صوت الرصاص يأتي من كل صوب ، وكأنه واقف في حلة ( بوشار ) ، لم ينبطح ، لم يجر ، لم يصرخ ، لم يرم رصاصة واحدة ، وقف مذهولاً وسط الميدان الذي اختلطت فيه الأهواء بالأسماء بالأشلاء ، فالأرواح تخلع الأجساد في كل ركن من أركان الميدان ، وزادت رهائن عزرائيل ، وصار الموت أرخص السلع ، خوذات هنا وأصابع هناك على بساط أحمر ، لم يعد يسمع شيئاً ، لم يعد يرى شيئاً ، لم يعد يشعر بشيء ، لا يدري أهي الشجاعة أم الخوف ؟ ، لم يعد يعلم أهو حي أم ميت ؟ ، لم يستطع حتى أن يرفع يده كي يتحسس جسده ، وفجأة شعر بلسعات باردة تخترق جسده ، لم يصرخ ، لم يتألم ، بدأ جسده يثقل ، قدماه لم تحملاه ، جثا على ركبتيه ، صار عقله يعمل بسرعة ، صارت الكلمات تتصارع في رأسه ، والصور تزدحم ، أين ابنك ؟ ، صورة أمه باكية ، لابد أن يلتحق بالتجنيد ، لكنه مازال صغيراً ، صورة صديقه يلعب بالكرة ، نحن في حالة حرب ، يا بني إن خدمة الوطن واجبة ، عليك أن تكون رجلاً ولا تتخاذل ، أيها المجند استلم بندقيتك ، صورة جارته التي كان يحلو له أن يختلس النظر إليها في استحياء كلما مرت أمامه ، صوت الريح يزمجر ، السلاح لا يؤخذ كي يلمع ، تعلـّم كيف تقتل به ، صورة عمته بابتسامتها الحلوة ، سرية مشاة عادة سر ، قف ، خذوا مواقعكم ، أزيز الرصاص يخرق الصمت ، صار الصوت ضعيفاً ، والنور أكثر ضعفاً ، شحت أنفاسه ، لم يعد يقدر على سحب الهواء ، شعر بقلبه يتوقف ، ثم انطفأ النور، (ستوب) ، مشهد الشهادة والوسام أول مرة ( أكشن ).