( من رائعة ابن النبيه: أفديه إن حفظ الهوى :أبيات وتعليق)
بقلم أحمد عبد الكريم زنبركجي.
.................................................. ..
يقول الشاعر كمال الدين علي بن محمد الملقب ب ( ابن النبيه المصري ) :
...............
أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا ..... ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا
من لم يذق ظلم الحبيب كظل.......حلوا فقد جهل المحبة وادعى
يا أيها الوجه الجميل تدارك الصــــــــب النحيل فقد عفا وتضعضعا
هل في فؤادك رحمة لمتيم ...... ضمت جوانحه فؤادا موجعا
فتش حشاي فأنت فيه حاضر ..... تجد الحسود بضد ما فيه سعى
هل من سبيل أن أبث صباب...... أو أشتكي بلواي أو أتضرعا
إني لأستحيي كما عودتني.... بسوى رضاك إليك أن أتشفعا
..............
هذا الشاعر من أعلام دولة بني أيوب، من العصر العباسي.
ذو شعر مطبوع ، رقيق اللفظ، رصين العبارة، ظاهر العاطفة، نستطيع أن ننسبه إلى مدرسة الغزل العذري.
............
على الرغم من أن تلك الأبيات هي مقدمة غزلية لقصيدة في المدح؛ إلا أنها تستهوي القارئ بعذوبتها وانسيابيتها، فلا يجد فيها تكلفا.
...........
- ( أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا )
حب ضارب جذوره في القلب، يدفع الشاعر إلى فداء حبيبه؛ سواء حفظ الهوى أم ضيعه.
إته عاشق حتى العظم، لا يعامل الحبيبَ بمثل ما يفعل.
- ( ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا ) ههوذا يسارع إلى تعليل موقفه: فالحبيب ملك عليه فؤاده، فهو عبْدٌ غير قادر على شيء.
..........
- ( من لم يذق ظلم الحبيب كظَلمه .... حلوا فقد جهل المحبة وادعى )
هنا معنى رائع، وجناس أروع:
( الظلم ) الأولى بضم الظاء وهو ضد العدل، و( الظلم ) الثانية بفتح الظاء، وهو الريق ( ماء الفم ) . يقول:
إن الذي يستعذب ريق الحبيب ولا يستعذب قسوته وظُلمه هو مُدّعٍ للحب، وجاهل له.
............
- ( يا أيها الوجه الجميل تدارك الصــــــب النحيل فقد عفا وتضعضعا )
الله الله.. ما أرقّها وما أعذبها من كلمات.
هنا يلتفت الشاعر إلى الحبيب مخاطبا:
( يا أيها ... ) نداء بلفظ طويل متدفق من أعماق الفؤاد، ينادي من هو قريب من الروح بعيد من الجسم.
يناديه مادحا مستعطفا، يطلب إليه أن ينقذه من سقم ووهن ألمّا به من العشق.
...........
- ( هل في فؤادك رحمة لمتيم....ضمت جوانحه فؤادا موجعا )
أسلوب إنشائي آخر : استفهام غرضه الاستعطاف والاسترحام.
..........
- ( فتش حشاي فأنت فيه حاضر ..تجد الحسود بضد ما فيه سعى )
هذا تأكيد لإخلاصه، فهو لا يطيع الوشاة في حِبّه، بل يفعل ضد ما يسعون إليه.
والحِبّ متغلغل في أعماقه ( في الحشا ) .
..........
- ( هل من سبيل أن أبث صبابتي ..... أو أشتكي بلواي أو أتضرعا )
يراوح بين النداء والأمر. وهو في الحقيقة قد بثَّ بلواه وتضرع، ولكن هذا التعبير يوحي بأن ما قاله هو غيض من فيض ولا يفي بالتعبير عما يعاني، فكأنه لم يقل شيئا.
أو هو يستأذن الحبيب بأن يبث شكواه إليه بثًّا مباشرا شاهدا.
..........
- ( إني لأستحيي كما عودتني....بسوى رضاك إليك أن أتشفعا )
هنا يلعب الاعتراض والتقديم والتأخير المتعمد دوره الواضح في الأداء الدقيق.
( كما عودتني ) استبق القول بهذا الاعتراض تذكيرا للحبيب بقديم عادة له.
والتذكير بالعادة مُلزِم لمعتادها، ودافع إلى الرحمة مكافأة له على اتباع ما عوده الحبيب.
وتريب الباقي في الأصل هكذا: ( .... أن أتشفع إليك بسوى رضاك )
فتقديم أشباه الجمل ههنا من شأنه إفادة التخصيص والقصر.
...........
أبيات رقيقة، جعلتنا نعيش حالة الحب، ونشارك الشعر إحاسيسه بلوعة الحب، وبمرارة الهجر والحرمان.
............
دمتم في عافية
أحمد عبد الكريم زنبركجي.