شاعر فذ
لديك الصور الشعرية التي تدل على الخبرة الشاعرية ، كما تنم عن الوعي الفني في بنائها وتوظيفها. ولديك العاطفة المتيقظة التي امتزجت بالمعاني فأكسبتها الحكمة الإنسانية المطلقة .
وأشد ما استغرقتني متعة قراءته قولك
وضوءَ شمعٍ رماه الليلُ منفردا
بقعة ضوء تحيط بشمعة متقدة في الليل. فالليل برميها منفردة ﻷنها مجرد ضوء وحيد في ليل كبير متسع. من وصف كيف يرمى الضوء منفردا في ليل ما سواك؟
عليك ما وقعَت عينٌ لمطَّلعٍ
فكان كلُّ قريبٍ منكِ مبتعدا
تركيبان لغويان في منتهى جمال الجزالة.
إن تسألينيَ فالدنيا كما عُرفَت
ملأى بلا أحدٍ لا ترقبي أحدا
(ملأى بلا أحد) يعني ملأى بالفراغ..وهكذا يجعل الشاعر اللاشيء شيئا محددا ذا خصائص. الفراغ قابل ﻷن يحاط به....ولا ترقبي أحدا ﻷن لدنيا ملأى باللاأحد ..فيتساوى وجود من فيها بلا وجوده لعدم تأثره أو تأثيره، والحاصل شعور بفراغ اللاأحد.
كم ضُيِّعَتْ في سرابِ الماءِ لؤلؤةٌ
ما استوقفت عابراً إلا بها زهِدا
ﻷن من لا ينتبه زاهد في ما لا يعرف قيمته
لم تدرِ قهقهةُ المقهى إذ ارتفعَت
عن سكرةِ الموتِ أو عن صرخةِ الشهدا
هذا مشهد رائع لا أعرف كيف أصف روعة تصوير الشاعر لبرودة وقسوة اللامبالاة فيه..
وقد طرحتُ ظلالي إذ تثاقَلَني
ما أوقحَ الظلَّ إذ يستثقلُ الجسدا
الله أكبر ! ما أوقح الظل إذ يستثقل الجسد...ألا يحدث ذلك أحيانا؟ أليس هذا من غدر الفرع بالأصل وخيانته له وتنصله منه..؟
تحيتي