حقائق عارية ..
تسلل الليل إلى تلك المدينة السادرة في المرح ، المسترسلة في اللهو ، واستولى على طرقاتها وأزقتها ومداخلها ، وأصدر أوامره الصارمه ، فأجبر سكانها على الاختباء خلف أبواب مساكنهم ، واستمر يبسط نفوذه على كل الأماكن ، حتى عمها الظلام .
وبعد ساعات من تسلل هذا لزائر الجاثم على أنفاس المدينة ، وبعد السكون ، بدأت تلاوات العباد وهمسات العشاق وآهات الحزانى وبكاء الثكالى ، حتى أُشبعت آذان الجدران نشيجاً وأوسعت بكاءً ،.
وفي جانب آخر سئمت جدرانه من الصخب والمجون حتى ملت من تلك الأصوات المتشبثة بالفرح زوراً ، والراقصة على ايقاعات تعبث بالأجساد التي غادرت شرفها منذ أول صفقة نخاسة عقدت على شوارع المدينة ذات مساء.
استمر الليل ممسكاً بزمام الأمور مانحاً لكل نزلائه الأسرى خلف أبوابهم فرصة الخلو بحقائقهم العارية دون زيف .
ومن بعيد هاجمت جيوش بيضاء بدت كالضباب من وراء العتمة واستمرت في التقدم تنهش أطراف الليل وتنكل بكل كتيبة سوداء تعترض طريقها ، حتى بددت كل جيوش الظلام وسطع النور من وجه الملكة الصاعدة من بين الجبال الشامخة في مشرق المدينة ، فخرج المختبئون خلف أقنعتهم ليظهروا في ثياب الطهر زاحفون نحو بياض النهار يقبلون يديه كي يرضى عنهم ويرسل تحاياهم إلى أرباب المال كي يغدقوا في عطاياهم .
وخرج الأبرياء من محاريب صلاتهم يلتقطون فتات رزقهم من قطرات السماء، وتبددت ملامح الحزن عمن بات يرافقهم الألم مستبشرين تعلو وجوههم بسمات الرضى واشراقة الأمل الممزوجة بأشعة الشمس الذهبية القادمة من عالم النقاء .
علي معشي .