حول الجدلية بين الشعر الحديث وتقليد الشعر القديم :

مما دعاني لكتابة هذا البحث المثير للجدل مع أنه قديم، كما أنني لدي بعض الملاحظات سأوضحها في مقال لاحق إن شاء الله ، لذلك أحب ان أدلى بدلوي حول هذا البحث لأنه من تخصصي أي ( أنا متخصص في مثل هذه الدراسات وخاصة في النقد الأدبي ) وقد عانيت الكثير من النقد والعتاب من بعض الأخوة الأدباء المنساقين وراء تقليد الشعر القديم (التقليدي.) .
أقول كنت في بداية أمري أكتب الشعر التقليدي، وهاجمت شعراء الشعر المرسل في كثير من قصائدي أقول في بعضها وهي أول تجربة لي في قول الشعر وكان عمري لايزيد عن اربعة عشرعاما.
يا من يطالعنا بشعر مرسلٍ
أحرقت إيقاع القريض حريقا
لا وزن لا إيقاع لا شعرٌ ولا
رؤيا ولا فـنٌ ولا موسيقى
إن القـوافي للقريض مناعة
وقواعـد ليكـن هناك رقيقا
لا تهدم الوزن العتيق وتنثني
عنـه فإن للقريـض طريقا
أسلك طريق الشعر إنك مخطئ
وامش على الدرب السليم طليقا
كم قلت أنك مبدع متحرر
فغدوت للشعر اللقيط عشيقا
لكن بعد اطلاعي على الدراسات الحديثة في الشعر وجدت أن الشعر التقليدي خالٍ من أي إبداع ذلك لأنه تكرار لما قاله القدماء.وأنه يجب علينا أن نعيش عصرنا لاعصر المتنبي والبحتري ولا أن نتغنى بعيون المها كما تغناها الشاعر العباسي علي بن الجهم. صحيح هناك من يكتب شعر النثر وليس شعراً وهناك من يكتب شعرالتفعيلة فيه إبداع كخليل حاوي وبدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور و أمل دنقل وغيرهم كثيرون
أما العقاد رحمه الله لديه أكثر من ستة دواوين، والكثير لايعرف أن العقاد له هذه الدواوين، أو أنه شاعر ذلك لأن أستاذنا عباس محمود العقاد كبقية الشعراء التقليدين الا يريد أن يواكب النهضة الحضارية وأقحم نفسه في عراك أدبي مع كثير من الشعراء الشباب منهم الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي قال قصيدة في العقاد مطلعها :
يا من يحدث في كل الإمور
ولا يكاد بفهم أمراً أو يقرّبه
تعيش في عصرنا ضيفاً وتشتمنا
إنا بإقاعه نشدوه نطربه.
وكما قلنا سابقاً في بعض دراساتنا الأدب له جناحان هما جناح الشعر وجناح النثر . وكذلك في الكثير من دراساتنا عن الشعر أننا نعتبر شعراء التراث العربي القديم من عصر ما قبل الإسلام وما بعده من العصور الزاهرة، العصر الأموي والعباسي والأندلسي جميع هؤلاء الشعراء نعتبرهم شعراء بحق من الطراز الأول، ذلك لأنهم مبدعوا عصرهم لأن كل ما قالوه من الشعر ما هو إلا انفتاح زماني ومكاني، وإنه بحق تفاعل زماني ومكاني مع اللحظة الحضارية التي عاشوها ذلك لأنه قادر على استيعاب تجربة العصر، عصر البساطة والوضوح والوثوقية المحيطة بعوالمهم. ذلك لأن اللحظة الحضارية التي يعيشها الشاعر هي التي تحكم النظام الداخلي في رأس المبدع شاعراً كان أم فقيها قانونيا أم فقيها دينيا أم خطيبا. أم أديباً.
وكما أشرنا في بعض ابحاثنا لو شاءت الأقدار :
- إن يكون الإمام مالك أندلسيا وابن حزم هو إمام دار الهجره هل كانت الرؤيه لتكون مختلفة عند كل منهما ؟؟ أكيد.
- لو حاول أحدهم محاكاة المتنبي في عصرنا هذا ، في نفس الفكر والثقافة والأفق هل كان ليكون له شأن المتنبي ؟؟ لا أعتقد.
- لو جاء زعيم سياسي اليوم وكان خطيبا مفوها على طريقة جمال عبد الناصر مثلا هل كان سيكون له نفس التأثير في الجماهير؟؟ لا اعتقد
- لو عاش الأديب الكبير والشاعر الحضرمي علي أحمد بكثير طول حياته في حضرموت ، هل سيكون له نفس الإبداع وكثرة هذه المؤلفات القيمة، لا اعتقد. ذلك لأن المتبصر يرى حتى في المناخ تأثيرا : فتجد مثلا البلاد الحارة الغناء فيها يميل للطول والهدوء الشديد ، بعكس البلاد الباردة.
لذلك، ونؤكد أن لكل زمان أفكاره ومبادئه ونظرياته. فالعالم عبارة عن حقائق سيالة كل حقيقة لها زمانها ومكانها ونظرياتها.
وعليه نقول أنه يجب علينا أن نعتز بالشعر التقليدي القديم وأن نقراءه كمادة تاريخية لأنه تاريخنا وتراثنا لكن لا أن نقلده، او نجتره وإلا فماذا يتبقى للشاعر الحديث من إبداع في تقليده للشعر القديم.
وأنا لستُ متحاملاً على العمود ولست (في خصومة معه ) كما يعتقد بعض أخواننا الأدباء، و أكثر قصائدي عمودية ، الذس يهمني في الشعر هو الإبداع والرؤيا و الرمز . ذلك لأن الرؤيا في الشعر هي موجة من موجات الإبداع ينفتح عليها الشاعر على عوالم إنسانية عميقة في التعبير بما يدور في أعماقه من تأزمات وحزن وفرح. كما أنها تشكل موقفاً جديداً من العالم والأشياء،
وأحب أن أقول أن الشعر الذي يتخلله الرمز والرؤيا وكذلك الأسطورة هو في الواقع شعر وجداني يتخطى كل حدود الزمان والمكان، وهو من أساسيات الوصول إلى الجودة والإبداع والموهبة الفنية الحقيقية التي تؤكد على استنفار الحس الإنساني. الكامن في أعماق النفس البشرية.