أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الأدب والرؤيا الوجودية- المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2016
    المشاركات : 710
    المواضيع : 706
    الردود : 710
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي الأدب والرؤيا الوجودية- المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي

    الأدب والرؤيا الوجودية
    حسين علي الهنداوي
    شاعر وناقد
    مدرس في جامعة دمشق
    دراسات جامعية-في الأدب العربي
    صاحب الموسوعة الأدبية (المرصدالأدبي )
    حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
    سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com



    أ-الفكر والمنشأ والرؤية:

    أولا- التعريف:

    الوجودية اتجاه فلسفي يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن الموضوع. وتعتبر جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة التي تتعلق بالحياة والموت والمعاناة والألم، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار



    ثانيا- نشأة الوجودية:

    الوجودية رأي فلسفي قديم، والتفكير فيها كان قديماً عبر العصور الغابرة الممتدة في رحاب الزمن، فكانت في حياة البشرية يقظات وجودية، تهتف بأن الإنسان هو المشكلة الأساسية التى يجب أن يكون له أولوية الصدارة في الفكر الإنساني، وأن هذا الفكر يخطىء خطأً كبيراً عندما يمنح الأولوية في بحثه للفكرة المجردة، أو لبيان وجود العالم وتعليله، كما حدث في دولة اليونان قديماً، وفي إبان عصر النهضة في أوربا حديثاً. ومن أول هذه اليقظات الوجودية ما ينسب إلى سقراط ؛ وذلك بمعارضته فلاسفة اليونان ممن كانوا يوجهون جُل اهتمامهم في البحث عن أصل المادة، أو في طبيعة الكون؛ حيث قعَّد لهم قاعدته المشهورة عندما قال: اعرف نفسك بنفسك . ومن بعد سقراط كان (الرواقيون) الذين فرضوا سيادة النفس، ومواجهة المصير على الإنسان الإغريقي الذي تجلد لتلاعب(السوفسطائيين) ولن يتراجع عن ما وطَّن نفسه عليه من البحث عن طبيعة النفس أمام المجادلات العقلية التي لاتكاد تكل أو تمل. ولقد جاءت الرسالات السماوية التي كرمت الإنسان، ووضعت له منهج حياته، وأوقفتهُ على حقيقة ذاته، فانصرفت البشرية إلى شرع الله، تهذب به سلوكها، وتنظم به حياتها، إلا من صُد عن ذلك السبيل. ولما جاء الإسلام وجدت البشرية في كتابه (القرآن) منهجاً متكاملاً عن النفس وطبائعها، والنفس وخصائصها، والنفس المطمئنة، والنفس المؤمنة، والنفس اللوامة، والنفس الأوابة، والنفس الأمارة بالسوء، ولم يهمل الإسلام العلاج إذا مرضت. قال الله عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7 - 8]. وقال: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27 - 28]. وقال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1 - 2]. وقال- على لسان امرأة العزيز -: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53]. والنفس - كما يقرر الإمام ابن القيم -: قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة. بل في اليوم الواحد، والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا، والحكم للغالب من أحوالها؛ فكونها مطمئنةً وصفُ مدحٍ لها، وكونُها أمارةً بالسوء وصف ذمٍّ لها، وكونها لوامةً ينقسم إلى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه . ويقرر أن النفس إذا سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه - فهي مطمئنة . ولكن هذا لا يمنع من ضلال بعض البشر، ونفورهم من هدي الشرائع؛ حيث تظهر بين الفينة والأخرى دعواتٌ إلى التفلت والانحلال؛ فمرة تحمل اسم المانوية وتدعو الناس إلى الرهبنة والخلاص من هذه الدنيا، وتدين بالولاء لإلهين، وتصدق ببعض الرسل وتكفر ببعضهم الآخر، ومرة باسم المزدكية، ومرة باسم الباطنية، إلى غيرها من الدعاوى الهدامة.
    حتى أتى عصر النهضة وتخلص فيه رجال الفكر من سلطان الكنيسة، وتحرروا من ربقة الدين - أيضاً - وجاء بعض المفكرين كديكارت حيث جاء ليرفع قيمة العقل، ويقوض سلطان الكنيسة، ويطالب بتحكيم المنطق،ويرفض زيف المزيفين. ثم جاء (بسكال) ورفض أصول المذهب الديكارتي الذي عني فيه بالعلم، ولم يهتم بمصير الإنسان وحياته وموته إلا قليلاً. ويمكن الجزم بأن (بسكال) هو الذي رسم طريق الوجودية الحديثة، وخطط معالمها، ووضع الخطوط العريضة لهياكل نماذجها. ثم جاء (سورين كيركجورد) الذي يعده رجال الفكر في الغرب الأب الرسمي لمدرسة الوجودية. وقد كان متأثراً بالمبادئ النصرانية وعلى الأخص البروتستانتية، ولكنه مع هذا ظل مجهولاً نحو مائة سنة؛ إذ لم تُتَرْجَمْ آراؤه إلى الألمانية إلا في أوائل القرن العشرين، ولم يعرف في فرنسا إلا في عصر الاضطراب الذي حدث في الحربين العالميتين، ومن ثم تضافرت آراؤه مع كوارث الحرب، وآثارها في النفوس على ترعرع الوجودية وتفتيحها، خصوصاً في ألمانيا وفرنسا. وفي روسيا ظهر (بيرديائيف) و (شيستوف) و (سولوفييف) حيث ارتموا في أحضان الوجودية لأسباب منها: تَحَكُّمُ البابويةِ، وفَرْضُ الآراءِ التي لاتتفق مع العقل، إلى غير ذلك. ثم جاء بعد ذلك (جان بول سارتر) الذي يعد زعيم الوجودية في العصر الحديث، وهو أكثر الوجوديين شهرة ودعاية، فهو القدوة للمخدوعين بهذا الاتجاه. ولو استعرضنا حياة بعض رجال الوجودية لوجدنا أن العامل الأساسي لاندفاعهم في هذا الطريق هو تحكم رجال الكنيسة وطغيانهم كما ورد في (رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 324)

    ثالثا- أقسام الوجودية:

    قبل أن ندخل في تفاصيل الوجودية نتطرق أولا لما يذكره بعض العلماء حول قضية الوجود والعدم التي هي من الوضوح بحيث لا تخفى على أحد إلا أن عبث الفلاسفة وخيالاتهم التي تسرح هنا وهناك لم تقف بهم عند حد في إيراد الشبهات وهؤلاء يبحثون في الواضح حتى يجعلونه غامضا بما يخترعونه من أفكار متضاربة واستنتاجات بعيدة وافتراضات خيالية، وحينما كان الناس على فطرتهم السليمة ما كانوا بحاجة إلى من يشرح لهم قضية الوجود والعدم لأنهم كانوا يحكمون على الموجود بأنه موجود وعلى المعدوم بأنه معدوم وأن الموجود هو مقابل المعدوم والمعدوم يقابله ضده الموجود. في بداهة لا تعرف التعقيد. كما أن كلمة "الوجود" لم يذكرها الله تعالى في القرآن الكريم ولا ذكر كذلك فكرة العدم بالمعنى الذي ذهب إليه الفلاسفة. وبتتبع الموجودات فإنك ستجد أن أول ما يظهر لك أنها تنقسم إلى قسمين:
    1 - موجودات مشاهدة ومحسوسة.
    2 - موجودات غير مشاهدة وإنما هي في الأذهان تسمى الموجودات العقلية أو المنطقية. وسارتر يرى أن العدم لا معنى له إلا من جهة ما هو نفي شيء أو فقدان شيء فلا وجود للعدم بذاته وإنما يعود إلى تصور الإنسان له والقصد هو إنكار الحياة الأخروية والإسلام يقرر أن فكرة العدم المحض بالنسبة للإنسان غير صحيحة بل إنه سيحيى حياة أخرى بعد نهاية حياته الدنيوية ويؤكد الله هذا في كثير من آيات القرآن الكريم ويؤكده نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من نص في السنة النبوية


    رابعا- أسماء الوجودية وأوصافها الأخرى:

    للوجودية أسماء كثيرة، وأشهرها هو:
    1 - الوجودية.
    2 - بفلسفة العدم.
    3 - وفلسفة التفرد.
    4 - والفلسفة الانحلالية.
    وأما أوصافها فقد وصفت بأنها:
    1 - مرض العصر
    2 - ومرض الإنسان في منتصف القرن العشرين.
    يرى رجال الفكر الغربي أن -سورين كيركجورد- 1813 - 1855م- هو مؤسس المدرسة الوجودية. ومن مؤلفاته: رهبة واضطراب.

    خامساً-جان بول سارتر:

    يعد سارتر من أكثر الوجوديين شهرة وهو زعيم هذه المدرسة ، وهو يهودي فرنسي، فيلسوف وأديب، من فلاسفة القرن العشرين، ولد سنة 1905م بباريس. ولما نشأ بدأ دراسته في مدينة (لاردشيل) ثم أتمها في باريس، وقد أخذ شهادة في الفلسفة في سنة 1929، ثم عين أستاذاً للفلسفة في مدينة (لان) في (ليهافر). وقد اجتذبته الفلسفة الألمانية، فسافر إلى (برلين)، ومكث فيها سنة على نفقة المعهد الفرنسي. وقام سنة 1938م -بنشر مؤلفه الأول، أو روايته الأولى (الغثيان) التى تشتمل على كثير من معالم النظريات الوجودية، التي أعلنها فيما بعد واضحة صريحة. وفي سنة- 1939- نشر مجموعة قصص عنوانها (الحائط). وعندما اشتعل لهيب الحرب العالمية الثانية جُنِّد في التعبئة العامة، ثم أسر في سنة 1940م من قبل الألمان، وبعد أن أطلق سراحه اشترك في حركة المقاومة، وأنشأ سنة –1950 م- مجلة (العصور الحديثة) التي تتضمن أبحاثاً وجودية في الأدب والسياسة. وقد أطلق كلمة (وجودية) على فلسفته فقط دون فلسفات الوجودية. هذا وقد كتب عدداً من المؤلفات مثل:
    1 - الغثيان 1938م.
    2 - المتخيل 1942م.
    3 - مسرحية الذباب 1943م.
    4 - مسرحية الباب المغلق 1943م.
    5 - الكينونة والعدم 1943م.
    6 - مسرحية الأيدي القذرة 1948م.
    وقد لقيت مؤلفاته رواجاً جعله الممثل الأول للوجودية، وقد ترجمت إلى لغات عديدة. أما حياته الشخصية فإنها تحمل طابعاً شاذاً. وقد نشرت الصحف أنه اشترك في مظاهرات يهودية صهيونية في فرنسا، وحملات تبرع لإسرائيل في الستينيات كان شعارها: ادفع فرنكاً فرنسياً تقتل عربياً (أي مسلماً).وحين حضره الموت 1979م سأله من كان عنده: ترى إلى أين قادك مذهبك؟ فأجاب في أسىً عميق ملؤه الندم: إلى هزيمة كاملة.
    ومن رجالات الوجودية : القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية. وكارل جاسبرز: وهو فيلسوف ألماني. وبسكال بليز: وهو مفكر وفيلسوف فرنسي. وفي روسيا: ظهر بيرد يائيف، وشيسوف، وسولوفييف..

    سادسا- أهداف الوجودية:

    الوجودية دعوة قديمة، تظهر في صور براقة، ويستعمل في الدعاية لها كافة الوسائل ، وحيث وجَدْتَ فكراً يهدف إلى هدم الدين، أو الأخلاق، أو النظم الاجتماعية أو السياسية الصالحة - فابحث عن الأصابع اليهودية تجدْها وراءه. وسارتر واحد من قافلة اليهود، الذين حملوا على عواتقهم رسالة تضليل الناس، وإغوائهم على منهج إبليس؛ لتحقيق أهداف اليهود العالمية، التي رسمتها بروتوكولات أحبارهم الذين مردوا على كل إثم وشر وتضليل. وأهداف سارتر لا تخرج عن أهداف فرويد ، ودوركايم وبرجسون . ومن الأهداف التي قامت لأجلها الوجودية ما يلي:
    1 - تحطيم القيم والأخلاق، والخروج على المبادئ والتمرد على المسلمات والثوابت.
    2 - إشاعة الرذيلة والإباحية بين الشباب والشابات.
    3 - رد الناس عن أديانهم أوتشكيكهم في عقائدهم.
    4 - السخرية من دعوة الرسل.

    سابعا- الأسباب التي دعت إلى ظهور الوجودية:

    هناك أسباب كثيرة أدت إلى قيام الوجودية، وتلك الأسباب في الأغلب هي التي أدت إلى قيام كثير من الحركات والمذاهب الفكرية. وفيما يلى إجمال لتلك الأسباب التي أدت إلى قيام الوجودية:
    1 - أنها ردة فعل للماركسية: التي ترى أن الإنسان ليس إلا قطعة في الآلة الكبيرة التي هي المجتمع؛ فليس للفرد عندها أي قيمة.
    2 - الطغيان الكنسي: وتحكم البابوات في شؤون الناس، وفرض الآراء التي لا تتفق مع العقل والفطرة، وادعاؤهم أن تلك الآراء هي الدين.
    3 - حدوث الحروب المدمرة: وخصوصاً الحرب العالمية الثانية، التي ذاقت البشرية ويلاتها، حيث دَمَّرت المدن، ومَزَّقت الأسر، وألقت بالآلاف في لهيب الدمار، والموت.
    4 - الخواء الروحي: الموجود في كثير من بلدان العالم، مما يجعل الناس يقبلون أي نحلة، فهم كلما خرجوا من نفق مظلم دخلوا في نفق أشدَّ حلوكةً وظلمة منه.
    5 - غياب المنهج الصحيح: الذي يُعنى بجميع جوانب الحياة سواء كانت اجتماعية أو فردية أو غير ذلك، وهو الإسلام الذي أَفَلَتْ شمسه في أوربا، مما جعل الناس يتخبطون، ويبحثون عن الحل، فلا يجدونه.
    6 - تقصير أمة الإسلام في أداء رسالتها: فهي الأمة القوامة، وهي الأمة الشاهدة على الناس، فلمَّا قصرت في أداء واجبها تجاه البشرية تاهت البشرية في دياجير الظلمة.
    7 - المكر اليهودي: الحاقد على البشرية، والذي كان له دور في قيام الوجودية؛ فاليهود إما أن يتبنوا كل مذهب خبيث، أو يعملوا على إنشائه.
    ومن هذه المذاهبِ الوجوديةُ حيث دعمتها الصهيونية دعماً كاملاً، والدليل على ذلك أن الصفحات التى كتبها (كيركجورد) ظلت مغمورة لمدة مائة سنة حتى أخرجتها الصهيونية التلمودية، وأذاعتها، وترجمتها.

    ثامنا- أسباب انتشار الوجودية:

    ولسائل أن يسأل بإلحاح فيقول إذا كانت آراء الوجودية بهذه الضحالة والسخافة فكيف انتشرت وكيف تقبلها الناس؟ والجواب: إنه بالتأكيد أن آراء الوجودية في غاية السخافة والبطلان ولكن لا يغيب عن ذهن السائل أن لكل صائح صدى أو كما قال الإمام الشافعي:
    لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق.
    وبداهة يعلم أن الذين تقبلوها ونشروها إنما يريدون من ورائها ما أراد مؤسسوها الأوائل من إشاعة الإلحاد وهدم الأخلاق والأديان { أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات:53]. وأول ما يدل على بطلانها وسخافتها موقف دعاتها من وجود رب العالمين الذي يدل على وجوده جميع ذرات هذا الكون سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا لكنه خفي في أذهانهم حين استبعدهم إبليس وجنوده وقد حدثت أمور خطيرة استفاد منها الوجوديون في ترويج أفكارهم وذلك أن بشاعة الحروب العالمية وغيرها وأخطارها وما كانوا ينتظرونه من ظهور الفتن المتتابعة وتسلط الكنيسة وطغيانها وكذا ما تدعو إليه الوجودية من الانطلاق واهتبال الشهوات وتهوين أمر الفواحش وأنها المنقذ الوحيد من الشقاء فتلقفها الشباب والشابات والمراهقون والمراهقات على أنها حقيقة يجب أن تطبق فانتشرت الفوضى الجنسية والإباحية التي لا حدود لها ضاربين بكل القيم والمثل الدينية والاجتماعية عرض الحائط. كما أن اليأس الذي كان يعيشه الأوربيون والبطالة الشديدة والاستغلال الجشع من قبل أصحاب الأموال مع جهل مطبق بالدين الحق كل هذه كانت روافد لتقبل المحرومين والمترفين على حد سواء للأفكار الوجودية.

    تاسعا- الأفكار والمعتقدات:

    يكفر الكثير من أتباع الوجودية بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة. ويعاني الوجوديون من إحساس أليم بالضيق والقلق واليأس والشعور بالسقوط والإحباط لأن الوجودية لا تمنح شيئاً ثابتاً يساعد على التماسك والإيمان وتعتبر الإنسان قد أُلقي به في هذا العالم وسط مخاطر تؤدي به إلى الفناء. ويؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة. ويعتقدون بأن الإنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإنسان سابق لماهيته. ويعتقدون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان. ويقولون: إنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره. ويقولون بحرية الإنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء. ويقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية. ويقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أمَّا الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة. وهم لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين. وقد أدى فكرهم هذا إلى شيوع الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية والتحلل والفساد. رغم كل ما أعطوه للإنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة. والوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود. وللوجودية الآن مدرستان: واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد. وتمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإنسانية. وتمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثُّه من هدم للقيم والعقائد والأديان.

    عاشراً-الجذور الفكرية والعقائدية:

    إن الوجودية جاءت كردِّ فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين. تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة. وتأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك". وكذلك تأثر الوجوديون بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس. كما تأثروا بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية.

    حادي عشر- الانتشار ومواقع النفوذ:

    ظهرت الوجودية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما. وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع. وترى حرية الإنسان في عمل أي شيء متحللاً من كل الضوابط . وهذا المذهب يعد اتجاهاً إلحاديًّا يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية. وقد انتشرت أفكار الوجوديين المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.

    ثاني عشر- الوجودية في بلاد الإسلام :

    عندما نسي المسلمون حظاً مما ذكروا به، وقصروا في تبليغ دينهم، وزهد كثير منهم في الأخذ به ودعوة الناس إليه - أصبحوا عُرْضَةً لكل عدو، وغرضاً لكل دخيل، فهوجموا في عقائدهم ، وأخلاقهم ، حتى ضعف قدر الإسلام في قلوب كثير من أبنائه، مما جعل كثيراً من الببغاوات والمنهزمين يأخذون بهذه الفكرة الخبيثة، وذلك ناتج عن الولع بالغرب، والتقليد الأعمى، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، حتى إن المذاهب في الغرب تموت ولها في الشرق دعاة يهتفون لها؛ فقد تخلى سارتر عن وجوديته، ولازال بعض أولئك بوجوديته متعلقاً.


    ثالث عشر- بطلان الوجودية:

    بيان بطلان الوجودية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها. يقول الأستاذ عبدالرحمن الميداني: لا تحتاج آراء سارتر، وكذلك كل آراء الوجودية الملحدة إلى جهد كبير لتفنيدها، وكشف زيوفها؛ فهي أقل من أن توضع بين الفلسفات التى تستحق المناقشة، والاعتراض، والنقد. ولولا أنها كتبت بأيدي رجال متخصصين في دراسة الفلسفة، ثم قامت منظمات ذات مخططات سياسية عالمية هدامة بترويجها في أسواق الفارغين من العقول لنشر الإلحاد بالله، وتدمير الأخلاق، وسائر القيم الصحيحة عن طريقها - لما كان لها شأن يذكر، ولما رفعها أحد من مجمع قمامات الآراء لينظر إليها، ويفحص ماهيتها، ولما شُغل بقراءة كتبها مشغولون حريصون على أوقاتهم أن تضيع سدى في قراءة كلام هراء متهافت سخيف لا قيمة له لدى أهل الفكر والنظر. وفيما يلي ذكر لبعض الأمور التي يتبين من خلالها بطلان الوجودية وزيفها:
    1 - بطلان قولها بإنكار الخالق: فالوجودية أنكرت وجود الخالق - عز وجل - وهذا الأمر منقوض بالشرع، والعقل، والفطرة، والحس. فهذه كلها تدل على وجود الله - عز وجل -. أما دلالة الشرع على وجود الله فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، فما جاءت به من العقائد الصحيحة، والأخلاق القويمة، والأحكام العادلة - دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح عباده. وأما دلالة العقل فلأن المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق؛ إذ لا يمكن أن تُوجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه، ولأن كل حادث لا بد له من مُحدِث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة. إذا تقرر ذلك تَعَيَّن أن يكون لها مُوجد وهو الله رب العالمين، وبطل القول بإنكاره - عز وجل -. وأما دلالة الفطرة على وجود الله فلأن كل مولود قد فُطر وجُبل على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكيرٍ أو تعليم. ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها . قال النبي ": ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه . أما دلالة الحس على وجود الله فلأن كل ما في الكون شاهد ودليل على وجود الله - عز وجل -. فكيف يأتي جاهل سفيه موتور كفور فينكر وجود الله - عز وجل - بجرة قلم؟! ومن أدلة الحس إجابة الدعوات، ومعجزات الأنبياء، ودلالة الأنفس، والآفاق ونحو ذلك.
    2 - بطلان دعواهم إلى الحرية المطلقة: فلقد دعا الوجوديون إلى الحرية المطلقة زعماً منهم بأن هذا هو الطريق الوحيد لأن يثبت الإنسان وجوده. ويقال لهؤلاء: ما مفهوم الحرية عندكم؟ أهي على حساب حريات الآخرين؟ أم على حساب القيم والمبادئ؟ وهل الإنسان إذا أطلق العنان لنفسه وشهواته يكون حراً فيثبُت وجوده من خلال ذلك؟ الجواب أن هذا فهم خاطىء للحرية؛ فهي لا تكون بإطلاق الشهوات، ولا تكون على حساب الآخرين، فإذا لم تضبط بالشرع أصبحت البشرية كقطيع من البهائم السائبة، لا يردعها دين، ولا يزُمُّها حياء، ولا يحكمها عقل. وإذا كانت الغاية من الوجودية هي أن تحقق للإنسان وجوده فإن ذلك مقرر في الإسلام في إطاره الطبيعي، وضوابطه الأصلية، التي تحمي وجوده وكيانه، وليس للإنسان أن يطلق العنان لتحقيق شهواته فيدمر نفسه ويدمر الآخرين . ثم إن الإنسان - أي إنسان - عبد، لا ينفك عن هذه العبودية طرفة عين. فإذا رضي بعبودية الله - تحرر مما سواه، وإلا تناوشته سائر العبوديات، فصار عبداً للشهوة، أو عبداً للشهرة، أو عبداً للمال أو المنصب، أو عبداً للطواغيت، ونحو ذلك. ثم إن الحرية المطلقة سبب للشقاء، والدمار، والتفكك، والانهيار. ولا أدل على ذلك من حال الدول التي يشيع فيها هذا النوع من الحرية؛ فهي تعاني الأمرَّين من السرقة، والشذوذ، والأمراض الجنسية، والانتحار، وما جرى مجرى ذلك مما يطول ذكْرُه.
    3 - قيامها على التناقض والجهل، ومخالفتها للثوابت: فمما يكشف زيف الوجودية أنها قامت على التناقض، والجهل، ومخالفة العلم والعقل، والحقائق الثابتة. فلقد قدم سارتر وسائر الوجوديين آراءهم على أنها أحكام تقريرية، دون أن تُؤيد بدليل علمي، أو حسي، أو واقعي. فما قيمة آراء وأفكار من هذا القبيل؟! إن أي صاحب خيال يستطيع أن يقول أيَّةَ فكرةٍ تخطر في وهمه، فيزينها بصبغة كلامية، ويزوقها بزخرف من القول، ثم يطرحها في ميادين الفكر، ويجعلها مذهباً فكرياً. ولكن عند النظر فيها لا يثبت لها قدم، ولا يستوي لها ساق. وكما قدم الوجوديون أحكاماً تقريرية دون أي دليل - أنكروا حقائق يشعر بها الناس جميعاً بدون أي دليل .ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع الوجودية إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار
    4 - شذوذ روادها وانحرافهم: فلقد قامت الوجودية على أيدي دعاة كانوا جميعاً من الشذاذ، وكانت حياتهم مليئة بالاضطرابات والقلق.
    وهذا مما يدل على بطلانها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. ثم إن كتابات أربابها كانت متسمة بالانحراف والسقوط؛ فهم يُعَنْوِنُونها دائماً بعنوانات ساقطة، ينفر منها الذوق السليم، وتأباها الفطرة القويمة. ومن مقالاتهم في ذلك: القلق، الحائط، الذباب، الغثيان، التمزق، اللامعقولية ، ولا غرو في ذلك؛ فكل إناء بما فيه ينضح.
    5 - آثارها ونتائجها المدمرة: وهذا يدل بجلاء على فساد تلك الفكرة وزيفها؛ ذلك أنها قامت - فيما تزعم - من أجل إسعاد الفرد، ورد اعتباره. فما النتيجة التي حصلت بالدعوة إليها؟ وماذا حدث من جراء اعتناقها؟ النتيجة كما قيل: تلك آثارنا تدل علينا. فلقد انتشر التشاؤم والقلق، والحيوانية، والضياع، والخوف الرهيب، والانتحار والتمرد، والأنانية المفرطة. أضف إلى ذلك ضياع المشاعر الإنسانية، كالمحبة، والرحمة، والإيثار، ونحو ذلك كلها ضاعت في مستنقع الوجودية الآسن. يقول (بوخينسكي) أستاذ الفلسفة بجامعة (فريبورج) بسويسرا بعد عرضه آراء سارتر في الوجودية: وليس في وسعنا هنا سوى الاقتصار على ذكر النتائج الأخلاقية التي ترتبت على هذه الفلسفة، والتي تمثلت في نكران كل القيم، وكل القوانين الموضوعة، وهي ادعاء عدمية واستحالة وعدم جدوى الحياة الإنسانية. بل إن الوجودية قد أفرغت حتى ظاهرة الموت نفسها من معناها على يد سارتر. ومن نتائج الوجودية - أيضاً - دعوتها إلى التشكيك في جدوى قيام كل ما يتسم بروح الجد وطابعه، فهي فلسفة انحلالية عدمية تماماً .
    6 - وبالجملة: فليست الوجودية كما حددها سارتر سوى صورة من صور الضياع؛ فهي ليست إلا ثورة سلبية يائسة، لم تستطع أن تشخص الداء فضلاً عن تقديم الدواء. وكل ما تستطيع أن تقول بصدق: إن ما قدمته الوجودية للإنسانية هو عرض بعض جوانب المأساة البشرية، تلك المأساة التي تعبر عنها جملة واحدة هي: (البحث عن الإله). فهي ترفض الإيمان بالله كما يبينه الدين، ولكنها لا تجد البديل. والإنسان الذي تحاول تأليهه محصورٌ مقهور أمام القدر الكوني، وأمام وضعه التاريخي المحدد. وحول إيجاد مخرج من هذا التناقض تأتي الفلسفات الوجودية بشعارات شتى كالحرية عند سارتر، والعبث عند –البيركامو-، وهكذا ضلوا وأضلوا، وشقُوا وأشقوا. وصدق الله إذ يقول: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه:123 - 126] وقد تبرأ عبد الرحمن بدوي من الوجودية: في حوار معه قبل وفاته بشهر أجرته ( مجلة الحرس الوطني عدد 244 تاريخ 1/ 10/2002) ومن كتاباته السابقة عن (الوجودية) و (الزمن الوجودي) وعن كونه رائد الوجودية في الوطن العربي؟!! واعتبر أن كل عقل ناضج يفكر لا يثبت على حقيقة واحدة. ولكنه يتساءل ويستفسر ويطرح أسئلته في كل وقت، ويجدد نشاطه باستمرار ولهذا فأنه في الفترة الأخيرة من حياته يعيش مرحلة القرب من الله تعالى، والتخلي عن كل ما كتب من قبل، من آراء تتصادم مع العقيدة والشريعة، ومع الأدب الملتزم بالحق والخير والجمال. إن فكرة الوجودية في جميع مراحلها وتطوراتها وفروعها لا تتفق مع الإسلام؛ لأن الإسلام إيمان يعتمد النقل الصحيح، والعقل السليم معاً في وقت واحد. فلذا لا يجوز للمسلم بحال من الأحوال أن ينتمي إلى هذا المذهب متوهماً أنه لا يتنافى مع الإسلام، كما أنه لا يجوز بطريق الأولوية أن يدعو إليه أو ينشر أفكاره الضالة. أن الوجودية اتجاه إلحادي يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية من الأديان وقيمها الأخلاقية. وتختلف نظرة الإسلام تماماً عن نظرية الوجودية حيث يقرر الإسلام أن هناك وجوداً زمنياً بمعنى عالم الشهادة ووجوداً أبديًّا بمعنى عالم الغيب. والموت في نظر الإسلام هو النهاية الطبيعية للوجود الزمني ثم يكون البعث والحساب والجزاء والعقاب. أما الفلسفة الوجودية فلا تسلم بوجود الروح ولا القوى الغيبية وتقوم على أساس القول بالعدمية والتعطيل فالعالم في نظرهم وجد بغير داع ويمضي لغير غاية والحياة كلها سخف يورث الضجر والقلق ولذا يتخلص بعضهم منها بالانتحار. إنَّ الوجودية مدرسة تمثل ظاهرة فكرية فلسفية انبعثت في أواخر القرن التاسع عشر .. وهي تمثل مرحلة الانحسار البورجوازي في أوربا ، وهذه الفلسفة كانت من بين عدة فلسفات منها الوضعية و الذرائعية "البراغماتية "والماركسية و............. .وهذه الفلسفة ليست حصيلة لانحسار البورجوازية المتراجع فحسب وقد شككت هذه الفلسفة بكل ما هو تراث سالف للإنسانية لاسيما التراث الروحي من تلك الحضارة الإنسانية. وقد ناقضت الفلسفة الوجودية كل الفلسفات السلفية التي كانت تضع المثالية أمام أعينها وقد وضعت مبدأ انطلقت منه في تفسير الظواهر وهو "أنا موجود فأنا أفكر " تدّعي هذه الفلسفة أنها قامت لتنشل الإنسان من ضلالات الماضي ولتجعله يشكك بالإله... ليكون سيد نفسه في هذا الوجود و(هذا من حماقات الإنسان على مر العصور). إن الحرية المزعومة التي تطلقها الوجودية للإنسان إنما هي حريته الآن وفي هذا الواقع دون الخضوع إلى توارث هذه الحرية . والوجودية عندما تطرح الحرية تردّ فيها بنتيجة خطيرة للإنسان وهي مسؤوليته تجاه أعماله 00 فإذا كنت حرا فأنت مسؤول بالضرورة 0



    ب-سمات الوجودية ومبادؤها الأدبية :

    هذا الطرح الفلسفي والفكري للوجودية أثر على الأدب والفن وجعل الأديب والفنان أمام ثالوث مفروض وهو "الحرية والمسؤولية والالتزام " 0 ونتيجة لذلك فقد جعلت الوجودية التعبير عن القضايا الاجتماعية والأخلاقية في الدرجة الأولى 00 ويأتي في المرتبة الثانية من الناحية الجمالية والفنية من هنا كان للأدب في نظر الوجوديين بعدان : بعد إنساني هدفي وهو الخلفية الفكرية لدلالات الأدب والفن 000وبعد جمالي مرتبط بالظاهرة الفنية والأسلوب وتقنية الأداء0والأديب أي أديب من وجهة نظر الوجودية هو إنسان ذو موقف فكري من الوجود أي ذو معاناة 000 وهو فنان في قدرته التعبيرية عن ذلك الموقف أي ذو طاقة خلاقة على سكب معاناته الإنسانية في أشكال فنية من جمالية الأداء والتعبير0 ومن هنا فالأديب أديب مسؤول في عمله الإبداعي عن هوية معاناته وعن بعدها الإنساني والمجتمعي والكوني 000 كما هو مسؤول تماما وبالقدر نفسه عن جماليّة أسلوبه وتعبيره 000وعلى هذا: فإن الوجودية ترفض الاتجاه الأدبي الذي لم تتخط المعاناة فيه حدود الاهتمامات الفردية الضيقة ؛ لأنها ترى أن الأدب يتصف برؤيا شمولية للإنسان والعالم وذلك من أجل تفسير الموجود وإعادة تشكيله.
    وينظر الوجوديون إلى الأدب على أنه حرية ومسؤولية ؟؟ 00إن الوجودية تخلف القلق والهجران واليأس في نفس الوجودي ما دام هذا الوجودي غير مرتبط أو مستند إلى قيم أخلاقية واجتماعية وروحية. فالتخلص من القيم المتوارثة تجعل الإنسان الوجودي يعيش في غربة كونية من الهجران والشعور بالوحدة واليأس. إن الكاتب مطالب أن يعبر عن رأيه في مشكلات الإنسانية وأن يدخل معركة الحرية لأنه خلق لينخرط في مشكلات عصره ، فإذا أحجم عن هذا كان يتخلى عن الرسالة التي خلق لها ورسالة الفنان أن يرى وأن يعرف ، والوجودية كما قلنا ( هدّامة ) أكثر من كونها فلسفة حقيقية تقوم على مرتكزات علمية أو برهانية عقلية لكونها وجدت لقطع صلة الإنسان بتراثه والمقصود بهذه العملية ( الدين ) وفصل المجتمع عن أفكاره الدينية . وهذه الفكرة على الرغم من تلبسها بشعار براق ( الحرية – المسؤولية – الالتزام ) إلا أنها تبحث عن حرف الأديب عن مجتمعه وقضاياه إلى العيش في ( الغربة والقلق والاغتراب واليأس والحزن ) رافضا القيم الروحية والأخلاقية المستمدة من الدين والفطرة والحاجة ،

    ج-الوجودية في الوطن العربي :

    عاش مجموعة من أدبائنا العرب في مستنقع الوجودية منذ الخمسينيات وحتى الستينيات متأثرين ببعض أدباء فرنسا. وأديبنا مطالب في كل وقت وزمن يمرّ على أمته أن يقف إلى جانب قضاياها الملحة والتي تزداد يوما بعد يوم ، وأن ينغمس في هذه القضايا ويدافع عنها ويبحث عن الحلول ؛ ومهمة الأدب الحقيقي العمل على تغيير الواقع وتطوير المجتمع ومهمة الأديب الدعوة إلى حرية لا تنفصل عن القيم الروحية والاجتماعية للمجتمع والمسؤولية تخرج الأديب من يأسه وقنوطه وتلزمه بمجتمعه ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ذلك أن الإنسان مخلوقٌ ليؤديَ دورا إنسانيا في مجتمعه .

    السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
    أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
    ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
    ج-نشر في العديد من الصحف العربية
    د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
    ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
    و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
    ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
    ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
    ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
    ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
    ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
    1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
    2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
    3- عضو تجمع القصة السورية
    4- عضو النادي الأدبي بتبوك
    مؤلفاته :
    أ*- الشعر :
    1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
    2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
    3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
    4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
    5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
    6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
    ب*- القصة القصيرة :
    شجرة التوت /1995
    ج – المسرح :
    1- محاكمة طيار /1996
    2- درس في اللغة العربية /1997
    3- عودة المتنبي / مخطوط
    4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
    د – النقد الأدبي :
    1- محاور الدراسة الأدبية 1993
    2- النقد و الأدب /1994
    3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
    4- أسلمة النقد الأدب
    هـ - الدراسات الدينية :
    1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
    2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
    3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
    4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
    5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
    و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
    1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
    2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
    3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
    4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
    5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
    6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
    7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
    8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
    9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
    10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
    11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)

  2. #2

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    ""حسين علي الهنداوي":
    الأديب يمزج بين حروف الواقع والخيال
    المجتمع والأدب وجهان لعملة واحدة
    هيثم العلي
    الاثنين 04 كانون الثاني 2010
    الأدب وحده قادر على استنزاف روح الإبداع لدى الإنسان الذي هو محور الرؤيا الفنية للأدب، ولا يمكن للأديب أن يؤدي رسالته إلا إذا كان النقد بوصلته المضيئة، والأجناس الأدبية بمختلف أنواعها تشرع أفقاً إنسانياً ينقل الواقع إلى لحظة سحرية تنطلق بحثاً عن إكسير الأدب، والكلمات التي يخطها الأدباء هي فضاءات تتألق وترسم دائرة من الحب والوهم، وتترك في نفس الشاعر وزمات من الشوق تبحث عن البعد الحقيقي لمعنى الحياة والحب بمختلف أنواعه.
    موقع eDaraa في 1/1/2010 التقى مع الأديب "حسين علي الهنداوي" في حوار يحمل في طياته بعداً إنسانياً يربط بين المجتمع والوعي والتجربة الأدبية الغنية فرد على أسئلتنا بالقول:

    *ما هو مكان الخيال الذي يفرضه الأدب في عملية التعلم؟

    ** لا شك أن الخيال الإنساني هو المحفز الوحيد في بناء أدب يحمل في عبير أنسامه روح الحياة وعقيدة الإنسان ومنطلقاته الحياتية، فرسالة الإنسان في مفردات الكون جعلت من الأدب طائراً بجناحين من خيال يمران على واقع مر تفرزه معطيات إنسانية، ولكن الأدب يدفعه إلى التمترس في بناء منظومة الحياة التعليمية عند الإنسان، وهو نبع ثر لانطلاق القيم على أجنحة الخيال من أجل بناء منظومة تعليمية تسمو بالإنسان إلى فعل الخير مع الناس جميعاً، لأن العرف الذي يعد فطرة نقية لا يمكن أن يغادر علاقة الإنسان بخالقه.

    *ما العلاقة بين المجتمع والأدب برأيك؟

    **إذا تحول الأدب إلى جثة تشرح على منصة القصابين فإن هذا الأدب لن يفلح في صنع مجتمع يتطور بتقنيات الحياة. المجتمع والأدب وجهان لعملة واحدة لا يمكن لأي أديب مهما علت مكانته أن يتجاوز تأثير المجتمع على الأدب وتأثير الأدب على المجتمع، ذلك أن علاقة كليهما بالآخر علاقة ديالكتيكية، وأنا
    لا أتصور أن أدباً يكتب من أجل أن تتخاطره النجوم أو السماء والأرض، فالأدب هو المجتمع ولا مجتمع بدون أدب، والشواهد على ذلك كثيرة فعنوان الحياة الجاهلية الاجتماعية هو الأدب، ولولا الشعر الجاهلي ما عرفنا عادات وتقاليد المجتمع الجاهلي.

    *متى يندمج الوعي بالمهارة الأدبية؟

    **لا يمكن للوعي الذي هو بالأصل ومضات يكتنزها العقل الباطن ثم يصهرها في بوتقة العقل والروح والنفس أن يندمج مع المهارة الأدبية التي هي بالأصل استجابة لموهبة فطرية حتى يعيش الأديب الواعي لواقع والتجربة الإنسانية في تلافيف العقل الباطن، فالإنسان بشكل عام والأديب بشكل خاص الذي يعد أنموذجاً لثنائية التغيير و التحويل، هو أبن عقله الباطن فإذا ما تلاقحت الموهبة الفعالة المتمترسة بالصنعة اللغوية مع الوعي المنتج لواقع فعال، كان النص الأدبي الذي يتميز بانتمائه وقيمه التعبيرية والتصويرية.

    *ما الطريقة التي تنتقل بها من عالم الخيال إلى عالم الحدث؟

    ** الحقيقة أن النقلة الموضوعية التي يقفز بها الأديب إلى نصه الذي يستحق أن يسمى نصاً هو انتقال من عالم الحدث إلى عالم الخيال، أليست صورة الاستجابة النفسية للرؤى الشعرية هي خيال يبحث عن واقع يتحدث عنه، أن تكون أديباً، أن تحول عوالم الأحداث إلى خيال
    يتماهى مع الواقع ويعيد صياغة الحدث بشكل بهلواني

    *هل الأدب ينشأ من الإنموذج الممكن للتجربة؟

    **لا أعتقد أن الأدب تصدره التجارب الواقعية وحدها فكثير من الأدباء يمزج بألوانه بين حروف الواقع وحروف الخيال، ونحن جميعاً نعرف أن الأدباء، ومنهم الشعراء "في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون"، إنهم أبناء الخيال وربما يكون الخيال المريض هو الباعث على النصوص المتميزة، "فالدونكوشوتية" هي نتاج خيال مريض ولكنه عكس واقعاً أيضاً مريضاً وإلا ما كان لبطل متميز يرى قطيعاً من الأغنام فيعتبرهم أعداءه المفضلين.

    * ما الشيء المشترك بين العقل الإبداعي والعقل الذي هو كتلة من الخلايا العصبية؟

    **واهمون هم الأدباء والشعراء والنقاد وعلماء النفس إذا كان اعتقادهم أن العقل الإبداعي هو إفراز من عمل الخلايا العصبية، ذلك أن العقل الإبداعي وخاصة الأدبي منه إنما هو صعقة من تلاقح الروح مع النفس، ولا يمكن لأي إبداع أدبي أن يكون إفرازاً لحركة الأعصاب أو الخلايا العصبية، ما يصنع النص الأدبي هو أعصاب الكون بمفرداته المتآلفة والمتنافرة وحركة هذا الكون لا تكون إلا من خلال جوقة المحبة أو التنافر التي تصنعها عناصر هذا الكون، وتتحول إلى طائر من الخيال يحط على قناة الروح والنفس.

    *ما رأيك كناقد أدبي للمسابقات الشعرية الحالية؟

    ** أنا أتوجه لكل الضمائر المخلصة التي تحاول أن تلعب على سرك الشعر وتجعل من هذا الفن المدلل بهلواناً ساخراً، كفاكم لعباً بالأدب الذي كان وما زال بعد القرآن الكريم والحديث الشريف الحصن المدافع عن الأمة، نحن بحاجة إلى أدباء يضحون من أجل أمتهم لا أدباء يتربعون على جثة أمتهم في زمن صعب أصبحت الأمة فيه بفعل تواطؤ المتواطئين كومة من رماد.

    ( نشرتُ هذا اللقاء معك في منتديات بصرى الشام على الشبكة في العام 2010)

المواضيع المتشابهه

  1. الأدب والرؤيا الصوفية-المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2016, 05:22 PM
  2. الأدب والرؤيا القومية - المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2016, 01:38 PM
  3. الأدب والرؤيا الرمزية - المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2016, 01:33 PM
  4. الأدب والرؤيا الإسلامية- المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2016, 01:29 PM
  5. الأدب والرؤيا الحداثية - المستشار الأدبي : حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2016, 01:26 PM