أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: صانع النعوش

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    المشاركات : 39
    المواضيع : 22
    الردود : 39
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي صانع النعوش

    صانع النعوش

    لم يكن العم عطا الله النجار ، الرجل البسيط ، يدرك أن محلة الصغير سيكبر ويتسع ذات يوم وعماله سوف يزداد عددهم إلى ثلاثة غير أبنه الأكبر .
    جاء إليه اليوم رجل يبكي وبيده بضع وريقات مالية :
    - لا أملك سوى هذه . ووضع الوريقات في كف العم عطا الله وأجهش باكياً .
    - أعاد المال للرجل وقال :
    - كم عمره ؟!
    رفع عينيه إلى السقف وتمتم بكلمات مختلطة بالدموع :
    - لم يبلغ محمد بعد السادسة عشر .. وجد اليوم مذبوحاً كالنعاج . وبكى .
    - إنا لله وإنا إليه راجعون .
    اليوم باع سبعه صناديق ، ذات مرة باع عشرين صندوقاً ، الأمر موجع ومؤلم بالنسبة له .
    الليلة لا تختلف عن بقية الليالي الماضية .. حجر زوجته أفضل مكان يضع رأسه عليه ، ثم يبكي كالأطفال . حيث تواسيه زوجته وتربت على رأسه .
    - النعوش تزداد كل يوم يا أم نديم .
    - ربنا كريم .. ربنا كريم .
    قالت أيضاً .. وقد ترددت في قولها :
    - إن ابن جارنا نصر لم يعد منذ ثلاث أيام من المعسكر .
    رفع رأسه نحوها وتنهد بألم : يا الله .. لقد قلت له أن لا يرسل ابنه الوحيد إلى المعسكر .
    - وماذا يعمل ؟.. حالتهم تسوء كل يوم !
    - طلبت منه يعمل معي .
    ثم وضع رأسه على حجرها مرددا : رحمتك يارب ..رحمتك .
    ذات صباح ..
    وقف نصر .. أمام باب محل العم عطا الله ، جثته الكبيرة حجبت ضوء الشمس ، رفع عطا الله رأسه ، وبقيت يده مرفوعة إلى الأعلى ممسكة مطرقته ، والمسمار محشور بين أصابع يده الأخرى .
    - جاءني اتصال قبل قليل من مدير المستشفى .. طلب مني أن أحضر لأستلم جثة ابني .
    - سقطت المطرقة من يد العم عطا الله .. تقدم بخطوات تعبه نحوه .
    قال نصر دون أن يهتز : السيارة تنتظرني .. سآخذ معي صندوقاً .
    ذات ليلة ..
    الأجراس تقرع بحزن .. العراق لا ينام .. أصوات المآذن تزيده حزناً وألماَ ، لم تصمت أبداً ..
    عطا الله النجار البسيط صانع الكراسي قديماً .. صانع النعوش حديثاً يضع رأسه على الحجر زوجته ويبكي كما يفعل كل ليلة .
    تحدق زوجته في صورة مريم . ثم ترسم علامة على صدرها وتتنهد بألم .
    - منذ أيام وأنا أصنع نعشي !
    - ماذا تقول يا رجل ؟!
    تابع كأنه لم يسمعها : أردت أن يكون صندوقاً مختلفاً كبيراً .. قوياً قادراً على حملي .
    تغمض عينيها لتمنع فرار الدمعة: لا تقل ذلك .. انك تؤلمني .
    تفر الدمعة من عينيها .. حين يرفع رأسه نحوها .. تسقط على عينيه وتمر بسرعة عبر وجنته لتسقط على الأرض وتتلاشي : أشعر آن أجلي قريب جداَ .
    ذات يوم ..
    الانفجار الذي حدث منذ دقائق قليلة جعل صناديق النعوش تسقط أو تتحرك من أماكنها .
    ركض العمال إلى الخارج المحل .. الانفجار يبعد عنهم بشارعين ، الحرائق التهمت كل شئ في الشارع .
    ناداهم عطا الله : حسن .. عزيز .. حارث عودوا إلى عملكم .
    تمتم ببضع كلمات : ليحمينا الله .. ويحمي العراق .
    ثم راح يحدق بصندوقه أو نعشه ، كم مرعب أنت أيها الموت عندما تتسلل إلينا ببرودة أحياناً ، وأحيانا ًأخرى بألم . طرقات المطارق تزيد من تصدعه ، يود أن يأخذه بأسرع وقت حتى لا يسمع مرة أخرى طقطقتها التي تذكرة بالموت كل يوم كل ثانية .
    جلس على كرسيه القديم الذي صنعه قبل عشرات السنوات حيث كانت صناعة الكراسي كاسدة وغير مربحة ، وراح يتمتم بكلمات مبهمة غير مفهومة ، رسم علامة الصليب .
    كان .. وكأنه ينتظر الموت .
    ـ عطا الله .. عطا الله .
    ظن أن الموت يناديه, بقي ساكناَ ينتظر أن ينزع روحه ببروده كما يشاء .
    أفاق . فتح عينيه , قال كأنه يحدث نفسه : هذا صوت زوجتي .
    واقفة أمام باب محله بردائها الأسود الفضفاض . لم يعرفها من البداية بدء وجهها كبركة ماء .
    ـ ماذا حصل ؟ّ!
    أشارت بارتجاف إلى الشارع .. وقالت بصوت متهتك :
    ـ ابنك .. ياعطالله .. مات
    ينهض من كرسيه عندما تلفظ ابنك .. ويسقط عندما تلفظ مات .
    ياسرعبدالباقي
    مجلة جدارية
    www.jedaria.com

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد الدسوقي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    الدولة : doha
    المشاركات : 1,420
    المواضيع : 83
    الردود : 1420
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    الأخ

    ياسر

    مرحبا بك فى دوحة الخير

    بين عمالقة الكلمة ونبض المشاعر

    يحدق الموت فى شوارع الأحاسيس

    فى جميع الطرقات

    أنه الظلمة

    سعد مبروري وقراتي لأقصوصتك

    تقبل تحياتي

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    أصبحوا ينتظرون الموت في اي وقتٍ ويتوقعونه
    قصة معبرة وجميلة
    شكرا لك

المواضيع المتشابهه

  1. صانع الخرز
    بواسطة هشام النجار في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 22-11-2014, 10:37 AM
  2. أحمد ياسين.. صانع جيل التحرير
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-03-2004, 01:01 PM