نحو اللاشيء، عجزا وخوفا؟
    - غريب أنت.
    - بل غريب أنت.
    - كيف؟
    - أنت تتحدث عن الشيء، هل تعرف ما هو الشيء؟
    - الشيء هو الشيء؟
    - واللاشيء هو اللاشيء، اللاشيء يا صاحبي أكثر عمقا واستحقاقا بالوجود من الشيء الذي تعرفه بمقدرتك في اقتناء الجهل المبرر بالغباء والانشداه.
    - دعنا نغادر الأشياء.
    - دع الأشياء تغادرنا.
    - كيف تغادرنا الأشياء؟
    - كيف نغادر الأشياء؟
    الشيء للاشيء ....
    كيف أغادرك؟
    اللاشيء للشيء....
    كيف أغادرك؟


    مأمون احمد مصطفى
    فلسطين- مخيم طول كرم
    النرويج- 29-06-2007

  2. #2
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Feb 2015
    المشاركات : 1,269
    المواضيع : 38
    الردود : 1269
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مامون احمد مصطفى مشاهدة المشاركة
    بوح
    الأشياء
    " 3 "

    لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟

    تساؤلات قائمة على آلام الغربة و الوحدة ..غربة الروح عن الوطن ..في الحياة الكثير من المآسي و يخطئ من يحاول أن يضع تعريفا للألم و الوحدة وفقا لمغادرة المكان ..فالذكريات محفورة في داخل الإنسان لا تمحوها الأيام و إن طالت و لا يغيرها الترحال و إن تعدد ..لمحات الأمل كالبريق في السماء ..يصح أن ندعوها بالإشراق يشترك في حدوثها مئات العوامل و الاعتبارات و القوى الظاهرة و الخفية التي و إن كان للإنسان بعض الدور و الإرادة فيها فلا ينفي أن هناك بعضها خارجة عن إرادته ..

    نص راق لي كثيرا ..
    فائق احترامي لشخصك الكريم

    تحاياي
    كـلُّ الـشموس تـجمّعتْ فـي فُـلْكهِ
    ويَرانِيَ الشمسَ الوَحيدةَ في سَماهْ

  3. #3
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    للتفاصيل وجع نحن ننبشه بأنامل اليأس ذات وحدة أو ملل
    ألا تستحق ان تستمع بما تبقى لك من وقت لا تعرف مدته
    فلتذهب الاشياء حيث تشاء
    استمتع بما تبقى لك من اشياء بين يديك قبل ان تفقدها
    بوح مؤثر بفلسفة عميقة
    بوركت

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    تساؤلات محمولة بأهات الوجع من ثقل الأشياء سواء أغادرتنا أم غادرناها
    نص ملفت
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    فلسفة لافتة يحملها الطرح في تساؤلات كليمة تنطق بالوجع
    راق لي تأملها والبحث في ما وراءها

    دمت بروعتك أديبنا
    تحيتي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. إختناق بوح !!
    بواسطة الأميرة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-08-2006, 07:08 AM
  2. لِمَ هجرتُ الواحة ! بوحٌ سريّ جداً !
    بواسطة صدى الصمت في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 09-04-2005, 09:53 PM
  3. بعضاً من بوح خالد الغانم ..
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-12-2003, 10:59 AM
  4. بوح الروح ... الحب الذي إرتشفته
    بواسطة النجم الحزين في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 13-07-2003, 02:31 PM
  5. بوح مكحول بالكتمان
    بواسطة خلود علي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 11-06-2003, 12:30 PM